حقيقة الاحتفال بعيد الأمّ

[font="]الجمعة 04 رجــب 1433 [/font][font="]الأولى: حقيقة الاحتفال بعيد الأمّ[/font]
[font="] 25 مــاي 2012 [/font]
[font="]الحمد لله، أصبحت له الوجوه ذليلة عَانِيَة، و حذرته النُّفُوس مُجِدَّة و متوانية، ذمّ الدّنيا إذا هي حقيرة فانية، و شوَّقَ لجنّةٍ قطوفها دانية، و خوَّفَ صَرْعى الهوى أن يُسْقُوا من عينٍ آنية.. أحمده على تقويم شَانِيه، و أستعينه و أستعيذه من شرّ كلّ شانٍ و شانيه و أُحصِّنُ بتحقيق التوحيد إيمانيه.. و أشكره وهو العليم العالم بالسرّ و العلانيه، فالسرّ عنده علانية.. [/font]
[font="]و أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده و رسوله الشّافع المشفّع يوم النّشور، صلّى الله و سلّم و بارك عليه و على آله و أصحابه و التّابعين و من تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب الظّلام و النّور...[/font]
[font="]أمّا بعد، السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، و أسأل الله العظيم ربّ العرش المجيد، أن يجعل هذا الاجتماع لي و لكم ذُخْرا ليومٍ تتقلّبُ فيه القلوب و الأبصار، و أن يجعله من صالحات الأعمال و خالصات الآثار و باقيات الحسنات إلى آخر الأعمار.. اللهم أكتب لنا به أجرا و ارفع لنا به ذكرا و اجعله لنا ذخرا.. اللهم اجعل سرائرنا خير من علانيتنا، و أعمالنا خيرا من أقوالنا.. اللهم أنر بصائرنا و ثبّتنا على الحقّ حتّى نلقاك..[/font]
[font="]أحبّتي في الله: فقد أخبر النبيّ صلى الله عليه و سلم عن وقوع متابعة أمّته للأمم السّابقة من اليهود و النصارى و الفرس، و ليس هذا – بلا شكّ – من المدح لفعلهم هذا، بل هو من الذمّ و الوعيد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: " لتتبعنّ سُننَ من قبلكم شبرا بشبرٍ و ذراعا بذراعٍ، حتّى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود و النصارى؟ قال: فمن ؟[font="]![/font][font="] ".[/font][font="]( أخرجه البخاري 3269 و مسلم 2663 )[/font][font="].[/font][font="] و قد تابع جهلة هذه الأمّة و مبتدعتَها و زنادقَتَها الأمم السابقة من اليهود و النصارى و الفرس في عقائدهم و مناهجهم و أخلاقهم و هيئاتهم، و ممّا يهمّنا – الآن – أن نُنَبِّهَ عليه في هذه الأيام، هو إتباعهم و مشابهتهم في ابتداع ما يسمّى " بعيد الأمّ " أو " عيد الأسرة "، وهو اليوم الذي ابتدعه النصارى تكريما – في زعمهم – للأمّ، فصار يوما معظّما تتعطّل فيه الحياة، و يصل فيه الناس أمّهاتهم و يبعثون لهنّ الهدايا و الرسائل الرقيقة، فإذا انتهى اليوم عادت الأمور لما كانت عليها من القطيعة و العقوق [/font][font="]!!![/font][/font]
[font="]و العجيب من المسلمين أن يحتاجوا لمثل هذه المشابهة، و قد أوجب الله تعالى عليهم، برّ الأمّ و حرّم عليهم عقوقها و جعل الجزاء على ذلك أرفع الدرجات التي لا تقلّ مكانة عن درجة من لا يشرك به شيئا... و لنبدأ من البداية..[/font]
[font="]قد يكون من المكرّر الحديث عن مرجعيّة الاحتفال بعيد الأمّ، و أهميّة هذا الاحتفال، و موقف ثقافتنا عامّة من مثل هذه الاحتفالات، و الأعياد، فالمسلم يجب أن يحتفل بالأمّ كلّ يومٍ، و كلّ ساعة، و كلّ لحظة، إذ هذه هي الفطرة التي زرعها الله في قلب المسلم، و في عقلية المسلم، و في سلوكيات المسلم، إنّها الشِّرْعة التي أمره بها.. و السؤال الذي يفرض نفسه: إذا كان عيد الأمّ قد نبت في بلاد الغرب، فلم نسايرهم في أعيادهم و نترك ما بأيدينا من الهدى؟[font="]!![/font][font="] الغرس النبوي يؤلمهم..[/font][/font]
