حقائق قرآنية في العدوان الصهيوني على غزة

عبدالرحمن اللهيبي
1445/04/12 - 2023/10/27 01:31AM
 الحمد لله مذلِ المستكبرين ، وقاهر العتاةوالمتجبرين ، وناصر المؤمنين المستضعفين ، أرسل محمداً بالهدى والحق المبين ، صلى اللهوسلم عليه وعلى آله الطيبين ،وعمن تبعهمبإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بجودكوكرمك يا أكرم الأكرمين ..
أما بعد
فاتقوا الله يا مسلمون وكونوا عباد الله إخوانا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)   
أيها المسلمون ما زال مسلسل العدوانِ الصهيونيِ على أهنا في غزة مستمر .. أطفالا أبرياء تحت الأنقاض ، القتلى بالآلاف ، والجرحى ينزفون في المنازل والطرقات فيستغيث الرجل منهم فلا يغاث , لم يرحَموا طفلا لضعف قدمِه وأوصالِه، ولا شيخا لأجلِ عيالِه، ولا مسنا لهوانِ حالِه، ولا امرأةً تبكي لعِظم المصاب وأهوالِه.
ووجدتنُي يا مسلمون أمام هذه المشاهد أقف في هيبة وخضوع أمام حقيقة القرآن "ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"
عباد الله : إن من تأمل في آيات القرآن ودلالاته , وتدبر في حِكمه وأسراره , وربطه بما يجري في أحداث الأقصى وملماته.. تفتحت له من المعاني والحكم ما يكون له فرقانا بين الحق والباطل ، وبصيرة فيما حل بالمسلمين من الكوارث والنوازل ، ويقينا وطمأنينة بحسن الخواتيم وجميل العواقب ، ورضا عن الله فيما قدر من البلايا والمصائب وأحداث غزة يا مسلمون ليست بمنأى عن النظر لها من خلال التأمل في القرآن وما فيه من الحقائق ..
فحينما يتناولها المحللون السياسيون من جوانب سياسية ، ويبحثها الإعلاميون لبيان أبعادها المادية ؛ فإننا نحن المسلمون ننظر إليها بنور الله ووحيه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
وإننا لنجد في كتاب الله إجابات واضحة وحقائق ثابتة، بعيدة عن التجاذبات السياسية المتناقضة ، والمعتركات الإعلامية المتقلّبة!    
فمن تلكم الحقائق يا مسلمون ما يلي:              الحقيقة القرآنية الأولى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾  فلن يجد المؤمن مشقةً في إدراك هذه الحقيقة في تاريخ اليهود المعاصر فقط، فما يفعلونه بالمسلمين ليس نتيجة لاستفزاز عابر ولا ردة فعل لعدوان عاثر.. فإن تاريخهم الغابر منذ مبعث نبينا صلى الله عليه وسلم- كافٍ في بيان شدة عداوتهم للمؤمنين ، وحرصهم على استئصال شأفة المسلمين!
وأما في تاريخيهم المعاصر فإن الاحتلال الصهيوني منذ نشأته قبل خمسة وسبعين عاما لم يتوقف يوما عن ارتكاب الشنائع والمجازر ..
الحقيقة القرآنية الثانية: قال تعالى (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المسْكَنَةُ ...).
فالله قد ضرب على اليهود الذلة والمسكنة أينما ثقفوا، فقد تعرض اليهود للقهر والذلة إلى زمن قريب في العصر الحديث من قِبَل ألمانيا وفرنسا والنمسا وأوروبا الشرقية. واستثنى الله من الذلة الملازمة لهم حالتين كما قال سبحانه:(إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ) وحبل الله تعالى هو عقد الذمة لهم في ظل قيادة المسلمين، وأما المقصود بحبل الناس فهو الدعم والتأييد الذي يكون من الغرب لهم، فما هم فيه من القوة والاستكبار والطغيان في زماننا المعاصر إنما سببه دعم دول الغرب الكافرة ، فمتى ما رُفع عنه الدعم الغربي عادوا لما هم عليه من الذلة والتشرد
والحقيقة القرآنية الثالثة: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين﴾، فهم كلما عقدوا أسباباً للحروب يكيدون بها الإسلامَ وأهلَه؛ أطفأها الله ورد كيدَهم عليهم، وأحاق مكرهم بهم، وما هذا العدوان الأخير على المسلمين بغزة إلا نموذج واضح تتجلي فيه هذه الحقيقة، فلقد ظن اليهود أن المسلمين في غزة يمكن تهجيرهم وتشريدهم وتخويفهم وإرهابهم، فإذا به يفاجئ العدو بالثبات والصمود ، وإذا بالصهاينة هم الذين إلى دولهم يفرون ويهربون ، وهم من تعطلت مطاراتهم، وتوقفت مصالحهم، وعظمت خسائرهم، وسيطفئ الله نار حربهم وعدوانهم، وسيرجعون ذليلين خائبين ..
أما الحقيقة القرآنية الرابعة يا مسلمون: ففي قول الله تعالى ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ فالقرآن صريح، والتاريخ شاهد بأن التمكين لا يتحقق في بيئة المترفين، ولا من هم في الشهوات غارقين! بل لا يمكن أن يقوم إلا على أيدي أناس يسترخصون الموت في سبيل الله، ويرغبون فيه كما يرغب عدوُهم الحياة
والأقصى المبارك ـ وفلسطين عامة ـ لن تتحرر من رجس يهود إلا على أيدي: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾
والحقيقة القرآنية الخامسة: ففي قوله تعالى ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ فالانتصار العسكري لا يقاس أبدا بعدد القتلى من الفريقين! فإن الله وصفَ إحراق أصحاب الأخدود عن بكرة أبيهم: بالفوز الكبير، وقال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾ كما جاء ذلك في قراءة ثابتة ـ ﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
وتاج هذه الحقائق يا مسلمون: هي الحقيقة القرآنية السادسة: ﴿إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين﴾ ثمة غاية من هذه الابتلاءات والحروب، وهي تمييز الصفوف: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فيميز الله المؤمنين بصبرهم وثباتهم وصلابة عقيدتهم وقوة إيمانهم، ثم أيضا ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ فالشهادة كرامة من الله واصطفاء ، وما من مؤمن صادق الإيمان إلا وهو يرجوها ، ويسأل الله أن ينالها
عباد الله: ليس المقصود هنا حصر الحقائق القرآنية التي ظهرت في هذا العدوان الصهيوني الأخير ، ولكن المراد لفتُ النظر إلى ضرورة مرجعية القرآن في حياة المسلمين، وبث مزيد من السكينة والرضا واليقين ، فهنيئاً لمن كان ولاؤه للإسلام والمسلمين، وبراءته وعداوته وبغضه للكفر والكافرين ! فوِلَايَةُ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الْإِيمَانِ، وَهِيَ مِنْ دَلَائِلِ سَلَامَةِ الْقَلْبِ وَصَلَاحِ اللِّسَانِ؛ فَلَا يَنْطِقُ فِي الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَمَهْمَا أَخْطَأَ الْمُؤْمِنُ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَزُولُ عَنْهُ إلا بخروجه مِنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ؛ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}        أقول قولي هذا ...
أما بعد : أيها المسلمون
وختام هذه الحقائق القرآنية قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، جَاءَهُمْ نَصْرُنَا، فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)
فلا يأس من روح الله، والنصر قادم بإذن الله،
فهذه رسائل قرآنية واضحةٌ المعالم، بينة الألفاظ ، تكرر في القرآن كثيرا لتؤكد: أن الباطل مهما انتفخ وانتفش وعظم فإن له يوما لا محالة زائل ، وأن الصراع بين الحق والباطل مهما امتد أجله، فإن العاقبة للمتقين..
وأن للمستضعفين يوما ينصرهم الله ، متى ما حققوا أسباب النصر والتمكين. ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِين﴾ ، وأنَّ لِلطُّغَاةِ الكفرة المعتدين يوما مِنْ أَيَّامِ اللَّـهِ يكْتَبُ فِيه ذُلّهمْ، وَتَهْوِي فِيه عُرُوشُهُمْ، وَتَتَمَزَّقُ فيه دُوَلُهُمْ، ولن ينفعهم فيه قُوَّتُهُمْ وَجَمْعُهُمْ ، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" ..
أيها المسلمون.. إن أخطر ما يصيب الأمة الإسلامية هو روح الهزيمة النفسية، وسوء الظن بالله ، فيظنون أن الله لا ينصر دينه، ولا ينتقم لعباده ، وأن الله كتب الهزيمة على المسلمين أبد الدهر!
وإننا والله على ثقة بنصر الله لعباده المؤمنين (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ))
كما أننا على يقين بأن دولة الباطل قرب زوالها وما هذه الجرائم والفظائع إلا إرهاصات بزوالها
 فابشروا أيها المسلمون فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيراً كثيراً فإن الآمال تولد في رحم الآلام
فهذه الجرائم والفظائع جيشت في النفوس العداوة والبغضاء ، وحركت الألسن في المؤمنين بالدعاء ، وكم من دعوة صادقة خرجت من رجل صالح مظلوم مكلوم في جنح الظلام ، ودعوة المظلوم لا ترد
اللهمّ أنت إلهُنا، وأنت ملاذُنا، وأنتَ عِياذنا، وعليك اتِّكالنا، اكشِف عنّ إخواننا في غزة كلَّ بلاء، اصرِف عنهم كلَّ ضرّاء، ادفَع عنهم كلَّ بأسَاء، احفَظ منهم الأعراضَ والدّمَاء، اللهمَ إليك نشكو ضعفَهم وهوانَهم على الناس، يا أرحم الراحمين، إلى من تكِلُهم؛ إلى عدوٍّ يتجهَّمهم، أم إلى باغ ملَّكتَه أمرَهم؟
اللهم فارج الكربات ، مغيث اللهفات ، يجيب المضطر إذا دعاه ، ويكشف السوء عن من ناداه ، اللهم نفس كربنهم ، وفرِّج همّهم، واربط على قلوبهم وثبت أقدامهم
اللهم إنك تعلم ما حل بهم، اللهم إنك ترى مكانهم وتسمع كلامهم ، ولا يخفى عليك شيء من أمرهم،
اللهم إنا نشكو إليك أنفساً أزهقت، ودماءً أريقت، ومساجد هدمت، وبيوتاً دمرت، ونساء أيمت، وأطفالا يتمت. اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم، مظلومون فانصرهم.
اللهم عليك باليهود المعتدين الغاصبين، ومن عاونهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم أهلكم بالسنين، وأخرجهم من المسجد الأقصى أذلة صاغرين، اللهم لا ترفع لهم في الأرض راية، واجعلهم لغيرهم عبرة وآية.
اللهم أسقط طائراتهم ودمر دباباتهم، واقذف الرعب في قلوبهم، وشتت شملهم، وسلط عليهم ما نزل من السماء وما خرج من الأرض، وزلزل الأرض من تحت أقدامهم، وجمد الدماء في عروقهم ،اللهم اشفي بذلك صدورنا وصدور قوم مؤمنين يارب العالمين.
المشاهدات 3701 | التعليقات 0