حفظ اللسان والكلام في الحكام

صالح العويد
1436/04/10 - 2015/01/30 04:36AM
الحمد لله على عظيم نعمائه والشكر له على كريم عطائه، أحمده استتماماً لنعمته وأشكره استمناحاً لجوده وكرمه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. لا يفتقر من كفاه ولا يضل من هداه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله خاتم أنبيائه وخير أصفيائه.. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى من أقام من أمته على سنن الحق إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ زاد وأحسَنُ عاقبة في معاد، إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
أيّها المسلمون، الكلمةُ عنوان المرءِ، تُتَرجِم عن مُستَودعاتِ صَدره، وتبرهِن على مكنوناتِ قَلبِه، وتدَلِّل على أصله وعقلِه، وفَمُ العاقِل ملجَم، إذا همَّ بالكلام أحجَم، وفَم الجاهِلِ، مطلَق كلّما شاء أطلَق، والعاقِلُ من لزِم الصمت إلا عن حقٍّ يوضِحه أو باطلٍ يَدحضه أو خيرٍ ينشُرُه أو علمٍ يذكره أو فضلٍ يشكره، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله: ((مَن كان يؤمِن بالله واليوم الآخرِ فليقل خيرًا أو ليصمُت)) متفق عليه وبِتركِ الفضول تكمُل العقول،وشرّ الناس مائِلٌ بمقاله مميلٌ بلسانِه مُبطِل بكلامِه، وشرّ الكلام ما خالَفَ كتابَ الله وسنّةَ رسوله ممّا تنبو عن قبولِه الطِّباع وتتجافى عن استِماعه الأسماع.
أيّها المسلمون، عثراتُ القولِ طريقُ الندَم، والمنطِق الفاسِد الذي لا نِظام له ولا خِطام عنوانُ الحرمان ودليل الخذلان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((إنَّ العبدَ ليتكلَّم بالكلمةِ ما يتبيَّن فيها يزِلّ بها في النارِ أبعدَ ما بين المشرق والمغرب)) متفق عليه، وعند الترمذيّ: ((إنَّ الرجل ليتكلَّم بالكلمةِ لا يرى بها بأسًا يهوِي بها سبعينَ خريفًا في النار)) ، وعن بلالِ بن الحارث رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: ((إنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله له بها رضوانَه إلى يوم يلقاه، وإنّ أحدَكم ليتكلَّم بالكلمة من سخَط الله، ما يظنّ أن تبلغَ ما بلغت، فيكتب الله عليه بها سخطَه إلى يوم يلقاه)) أخرجه الترمذي وابن ماجه، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، وإنّا لمؤاخَذون بما نتكلَّم به؟! فقال: ((ثكِلتكَ أمّك يا معاذ، وهل يكُبّ الناسَ في النار على وجوهِهم إلاّ حصائدُ ألسنتهم؟!)) أخرجه الترمذي
أيّها المسلمون، الكلمة الطيّبة مغنَم، والكلِمة الخبيثة مأثم، وقد ضرَب الله لهما مثلاً وشبَّه لهما شبهًا: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ
والكلمة الطيِّبة ـ أيّها المسلمون ـ هي شَهادة أن لا إلهَ إلا الله وأنَّ محمّدًا رسول الله، كلمةُ الإسلامِ وأصدَقُ الكلام، الحجَّة الواضِحَة العظمَى والعروةُ الوثقى وكلِمة التقوَى، الكلمة العادِلَة السّواء، عاصِمَة الأموالِ والدّماء
ومعناها: لا معبودَ بحقٌّ إلاّ الله، فلتَلهَج ألسنتُكم بالمساء والصباحِ والغدوِّ والرَّواح بالتهليل والتوحيدِ والتقديس والتمجيدِ والتسبيح والتحميدِ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((لأن أقولَ: سبحان الله والحمد لله ولا إلهَ إلا الله والله أكبر أحبُّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس)) أخرجه مسلم، ((ومَن كان آخرَ كلامه لا إلهَ إلا الله وجبت له الجنة)) أخرجه أحمد وأبو داود، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه [فاطر:10]، وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج:24].
