حفلات الزواج ( آداب ومخالفات ) 8 شوال 1436 هـ

مبارك العشوان
1436/10/07 - 2015/07/23 17:06PM
الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله تعالى أيها الناس حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوا ربكم أيها الناس واشكروه على سائر نعمه، ثم اعلموا رحمكم الله أن من أعظم النعم ما امتن الله به على خلقه وجعله آية من آياته فقال سبحانه: { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم 21
نَعَمْ عباد الله: الزواجُ نعمة من أعظم النعم، فيه طُمأنينةُ النفس، فيه السكنُ والأُنس، فيه المودة والرحمة، فيه غضُ البصر، وحفظُ الفرج، وبه حصولُ الولد، وتكثيرُ النسل، وبه تتحقق أمورٌ عظيمة للفرد والمجتمع، فالزواج نعمة وحق النعم أن تشكر ولما كان الزواج بهذه المنزلة، جاءت الشريعة به فهو من سنن المرسلين: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً }الرعد 38 وقال عليه الصلاة والسلام: ( لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَـــيْسَ مِنِّي ) رواه البخاري. بل جاء الأمر الصريح بالزواج في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفي أقوال السلف الصالح، قال تعالى: { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ } النساء3 وقال تعالى :{ وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } النور 32 وقال صلى الله عليه وسلـــــم : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري ومسلم. وقال إبراهيم بن ميسرة: قال لي طاووس: لتنكحنّ، أو لأقولنَّ لك ما قال عمر لأبي الزوائد: ( ما يمنعك عن النكاح إلا عجزٌ أو فجور ) . وقال الإمام أحمد رحمــه الله: ليستِ العزوبةُ من أمرِ الإسلام في شيء.
عباد الله: وإنه لَيَسُرُّ كلَّ مسلمٍ ما يشاهد هذه الأيام من الإقبال على الزواج، وتحصيلِ هذا الخير العظيم للفرد والمجتمع.
ثم ما أجمل أن يُتَّبعَ هديُ النبي صلى الله عليه ويُسار على سنته فهو والله أحرى بالتوفيق، كما أن المخالفة له أحرى بعدم التوفيق
وفي هذه الخطبة رحمكم الله نعرض بعض آداب النكاح ومخالفاته على وجه الاختصار: فمن ذلك اختيار صاحبِ الدين من الزوج و الزوجة، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الرجل: ( إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌَ ) أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.
وقال عن المرأة: ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري. فإذا تقدم الكُفء فلا ينبغي رَدُّهُ؛ طمعاً في خدمة البنت أو في مرتبها إن كانت موظفة، أو لأي سبب من الأسباب التي يتعلل بها بعض الأولياء؛ وهذا هو العضل، كما أنها لا تنبغي المسارعة في قبول أي خاطب دون السؤال والتحري عن دينه وخلقه ودون أخذ رأي المرأة فيه، وربما كان هذا لقرابته أو لأنه من أسرة كريمة دون النظر إلى الخاطب نفسه، وربما كان السبب الطمع في ماله أو جاهه، وعلى أي حال فإنه يحرم على ولي المرأة إجبارها على زوج لا ترغب نكاحه.
ومن ذلك الاقتصاد في المهور، وتيسيرها، اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من بعده، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أَلَا لَا تَغْلُوا صُدُقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْتَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ، أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُغْلِي بِصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ ...) الحديث رواه النسائي وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم لرجل: ( الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَلَمْ يَجِدْ فَقَالَ أَمَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ) رواه البخاري.
فعلى المرأة وعلى وليها أن لا يغالوا في المهور فيثقلوا كاهل الزوج ويحملوه الديون، ويعيش هو وزوجه بعد ذلك في هم الدين ومذلته، أو ينصرف عن الزواج لعدم قدرته عليه. ومَن له أولادٌ فهو محتاج إلى تزويجهم، ومَن له بنات فهو يتمنّى لهنّ الزواجَ، فهي مصلحة مشتركَةٌ، على المسلم أن يسعى لتحقيقها ويبادر، فهو المستفيد وأولاده وبناته.
عباد الله: وليمة العرس مشروعة، والاعتدال فيها واتباع الهدي مطلوب فعن أنس رضي الله عنه أن النبيّ أولم على زينب بشاة وقال لعبد الرحمن بن عوف: ( أولم ولو بشاة ) متفق عليه .
ومن المخالفات عباد الله: التباهي والتبذير في وليمة العرس وفيما يتبعها من الحلويات ونحوها، والتي قد تقارب ما ينفق على الوليمة.
