🌟حقوق الورثة🌟
تركي بن عبدالله الميمان
1446/07/01 - 2025/01/01 06:29AM
🌟حقوق الورثة🌟
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، ونَعَوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وسَيّئَاتِ أعمالِنَا؛ مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشهَدُ أَن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه؛ وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فأُوْصِيكُم ونَفسِي بِتَقوَى اللهِ ﷻ؛ فَهِيَ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فِيهَا! ﴿ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلهْوٌ ولَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾.
عِبَادَ الله: جُبِلَتِ النُّفُوسُ على حُبِّ المَالِ؛ ولِهَذَا كانَ مِنْ أَكْبَرِ أَسبَابِ النِّزَاعِ والوَبَالِ؛ خَاصَّةً بَيْنَ مَنْ يَشْتَرِكُوْنَ فِيْه! قال U: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾.
والاِشتِرَاكُ في المِيرَاث: سَبَبٌ مُحتَمَلٌ لِلخِلَافِ، وعَدَمِ العَدلِ والإِنصَاف؛ ولهذا تَوَلَّى اللهُ بِذَاتِهِ العَلِيَّه؛ تَوزِيعَ التَّرِكَةِ بَينَ الوَرَثَة، وفَصَّلَ فِيهَا تَفصِيلًا دَقِيقًا؛ دَفعًا لِأَسبَابِ النِّزَاعِ، وحِفْظًا لِلمَالِ مِنَ الضَّيَاع؛ قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَعطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ).
والتَّوزِيعُ الإِلَهِيُّ لِلمِيرَاثِ: يَضَعُ حَدًّا فَاصِلًا لِنِزَاعِ الوَرَثَة: فَمَنْ تَجَاوَزَهُ أو تَحَايَلَ عَلَيهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَهُ بِالمِرْصَادِ! قال تعالى -بَعْدَ آيَاتِ المَوَارِيثِ-: ﴿ومَنْ يَعصِ اللهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾.
والمِيرَاثُ هُوَ وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ؛ فَمَنْ مَنَعَ الوَارِثَ مِنْ حَقَّهِ؛ فَقَدْ خَالَفَ وَصِيَّةَ اللهَ في خَلْقِهِ! ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيْمٌ﴾.
وبَعضُ الوَرَثَةِ لا يَكْتَفِي بِحَقِّهِ المُقَدَّرِ شَرْعًا، بَلْ يَتَسَلَّطُ على حَقِّ غَيرِهِ مِنَ الوَرَثَة!
قال I: ﴿وتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لمًّا* وتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا﴾. قال عِكْرِمَة: (اللَّمُّ: هُوَ الاِعتِدَاءُ في المِيرَاثِ: يَأْكُلُ مِيرَاثَهُ، ومِيرَاثَ غَيرِه!).
وتَخصِيصُ بعضِ الوَرَثَةِ: سَبَبٌ لِإِثَارَةِ الحَسَدِ والنِّزَاعِ بَيْنَهُمْ؛ فَمَنْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ؛ فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُه، إِلَّا بِإِذْنِ بَاقِي الوَرَثَة؛ ولِهَذَا قال ﷺ: (لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ).
ومَنِ اتَّقَى اللهَ في حَيَاتِهِ؛ تَوَلَّى اللهُ وَرَثَتَهُ بَعدَ مَمَاتِهِ، وجَنَّبَهُمُ النِّزَاعَ في مَالِه!
قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. قال المُفَسِّرُونَ: (كَمَا يَخَافُ أَحَدُكُم على عِيَالِهِ لَو مَاتَ؛ فَلْيَخَفْ على عِيَالِ أَخِيهِ المُسلِمِ، حَتَّى في مُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُم، وأَنْ يَقُولُوا لِلْيَتَامَى مِثْلَ ما يَقُوْلُونَ لأولَادِهِم: بِالشَّفَقَةِ، وحُسنِ الأَدَب).
وتَعجِيلُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ (بَعدَ وَفَاءِ الدِّيُونِ، وإِخرَاجِ الوَصِيَّةِ)؛ يُجَنِّبُ الوَرَثَةَ النِّزَاعَ! قال العُلَمَاءُ: (لا يَنْبَغِي تَأْخِير قِسمَةِ التَّرِكَةِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ على ذَلِكَ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْعِ الحُقُوقِ إلى أَصحَابِهَا).
وإِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ العَقَار؛ فَإِنَّهُ يُصَارُ إِلَى بَيْعِهِ، وتَسلِيمِ كُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، بَعْدَ أَدَاءِ (الدّيُوْن) و(الوَصَايَا). يقُولُ ابنُ عُثَيمِين: (بَعضُ الظَّلَمَةِ مِنَ الوَرَثَةِ: يُؤَخِّرُونَ وَفَاءَ الدَّينِ عنِ المَيِّتِ لِمَصَالِحِهِم الخَاصَّةِ! فَتَجِدُ المَيَّتَ عَلَيهِ ديون، ووَرَاءَهُ عَقَارَات، فَيَقُولُونَ: "لَا نَبِيْعُهَا؛ بَلْ نُوَفِّيْهِ مِنَ الأُجْرَةِ ولو بَعدَ عَشْرِ سِنِيْن!"، أَوْ يَقُوْلُوْنَ: "إِنَّ الأَرَاضِيَ كَسَدَتْ؛ فَنَنْتَظِر حَتَّى تَرتَفِعَ قِيمَتُهَا!": وهذا ظُلم؛ لِأَنَّ المَيِّتَ يَتَأَثَّرُ بِالدَّينِ الَّذِي عَلَيه)؛ قال ﷺ: (نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ).
ومِمَّا يَدفَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوَرَثَة: الخَوفُ مِنَ العُقُوبَةِ والهَلَكَةِ، لِـمَنْ تَعَدَّى على التَّرِكَةِ!
قال U: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَموَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِم نَارًا وسَيَصلَونَ سَعِيرًا﴾. قال ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: اليَتِيمِ، والمَرأَة).
ومَعنَى(أُحَرِّجُ): أَيْ أُحَذِّرُهُ تَحذِيرًا بَلِيغًا، وأَزْجُرُهُ زَجرًا أَكِيدًا.
ومِمَّا يَقْطَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوَرَثَة: 1- أَنْ يُوَثِّقَ المُوَرِّثُ (في أَثنَاءِ حَيَاتِهِ): الحُقُوقَ الَّتي لَهُ وعليه، 2- وأَلَّا يُوصِيَ في مَالِهِ بِمَا يُجحِفُ الوَرَثَةَ، 3- وأَلَّا يَزِيدَ في الوَصِيَّةِ عَنِ الثُّلُثِ. قال ﷺ: (إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغنِيَاءَ؛ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).
وحِفْظُ حَقِّ الرَّحِمِ؛ يَحفَظُ الوَرَثَةَ مِنَ النِّزاع، فَإِنْ كانَ لَهُم حَقٌّ في التَّرِكَةِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الصِّلَةِ أَوجَب! وَحُبُّ الثَّرَوَاتِ، لا يُقَدَّمُ على حُبِّ الإِخوَةِ والأَخَوَاتِ! والنِّزَاعُ على التَّرِكَةُ: سَبَبٌ لِزَوَالِ البَّرَكَة! قال ﷺ: (إِنَّ أَعجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا: صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهلَ البَيْتِ لِيَكُونُوا فَجَرَةً: فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا!).
ومِمَّا يُقَلِّلُ النِّزَاعَ بَيْنَ الوَرَثَة: الصِّدقُ والأَمَانَةُ، والحَذَرُ مِنَ الغِشِّ والخِيَانَةِ، وأَنْ يُفْصِحَ كُلٌّ مِنهُم عَمَّا في ذِمَّتِهِ مِنْ أَموَالِ المُوَرِّثِ، ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئًا! ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعضُكُمْ بَعضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ﴾.
ومِمَّا يَدفَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوََرَثَة: السَّمَاحَةُ في المُعَامَلَةِ، وتَرْكُ الطَّمَعِ والمُشَاحَنَةِ؛ فَإِنَّ السَّمَاحَةَ سَبَبٌ لِنُزُوْلِ الرَّحَمَاتِ، وحُصُولِ البَرَكَاتِ، والوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ!
قال ﷺ: (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا: إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى).
أَقُوْلُ قَوْلِي هذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
عِبَادَ الله: مِيرَاثُ الدُّنيَا بِأَجْمَعِهَا؛ لا يُسَاوِي لَحظَةً واحدةً في نَارِ جَهَنَّم! فَأَدُّوا الحُقُوقَ لِلْوَرَثَةِ؛ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ ولَا دِرهَمٌ! قال ﷺ: (إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ: أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ: أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ؛ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). وفي الحديثِ الآخَر: (فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيهِ: أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّار!).
