حقيبة المسافر الفقهيّة (مسائل هامّة لا يستغني عنها المسافر) 29/ 5/ 1446
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله رب العالمين, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آلِه وأصحابه إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ حاجة الناس إلى معرفة أحكام السفر حاجةٌ ماسّة، نظرًا لكثرة سفرهم، وسأذكر بمشيئة الله مسائلَ هامّةً لا يستغني عنها المسلم، فأَرْعِ لها سمْعك، حتى تصلّيَ في السفر وأنت مطمئنٌ واثق، بلا اضطراب وحاجةٍ لسؤال المفتين.
أخي المسلم: إنَّ الأصل في المسافر قصرُ الصلاة؛ لما في الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ, فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَزِيدَ في صَلاَةِ الْحَضَرِ.
وعلى هذا, فلا يُشْتَرَطُ في جوَازِ الْقصْرِ أنْ تنْوِي الْقصْرِ عند تكبيرة الإحرام, لأنه لَا يَحْتاجُ القصرُ والجمْعُ إلى نِيَّة؛ لأنه هو الأصل في حقّ المسافر.
وإذا صليت مع إمام يتم فصلّ أربعاً, سواء أدركت الصلاة من أولها, أم فاتَك شيء منها؛ لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة, وعليكم السكينة والوقار, ولا تسرعوا, فما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا)، فعموم قوله (ما أدركتم فصلوا, وما فاتكم فأتموا) يشمل المسافرين الذين يصلون وراء الإمام الذي يصلي أربعاً وغيرَهم.
ولأنّك في هذه الحال ارْتَبَطَتْ صلاتُك بالإمام, فلزمك أن تتابعه حتى فيما فاتك.
وقد سئل ابن عباس - رضي الله عنهما -: ما بال المسافر يصلي ركعتين إذا انفرد, وأربعاً إذا ائتم بمقيم؟! فقال: تلك السنة[1].
ولا تسقط عنك صلاة الجماعة في سفرك, إلا أن تكونَ بعيداً أو تخافَ فوت رفقته, لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة على من سمع النداء أو الإقامة.
واعلم أنّ المشروع في السفر أن تصلي جميع النوافل, سوى راتبه الظهر والمغرب والعشاء, فتصلي الوتر, وصلاة الليل, وصلاة الضحى, وراتبه الفجر, وغير ذلك من النوافل غير الرواتب المستثناة.
وإذا كنتَ سائراً فالأفضل لك أن تجمع بين الظهر والعصر, وبين المغرب والعشاء, إما الجمع تقديم وإما جمع تأخير, حسب الأيسر لك, وكلما كان أيسرَ فهو أفضل.
وإن كنت نازلاً فالأفضل أن لا تجمع, وإن جمعت فلا بأس؛ لصحة الأمرين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم أنّ رخص السفر أربع:
الأولى: صلاةُ الرباعية ركعتين.
الثانية: الفطرُ في رمضان, ويقضيه عدة من أيام أخر.
الثالثة: المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها ابتداء من أول مرة مسَح.
الرابعة: سقوط المطالبة براتبه الظهر, والمغرب, والعشاء, أما راتبه الفجر وبقية النوافل فعلى مشروعيتها واستحبابها.
وصلاةُ المسافر خلف المقيم تنقسم إلى ثلاث حالات:
الأولى: أن يصلي المسافر رباعية خلف من يصلي رباعية, كمن يصلي الظهر خلف من يصلي الظهر أو العصر, فإنه يجب عليه أن يصلي أربع ركعات.
الثانية: أن يصلي المسافر رباعية خلف من يصلي ثنائية, كمن يصلي العشاء الآخرة خلف من يصلي التراويح أو الفجر أو الجمعة فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه لم يخالف الإمام, وإن شاء أتم.
وهو اختيار العلامة ابن عثيمين.
الثالثة: أن يصلي المسافر رباعية خلف من يصلي ثلاثية.
فقيل: له أنْ يصلي ركعتين ويجلس حتى يتم الإمام صلاته, ويتشهد ويسلم معه.
وهو اختيار العلامة ابن عثيمين رحمه الله.
وقيل: يجب أنْ يُتابعه, وإذا سلموا أتى برابعة.
والعبرة بفعل الصلاة, فإن فعلتَها في الحضر فأتمّ, وإن فعلتها في السفر فاقصر, سواء دخل عليك الوقت في هذا المكان أو قبله.
فمثلاً: لو سافرت من بلدك بعد أذان الظهر, لكنْ صليت الظهر بعد خروجك من البلد, ففي هذه الحال تُصلي ركعتين, وأما إذا رجعت من السفر ودخل عليك الوقت وأنت في السفر, ثم وصلت بلدك, فإنك تصلي أربعاً.
نسأل الله تعالى أنْ يفقّهنا في الدين, وأن يرزقنا الإيمان واليقين, إنه على كل شيء قدير.
***************
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوثِ رحمةً للعالمين, وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: أخي المسلم: لا يجوز لك إذا أردت سفراً أنْ تترخصَ برخص السفر, إلا إذا خرجتَ من المدينة، وفارقتَ البيوت العامرة, لا الخربةَ والمهجورة, فإذا غادرتَ بلدَك وخرجتَ عن دائرة البناء جاز لك القصر، وهكذا إذا رجعتَ جاز لك القصر حتى تدخل البلد، فما دُمتَ خارج البلد فلك القصر، فإذا كان المطار خارج البلد فاقصُر في المطار.
ويجوز لك الجمع بين الصلاتين مثل الظهر والعصر, وأنت تعلم أنك ستصل إلى مكان إقامتك قبل صلاة العصر.
اللهم اجعلنا لك شاكرين، ولَك أوَّابين، ولعبادك محسنين، إنك ربنا رؤوفٌ رحيم.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
[1] - رواه مسلم.
المرفقات
1732634986_حقيبة المسافر الفقهيّة.pdf