حفظ النفس [ موافقة للتعميم ]
حسام الحجي
الْحَمْدُ للهِ بِيَدِهِ الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَاشَرِيكَ لَهُ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بَشَّرَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِقُصُورِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ، إِلَى يَوْمٍ يُبْعَثُ فِيهِ كُلُّ مَيِّتٍ مِنْ حُفْرَةٍ أَوْ تَابُوتٍ .
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ الْعَزِيزِ الْجَلِيلِ ، وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ بِمَا جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ .
أَيُّهَا النَّاسُ: لَقَدْ كَرَّمَكُمُ اللهُ، وَأَعْلَى شَأْنَكُمْ ، وَأَظْهَرَ أَهَمِّيَّةَ بَقَائِكُمْ وَغَايَةَ الْحِرْصِ عَلَى حَيَاتِكُمْ، فَقَدْ قَالَ ﴿أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفسًا بِغَيرِ نَفسٍ أَو فَسادٍ فِي الأَرضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَميعًا وَمَن أَحياها فَكَأَنَّما أَحيَا النّاسَ جَميعًا﴾ وَحَرَّمَ إِزْهَاقَ النَّفْسِ بِوَصِيَّتِهِ إِلَيْكُمْ ﴿وَلا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ﴾
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ [لَا يَحُلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ للْجَمَاعَة].
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ : فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ أَدِلَّةٍ، تَأْكِيدٌ وَاضِحٌ عَلَى أَهَمِّيَّةِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، وَضَرُورَةِ الْحِفَاظِ عَلَيْهَا، سَوَاءً مِنَ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَهِيَ إِحْدَى الضَّرُورَاتِ الْخَمْسِ الْوَاجِبِ حِفْظُهَا، وَيَحْرُمُ إِذْهَابُهَا وَإِتْلَافُهَا أَوْ حَتَّى مُحَاوَلَةُ الْإِضْرَارِ بِهَا ، فَكَمْ مِنْ كَرَامَةٍ وَرِفْعَةٍ وَأَجْرٍ ، لَمِنْ يَسْعَى لِلْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَتَقْدِيمِ يَدِ الْعَوْنِ لَهَا وَكَفَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ﴿وَمَن أَحياها فَكَأَنَّما أَحيَا النّاسَ جَميعًا﴾ وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ وَأَجَلِّ الْأَسْبَابِ الدَّاعِيَةِ وَالْمُؤَثِّرَةِ فِي حِفْظِ النُّفُوسِ بَعْدَ السُّبُّوحِ الْقُدُّوسِ، عُلُومُ الطِّبِّ الْبَشَرِيِّ وَالصِّحِّيِّ بِأَنْوَاعِهَا، وَعَلَى رَأْسِهَا، مَا يُسَمَّى بِالْإِسْعَافَاتِ الْأَوَّلِيَّةِ، الَّتِي إِنْ حَضَرَتْ وَقُدِّمَتْ فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ، كَانَ لَهَا الْفَضْلُ بَعْدَ اللهِ، لِلْحِفَاظِ عَلَى هَذِهِ النَّفْسِ مِنَ الْهَلَاكِ، وَلَكَ أَنْ تَصِفَ فِي ذَلِكَ مَا تَصِفُ، فَهُوَ إِنْقَاذُ نَفْسٍ حَيَّةٍ، وَتَفْرِيجُ كُرْبَةٍ، وَأَدَاءٌ لِحَقِّ أُخُوَّةٍ، وَقَضَاءُ حَاجَةٍ، وَدَفْع مَضَرَّةٍ، فَمَنْ أَخْلَص فَلَنْ يَضِيعَ عِنْدَ اللهِ أَجْرُهُ، وَإِنْ أَخَذَ أُجْرَةً. أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴿وَما تُقَدِّموا لِأَنفُسِكُم مِن خَيرٍ تَجِدوهُ عِندَ اللهِ هُوَ خَيرًا وَأَعظَمَ أَجرًا وَاستَغفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفورٌ رَحيمٌ﴾.
فَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلِمَاتِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْحَمْدُ للهِ كَمَا أَمَرَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ الْبَشَرِ ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ : إنَّ الْوَعْظَ فِي حِفْظِ النَّفْسِ طَوِيلٌ، وَيَكْثُرُ فِيهِ الدَّلِيلُ، وَكَذَلِكَ طُرُقُهُ وَأَسْبَابُهُ وَأَجْرُهُ ، إِنْ شِئْتَ التَّفْصِيلَ، لِذَا اكْتَفَيْتُ بِذِكْرِ أَحَدِهَا، لِأَنَّهُ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبَابِ الَّتِي عَلَيْهَا بِإِذْنِ اللهِ التَّعْوِيلُ، فَالإسْعَافَاتُ الْأَوَّلِيَّةُ عَمَلٌ كَرِيمٌ جَلِيلٌ، فَكَمَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْغَيْرُ، هِيَ نَافِعَةٌ لِلشَّخْصِ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ لِنَفْسِهِ الْخَيْرَ، وَاسْأَلُوا أَهْلَهَا يُنْبِئُوكُمْ عَنْ عَجَائِبِ فَضْلِهَا، فَمَنْ أَرَادَ خَيْرَهَا، فَلْيَطْرُقْ بَابَ تَعَلُّمِهَا، وَسَيُؤْتَى سُؤْلَهُ. ثُمَّ صَلَاةٌ وَسَلَامٌ أُعْطَرُ * * عَلَى شَفِيعِ الْخَلْقِ يَوْمَ الْمَحْشَرِ * * مُحَمَّدٌ بِفَضْلِ رَبِّي بَشَّرَا.