حقوق وواجبات 21صفر1439هـ (نص + وورد + بي دي إف)

عاصم بن محمد الغامدي
1439/02/21 - 2017/11/10 08:05AM

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي فتح بصائر أوليائه بالحكم والعبر، واستخلص هممهم لمشاهدة عجائب صنعه في الحضر والسفر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، وعلى صحبه المقتفين لآثاره في الأخلاق والسير، أما بعد:

فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فتقوى الله عليها المُعوَّل، وعليكم بما كان عليه السلفُ الصالحُ والصدرُ الأول، سارِعوا إلى مغفرة ربِّكم ومرضاته، وأجيبُوا داعِي ربِّكم إلى دار كرامتِه وجنَّاته.

عباد الله:

فرَّق الله تعالى بين عباده، في أحوالهم الماديةِ، ومستوياتهم المعيشيةِ، {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}.

فربما لقيتَ ضَعِيفَ الْقُوَّةِ قَلِيلَ الْحِيلَةِ عَيِيَّ اللِّسَانِ وَهُوَ مَبْسُوطٌ لَهُ، وَتَلْقَى شَدِيدَ الْحِيلَةِ بَسِيطَ اللِّسَانِ وَهُوَ مُقَتَّرٌ عَلَيْهِ، فالأرزاق بيد الله، يغني من يشاء ويفقر من يشاء.

وهذا منْ حكمةِ اللهِ سبحانه، فلو كانَ الناسُ كلُّهم على شاكلةٍ واحدةٍ، لتعطَّلت مقوِّماتُ الحياةِ، ولكنَّ الغني يحتاج الفقير، والفقيرَ لا يستغني عن الغني.

أيها المسلمون:

منَّ الله تعالى علينا مننًا عظيمة، فبعدَ أن كان أجدادنا، يرتحلون المسافات الطوال، طلبًا للقمة العيش، وسدًا لجوعهم وجوع عيالهم، سخر الله لأبنائهم ما خرج من الأرض، وما نزل من السماء، حتى ارتحل إليهم غيرهم طلبًا للقمة العيش، وسدًا لحاجته وحاجة عياله، واحتلت المملكة قبل عدةَ أعوام، المركزَ الرابعَ على مستوى العالم في عدد القادمين من خارجها للعمل فيها. [المرجع: http://www.alarabiya.net/ar/saudi-today/2013/09/14/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%804-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D9%809-%D9%85%D9%84%D8%A7%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%AF.html].

وهؤلاء القادمونَ إلينا من خارجِ بلادِنا، أصحابُ حاجاتٍ، لولاها لما فارقوا ديارهم وعيالَهم، ولولا حاجةُ بلادنا لعلمهم وعملهم لما استقبلتهم، وكما أنَّ عليهم واجباتٍ، فإنَّ لهم حقوقًا محفوظة بالشرع والنظام.

فمن واجباتهم، إتقان أعمالهم، ولا يمكن إتقان العمل، إلا بعمق معرفته، والإلمام بدقائقه، ولنا في يوسفَ عليه السلام شاهدٌ، يومَ زكَّى نفْسَه عندَ عزيزِ مصرَ بحفظه وعلمه، {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وَمن أتقن عمله، وأحسن أداءه، تعرض لمحبة ربه تبارك وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ». [أخرجه أبو يعلى في مسنده، وقال الألباني: إسناده قوي].

وضعف الإتقان غش وخيانة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي». [رواه مسلم].

ومن واجبات كلِّ عاملٍ الأمانة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [رواه مسلم].

وهذا "الحديث مسوقٌ لحثِّ العمَّال على الأمانة، وتحذيرهم عن الخيانة ولو في تافهٍ"، والخازن الذي يدفع ما أمر به إلى صاحبه من المتصدقين، قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الْخَازِنَ الْمُسْلِمَ الْأَمِينَ الَّذِي يُنْفِذُ - وَرُبَّمَا قَالَ يُعْطِي - مَا أُمِرَ بِهِ، فَيُعْطِيهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا، طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ، فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ - أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ». [رواه البخاري ومسلم].

عباد الله:

هل تعلمون أن إعطاء الأجير حقه من الأعمال التي تقرب إلى الله؟

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أشخاص، دخلوا غارًا فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت المدخل، فَقَالُوا: "إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فدعوا وكان دعاء ثالثهم: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ". [رواه البخاري].

وتأخير أجرِ العامل بعد اكتمال عمله من المحرمات، قال صلى الله عليه وسلم: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ». [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]، والأمر بإعطائه حقه قبل جفاف عرقه، إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقِب فراغ العمل وإن لم يعرق، أما حرمانه من أجره فهو مصيبة على مستأجره؛ لأنَّ من حرم أجيرًا حقَّهُ، كان اللهُ تعالى يومَ القيامةِ خصْمَهُ، قال عليه الصلاة والسلام: «قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ». [رواه البخاري].

والعامل ذكرًا كان أو أنثى إنسانٌ له قدرة محدودة، لا يستطيع تجاوزها، فليس من أخلاق الإسلام، ولا الشهامة والمروءة، أن يكلَّف بما لا يطيق، أو يضيق عليه في عيشه، أو يضرب أو يهان، وإذا أكلت أكلة فأطعمه منها، وإذا شربتَ شربة فاسقه منها، قال صلى الله عليه وسلم: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، -أي: الذين يخولون بإصلاح أموركم- جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ». [رواه البخاري].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟». [رواه مسلم]، فتأمل كيف رفع النبي صلى الله عليه وسلم العامل إلى درجة الأخ، ثم تأمل كيف كان عليه الصلاة والسلام يعامل خادمه، ثم اسأل نفسك عن موقعها الأخلاقي مع إخوانها العاملين بين يديها.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


 

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد عباد الله:

فإن لكل بلد حقًا على العاملين فيه، ولكل عامل حقٌ في البلد الذي يعمل فيه، فمن حقوق البلاد احترام أنظمتها، والالتزام بتعاليمها، ومن حقوق العاملين، حفظ حقوقهم، وتنظيم شؤونهم، وترتيب أحوالهم.

وقد أنشأت المملكة وفقها الله محاكمَ عمالية، تستخلص للعامل بتوفيق الله حقه ممن ظلمه، وهيَّأت لها من الأنظمة والوسائل ما يعينها على أداء مهمتها.

ومن تنظيمها لشؤون العاملين القادمين من خارجها، تحديدُ مدةِ بقاءِ كل فردٍ منهم داخلها، بما لا يخلُّ بحقوقه، ولا حقوق بقيةِ العاملين، وهو أمر معمولٌ به في جلِّ دول العالم، واحترام هذا النظام من الواجبات، ومخالفته من المستنكرات.

فاحذروا يا عباد الله أن يراكم الله حيث نهاكم، أو يفقدكم حيث أمركم، واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب، كم من دعوة مظلوم سرت، فسلبت من غنيٍ ماله، أو فرَّقت بينه وبين أهله، أو ذاق معها فقدان الولد، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمَامُ العَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ». [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن].

ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على سيد الأولين والآخرين، وصاحب الشفاعة في يوم الدين، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

المرفقات

وواجبات-21صفر1439هـ

وواجبات-21صفر1439هـ

وواجبات-21صفر1439هـ-2

وواجبات-21صفر1439هـ-2

المشاهدات 1207 | التعليقات 0