حقوق كبار السن في الإسلام والنظام

عايد القزلان التميمي
1443/06/09 - 2022/01/12 18:43PM
الخطبة الأولى
الحمدُ للهِ رب العالمين،  القائل  ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ أَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ َ, وأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ صلى الله وسلم عليه وعلَى آلِهِ, وَصَحْبِهِ, والتَّابِعينَ لَهمْ بِإحْسَانٍ.
 أمَّا بعدُ. فَاتَّقُوا اللهَ  كَمَا قَالَ ربكم (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) .
أيها المؤمنون : عُرِفَ مجتمعنا منذ القدم باحترام كبير السِّن انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامي والصفات العربية الأصيلة
وقد حثنا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم على احترام كبير السن وتوقيره وإكرامِه في أحاديث كثيرة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (هل تُنصَرون وتُرزَقون إلا بضعفائكم)أخرجه البخاري
 وقوله صلى الله عليه وسلم (( اُبغُوني ضُعَفَاءَكُم ؛ فَإِنَّمَا تُرزَقُونَ وَتُنصَرُونَ بِضُعَفَائِكُم)) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. فمِن هؤلاء الضعفاء في المجتمع الإنساني المُسِنُّ؛ لأنه يُصاحب المرء مرحلةَ الكبر ضَعْفٌ عام .
 وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَضَعُ اللَّهُ رَحْمَتَهُ إِلَّا عَلَى رَحِيمٍ ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا يَرْحَمُ، قَالَ: ( لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ صَاحِبَهُ ، يُرْحَمُ النَّاسُ كَافَّةً.) حسنه الألباني  فالمسلم يرحم الناس كافة، والأطفال كافة، والمسنين كافة .
عباد الله وعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ (( إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى: إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرآنِ غَيْرِ الْغَالي فِيهِ والجَافي عَنْهُ،
وإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ المُقْسِطِ  ((حديثٌ حسنٌ، رواه أَبُو داود.
وتحت لفظ “إكرام ذي الشيبة المسلم”، تأتي كل صور الرعاية والإكرام للمسنين، كالرعاية الصحية، والرعاية النفسية، والرعاية الاجتماعية والاقتصادية، ومحو الأمية، والتعليم والتثقيف، وغيرها من صور العناية .
أيها المؤمنون : ولنعرف جيدا رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسنين، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: )) لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا (( رواه أحمد والترمذي وأبو داود وصححه الألباني
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ))يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ)) أخرجه البخاري
عباد الله وديننا الإسلامي يحثنا على تقديم المسن في وجوه الإكرام عامة: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم  (( أَمَرني جبريلُ أن أُكَبِّرَ )) أي أُقَدِّم الأكبر سنا , أخرجه أحمد وصححه الألباني., وهذه قاعدة عامة في تقديم الكبير والمسن في وجوه الإكرام والتشريف عامة.  
وقد كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَنُّ وعندَه رجلان، أحدُهما أكبرُ مِن الآخرِ، فأوحى اللهُ إليه في فضلِ السواكِ أَنْ كبِّرْ أعْطِ السواكَ أكبرَهما)) أخرجه أبو داود وصححه الألباني .  كما أن الكبير -في الهدي النبوي- له الأحقية في الكلام، والحوار.
عباد الله إن الأحكام الشرعية في الإسلام دائمًا تأخذ في الاعتبار مبدأ التخفيف عن صاحب الحرج، كالمسن, نرى ذلك بوضوح في جميع التشريعات الإسلامية ,
فقد خَفَّفَ الشرع عن المُسن في الكفّارات والفرائض والواجبات. وفي الفرائض: أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان -ويطعم- إذا شق عليه الصيام، وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي مُسْتَلْقِياً إذا شق عليه الجلوس. وهكذا.  
