حقوقُ الشَّوَاذِ! 13-5-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلال الهاجري
محمد بن سامر
حقوقُ الشَّوَاذِ! 13-5-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلال الهاجري
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرورِ أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عليه وآلهِ صلاتُه وسلامُه وبركاتُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
وبَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَخَيْرَ الهدْى هَدْى مُحَمَّدٍ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ.
وبعدُ: فيا إخواني الكرامُ:
ففي هذا الزَّمانِ الذي انتكستْ فيه بَعضُ الفِطَرِ، وأصبحَتْ الحيواناتُ البَهيمةُ خيرًا من كثيرٍ من البَشرِ، وخرجتْ علينا مؤتمراتُ العالَمِ بقراراتٍ تُذهبُ ما بَقيَ مِن الصَبرِ، بجوازِ نكاحِ المرأةِ للمرأةِ وزواجِ الذَّكرِ من الذَّكرِ، نحتاجُ أن نرجعَ إلى كتابِ اللهِ-تعالى-لنرى مَكمنَ الخَطَرِ، فلعلَّهُ يكونُ لنا ذِكرى ومَوعظةً ومُزدَجَرَ.
ففي الوقتِ الذي يبتدِئُ جميعُ الرُّسلِ في سورةِ الأعرافِ دعوةَ أقوامِهم بقولِهم: (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)، يذكرُ لنا-تعالى-بدايةَ دعوةِ لوطٍ لقومِه بقولِه: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ)، ما هذه الجريمةُ العظيمةُ التي ابتدأَ بها لوطٌ دعوتَه وتحذيرَه؟ كأنها تساوي الشِّركَ في منزلتِه الخطيرةِ، بل حتى الزِّنا لم يأتِ فيه مثلُ هذا، فقد قالَ اللهُ-تعالى-فيه: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، فهو فاحشةٌ من الفواحشِ، وأما في جريمةِ قومِ لوطٍ فعبَّرَ عنها بلفظِ (الْفَاحِشَةَ) بالألفِ واللَّامِ ليفيدَ أنها جمعتْ جميعَ أنواعِ الفُحشِ والدَّناءَةِ، والقُبحِ والشَّناعةِ، فالكلامُ عن نبيِّ اللهِ لوطٍ وقومِه-على نبيِنا وعليه الصلاةُ والسَّلامُ-، هو الحديثُ عن معركةٍ مُستمرةٍ، بين طَهارةِ الحقِّ ورِجسِ الباطلِ، وعن الصِّراعِ الدَّائمِ بينَ المُصلحينَ وأصحابِ الهوى والشَّهوانيين.
قالَ لهم: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ)، إنها واللهِ انتِكاسُ الفِطَرِ، إنها مانعةُ الخيرِ والمطرِ، إنها طريقُ الفسادِ والغِوايةِ والإجرامِ، بسببِها انتَشرتْ الأمراضُ والأسقامُ، يقول ُالنبيُ-عليه وآلِهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا»، ويقولُ ابنُ القيِّمِ-رحمَه اللهُ-في هذهِ الفاحشةِ: «تَكَادُ الْأَرْضُ تَمِيدُ مِنْ جَوَانِبِهَا إِذَا عُمِلَتْ عَلَيْهَا، وَتَهْرُبُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِذَا شَاهَدُوهَا، خَشْيَةَ نُزُولِ الْعَذَابِ عَلَى أَهْلِهَا فَيُصِيبُهُمْ مَعَهُمْ، وَتَعِجُّ الْأَرْضُ إِلَى رَبِّهَا-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَتَكَادُ الْجِبَالُ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا».
وَلذلكَ ثَبَتَ عَنْهُ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ»، لَمْ يَلعنْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي حَدِيثٍ، إلا في هذا العملِ الخبيثِ، فأينَ يَذهبونَ إذا طُرِدوا من رَحمةٍ وَسِعَتْ العالَمينَ، ومن يرحمُهم إذا خَرجوا من رحمةِ أرحمِ الرَّاحمينَ.
الوليدُ بنُ عبدِ الملكِ الخليفةُ الأُمويُّ-رحمه اللهُ تعالى-الذي امتدَّتْ في زمنِه حدودُ الدَّولةِ الإسلاميَّةِ من المغربِ الأقصى غربًا، إلى بلادِ الهندِ وأطرافِ الصِّينِ شَرقًا، حتى أصبحتْ الدَّولةُ الأمويَّةُ من أوسعِ الدُولِ التي عرفَها التَّاريخُ، وانفتحتْ البِلادُ على كلِّ الحضَاراتِ، وخالَطتْ كلَّ الثَّقافاتِ، وجاءَ النَّاسُ من كلِّ مكانٍ إليها، في دمشقٍ عاصمةِ العلمِ والعُمرانِ، يقولُ الوليدُ-رحمَه اللهُ-: «لولا أنَّ اللهَ-عزَّ وجلَّ-قصَّ علينا خبرَ قَومِ لوطٍ، ما ظننتُ أنَّ ذَكَرًا يعلو ذَكَرًا».
