حفظ القرءان بين الطريقة العتيقة، والطريقة الحديثة

أبواسلام قاسمي
1437/11/02 - 2016/08/05 22:06PM
حفظ القرءان بين الطريقة العتيقة، والطريقة الحديثة
الحمد لله المنزِّل الفرقان على عبده ليكونَ للعالَمين نذيرًا، والمتكلم بالقرآن كلامًا يليق بجلاله وعَلْيائه، دون تشبيه أو تعطيلٍ أو تأويل، أحمده وهو أهل الحمد والثناء والتمجيد، وأشكره ونعمُه بالشكر تدوم وتزيد، وَعَدَ الطائعين مِن عبادِه المتبعين للسنة والقرآن بجنةٍ فيها من كلِّ خير مزيد، وتوعَّد العاصين التاركين لسُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وقرآنه بنارٍ قعرُها بعيدٌ، وحرُّها شديد.وأُصَلِّي وأسلم على مَن كان قرآنًا يمشي بين الناس - صلى الله عليه وسلم - صلاة وسلامًا دائمَيْن متلازمَيْن ليوم الدِّين، ما اختلف الليل والنهار، وتعاقب الجديدان.
أما بعد : قال تعالى : " ولقد يسرنا القرءآن للذكر فهل من مدكر " و قال أيضا " بل هو ءايات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " ، وعن ابن عمر رضي الله قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إنما مثل صاحب القرءان كمثل الإبل المعلقة ، إن عاهد عليها أمسكها ، و إن أطلقها ذهبت " رواه مسلم .
و قال إمام المحققين ابن الجزري رحمه الله : " إن الإعتماد في نقل القرءان على حفظ القلوب و الصدور لا على حفظ المصاحف و الكتب وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة ، وذلك بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب و لا يقرءونه كله إلا نظرا لا على ظهر قلب .
لقد اعتنى المسلمون في مختلف بقاع العالم بتعليم القرآن وتعلمه على اختلاف بينهم في ‏الكيفيات والوسائل . ولذلك رأينا ضرورة تسليط الضوء على طريقة التعليم القرآني بين الطريقة العتيقة والحديثة . ذكر ابن خلدون أن تعليم القرآن الكريم شعيرة من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ودرجوا ‏عليه في جميع أمصارهم ، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن ‏وبعض متون الأحاديث ، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعده من ‏الملكات. وفي سبق القرآن إلى قلب الصبي من المعاني الروحية والنفسية إيحاء عظيم حيث يتم ‏بذلك تعوده على ألفاظه وعباراته ، وتذوق أسلوبه مما ينشئ فيه الاستعداد للتأثر به والانقياد ‏لأوامره ونواهيه.‏ ثم بين ابن خلدون رحمه الله اختلاف طريقة أهل المغرب الذين يبدءون تعليم الولدان الحروف ‏والكتابة عن أهل المشرق الذين يقتصرون على تدريس القرآن ، لكنه رجح طريقة أهل المغرب ‏بقوله :" فهم بذلك أقوم على رسم القرآن وحفظه من سواهم ". ويبرر هذا الترجيح ما جاء ‏في قوله رحمه الله من قبل :" واختلفت طرائقهم في تعليم القرآن للولدان باختلافهم في اعتبار ما ‏ينشأ عن ذلك التعليم من الملكات ، فأما أهل المغرب فمذهبهم في الوالدان الاقتصار على ‏تعليم القرآن فقط ، وأخذهم أثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف حملة القرآن فيه، لا ‏يخلطون ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم لا من حديث ولا من فقه ولا من شعر ولا ‏من كلام العرب إلى أن يحذق فيه ، أو ينقطع دونه فيكون انقطاعه انقطاعا عن العلم بالجملة . حفظ القرءان اليوم في بلادنا تتنازعه طريقتان: الطريقة الأولى : استعملها أجدادنا في حفظ القرءان الكريم وتعتمد هذه الطريقة على لوحة من خشب يكتب عليها الحافظ كل يوم جزء من القرءان ليحفظه ثم يمحيه في اليوم الموالي ليكتب بدله جزء آخر وهكذا دواليك حتى يتم حفظ القرءان ويتم قراءة هذا الجزء في اللوحة مرات عديدة تتجاوز أحيانا المائة حسب كل شخص ولا تزال الكتاتيب تتبع هذا الأسلوب في الحفظ والملاحظ على هذه الطريقة أنهم يركزون على حفظ القرءان وتثبيته مرة واحدة بكثرة قراءة اللوحة. الطريقة الثانية: صارت تستعمل اليوم في بعض المدارس القرءانية وعند بعض الطلاب والحفظة وهي الحفظ باستعمال المصحف الشريف, ويتم من خلالها حفظ الصفحة أو الربع المخصص للحفظ وتخصيص زمن معين له ثم يتم استظهاره بعد ذلك ثم يتم تثبيثه في أوقات أخرى مخصصة لهذا الغرض بمعنى يكون الحفظ والتثبيت منفصلين زمنيا بعكس الطريقة الأولى وأنا اقصد هنا بالتثبيت الأولي ولكل طريقة إجابياتها وسلبياتها .