مما أدى إلى الاستهانة بالنعم، وأصبحت ترمى في النفايات، ولو تذكر هؤلاء أقوامًا يتمنَّون لقمةَ العيش فلا يحصلون عليها لما فعلوا، ولو تذكروا أنهم قد يُسلبون هذه النعمة إذا لم يشكرها لما فعلوا، لو اقتصدوا على ما يكفي ضيوفهم، ثم اتفقوا مع الجمعيات الخيرية لأخذ فائض الوليمة لحصل من ذلك خير كثير .
ومن المخالفات: عدم دعوة الفقراء والمساكين لطعام الوليمة، ففي البخاري من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ( شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفقني الله وإياكم لاتباع السنة وبارك الله لي ولكم .....


الخطبة الثانية:
الحمد لله ...أما بعد: فإن من المخالفات استخدام الرجال أنواعا من المعازف غير مسموح به، حتى ولو كان الدف لأن الذي أبيح له الضرب بالدف هن النساء وأما الرجال فلم يثبت إباحته لهم وأما حديث: ( واضربوا عليه بالدفوف ) فلا يصح الاستدلال به لأنه حديث ضعيف. كما قال ذلك لإمام الحافظ ابن حجر في فتح الباري. وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصـــه: ( إعلان النكاح سنة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أعلنوا النكاح ) رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم ومن وسائل إعلانه الضرب بالدف لكنه من النساء دون الرجال؛ لثبوته منهن عمليا دون الرجال في الصدر الأول، وقد وردت أحاديث في الضرب بالدف في النكاح، منها ما رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالغربال ) أي : الدف، وفي سنده عيسى بن ميمون وهو ضعيف، وأخرجه ابن ماجه وفي إسناده خالد بن إياس وهو منكر الحديث، وروي من طرق أخرى لا تخلو من مقال، فلا يصح الاستدلال بهما على جوازه للرجال . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ومن المخالفات وجود مكبرات الصوت الصاخبة والمؤذية وقد حرم الله تعالى أذية عباده فقال: { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }الأحزاب 58
ومن المخالفات إطلاق النار في حفلات النكاح؛ وهي ظاهرة تجمع أنواعا من المخالفات: مخالفة لولي الأمر، وتعرض للخطر، و تبذير للمال، وإيذاء لعــباد الله. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما نصه: ( إطلاق النار في النكاح ليس من الإعلان الشرعي، وفيه من المخاطر ما يقتضي منعه ) .
ومن المخالفات: ما انتشر مؤخرا من ذهاب المرأة إلى الحفلات مع السائق ثم رجوعها معه في ساعة متأخرة من الليل وبدون محرم، وربما كانت متعطرة متزينة، وفي الحديث: ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) أخرجه النسائي وحسنه الألباني من يأمن الفتنة مع توفر دواعيها، ثم من يأمن ما قد يحصل لهذا السائق ومن معه من النساء من حوادث سيارات أو حوادث غيرها . فلتقوا الله معاشر الرجال ولتأخذوا على أيدي نسائكم .
ومن المخالفات: التساهل في أمر اللباس ولبس العاري وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه مسلم
ومن المخالفات: تزين الزوجين بالمحرمات: كتزين الزوجة بالوشم والنمص والوصل وتطويل الأظافر، قال الطبري رحمــه الله :لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التى خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماساً للحسن لا لزوج ولا غيره ... ) الخ
أو تزين الزوج بحلق لحيته وإسبال ثوبه أو مشلحه في تلك الليلة، وهو فعل لا يجوز، لا في ليلة الزواج ولا في غيرها.
ومن ذلك تساهل العروس عند تزينها لليلة الزفاف في كشف ما لا يجوز كشفه من عورتها، سواء كان ذلك لقريبة لها أو غير قريبة. أو تأخير الصلوات عن وقتها حتى لا تتوضأ فيزيل الماء ما عليها من المساحيق... إلى غير ذلك من المخالفات التي لا تخفى، فقد أحدث كثير من الناس اليوم أعمالا أخرجت من المشروع إلى الممنوع، حتى أصبحت حفلة الزواج لا تنتهي إلا وقد تحمل أهلها من الأوزار ما يعجزون عن حمله.
فللتتقوا الله عباد الله، ولتشكروا نعمه عليكم : { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } إبراهيم 7 ثم صلوا وسلموا...
المشاهدات 1831 | التعليقات 0