[font="]منذ صدر الإسلام، أسّس النبيّ صلى الله عليه و سلم الأسرة المسلمة على قواعد التلاحم و الترابط، فتراها كيانا واحدا، تجمع أبناءها و ترعاهم، و تَكْفُلَهُمْ، فها نحن نرى في مجتمعاتنا اليوم، و على نطاقٍ واسعٍ، الأسرة الممتدّة الكبيرة التي تحتوي أبناءها حتى و هم متزوّجون، و تفسح لكلٍّ منهم مكانا.. الكلّ يعرف قيمة و أهميّة الرباط الأسري و العائلي و يدافع عنه بكلّ ما يملك، و في هذا قوّة للأسرة و العائلة و المجتمع.. و علماء النفس و الاجتماع – و معهم علماء الطبّ – يدركون جيِّدا هذا الدفء الأسري و انعكاسه الإيجابي على صحّة الفرد البدنية و النفسية، فضلا عن سعادته الاجتماعية..[/font]
[font="]فالغرب ما فتئ يزعم دفاعه عن المرأة و حقوقها، و يدعون العالم العربي و الإسلامي لتمكينها من حقّها في المساواة مع الرجل و التمتّع بالحرّية في ممارسة حياتها المدنية و السياسية، فكيف كانت النتيجة عندنا ؟[font="]![/font][font="] و هل فعلا مُكِّنت المرأة الغربية من حقّها الذي يدعون إليه ؟[/font][font="]!![/font][/font]
[font="]النتيجة عندنا معروفة و معلومة، فقد مكنت بلادنا المرأة من الفسحة المناسبة لتتطوّر و ترتقي فكرا و عملا إلى مستوى قيمة مكانة الرجل، بل و تفوقه في بعض الحالات حتى أصبحت تشارك مشاركة متميّزة في تنمية بلادنا و رقيّها في أكثر من مجال.. [/font]
[font="]و أمّا عندهم في الغرب الواقع هو الذي يجيب، فالمرأة هناك لا تعيش في أسرة إلاّ قليلا و نادرا، و إنّما مهدّدة شريدة مضطربة، تبحث عن السعادة فلا تجدها، تتلمّس معناها فلا تعثر لها على أثرٍ.. أمّا المال الذي يدغدغ مشاعر الكثيرين منّا تجاه هذا الغرب، لا يضمن إلاّ سعادة زائفة، زائلة، فترى الكثيرات من نساء الغرب يبعن أنفسهنّ كي يستطعن تدبير نفقات الحياة.. و من أعلى هذا المنبر أسأل هذا الغرب: ماذا تفعلون حينما تكبر الأمّ و تمرض ؟[font="]!![/font][font="] و الإجابة معروفة و ينتظرها كلّ واحدٍ من الحاضرين: فهم يدفعون بها إلى دور المسنّين لتموت وحيدة، متروكة، منزوية..[/font][/font]
[font="]ثمّ أعيد لهم السؤال: من منهم يتصوّر كيف علّمنا رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم، معاملة الكبار المسنّين منّا ؟[font="]!![/font][font="] طبعا لا أحد يقدر على الإجابة، لأنهم يجهلون مثل هذا الغرس النبوي العظيم.. و قبل أن أنقل إليهم كلام معلّم البشرية الأوّل، أنقله إليكم إعانة لعاقلكم.. و تعليما لجاهلكم.. و تنبيها لغافلكم.. و تذكيرا لناسيكم.. يقول رسول الرحمة صلى الله عليه و سلم: " إنَّ مِنْ إِجْلالِ اللهِ إِكْرامِ ذي الشَّيْبَةَ المسلم ".. و جاء شيخٌ يريد النبيّ صلى الله عليه و سلم، فأَبْطَأَ القوم عنه أن يُوَسِّعوا له، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم: " ليس منّا من لمْ يرحم صغيرَنا و يُوَقِّرْ كبيرَنا "..[/font][/font]
[font="]و نتيجة لهذه التوصيات النبويّة، تمتّعت الأم المسلمة في شبابها و شيبها بكلّ إكرامٍ و تقدير..[/font]


[font="] ليتهم يتعلّمون[font="]!!![/font][/font]
[font="]
[/font]
[font="]ففي تقرير عن أخبار المجتمع الألماني، جاء فيه أنّ هناك 440 ألف مسنّ تعرّضوا للإيذاء الجسدي و المعاملة السيئة من أقاربهم و أفراد أسرهم مرّة واحدة على الأقلّ في العام..[/font]
[font="]و هذه عجوز فرنسية عاجزة عن الحركة تموت جوعا في شقّتها، لأنّ ابنها قطع عنها الماء و الكهرباء و الغاز، حتى اكتشف الجيران أمرها..[/font]
[font="]وهذه عجوز ألمانية أخرى، لمنزلها حديقة شديدة الروعة، وهي تعدّها ليومٍ واحدٍ في العام، حينما يأتي أولادها إليها في هذا اليوم، و من شدّة محبّتها لهم وهم معرضون عنها زيّنت لهم هذه الحديقة، و صنعت لهم طعاما فاخرا، ثمّ فوجئت أنّهم اعتذروا عن المجيء، فبكت حتّى أغمي عليها و انهارت.. و يزعمون أنّهم يدافعون عن المرأة العربية المسلمة.. ليتهم يعلمون، فيتعلّمون، و يفعلون..[/font]

[font="] نماذج فوق السّحاب...