************
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَن بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّس كَربَ المَكرُوبِين، واقضِ الدَّينَ عَنِ المَدِينِين، واشفِ مَرضَى المسلمين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصلِح أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّق (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلبِرِّ والتَّقوَى.
* اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنتَ، أَنتَ الغَنِيُّ ونَحنُ الفُقَراء؛ أَنزِل عَلَينَا الغَيثَ، ولا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذكُرُوا اللهَ يَذكُرْكُمْ، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
الخُطْبَةُ الأُوْلَى
إِنَّ الحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ، ونَستَغفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، ونَعَوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا، وسَيّئَاتِ أعمالِنَا؛ مَنْ يَهْدِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَه، وأَشهَدُ أَن لا إله إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَه؛ وأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعلى آلِهِ وصَحبِهِ، وسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: فأُوْصِيكُم ونَفسِي بِتَقوَى اللهِ ﷻ؛ فَهِيَ خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فِيهَا! ﴿ومَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلهْوٌ ولَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾.
عِبَادَ الله: جُبِلَتِ النُّفُوسُ على حُبِّ المَالِ؛ ولِهَذَا كانَ مِنْ أَكْبَرِ أَسبَابِ النِّزَاعِ والوَبَالِ؛ خَاصَّةً بَيْنَ مَنْ يَشْتَرِكُوْنَ فِيْه! قال U: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾.
والاِشتِرَاكُ في المِيرَاث: سَبَبٌ مُحتَمَلٌ لِلخِلَافِ، وعَدَمِ العَدلِ والإِنصَاف؛ ولهذا تَوَلَّى اللهُ بِذَاتِهِ العَلِيَّه؛ تَوزِيعَ التَّرِكَةِ بَينَ الوَرَثَة، وفَصَّلَ فِيهَا تَفصِيلًا دَقِيقًا؛ دَفعًا لِأَسبَابِ النِّزَاعِ، وحِفْظًا لِلمَالِ مِنَ الضَّيَاع؛ قال ﷺ: (إِنَّ اللهَ قَدْ أَعطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ).
والتَّوزِيعُ الإِلَهِيُّ لِلمِيرَاثِ: يَضَعُ حَدًّا فَاصِلًا لِنِزَاعِ الوَرَثَة: فَمَنْ تَجَاوَزَهُ أو تَحَايَلَ عَلَيهِ؛ فَإِنَّ اللهَ لَهُ بِالمِرْصَادِ! قال تعالى -بَعْدَ آيَاتِ المَوَارِيثِ-: ﴿ومَنْ يَعصِ اللهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا﴾.
والمِيرَاثُ هُوَ وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ؛ فَمَنْ مَنَعَ الوَارِثَ مِنْ حَقَّهِ؛ فَقَدْ خَالَفَ وَصِيَّةَ اللهَ في خَلْقِهِ! ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيْمٌ﴾.
وبَعضُ الوَرَثَةِ لا يَكْتَفِي بِحَقِّهِ المُقَدَّرِ شَرْعًا، بَلْ يَتَسَلَّطُ على حَقِّ غَيرِهِ مِنَ الوَرَثَة!
قال I: ﴿وتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لمًّا* وتُحِبُّونَ المَالَ حُبًّا جَمًّا﴾. قال عِكْرِمَة: (اللَّمُّ: هُوَ الاِعتِدَاءُ في المِيرَاثِ: يَأْكُلُ مِيرَاثَهُ، ومِيرَاثَ غَيرِه!).
وتَخصِيصُ بعضِ الوَرَثَةِ: سَبَبٌ لِإِثَارَةِ الحَسَدِ والنِّزَاعِ بَيْنَهُمْ؛ فَمَنْ أَوْصَى لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ؛ فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُه، إِلَّا بِإِذْنِ بَاقِي الوَرَثَة؛ ولِهَذَا قال ﷺ: (لا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ).
ومَنِ اتَّقَى اللهَ في حَيَاتِهِ؛ تَوَلَّى اللهُ وَرَثَتَهُ بَعدَ مَمَاتِهِ، وجَنَّبَهُمُ النِّزَاعَ في مَالِه!