الإيجابيات :
الطريقة الأولى : - الحفظ الجيد والتثبيت المتين . - فائدة الكتابة في الحفظ الخطي أيضا فالحفظ حفظان الحفظ اللفظي والحفظ الخطي. - ترسيخ شكل رسم الكلمات القرءانية. - تعلم الكتابة القرءانية . - ترسخ الآيات المكتوبة حفظا لمواقعها في اللوحة. - الإحساس بجهد الحفظ ( إثر غسل اللوحة ، تجفيفها ، مسحها و تسطريها و كتابتها ...) الشيئ الذي يشحذ الهمة لدى الطالب في الحفظ و المثابرة . - الإحساس بامتلاك وسيلة خاصة عزيزة و هي اللوحة. – إقرار الشيخ كتابة الطالب و تصحيحها ، وهو ما يعرف في بلدتنا بـ ( السلكة)،وهي أن يصحح الشيخ ما قد ارتكبه الطالب من أخطاء سواء في الحركات أو المحذوف والثابت أو الموصول و المفصول ...و ذلك قبل أن يقرأها عليه.
- يساعد على التدرج في حفظ السورة بخلاف ما لو كلفناه الرجوع إلى المصحف الذي ‏يحوي السورة كاملة.‏
الطريقة الثانية : - سرعة الحفظ بالإعتماد على مبدأ الحفظ بالصورة . - متاح للجميع سواء المتفرغ للحفظ أو غيره باعتبار أن الوسيلة متوفرة
السلبيات:
الطريقة الأولى: استعمال اللوحة والصلصال والكتابة بالحبر المصنوع من الصوف المحترقة صارت من الوسائل الصعب توفرها وإن توفرت فإنها تؤدي إلى العجز والتكاسل وخاصة عند غير المتفرغين للحفظ من أمثال الموظفين وطلاب الجامعة والتجار وغيرهم.
الطريقة الثانية: الحفظ يتلاشى بسرعة وخاصة إذا لم تتبع فيه الطريقة الصحيحة وقواعدها وأصحاب هذه الطريقة يعانون من صعوبة في المراجعة لأن هناك فاصلا زمنيا طويلا بين الحفظ والمراجعة.
ولكن الملاحظ بين أغلب الفئتين فئة الطريقة الأولى وفئة الطريقة الثانية أن أصحاب الفئة الأولى يمتلكون حفظا جيدا ولكن دون إتقان للأحكام, وأصحاب الفئة الثانية حفظهم متوسط نوعا ما من الفئة الثانية ولكنهم يتقنون الأحكام .
التوفيق بين الطريقتين :
لقد أثبتت المناهج التعليمية التقليدية نجاعتها في الواقع العملي بدليل عدد المتخرجين من الزوايا ‏والمدارس القرآنية الذين هم يشرفون على تأطير السلك الديني إداريا وتقنيا ولكن إيمانا منا ‏بضرورة التجديد بمعنى التطوير لا بمعنى النسخ نقول أن بعض المناهج تحتاج إلى تجديد وفق ‏الملاحظات الآتية :‏
‏1.‏ ضرورة الإستفادة من خدمات الحاسوب ( الإعلام الآلي ) في بعض المسابقات والإمتحانات ‏الموجهة لنجباء المدارس القرآنية .‏
‏2.‏ ‏ تكوين المدرسين تكوينا شاملا يستجيب لمقتضيات العصر فينبغي على الإمام أن يذكر الناس بأمور الدنيا والآخرة لا بأمور ‏الآخرة فقط) وكيف له بمعرفة أمور الدنيا إذا لم يكن مواكبا لثقافة العصر.‏
‏3.‏ ‏ الإهتمام بالجانب التطبيقي من أحكام الترتيل وذلك مثلا بتخصيص بعض الحصص للتطبيق ‏مع الإستعانة بالحاسوب والأشرطة السمعية.