[/font]


[font="]و كم يكون التأثّر بالغا حينما تشاهد موظّفا شابّا بسيطا يقبّل يد أمّه وهي تدعو له بأحسن ما يكون الدّعاء، دعاء ينمّ عن حبّ شديد و تعلّق أشدّ.. و تعرف بعد ذلك السرّ.. فهذا الابن له ثلاث شقيقات و شقيق، كلّهم ابتلاهم الله تعالى بفقد البصر، بعد أن كانوا مبصرين في مقتبل العمر، و كانت رحلة الأمّ شاقّة في المستشفيات و عيادات الأطباء بحثا عن العلاج لفلذات أكبادها، فتكاثرت عليها الأمراض، من ارتفاع في ضغط الدمّ و السكري، و كان هذا الابن هو السّند الوحيد بعد الله لأمّه يدعمها بكلّ ما يملك من صحّة و مال، و ساعد شقيقه حتى أكرمه الله و أصبح أستاذا في الجامعة..[/font]
[font="]نستخلص من هذا أنّ الأم المسلمة في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية، مدرسة للعطاء و التضحية، فقطاع كبير من نسائنا يستحقّ التكريم، ففي كلّ عائلة أكثر من نموذج نسائي يحتذي به، و كثيرات كنّ العمود الفقري لأسرهنّ و بيوتهنّ.. أعداد كبيرة ممّن أعرف من النساء التونسيات المسلمات، وقفن إلى جوار أزواجهنّ في أقسى الظروف، و تحملن عبء تربية الأبناء، و منهنّ من عملن أكثر من عمل ليدبرن نفقات المعيشة، و كثيرات منهنّ غاب أزواجهنّ ربع قرن في السجون، فتحمّلن ما لا يستطيع أحد أن يتحمله حتى خرج الزوج ليجد أبناءه و بيته على أفضل ما يكون، و قد ربّاهم الله على عينه، بل منهنّ من بنَيْنَ البيوت، ليخرج الزوج ليجد بيتا لم يبْنه هو، و إنّما بنته زوجته.. هذا كلّه واقع معاش و محسوس ليس في تونس فقط، و إنّما في كل البلاد العربية الإسلامية، التي تعلّمت على يد أشرف الخلق محمّد صلى الله عليه و سلم، و يبق السؤال: هل نحن بحاجة إلى الاحتفال بما يسمّى عيد الأمّ، إذا التزمنا ذلك المنهج ؟[font="]!![/font][/font]
[font="]أيها الناس، لا شكّ أنّ للأمّ مكانة كبيرة في قلوبنا جميعا، و لها أيضا مكانة عظيمة في الإسلام، رفيعة لا يرتقي إلى مستواها من بعدها سوى مكانة الأب، فقد حضّ القرآن الكريم و كذا السنّة الشريفة على إكرام الأمّ أضعاف إكرام الأب، كما في قوله تبارك و تعالى: " و وصينا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهنا على وهنٍ و فصالُهُ في عامَيْنِ ".[font="]( لقمان الآية: 14 )[/font][font="]و كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم جوابا عن سؤال رجلٍ: " من أحقّ الناس بصحبتي يا رسول الله ؟ قال: " أُمُّكَ ". قال: ثمّ من ؟ قال: " أُمُّكَ ". قال: ثمّ من ؟ قال: " أُمُّكَ ". قال: ثمّ من ؟ قال: " أبُوكَ ". و لأنّ الأم تعدّ نواة البيت فهي من يحمل و يربّي و يسهر الليالي، و هذا ربّما زاد من قيمتها و تمجيدها من قبل أبنائها، و إعطائها حقّها و هذا يتمثّل في المعاملة التي أوصى بها ديننا الحنيف..[/font][/font]