ولقد عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه، ذات يوم، لما صلّى إمامًا فأطال فشق على المأموم، قائلاً:  (( يَا مُعَاذُ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ [ ثَلَاثَ مِرَارٍ]! فَلَوْلَا صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ)) أخرجه البخاري
ورخص صلى الله عليه وسلم للمسن العاجز عن الحج أن يُنِيب من يحج عنه.
عباد الله ونشاهد في مجتمعنا احترام كبير السن وخاصة في مجالسنا وتخصيص صدر المجلس للأكبر فالأكبر، بل إن المُتعارف عليه أن صَدْرَ المجلس حيث يجلس كبار السن، ويشذ عن ذلك قلة من بعض الشباب في الوقت الحاضر، حيث يتربعون في صدر المجلس ويدخل كبير السن ولا أحد يقوم من مكانه على الرغم من أن هذه صفة تربّى عليها آباؤنا وأجدادنا انطلاقا من تمسكهم بالأخلاق الإسلامية.
ولكي لا نختصر موضوع الاحترام في الجلوس فقط لا بد من الإشارة إلى أهمية الحديث مع المُسن سواء كان من الأقارب أو الجيران أو غيرهم، فهم يحتاجون إلى الاهتمام، خاصة من ضَعُفَ بَصَره أو سَمْعَه، فالحديث معه يُشْعِره بأنّ من حَوْلَه يَشْعُرُونَ بِه، كما أن على الأبناء والبنات الاهتمام بحقوق والدِيهِم، بحيث لا يَجْلسون معهم وهم في منشغلين بالأجهزة التي بين أيديهم، وأخشى أن يكون هذا الفعل الذي قد يراه البعض سهلا يدخل في باب العقوق غير المباشر.
أيها المؤمنون : فمثلما نضع كبار السن في صدر مجالسنا، فقد وضعت حكومتنا كبار السن في صدر اهتماماتها من خلال الحقوق التي يكفلها النظام الجديد , ومنها الخصم في تذاكر السفر والقطارات وغيرها، وكذلك الاستفادة من خبراتهم كمستشارين حسب تخصصاتهم وخبراتهم.
ولعل أهم ما ورد في النظام ما نصت عليه المادة الثالثة من حق كبير السن العيش مع أسرته التي تقوم على رعايته وحمايته وتُشبِع احتياجاته،
كما نصت المادة السادسة على أنه لا يجوز إدخال كبير السن دور الرعاية، أو إبقاؤه فيها إلا برضاه، أو بموجب حكم قضائي من المحكمة المختصة، وفي ذلك قطع للطريق على ضعاف النفوس العاقين بوالديهم مع أنهم قلة لا تذكر في مجتمعنا ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم ......
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر بالإحسان بالوالدين والقول لهما قولا كريما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
 أما بعد : فيا أيها المؤمنون, قال الله تعالى  ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ﴾  يعني أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسية: ضَعْف، ثم قُوة، ثم ضَعف، ولكن هذا الضَّعف الأخير هو الشَّيخُوخة.
فعلينا أن نراعي صحة كبير السن، ووضعه البدني والنفسي، و نراعي حقوقهم، ورد بعضاً من المعروف الذي قدموه لنا عندما كنا صغارا ضعفاء، واهتموا برعايتنا كل الاهتمام حتى كبِرْنا وقد أشار إلى حالنا الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ .
عباد الله إنّ حَقّ كبير السِّن  يَعْظُم ويَكْبُر , فإذا كان قريبًا فَلَهُ حق القرابة مع حق كِبَرَ السِّن، وإذا كان جارًا، فإضافة إلى حقه في كبر سنه فله حق الجوار، وإذا كان مسلمًا، فله مع حق كبر السن حق الإسلام، وإذا كان الكبير أبًا أو جدًّا فالحق أعظم، بل إذا كان المُسِنّ غير مسلم فله حق كِبر السن.
أيها المؤمنون : إذا احترمنا الكبير، ورعينا حقوقه، يسر الله تعالى لنا في كِبَرنا مَن يرعى حُقُوقَنا، جزاءً من جنس إِحْسَانِنَا، لأن الله عز وجل يقول: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ . عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله ......
المرفقات

1642014103_حقوق كبار السن في الإسلام.doc

المشاهدات 1540 | التعليقات 0