حُقوقُ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ

حُقوقُ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصَّةِ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِالإِحْسَانِ، وَوَعَدَنَا عَلَيْهِ بِالْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، الْقَائِلُ: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكْرَمُ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيْرُ الْمُتَصَدِّقِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، ومَنْ تبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ... أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي خَلَقَكُمْ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا رَزَقَكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ كَمَا أَمَرَكُمْ؛ يَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ كَمَا وَعَدَكُمْ.

قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ, وَاتَّقُوا اللَّهَ, وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}.

عبادَ اللهِ:

في تقريرٍ عالميٍّ حَولَ الإِعَاقةِ، اشتَركَ في إعدَادِهِ كلٌّ مِن مُنظمةِ الصِّحةِ العالميةِ, والبَنكِ الدوليِّ، أَشارُوا فيهِ إِلى أنَّ أكثرَ مِن مِليارِ نَسمةٍ في العَالمِ يُعانونَ مِن شَكلٍ مَا مِن أَشكالِ العَجِزِ والإِعَاقةِ.

ويَعيشُ ثَمانُونَ بالمائةِ مِنهم في البُلدانِ المنخفِضةِ والمتَوسطَةِ الدَّخلِ، حيثُ يَكونُ الحُصولُ علَى الخَدماتِ الصحيَّةِ والاجتماعيةِ الأساسيةِ مَحدُوداً في أَغلبِ الأحيانِ، ويُشيرُ التَّقريرُ أيضاً إلى أنَّ مِن أَهمِّ مُسَبِّبَاتِ الإعاقةِ: الأَسبابَ الوِراثِيَّةَ والأَمراضَ النَّاتجةَ أَثناءَ الحَملِ وبَعدَهُ والحَوادِثَ المروريةَ على الطرق، والسُّقوطَ، والعُنفَ، والكوارثَ الطَّبيعيةَ والنِّزاعاتِ، والنِّظامَ الغذائيَّ، وتَعاطِي المُخدِّراتِ.

وفِي مَملكَتِنَا يُشَكِّلُ المعاقونَ فيها أكثرَ مِن سَبْعِمِائةِ أَلفِ مُعاقٍ، مِنهمُ الكَفيفُ، والأَصمُّ، وقَليلُ الإدراكِ، وضَعيفُ الحَركةِ، ومَريضُ التَّوَحُّدِ، وغَيرُهُمْ وهُو كمَا سَمِعتُمْ عَددٌ لا يُستَهانُ بهِ، ويَستَلزِمُ مِنَّا تَحدياتٍ كُبَرى، ولذلكَ فإنَّه مِن الْمُهِمِّ الإِشارةَ إِليهمْ، والتَّنبِيهَ لَوضعِهِم، وذِكْرَ أَهمِّ حُقُوقِهِم, وهُو مَا نَتحدَّثُ عنه اليومَ.

أيها المؤمنونَ:

العِنايةُ بذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ فَرضُ عَينٍ على مَن تَجبُ عليهِ كَفَالَتُهُ، فالنفقةُ وتحصيلُ الكِفايةِ المعيشيةِ اللائقةِ واجبةٌ على وَليِّ هؤلاءِ الكِرامِ، ولا يجوزُ لَه التَّهرُّبُ مِن هذه المسئوليةِ، وفرضُ كِفايةٍ على المسلمينَ، كمَا هو واجِبُهُمْ نحوَ الفُقراءِ والمساكينَ والمعُوزِينَ، فيجبُ على الأُمةِ والجماعةِ سَدُّ حَاجاتِ هؤلاءِ, وإلاَّ كَانَ الجميعُ آثِمٌ.

وعلى كُلِّ مسلمٍ مُستطيعٍ أَنْ يَقومَ بِما أَوجَبَهُ اللهُ عليهِ في ذلكَ، كمَا ويجبُ على الأمةِ  مُساعدةُ كَافلِ العَاجزِ والقائمِ بشأنِهِ وخَاصةً إذا عَجزَ عَن كَفالَتِهِ.

أيها الناس: ومِن أَهمِّ مَا يحتَاجُهُ هؤلاءِ هو تَعامُلُ أُسْرَتِهِ الصحيحُ مَعَه, فبعضُ الأُسَرِ تُرسِّخُ شُعورَ الإعاقةِ لَديهِ فلا تَجْعَلْهُ يَعتمِدُ علَى نَفسِه ويَستقِلُّ بذَاتِهِ واحتيَاجَاتِهِ.

لذَا كانَ لا بُدَّ مِن لُجُوءِ الأُسرةِ للمختصينَ في المجالِ الطبيِّ والتربويِّ التأهيليِّ حتَّى يَتمكَّنُوا مِنَ التَّعرفِ علَى كَيفيةِ التَّواصلِ معَ أَبنائِهِمُ التَّواصلِ الأَمْثَلِ.