[font="]و في وقتنا هذا أستغرب من مواقف كثيرة تحصل في البيوت التي يتعامل فيها الابن و الابنة المعاملة السيّئة تجاه أمّه، و أقلّها ذلك الطفل الذي ينهر أمّه أو يعلو صوته أمامها، و هناك الكثير من القصص و المآسي التي تحمل في طيّاتها عقوق الأم و نكران جميلها، خاصة عندما يكبر الأبناء و يهتمّون بحياتهم الجديدة، و بتأسيس أسرة، يبتعد عن أمّه و يهملها متعذّرا بظروف الحياة و العمل و تربية الأبناء، فينسى الحضن الذي ضمّه و سهر على راحته و رعاه حتى بلغ أشدّه و أصبح ذا شأن في المجتمع.. فلا ضير إن قلنا أنّ للأم عيدا ليس ليومٍ واحدٍ، و إنّما طول أيام السنة، فالآن مهما قدّم لها أبناؤها من معروفٍ فلا يضاهي معاناتها و تعبها منذ حملها و سهرها الليالي في راحتهم و في مرضهم و رعايتهم و الاهتمام بتربيتهم منذ الطفولة حتى صاروا شبابا قادرين على تحمّل المسؤولية.. فلكلّ أمّ كلمة حقّ و تقدير و بطاقة دعوة للاحتفال بها كلّ يوم، و كلّ ليلة طوال السنّة كلّها.. و لن نتمكن من إيفائها حقّها و لو بصيحة من صيحات الوضع..[/font]
[font="]أقول ما تسمعون فإن كان صوابا فمن الله وحده، و إن كان غير ذلك فمن الشيطان و من نفسي و أستغفر الله العظيم لي و لكم و لجميع المسلمين. و لا حول و لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم..[/font]

[font="] الثانية: احتفال وهمي[/font]


[font="]الحمدُ لله المُبدِئُ المعيد، الغنيُّ الحميد، ذي العفو الواسع و العقاب الشديد، من هداه فهو السعيد السديد، و من أضلّه فهو الطريد البعيد، و من أرشده إلى سبل النجاة و وفّقه فهو الرشيد، يعلم ما ظهر و ما بطن و ما خفِي و ما علِن وهو أقرب إلى الكلّ من حبل الوريد.. قسّم الخلقَ قسمين و جعل لهما منزلتين، فريق في الجنّة و فريقٌ في السّعير، إنّ ربُّك فعّال لما يريد.. من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربُّك بظلاّم للعبيد.. أحمده و هو أهل للحمد و التحميد، و أشكره و الشكر لديه من أسباب المزيد..[/font]
[font="]و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، ذو العرش المجيد و البطش الشديد، شهادة تكفل لي و لكم أعلى درجات أهل التوحيد عنده، في دار القرار و التأييد.. و أشهد أنّ محمّدا عبده و رسوله البشير النذير، أشرف من أظلّ في السماء و أقلَّ في البيدِ، صلى الله عليه و على آله و صحبه أولي العون على الطّاعة و التّأييد، صلاة دائمة في كلّ حين تنمو و تزيد و لا تنفذ ما دامت الدنيا و الآخرة و لا تبيد.[/font]
[font="]أمّا بعد، أيّها الأبناء، أيّتها البنات، سأقف و إيّاكم الآن مع القلب الرحيم، و الصدر الحنين، مع القلب المجبول على الشفقة، مع القلب الذي خُلِقَ يوم خُلِقَ فرُكّْبتْ فيه الرّحمة، مع القلب الذي يَحِبَّ و إن لمْ يُحَبّ، و يحنو و إن أُغْلِظَ عليه.. هل عرفتموه.. نعم، إنّه قلب الأمّ، أكبر قلب في أضعف جسم..[/font]
[font="]سنتكلّم عن الأمّ يوم جعل أعداء الله لها يوما واحدا في العام، و سمّوه " عيد الأمّ " و هذا ليس في الإسلام من شيء.. لماذا لأنّ الإسلام أمر ببرّها و الإحسان إليها في كلّ العام.. إنّها الأمّ عباد الله.. المخلوق الذي قدّم و ضحّى و لم يزل من غير حساب، أو انتظار ثواب، و لا ترقّب شكران.. إنّها الأم التي أرضعتنا في حليبها المعنى الصحيح للانتماء.. إنّها الأمّ التي أدّبتنا صغار، و علّمتنا كبار.. إنّها الأم التي قدّمت بذلك أعمق صورة لأصدق حبّ نبضت به قلوب البشريّة..[/font]