والعجيبُ أنَّ أصحابَ هذه الفاحشةِ في كلِّ زمانٍ وحِينٍ، يُرغِمونَ الآخرينَ على الاعترافِ بحقوقِهم بالقوَّةِ أو باللِّينِ، ويُسمونَ أنفسَهم خِداعًا وتزييفًا بالمِثليينَ، وإن لم تَعترفْ بفعلِهم فإنَّكَ عدوٌّ للحُريَّةِ، وتدعو إلى الكراهيةِ، وينبغي أن تُخرجَ وتُطردَ، (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ)، فإما أن ترضى بفاحشَتِهم الذَّميمةِ، أو تـُخرجَ مَطرودًا من مسرحِ الجريمةِ.
فلمَّا كَثُرَ الفسادُ وعمَّ، وانتشرَ المنكرُ وطمَّ، استَعانَ لوطٌ بربِّهِ: (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ).
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فلمَّا دَعا لوطٌ على قومِهِ جاءَتهُ الملائكةُ: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)، فماذا حدثَ في الصُّبحِ؟ سلّطَ اللهُ عليهم ثلاثةَ أنواعٍ من العذابِ:
العذابِ الأولِ: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ)، صَوتٌ قَاصفٌ-شديدٌ-يُقطِّعُ الأفئدةَ في الصُّدورِ.
العذابِ الثَّاني: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا)، قالَ أهلُ التَّفسيرِ: «إِنَّ جِبْرِيلَ-عَلَيْهِ السَّلَامُ-لَمَّا أَصْبَحَ نَشَرَ جَنَاحَهُ، فَانْتَسَفَ بِهِ أَرْضَهُمْ بِمَا فِيهَا مِنْ قُصُورٍ وَدَوَابٍّ، وَحِجَارَةٍ وَشَجَرٍ، وَجَمِيعِ مَا فِيهَا، ثُمَّ صَعِدَ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حَتَّى سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا نُبَاحَ كِلَابِهِمْ، وَأَصْوَاتَ دُيُوكِهِمْ، ثُمَّ قَلَبَهَا، فَأَرْسَلَهَا إِلَى الْأَرْضِ مَنْكُوسَةً، وَدَمْدَمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا».
العذابِ الثَّالِثِ: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ)، حجارةٌ من طينٍ مٌتتابعةٌ، لا تُصيبُ أحدًا إلا أَهلَكتْه، (مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ) مكتوبٌ عليها أسماؤُهم، فهل رأيتُم عذابَ أمَّةٍ كعذابِ قومِ لوطٍ؟
هذا عذابُ اللهِ، وأما واجبُ الوُلاةِ، فَقدْ صحَّ أنَّ النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-قالَ: «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ»، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ-رضي اللهُ عنهم-عَلَى قَتْلِهِمَا جَمِيعًا، لَكِنْ تَنَوَّعُوا فِي صِفَةِ الْقَتْلِ: فَبَعْضُهُمْ قَالَ: «يُرْجَمُ»، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: «يُرْمَى مِنْ أَعْلَى مكانٍ مرتفعٍ فِي الْقَرْيَةِ، وَيُتْبَعُ بِالْحِجَارَةِ»، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: «يُحَرَّقُ بِالنَّارِ».
فهذا بيانٌ شافٍ لحقوقِ الشَّواذِ الكَونيةِ والشَّرعيةِ! فالحذرَ، الحذرَ، فَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ-تَعَالى-مَسَافَةَ الْعَذَابِ بَيْنَ أُمَّةِ لُوطٍ وَبَيْنَ إِخْوَانِهِمْ فِي الْعَمَلِ، فَقَالَ مُخَوِّفًا لَهُمْ حتى لا يَقَعوا في الْوَعِيدِ: (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ).
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانَك إنَّا كنَّا من الظالمينَ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والدينِ والدنيا والأهلِ والمالِ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهُمَّ اسقنا وأغثنا(ثلاثًا).
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1639663398_حقوقُ الشَّوَاذِ! 13-5-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلال الهاجري.docx
1639663401_حقوقُ الشَّوَاذِ! 13-5-1443هـ-مستفادةٌ من خطبةِ الشيخِ هلال الهاجري.pdf
المشاهدات 1190 | التعليقات 3
السلام عليكم
وبارك فيك وفي الشيخ هلال والمسلمين أجمعين، ونفع بالجميع. آمين.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم آمين
m93 m93
موضوع مهم جدا بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء
تعديل التعليق