حِفْظُ القُرآنِ ضَرورة

د عبدالعزيز التويجري
1446/02/25 - 2024/08/29 19:36PM

الخطبة الأولى: حِفْظُ القُرآنِ ضَرورة             26/ 2 /1446هـ

الحمد لله ولي المؤمنين (نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وزوجاته ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الدين.

أما بعد:

{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.

أسعدُ الناسِ أقربُهم من كتاب الله {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}

قُراء القرآن وحفظته تاج شرف لهذه الأمة ، {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} ووسام عز في جبين التاريخ «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ».

    إمامُ الزمانِ قرين القرآن   **    أمانُ الأنامِ إذا الخطب جلّ 

حفظة القرآن هم أنفع الناس للناس.. هم نبراس الخير ومشعل الضياء في الكون، كان النبي  إذا بعث بعثاً أمّرَ عليهم من يحفظ سورة البقرة  .. أخرجه الترمذي

قارئ القرآن مقدمٌ على ذوي الأحساب والأنساب .. لَقِيَ عُمَرُ بن الخطاب نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ r قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» أخرجه مسلم.

لا شرف يعلو شرف حفظ القرآن .. قال محمد بن سيرين لما توفي النبي r  أقسم عليٌّ ألا يرتدي برداء إلا حتى يحفظ القران.

ولم يكن الصحابة يفضلون شيئا على حفظ القرآن ، لما فتح سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه المدائن صلى بالناس فقرأ من سور شتى فلما انصرف قال شغلني عن القرآن الجهاد في سبيل الله .. لم يمنعه رضي الله عنه من حفظ القرآن  أصحاب أو أعمال  ولم يشغله عن حفظه أموالٌ أو جوال ،. بل شغله الاشتغال بذروة سنام الإسلام ..

فما ذا يعتذر من صده عن تعلم القرآن وحفظه متابعة غُثاء الرياضة ، وهراء الفارغين ..

وما عساه أن يقول من سُمّت أعينهم من كبار وصغار على تطبيقات وبرامج أثمها أكبر من نفعها ..

لقد تحسر سيف الله من أو قات لم يشتغل فيها بالقرآن وهو القائل "لقد شهدت مائة زحف وما في بدني موضع الا وفيه ضربة او طعنة او رمية..

   أَنْتَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ أَلْفٍ مِنَ النَّاسِ ...   إِذَا مَا كُبَّتْ وُجُوهُ الرِّجَالِ

   أَشُجَـــــاعٌ فَأَنْتَ أَشْجَعُ مِنْ لَيْــــــثِ  ...   عَـرِينٍ جَــــهْمٍ أَبِي أَشْبَــــــالِ

   أَجَـــــــوَّادٌ فَأَنْتَ أَجْـــــوَدُ مِنْ سَيْـــــلٍ  ...  دِيَاسٍ يَسِيــــلُ بَيْنَ الْجِبَـــالِ

 لا خير يسمو خيرية حفظ القرآن وإقرائه .. روى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عن رَسُولِ اللَّهِ r «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وأخذ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السلمي القرآن عن عثمان ، قال ثم أَقْبَلْتُ عَلَى زَيْدٍ بن ثابت ، فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ القُرْآنَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ مَرَّةً. وكَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- يَقْرَأُ عَلَيْهِ ، وَأَقْرَأَ فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وكان يقول هذا الحديث أَجْلَسَنِي هَذَا الْمَجْلِسَ ، وكان يُحَفِظُ القرآنَ خمسَ آيات خمسَ آيات.

ليس لحفظ القرآن عمرٌ ولا وقت ، لا ينتهي بعقد نكاحٍ أو حصول وظيفة ..

احفظ كل يومٍ ولو آية  « فلئن يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ»

وفد غالب بن صعصعة على عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعه ابنه الفرزدق، فقال له علي:

من هذا الفتى معك؟ قال: ابني الفرزدق، وهو شاعر، فقال: علّمه القرآن، فإنه خير له من الشعر. قال: فكان ذلك في نفس الفرزدق حتى قيد نفسه وآلى أن لا يحلّ نفسه حتى يحفظ القرآن.

احفظ القرآن .. فمَنْ حفظَ القُرْآنَ فَقَدْ اسْتَدْرَجَ النُّبُوَّةَ بَيْنَ جَنْبَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يُوْحَى إِلَيْهِ..

احفظ القرآن فإنه يزيدك بصيرة حسناً في رأيك .. كان القُراء أصحاب مجالس عُمر ومُشاورته" (أخرجه البخاري).

  حفظة القرآن .. هم أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ..

حاملُ القرآن مُكرَمٌ في حياته وبعد مماته؛ ففي الحياة «يؤمُّ القومَ أقرأُهم لكتاب الله»

وبعد الوفاة: كان - عليه الصلاة والسلام - يجمعُ بين الرجُلَين من شُهداء أُحُد، ويسألُ: «أيُّهم أكثرُ أخذًا للقرآن»، فيُقدِّمُه في اللَّحد. (رواه البخاري).

" ابدأ بمشروع حفظ القرآن ولو كبر سنك ورق عظمك، فإن منزِلَكَ في الآخرة عندَ آخرِ آية تقرؤها .

من حفظ القرآن فهو كَالأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ »

استغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إني ربي رحيم ودود.

الخطبة الثانية .. الحمدلله ولي المؤمنين والصلاة والسلام على إمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد ..

إن للقرآن لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يعلى عليه. {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}

لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها ولا في أموالها، إلا في تعلم القرآن وحفظه وتلاوته ..

في صحيح الجامع قال عليه الصلاة والسلام: {لأن أقعد مع قوم يذكرون الله من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس؛ خير لي من أن أعتق أربع رقاب، }.

القرآن عزيز ،لا ينال حفظه وضبطه إلا من عزم واجتهد، ودعا وابتهل ..

إن من يريد حفظ كتاب الله، ولمَّا ينتظم في حلقة تحفيظ، ولم يفتح المصحف، إنما يطلب المحال..

      فمَا نَيْلُ المَطَالِبِ بالتَّمنِّي          ولَكنْ القِ دَلوَك فِي الدِّلاءِ

   لو كَان هَذَا العِلمُ يَحصلُ بالمُنَى      مَا كَان يَبقَى في البَرِيَّةِ جَاهِل

فالأمور ميسرة وحلق التحفيظ مُ شرعةُ في كل جامع للكبار والصغار، بأوقات مختلفة، عن قرب وعن بعد، ما عليك إلا العزيمة ونفض غبار الكسل والوهن.. فاعقل، وتوكل، وبادر.

وانهض إلى المعالي   واطلب ولا تبالي

واحذر من التواني    والعيش في الأماني

فليس يمنعنا من الحفظ انشغال خالد ، ولا دفاع ابن تيمية..

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للمؤمنين) ..

اللهم نور بصائرنا واصلح قلوبنا وأعمالنا واجعل القرآن ربيع قلوبنا ..

اللهم آمنا في دورنا واصح ولاة أمورنا ... اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك ..

المرفقات

1724949758_حِفْظُ القُرآنِ ضَرورة.pdf

المشاهدات 468 | التعليقات 0