[font="]أُمُّكَ يا عبدَ الله، كم حزنت لتفرح أنت.. و جاعت لتشبع.. و بكت لتضحك.. و سهرت لتنام.. و تحمَّلَتْ الصّعاب في سبيل راحتك.. إذا فرحتَ يا عبد الله فرِحت، و إن حزنْتَ حزِنَتْ من غير أن تسأل.. إذا داهمك الهمّ فحياتها في غمّ، أملها أن تحيى سعيدا رضيًّا راضياً مرضيًّا.. هل سمعت عن مخلوق يحبّك أكثر من ماله ؟ لا، بل أكثر من دنياه، لا، بل أكثر من نفسه التي بين جنبيه، نعم يحبّك أكثر من نفسه.. إنّها الأمّ.. الأمّ و كفى، رمز الحنان.. إنّها الأم يا من تريد النجاة، ألزم رجليها، فثمّ الجنّة.. روى أحمد و النسائي و ابن ماجه عن معاوية بن جاهمة السلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي وجه الله و الدّار الآخرة، قال: " ويحك، أحيّة أمّك ؟ " قلت نعم، قال: " ارجع فبرّها " ثمّ أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك ابتغي وجه الله و الدار الآخرة، قال: " ويحك، أحيّة أمّك ؟ " قلت نعم يا رسول الله، قال: " فارجع إليها فبرّها " ثم أتيته من أمامهن فقلت: يا رسول الله، إنّي كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله و الدّار الآخرة، قال: " ويحك أحيّة أُمُّك " قلت: نعم يا رسول الله، قال: " ويحك ألزم رجلها فثمّ الجنّة ". إنّها الجنّة و ربّ الكعبة، " ألزم رجلها فثمّ الجنّة". عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: يا رسول الله، إنّي جئت أريد الجهاد معك أبتغي وجه الله و الدّار الآخرة، و لقد أتيت و إنّ والديّ ليبكيان، قال صلى الله عليه و سلم: " فارجع إليهما، فأضحكهما كما أبكيتهما ".[/font]
[font="]إنّها الأمّ يا من تريد النجاة، ألزم رجليها، فثمّ الجنّة.. إنّ البرّ دأب الصّالحين و سيرة العارفين.. قال ابن عبّاس رضي الله عنهما: " ما من مسلم له والدان مسلمان يُصبِح إليهما محتسبا إلاّ فتح الله بابين – يعني من الجنّة – و إن كان واحدا فواحدٍ، و إن أغضب أحدهما لم يرضى الله عنه حتّى يرضى عنه "، قيل: و إن ظلما ؟ قال: " و إن ظلما "..[/font]
[font="]أيها المؤمنون، الناس متّفقون على وجوب البرّ بالأم و وجوب تكريمها في كلّ يوم و رعاية حقوقها في كل ساعة، لأنّه أمرٌ فطريٌّ و إن قصّر فيه بعضهم، و هذا هو المعنى الجميل الذي من أجله يتبع كثير من الناس، الغرب في الاحتفال بما يسمّى " عيد الأمّ ".. لكن تخصيص يوم محدّد في العام للاحتفال بالأمّ يتعارض مع تحديد الشرع لأعياد المسلمين بعيدين لا ثالث لهما، فعن أنس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة و لأهل المدينة يومان يلعبون فيهما، فقال: " قَدْمْتُ عليكم و لكم يومان تلعبون فيهما، فإنّ الله قد أَبْدَلَكُمْ يومين خيرا منهما: يومَ الفِطْرِ و يومَ النّحْر ".[font="] ( أخرجه أحمد في المسند 13164 و صحّحه الألباني في صحيح الجامع 4381 ) [/font][font="]فاتّقوا الله عباد الله و احذروا هذه البدعة التي أحدثها أعداء الإسلام ليشوّهوا سمعته و ينفّروا الناس منه.. و قد ثبت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم التحذير من المحدثات في الدّين، و عن مشابهة أعداء الله من اليهود و النصارى و غيرهم من المشركين، من ذلك قوله صلى الله عليه و سلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ ".[/font][font="]( متفق عليه )[/font][font="] نسأل الله تعالى العافية و السلامة و أن يجنّبنا محدثات الأمور في ديننا و دنيانا، و أن يثبّتنا على سنّة عبده و خير خلقه محمّد صلى الله عليه و سلم[/font][font="]،[/font][font="] إنّه وليّ ذلك و القادر عليه.. اللهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صليت على إبراهيم و آل إبراهيم، و بارك على محمّد و على آل محمّد كما باركت على إبراهيم و آل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد.. اللهمّ أعزّ الإسلام و المسلمين.. و أذلّ الشرك و المشركين، و اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.. [/font][/font]
[font="]اللهمّ يا ذا الجلال و الإكرام، يا حيّ يا قيّوم، ندعوك باسمك الأعظم الذي إذا دُعيت به أجبت، أن تبسط على أمّي من بركاتك، و رحمتك، و رزقك، و عفوك و مغفرتك..[/font]
[font="]اللهمّ ألبسها العافية حتّى تهنأ بالمعيشة، و اختم لها بالمغفرة حتّى لا تضرّها الذنوب، اللهمّ أكفها كلّ هول دون الجنّة حتّى تبلّغها إياها، برحمتك يا أرحم الراحمين..[/font]
اللهمّ لا تجعل لها ذنبا إلاّ غفرته، و لا همّا إلاّ فرّجته، و لا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا و لها فيها صلاح إلاّ قضيتها، اللهمّ و لا تجعل لها حاجة عند أحد غيرك.. [font="]اللهمّ و أقر أعينها بما تتمنّاه لنا في الدّنيا..[/font]
[font="]اللهمّ اجعل أوقاتها بذكرك معمورة، اللهمّ أسعدها بتقواك..[/font]
[font="]اللهم اجعلها في ضمانك و أمانك و إحسانك.. اللهم ارزقها عيشا قارا، و رزقا دارا، و عملا بارا..[/font]
[font="]اللهمّ ارزقها الجنّة و ما يقرّب إليها من قول أو عملٍ، و باعد بينها و بين النار و بين ما يقرّبها إليها من قولٍ أو عملٍ.. اللهمّ اجعلها من الذّاكرين لك، الشاكرين لك، الطّائعين لك، المنيبين لك..[/font]
[font="]اللهمّ و اجعل أوسع رزقها عند كبر سنّها و انقطاع عمرها.. اللهمّ و اغفر لها ما مضى من ذنوبها، و اعصمها فيما بقي من عمرها، و ارزقها عملا زكيّا ترضى به عنها..[/font]
[font="]اللهمّ تقبّل توبتها، و أجب دعوتها، اللهمّ إنّا نعوذ بك أن تردّها إلى أرذل العمر، اللهمّ و اختم لها بالحسنات و الصالحات أعمالها، آمين..[/font]
[font="]اللهمّ و أعنّا على برّها حتى ترضى عنا فترضى، اللهمّ أعنّا على الإحسان إليها في كبرها، اللهمّ و رضّها علينا، اللهمّ و لا تتوفّاها إلاّ وهي راضية عنّا تمام الرضى، اللهمّ و أعنّا على خدمتها كما ينبغي لها علينا، اللهمّ و اجعلنا بارّين بها، طائعين لها..[/font]
[font="] اللهمّ ارزقنا رضاها و نعوذ بك من عقوقها.. [font="]( 3 مرّات )[/font][/font]
[font="] اللهمّ آمين، و صلّ اللهمّ على نبيّنا محمّد و على آله الطّاهرين الطيّبين، و صحابته الأبرار الميامين، و عن الأنصار و المهاجرين و المبايعين.. و آخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين..[/font]
[font="]عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر و الله يعلم ما تصنعون..[/font]


[font="] الشيخ محمّد الشاذلي شلبي[/font]
[font="]الإمام الخطيب[/font]
[font="] جامع عثمان بن عفّان - تونـــس
[/font]
المشاهدات 2082 | التعليقات 0