الخاتــــــــمة:‏
إذا كان الله تعالى قد تكفل بحفظ القرآن فقيض له أناسا هم أهل الله وخاصته فعليهم أن ‏يستشعروا خطورة هذه المهمة ، وأن يعلموا أن نجاح الطرق التقليدية كان منبعثا من إخلاص ‏أهلها في تبليغهم للعلم مما ولد الثقة بينهم وبيم المتعلمين فآتت تلك الطرق والمناهج أكلها ن ‏فلنبادر جميعا إلى مزيد الإهتمام بالقرآن حفظا وتعلما وتعليما ولنسخر في سبيل ذلك كافة ‏الوسائل المادية والبشرية ونسعى جاهدين في تذليل العوائق والصعوبات التي تحول دون نجاعة ‏الوسائل التعليمية حتى نحقق رضى الله سبحانه وتعالى عنا وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‏وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.‏











المراجع
- الكتاتيب القرآنية بندرومة من سنة 1900 إلى 1977 عبد الرحمن بن أحمد التيجاني.
- الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح و التربية في الجزائر. رابح، تركي .
- المقدمة ابن خلدون .
- التعليم بالكتاتيب القرآنية في الجزائر في منظور الدراسات النفسية و التربوية المعاصرة مختارية تراري.
- عرض الطريقة العلمية في التعليم بالكتاب عندما يحضر التلميذ لأول مرة إلى الكتاب يقدم له الفقيه لوحة و يسجل فيها حروف الهجاء العربية في جهة واحدة، أما الجهة الثانية فيسجل عليها سورة الفاتحة، ثم يبدأ المعلم في تلقين التلميذ هذه السورة جملة ليحفظها سماعا بدون تهجين و بدون فهم، فإذا ما حفظها في أسبوع مثلا يمحوها بماء طاهر ثم يدهنها بمادة الصلصال و يتركها في الشمس أو قرب النار لتنشف، ثم تسطر بقلم الرصاص، و يكتب المعلم سورة الناس للحفظ بالتلقين و بالسماع و هكذا صعدا مع المصحف.
- أما حروف الهجاء فتبقى مسجلة في تلك الجهة من اللوحة لمدة أشهر حتى يحفظها التلميذ عن ظهر قلب، يحفظها أولا بأسمائها : ألف، باء، تاء... ياء، همزة. ثم ينتقل التلميذ إلى نطقها هكذا باللغة العامية : "ألف ما ينطقش"، الباء وحدة من تحت... الخ.
- ثم ينتقل التلميذ إلى معرفة صور الحروف و أشكالها، و معرفة وجه الشبه بينها و بين بعض الأدوات المحسوسة التي يشاهدها التلميذ كل يوم و ينطق بها هكذا : الألف كالعصا، الجيم كالمخطاف، و هكذا حتى آخر حرف.
- و بعد هذا كله ينتقل التلميذ إلى معرفة كيفية النطق بالحروف و للطفل سورا من القرآن الكريم في جهة من اللوح، ثم تأتي مرحلة ثانية تتمثل في كتابة المعلم سطورا من القرآن في جهة من اللوح و على التلميذ أن يمر بقلمه الغليظ على ما كتبه المعلم.
- ثم تأتي المرحلة الثالثة : يكتب المعلم سطرا و يترك سطرا فارغا فيأتي التلميذ لينقل ما كتبه معلمه في السطر الأعلى محاكيا إياه و القصد من هذه المرحلة الأولية يتمثل في تدريب التلميذ على حسن إمساك القلم و التحكم فيه صعودا و نزولا و مشيا به إلى الأمام و إلى الخلف و رفعه للتنقيط و هكذا.
- أما المرحلة الرابعة فيأتي دور التهجي يهجي التلميذ الكلمة التي يمليها عليه المعلم فيعدد حروفها، و يرجع عند كل حرف يريد كتابته إلى الحروف الهجاء المرسومة في اللوحة، و يسجل الحرف المعني بصورته و حركته و ينقطه إن كان يحمل نقطة و هكذا. و كخلاصة نقول إن الطريقة التربوية التعليمية التي كانت متبعة في الكتاتيب هي قديمة وجدت مع وجود هذه المؤسسات، و بالرغم من أن هذه الطريقة لها ما يعاب عليها إلا أننا لا يجب أن ننكر مدى فعاليتها في شتى المجالات : الخلقية، الاجتماعية، التحفيظية و محو الأمية... الخ.
-
المشاهدات 1041 | التعليقات 0