ومِنَ الضروريِّ إخضَاعُهُ للمعالجةِ الطبيةِ والتأهيلِ الاجتماعيِّ ليستفيدَ مِن بَقيَّةِ مَا أبقَى اللهُ لَه مِن القُوَّةِ, وتَفجيرِ مَا لديهِ مِن طاقاتٍ, بالتعاونِ معَ المراكزِ المتخصِّصةِ, فالدولةُ -وفقها اللهُ- وفَّرتْ جَميعَ سُبلِ التعليمِ والرعايةِ لذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ؛ ليكونوا لَبِنَةً في بِناءِ وَطنِهِم، ويَنالُوا حَظَّهُم مِنَ التعليمِ والرعايةِ كبقيةِ أفرادِ المجتمعِ، حيثُ تَمَّ إنشاءُ العَديدِ مِنَ المؤسساتِ والجمعياتِ والمراكزِ الاجتماعيةِ والتعليميةِ والصحيةِ والتأهيليةِ التي تُقدِّمُ لهذِه الفِئةِ كلَّ أنواعِ العنايةِ والرعايةِ والتأهيلِ والاهتمامِ.

فقدْ أَكَّدَتِ الدِّراساتُ والبحوثُ الْمَيدَانِيةُّ أَنَّ الاكتشافَ المبكِّرَ لمثلِ هذِه الحالاتِ يُساهِمُ بإذنِ اللهِ بِشكلٍ كبيرٍ في عِلاجِهَا، وعلينَا جَميعاً أيها الكرام أنْ نُحسِّنَ مُعامَلَتَهُمْ ومُصاحَبَتَهُمْ بالمعروفِ، وعلينَا أيضاً: إتاحةُ فُرصِ المشاركةِ لَهمْ في جميعِ جَوانبِ الحياةِ المجتمعيةِ، وعلى جميعِ المؤسساتِ المختلفةِ تَوفيرُ فُرصِ العملِ المناسبةِ لهم، وتَشجِيعُهُمْ على العَطَاءِ.

ومِمَّا يُوصَى بهِ عَدمُ السُّخرِيةِ مِن هَؤلاءِ الكِرامِ أو الاستهزاءِ بهِم أو تَذكِيرِهِمْ بما هو فِيهِ، حتَّى وإنْ كانَ عَن طَريقَ الْمِزاحِ والمدَاعَبةِ, والابتعادُ كَذلكَ عَن أُسلوبِ المقارَنةِ بغَيرِهِ حتى لو كَانَ الهَدفُ مِن ذلكَ خَلقَ الحَماسِ وإثارةَ الدَّافعيَّةِ لَدَيهِ.

ومِمَّا يُؤَكَّدُ عليهِ أَيضاً: إِشرَاكُ هؤلاءِ الطيبينَ في الحياةِ العامةِ, وعَدمُ عَزلِهِمْ عنِ المجتمعِ, وعنِ المشاركةِ في المناسباتِ الاجتماعيةِ, وهذه المشاركةُ تُساعدُ في إعادَةِ تَأهِيلِهِ نَفسياً وجَسدِياً.

وكذَلكَ: عَدمُ تَكليفِهِ بأعمالٍ تَفوقُ قُدْرَتَهُ حتَّى لا يُصَابَ بالإحباطِ أو تَعزِيزِ صورِ القُصورِ والعجزِ لديهِ .ومِمَّا يُفِيدُ في هذا المجالِ: التَّواصلُ معَ الأُسَرِ الأُخرَى التي لَديهَا أَطفالٌ مُشابِهِينَ؛ مِن أَجْلِ تبَادُلِ الخِبْرَاتِ والتجَاربِ النَّاجِحةِ.

إخوةَ الإسلامِ والإيمانِ:

إنَّ مِن أَهمِّ حُقوقِهمْ أَن نُغيِّرَ نَظْرَتَنَا إليهِم, فإنَّ البعضَ يَنظرُ إلى هؤلاءِ نَظرةً تُشعِرُهُ بالدُّونِيَّةِ والعطفِ والشفقةِ، فمَا مِن شكٍّ أنَّه سَوفَ يُصبحُ حِينَها فَريسةً سَهلةً لمشَاعرِ الإِحبَاطِ واليَأسِ والعَجزِ والكَسلِ. والإنزواءِ وترك العمل.

بَلِ العَكسُ مِن ذَلكِ؛ فينبغِي أَنْ يَلْقَى كلَّ رِعايةٍ وَتقديرٍ واهتمامٍ ومحبةٍ، وتحفيزٍ ودَعمٍ دَائمٍ, تَحقيقاً لقولِه عليه الصلاةُ والسلامُ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ" رواهُ أبو داودَ والترمذيُّ.

عبادَ اللهِ:

كمَا يَجبُ حِفظُ أَموالِهِم وتَنمِيَتِهَا واستِثمَارِهَا لَهم إنْ أَمكنَ، وَلا يَجوزُ تَبدِيدُهَا أو إنفَاقُهَا دونَ وَجهِ حَقٍّ، قالَ تعَالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً}.

ومِمَّا يَحِزُّ في النفسِ أنَّ أُناساً يَسعوَن للكسبِ مِن وَراءِ ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ دَونَ إعطَائِهِمْ حُقوقَهُمُ التي تُمنَحُ بأسمَائِهِم؛ فمِنهُمْ مَن يَأخُذُ الرَّاتبَ المخصَّصَ لَهُم دَونَ أَنْ يُنفِقَهُ عليهِمْ -فِي وَاحدَةٍ مِن أَبشَعِ صُورِ الاستغلالِ الإنسانيِّ تُجَاهَ هذه الفئةِ الغاليةِ والعزيزةِ علينا جميعًا-.