قال تعالى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾. قال المُفَسِّرُونَ: (كَمَا يَخَافُ أَحَدُكُم على عِيَالِهِ لَو مَاتَ؛ فَلْيَخَفْ على عِيَالِ أَخِيهِ المُسلِمِ، حَتَّى في مُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُم، وأَنْ يَقُولُوا لِلْيَتَامَى مِثْلَ ما يَقُوْلُونَ لأولَادِهِم: بِالشَّفَقَةِ، وحُسنِ الأَدَب).
وتَعجِيلُ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ (بَعدَ وَفَاءِ الدِّيُونِ، وإِخرَاجِ الوَصِيَّةِ)؛ يُجَنِّبُ الوَرَثَةَ النِّزَاعَ! قال العُلَمَاءُ: (لا يَنْبَغِي تَأْخِير قِسمَةِ التَّرِكَةِ؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ على ذَلِكَ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْعِ الحُقُوقِ إلى أَصحَابِهَا).
وإِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ العَقَار؛ فَإِنَّهُ يُصَارُ إِلَى بَيْعِهِ، وتَسلِيمِ كُلِّ وَارِثٍ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَنِهِ، بَعْدَ أَدَاءِ (الدّيُوْن) و(الوَصَايَا). يقُولُ ابنُ عُثَيمِين: (بَعضُ الظَّلَمَةِ مِنَ الوَرَثَةِ: يُؤَخِّرُونَ وَفَاءَ الدَّينِ عنِ المَيِّتِ لِمَصَالِحِهِم الخَاصَّةِ! فَتَجِدُ المَيَّتَ عَلَيهِ ديون، ووَرَاءَهُ عَقَارَات، فَيَقُولُونَ: "لَا نَبِيْعُهَا؛ بَلْ نُوَفِّيْهِ مِنَ الأُجْرَةِ ولو بَعدَ عَشْرِ سِنِيْن!"، أَوْ يَقُوْلُوْنَ: "إِنَّ الأَرَاضِيَ كَسَدَتْ؛ فَنَنْتَظِر حَتَّى تَرتَفِعَ قِيمَتُهَا!": وهذا ظُلم؛ لِأَنَّ المَيِّتَ يَتَأَثَّرُ بِالدَّينِ الَّذِي عَلَيه)؛ قال ﷺ: (نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ).
ومِمَّا يَدفَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوَرَثَة: الخَوفُ مِنَ العُقُوبَةِ والهَلَكَةِ، لِـمَنْ تَعَدَّى على التَّرِكَةِ!
قال U: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَموَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِم نَارًا وسَيَصلَونَ سَعِيرًا﴾. قال ﷺ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: اليَتِيمِ، والمَرأَة).
ومَعنَى(أُحَرِّجُ): أَيْ أُحَذِّرُهُ تَحذِيرًا بَلِيغًا، وأَزْجُرُهُ زَجرًا أَكِيدًا.
ومِمَّا يَقْطَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوَرَثَة: 1- أَنْ يُوَثِّقَ المُوَرِّثُ (في أَثنَاءِ حَيَاتِهِ): الحُقُوقَ الَّتي لَهُ وعليه، 2- وأَلَّا يُوصِيَ في مَالِهِ بِمَا يُجحِفُ الوَرَثَةَ، 3- وأَلَّا يَزِيدَ في الوَصِيَّةِ عَنِ الثُّلُثِ. قال ﷺ: (إنَّك أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغنِيَاءَ؛ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).
وحِفْظُ حَقِّ الرَّحِمِ؛ يَحفَظُ الوَرَثَةَ مِنَ النِّزاع، فَإِنْ كانَ لَهُم حَقٌّ في التَّرِكَةِ؛ فَإِنَّ حَقَّ الصِّلَةِ أَوجَب! وَحُبُّ الثَّرَوَاتِ، لا يُقَدَّمُ على حُبِّ الإِخوَةِ والأَخَوَاتِ! والنِّزَاعُ على التَّرِكَةُ: سَبَبٌ لِزَوَالِ البَّرَكَة! قال ﷺ: (إِنَّ أَعجَلَ الطَّاعَةِ ثَوَابًا: صِلَةُ الرَّحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهلَ البَيْتِ لِيَكُونُوا فَجَرَةً: فَتَنْمُو أَمْوَالُهُمْ، وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوا!).