وأمّا الكلِمَة الخبيثة فكلِمَة الكفر، وهي تفوُّهٌ بما يناقِض التصديق وتلفُّظ بما ينافي التّسليمَ وطَعنٌ وسُخريّة واستهزاء وتنقُّص للدِّين وازدِراء، ومَن استهزَأ باللهِ أو آياتِه أو أمره أو وعدِه أو وعيدِه أو استهزأَ برسولِه محمّد أو بشيءٍ مِن أحكام دينِه فقد خرَج عن إيمانه وكفَر بعد إسلامه، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65، 66]، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ
وكلِمَة أهلِ النّفاق باديةٌ في لحنِ قولهم وفلتَات ألسِنَتهم مهما تقنَّعوا بالنُّصح والإصلاح وتظاهَروا بالصِّدق والإحسان، والله مخرِج ما يكتُمون ومظهِر ما يضمِرون، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:29، 30]. كلامُهم كلامٌ غَثٌّ، وفِكرُهم فكرٌ رثٌّ، ، يدلّ على فسادٍ باطِن ومَكرٍ كامِن، الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ
أيّها المسلمون، وأما كلِمةُ الفسوق فهي ميلٌ إلى المعصيةِ وخُروج عن الاستقامة واستِرسال في الحوبِ وإفاضةٌ في الخنا وإشاعةٌ لكلام الفحشِ ولَهو الحديث وإذاعةٌ لصوتِ المنكَر الذي يبعَث على الهوَى والعَبَث والمجون، وعبادُ الرحمن لا يتدنّسون باللّغو الفاجر، ولا يجاهِرون بالمعاصي والمناكِر؛ لأنَّ المعاصي إذا ظهَرَت وانتشَرَت بلا تَغييرٍ ولا إنكارٍ حلَّ العذابُ والخَسار وحاقَ العِقاب والدَّمار، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا
فاستدفِعوا العقوباتِ والنّقمات بإنكارِ المنكراتِ والتخلُّص من المحرَّمات والحذَرِ مِنَ المجاهرة بالمعاصِي والمحظورات، واستديموا النّعَم بتركِ أسباب زوالها ودواعي اضمِحلالها واندثارِها.
وكلِمَة الإرجافِ والتحريش إظهارٌ للشّناعةِ على رؤوسِ الأشهاد وإشاعةٌ لأراجيفِ الأخبار والتماسٌ للفرقة وتفوُّه بما يفضِي لانقسام العَصا وانفصَام العُرى وتحريك القلوبِ بالسوءِ والفتنة ضدَّ جماعةِ المسلمين وأئمّتهم وعلمائِهم وبلادِهم ومناهجِهم، قال سهل بن عبد الله التستريّ رحمه الله تعالى: "لا يزال الناس بخيرٍ ما عظَّموا السلطانَ والعلماء، فإن عظَّموا هذَين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفّوا بهذين أفسَدوا دنياهم وأخرَاهم"، وعن عياض بن غَنم رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((مَن أراد أن ينصَحَ لسُلطان بأمرٍ فلا يبدِ له علانية، ولكن ليَأخذ بيدِه فيخلو به، فإن قبِل منه فذاك، وإلا كان قد أدَّى الذي عليه له)) أخرجه أحمد وابن أبي عاصم وله شواهد.
ونصيحةُ الأئمّة واجبة على اليقين، والإنكار عليهم فيما يخالِف الشرعَ حَتمٌ مِنَ الدين، ولكن بالحكمة والموعِظَة الحسنة واللِّين، وغيبتهم ليست كغيبة غيرهم من الناس ,ويُدعَى لهم بالصلاح والمعافاةِ، ويُصبر على جَورِهم وظلمِهم، ولا يجوز الخروجُ عليهم أو قتالهم أو منابذَتهم، ومَن فعل ذلك فهو مبتدِعٌ على غير السنّةِ وطريقِ السلف، فعن عوف بن مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((خيارُ أئمّتكم الذين تحبّونهم ويحبّونكم ويصلّون عليكم وتصلّون عليهم، وشِرار أئمّتهم الذين تبغِضونهم ويبغِضونكم وتلعَنونهم ويلعنونكم))، قيل: يا رسولَ الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟! فقال: ((لا ما أقاموا فيكم الصلاةَ، وإذا رأيتُم من ولاتِكم شيئًا تكرهونه فاكرَهوا عمَلَه ولا تنزِعوا يدًا من طاعة)) أخرجه مسلم.
جعلَني الله وإياكم من الهداة المهتدين المتبعين لسنّة سيّد المرسلين محمَّد ، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.
المشاهدات 2376 | التعليقات 3

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهَد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيما لشأنه، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعِي إلى رضوانه، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وإخوانه، وسلّم تسليمًا كثيرًا.
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، واعلَموا أنَّ عليكم ملَكَين كريمَين، يكتبان كلَّ كلامِكم، ويحفظان كلَّ أقوالكم، مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18].
أيّها المسلمون، المسلمُ مَن سلِم المسلِمون من لسانِه ويدِه، والقَالَةُ بينَ النّاس نميمةٌ وأَفيكَة وبهيتةٌ وعَضيهَة وقالَة قبيحة، إفسادٌ لذاتِ البين وتفريق بين المتحَابَّين ونفثٌ في عُقَد المكارِهِ بين الزوجين، صاحِبُها متوعَّد بالنار وسوءِ القرار، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((لا يدخُل الجنّةَ نمام)) متفق عليه.
وكلِمةُ الغيبَةِ لسانٌ مقراضٌ وفَريٌ في الأعراضِ، همز ولمزٌ وغَمز وطعن وثلبٌ، مستنقَع آسن ودَرَك هابِط وولوغٌ في الجِيَف والأنتان، عِقابها شديد ومصيرُها رهيبٌ، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((لمّا عرِج بي مررتُ بقومٍ لهم أظفار من نحاس، يخمِشون وجوهَهم وصدورَهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلُون لحومَ الناس ويقَعون في أعراضهم)) أخرجه أحمد وأبو داود. فهل بعدَ هذا الوعيدِ من وعيد؟! فمتى تكُفّ منّا الألسُن عن هذا السقط؟! ومتى نتوب ونمتنِع عن هذا الخضَض واللغط؟!
أيّها المسلِمون، خاب الطّعّانُ وخسِر اللّعّان وباء بالخيبةِ الفاحش وبذيء اللسان، فعن ابن مسعود رضي الله عنه: ((ليس المؤمِن بالطّعّان ولا باللّعّان ولا الفاحِش ولا البذيء)) أخرجه الترمذي.
وقانا الله وإياكم من جميع الآثام، وحمانا من الحرام، وعفا عن تقصيرنا وخطئنا فيما مضى من الأيّام.
أيّها المسلمون، إنّ ثمرةَ الاستماع الاتّباع، فكونوا من الذين يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً] فأكثروا من الصلاة والسلام عليه يعظم الله لكم بها أجرا فان من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرا اللهم صلى وسلم علي عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته واتباعه ظاهراً وباطناً اللهم توفنا علي ملته اللهم احشرنا في زمرته اللهم اسقنا من حوضه اللهم أدخلنا في شفاعته اللهم أجمعنا به في جنات النعيم مع الذين أنعمت عليم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين اللهم وارض عن خلفائه الراشدين و عن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم أرض عنا معهم بمنك وكرمك يا رب العالمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين


لا أذكر من أين جمعتها لأنها من أرشيف الخطب لدي


أهلا سهلا بشيخنا الفاضل صالح العويد بعد انقطاع طويل، وعودا حميدا مباركا، وكل ما نشرت فيه خير وفضل وفائدة أين كان مصدره ومرجعه.