 اللهمَّ اجْعَلْنا مِن عبادِكَ الرحماءِ الذين يَرحمونَ عِبادَكَ، ويَعطِفونَ على خَلقِكَ.

أقولُ مَا سَمعتُم ...........

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ، وأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الأَمِينُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، أَمَّا بَعْدُ:

فيا إخوةَ الإيمانِ:

لَقدْ أَعطَى الإسلامُ كُلَّ شَيءٍ حَقَّهُ، وأَمرَ المسلمينَ أَن يُؤدُّوا تِلكَ الحُقوقَ، ومِن بَينِهَا حَقُّ الطريقِ، ولكنْ ثَمَّةَ أُناسٌ غَيرُ مُلتزِمينَ بهذِه الحقوقِ إمَّا جَهلاً وغَفلَةً منهم، وإمَّا استهتَاراً بحقوقِ الآخرينَ وبخاصةٍ ذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ، فتَجِدُ أنَّ البَعضَ يَتعمَّدُ الوُقُوفَ في المَواقِفِ الخَاصَّةِ بهِم في الموَاقِفِ العَامَّةِ في الأسواقِ أو بَعضِ الدَّوائِرِ الحُكوميَّةِ, أو في أَمَاكنِ الزلاقاتِ التي يَسيِرُ بعَربتِهَا إلى المساجدِ أو الدَّوائِرِ الحكوميةِ والمحلاتِ التُّجاريةِ, معَ أنَّه وُضِعَ عليها مِن الإِشاراتِ واللوحاتِ ما يَكفِي، ولكِن يَأتِي بعضُ النَّاسِ ويَقفُ في هذَا الْموقِفِ وهُوَ بَكامِلِ صِحَّتِهِ وعَافِيتِهِ البَدنيَّةِ وهُو قبلَ أَنْ يُخالِفَ الأَنظمَةَ والذَّوقَ العَامَّ قَدِ ارتكبَ مَحظُوراً شَرعيًّا في إِيذاءِ أَخيهِ المسلِمِ وقَدْ قالَ اللهُ تعَالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.. والإيذاءُ للناسِ لا يَقفُ عِندَ حَدٍّ مُعيَّنٍ، فلا يَجوزُ للمُسلمِ إيذَاءُ أَخيهِ المسلمِ بأيِّ نَوعٍ مِن أَنواعِ الإِيذاءِ، ومِمَّا نَهَى عَنهُ صلى اللهُ عليه وسلمَ إلحاقُ الأَذَى والضَّررِ بالنَّاسِ في الطُرقاتِ؛ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلم: "مَن آذَى المسلمينَ فِي طُرُقِهِم؛ وَجَبَتْ عليه لَعنَتُهُمْ" رواه الطبرانيُّ وصححه الألبانيُّ.

وآخَرونَ يَنثِرونَ -أعزَّكمُ اللهُ- أَحذِيتَهُم في مُقدِّمةِ بَابِ المسجدِ، فلا يَستطِيعُ كَبيروُ السِّنِّ أو ذَوي الاحتياجاتِ الخاصةِ ممن يَستخدِمونَ العَرباتِ الدُّخولَ أو الخروجَ إلا بصعوبةٍ أو الانتظارِ إلى حِينِ خُروجِ جميعِ المُصلِّينَ، ومما يَزيدُ الأَسَى والحُزنَ أنَّ الأَرْفُفَ المخَصَّصَةَ لحِفظِ الأحذيةِ كَثيرةٌ ووفيرةٌ، ولكنَّ النَّقصَ وللأسفِ في إدراكِ هؤلاء السَّلبيِّينَ ووَعْيِهِمْ وهي بِكلِّ تَأكيدٍ لا تَصدُرُ إلا مِن أُناسٍ سَلْبِيِّينَ مُستَهتِرينَ كَسوُلِينَ.

عبادَ اللهِ: مَا ذَكرنَاه هو شَيءٌ يَسيرٌ مِن حُقوقِ هذِه الشَّريحةِ الكَريمةِ مِنَ المجتمعِ التِي تُؤكِّدُ أنَّ أَصحابَ الاحتياجاتِ الخاصةِ جُزءٌ هَامٌ مِن مُكوناتِ المجتمعِ لَهُم دَورٌ بَارزٌ فِي رِفعَتِهِ والنُّهوضِ بهِ كَغيرِهِمْ مِنَ الشَّرائِحِ؛ فيجِبُ أَنْ تُوفَّى هذه الفِئةُ حُقوقَهَا التي أَوجَبَهَا اللهُ تعَالى، لِتعِيشَ حَياةً كَريمةً لائِقةً.

عبدَ اللهِ:

حِينَما يَأمُرُكَ اللهُ بأَمرٍ ويَبدَأُ بنفسِهِ فاعْلَمْ أنَّه أَمرٌ عَظِيمٌ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.