حفظ العقل عن ما به يُخِل

محمد بن عبدالله التميمي
1440/10/24 - 2019/06/27 13:22PM

خطبة عن حفظ العقل عن ما به يُخل

الخطبة الأولى

الحمد لله رب البريات، وإله المخلوقات، جزيل الهبات، المانِّ بفضله قبل سُؤْله، والمُؤتـمِنِ عليه بالقيام بشكره، أحمده سبحانه حق حمده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا رسولُ الله وعبدُه، بلَّغ ما أُنزل عليه من الآيات، وسعى في صلاح أمته حتى كاد يُهلك نفسه أن لم يَستجيبوا للهدى والبينات، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، أما بعد:

فلْتكن التقوى من البال على كل حال، وخَفِ الله – عبدَالله- في كل نعمة عليك، لقلة الشكر عليها مع المعصية بها؛ فإن في النعمة حُجةً وفيها تَبِعةٌ؛ فأما الحجة فيها فالمعصية بها، وأما التبعة فيها فقلة الشكر عليها .

عباد الله.. إن الشريعة الإسلامية تدور أحكامها حول حماية ضروريات، فهي لكل الأحكام أمهات: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال، فلقد امتن الله عز وجل على الإنسان بمَنْحِه نعمةَ العقل {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ} والأفئدةُ هي محل العقول، كما قال : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}، ولقد مدح الله عز وجل العقل، ورفعَ شأنه، ووجَّه إلى النظر والتفكر والتدبر والتأمل {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، فالعقل نعمة كبيرة ومِنَّة جليلة، قال مُطَرِّفُ بنُ عبدِالله : "ما أوتي عبدٌ بعدَ الإيمان أفضلَ من العقل"، وإنه إذا اجتمع للمرء مع الإيمان العقل، كان على الشيطان عسيرا، قال وهب بن منبه: "لإزالة الجبل صخرةً صخرةً وحجرًا حجرًا، أيسرُ على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل" .

عباد الله.. وإنه ليس أحد يرضى أن يوصف بقصور في عقله، ولا شك في تفاوت عقول العالمين، وقد قال الله: { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } فالميزان في هذا كما قال وكيع بن الجراح : "إنما العاقل من عقل عن الله أمره"، وقال عامر بن قيس : "إذا عَقَلَك عقْلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل".

ولقد اعتنى الإسلام بالعقل؛ فأمر جل جلاله بالمحافظة عليه، ونهى عن كل ما يُضِرُّ به، أو يُعطل عملَه، لذا فإن إضعافه بأيّ طريق وإذهابَه بأي سبب جنايةٌ وجرم، يُسخط المرء بذلك ربَّه، ويَغيْبُ عن رشده، فيشابه الأنعام لفقده الفهم والإفهام، فحرَّم سبحانه وتعالى المسكراتِ والمخدرات؛ لما لها من أثر سيئ على الإنسان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} .

عباد الله.. الخمرُ في حال سترها للعقل، تجعل متعاطيها كالمجنون الذي لا يشعر بما يرتكب من جرائم تُخِلُّ بالدين والشرف، في الصحيحين أن النبي  قال: (ولا يشرب الخمرَ حين يشربها وهو مؤمن)، وقد قال عثمان : (إنه - واللهِ - لا يجتمع الإيمان والخمر في قلب رجلٍ إلا يوشكُ أحدُهما أن يذهب بالآخر) رواه النسائي وابن حبان في صحيحه، فهذان الحديثان فيهما الحامل والباعث على شربها: أنه ضَعْفُ الإيمان بالملك الديان، وأما في عقوبته في الآخرة فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عمر أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: (مَن شَرِبَ الخَمْرَ في الدُّنْيا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْها، حُرِمَها في الآخِرَةِ).

وإنها قد كثرت في هذا الزمان وذاك من أشراط الساعة، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك  قال: قال رَسولَ اللهِ ﷺ (إنَّ مِن أشْراطِ السّاعَةِ: أنْ يُرْفَعَ العِلْمُ ويَثْبُتَ الجَهْلُ، ويُشْرَبَ الخَمْرُ، ويَظْهَرَ الزِّنا)، وإنه ولو سُميت بغير اسمها فإن ذلك غير مغيِّر لحقيقتها وحكِمها، ففي سنن أبي داود من حديث أبي مالك الأشعري  أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قالَ: ( لَيَشْرَبَنَّ ناسٌ مِن أُمَّتي الخَمْرَ، يُسمُّونها بغيرِ اسمِها).

عباد الله.. وأشد من الخمر، في الفتك بالعقل: المخدرات، التي تزيل العقل، وتفسد القلب، من أجل ذا حرمها الإسلام - كما حرم الخمر - لجامع السكر وإن كانت المخدرات أشر؛ فرسولنا  قال: (نهى عن كل مسكر ومفتر)، فكل ما في الخمر من وعيد ومنكر فهو في المخدرات وهي به أولى، فما منها إفاقة، وإنها لـمـُحِلَّةٌ بالعقل الإعاقة، ولأسرة المتعاطي وذويه الفاقة، بل وشرُّه لأمته متعدٍّ بالتزيين والمصانعة، والنقد والمرابحة، فيبوءُ بإثمهم، وبأنفسهم مشغلٌ عما يُراد بهم .

أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه...

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما مزيدا، أما بعد:

فقد قال الله جلَّ ذكرُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ} فالشيطان لابن آدم يخادع، فلا يريه أنه يريد به الهاوية وهو بعدُ في المراتب العالية، بل ينزلَ به درجةً درجةً ويأخذه خطوةً خطوةً حتى يَحُطَّ من قدره، فيُدرِكَ به حَتفَه، وإن من تلكم الخطوات التدخين المشين، الذي به العطب فهو للبدن مُفسِد، وللعقل مُخل، وللمال مُفْنٍ، قال : (لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ) أخرجه الترمذي، قال الحسن البصري : "لو كان العقل يُشترى؛ لتَغالى الناس في ثمنه! فالعجب ممَّن يشتري بماله ما يُفسده!!"

وإن التدخين للمخدرات طريق وسبب، مع ما يصحبه من صحبة، هي أيضا خطوة، قال سفيان الثوري: "لا تُخالِفَن أهل التقوى، ولا تخادِن أهل الخطايا، ولا تجالس أهل المعاصي، واجتنب المحارم كلها، واتق أهلها، ولكل ذنب توبة، وترك الذنب أيسر من طلب التوبة" .

المرفقات

عن-حفظ-العقل-عما-به-يُخل

عن-حفظ-العقل-عما-به-يُخل

عن-حفظ-العقل-عن-ما-به-يُخل-25-شوال

عن-حفظ-العقل-عن-ما-به-يُخل-25-شوال

عن-حفظ-العقل-عن-ما-به-يُخل-25-شوال-2

عن-حفظ-العقل-عن-ما-به-يُخل-25-شوال-2

المشاهدات 2570 | التعليقات 0