ومِمَّا يُقَلِّلُ النِّزَاعَ بَيْنَ الوَرَثَة: الصِّدقُ والأَمَانَةُ، والحَذَرُ مِنَ الغِشِّ والخِيَانَةِ، وأَنْ يُفْصِحَ كُلٌّ مِنهُم عَمَّا في ذِمَّتِهِ مِنْ أَموَالِ المُوَرِّثِ، ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئًا! ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعضُكُمْ بَعضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ﴾.
ومِمَّا يَدفَعُ النِّزَاعَ بَينَ الوََرَثَة: السَّمَاحَةُ في المُعَامَلَةِ، وتَرْكُ الطَّمَعِ والمُشَاحَنَةِ؛ فَإِنَّ السَّمَاحَةَ سَبَبٌ لِنُزُوْلِ الرَّحَمَاتِ، وحُصُولِ البَرَكَاتِ، والوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ!
قال ﷺ: (رَحِمَ اللهُ رَجُلًا سَمْحًا: إذا باعَ، وإذا اشْتَرَى، وإذا اقْتَضَى).
أَقُوْلُ قَوْلِي هذا، وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ ولَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ على إِحسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ على تَوْفِيْقِهِ وامْتِنَانِه، وأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُه.
عِبَادَ الله: مِيرَاثُ الدُّنيَا بِأَجْمَعِهَا؛ لا يُسَاوِي لَحظَةً واحدةً في نَارِ جَهَنَّم! فَأَدُّوا الحُقُوقَ لِلْوَرَثَةِ؛ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ دِينَارٌ ولَا دِرهَمٌ! قال ﷺ: (إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ: أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ: أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ؛ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). وفي الحديثِ الآخَر: (فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيهِ: أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّار!).
************
* اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلامَ والمُسلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّركَ والمُشرِكِين، وارضَ اللَّهُمَّ عَنِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِين: أَبِي بَكرٍ، وعُمَرَ، وعُثمانَ، وعَلِيّ؛ وعَن بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ والتابعِين، ومَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ إلى يومِ الدِّين.
* اللَّهُمَّ فَرِّج هَمَّ المَهمُومِينَ، ونَفِّس كَربَ المَكرُوبِين، واقضِ الدَّينَ عَنِ المَدِينِين، واشفِ مَرضَى المسلمين.
* اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوطَانِنَا، وأَصلِح أَئِمَّتَنَا ووُلَاةَ أُمُورِنَا، ووَفِّق (وَلِيَّ أَمرِنَا ووَلِيَّ عَهدِهِ) لِمَا تُحِبُّ وتَرضَى، وخُذ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلبِرِّ والتَّقوَى.
* اللَّهُمَّ أَنتَ اللهُ لا إِلَهَ إلَّا أَنتَ، أَنتَ الغَنِيُّ ونَحنُ الفُقَراء؛ أَنزِل عَلَينَا الغَيثَ، ولا تَجعَلْنَا مِنَ القَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَستَغفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرسِلِ السَّمَاءَ عَلَينَا مِدرَارًا.
* عِبَادَ الله: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
* فَاذكُرُوا اللهَ يَذكُرْكُمْ، واشكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ولَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
المرفقات
1735702161_حقوق الورثة.pdf
1735702161_حقوق الورثة (نسخة للطباعة).pdf
1735702161_حقوق الورثة (نسخة مختصرة).pdf
1735702166_حقوق الورثة (نسخة مختصرة).docx
1735702166_حقوق الورثة (نسخة للطباعة).docx
1735702167_حقوق الورثة.docx
المشاهدات 1237 | التعليقات 2
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خطبة موفقه ورائعة .. وجل من لا يسهو فهناك خطأ في آخر الآية الكريمة :
والمِيرَاثُ هُوَ وَصِيَّةُ اللهِ لِعِبَادِهِ؛ فَمَنْ مَنَعَ الوَارِثَ مِنْ حَقَّهِ؛ فَقَدْ خَالَفَ وَصِيَّةَ اللهَ في خَلْقِهِ! ﴿وَصِيَّةً مِنَ اللهِ واللهُ عَلِيمٌ حَكِيْمٌ﴾.
والصحيح: {وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيم}
جزيت خيرا ونفع الله بنا وبك وبهذا الموقع المبارك
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق