حـقــوق الـعـصـاة

عبدالإله بن سعود الجدوع
1435/05/26 - 2014/03/27 18:59PM
كان للشيخ الفاضل ابراهيم العجلان خطبة موفقة حول ( آداب العاصي )
https://khutabaa.com/forums/موضوع/135597

وكنت خطبت بهذه الخطبة مع تصرف يسير فيها ، أسأل الله أن يكتب للشيخ أجرها
ثم بدا لي أن تكون الخطبة التالية منها حول ( حقوق العصاة ) وإليكم هذه الخطبة
ولا غنى لي عن تصويبكم وشرف مروركم









ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعلمون – رعاكم الله – أن من طبيعة الإنسان المعصية والتقصير ، وأنه من الضرورة بمكان أن يُسارع الإنسان للتوبة من هذه المعصية والإقلاع عنها ،
ولعلكم تتذكرون - أيها الكرام - أننا تحدثنا في الخطبة السابقة عن ( أدب العاصي ) وكان الكلام موجهاً للعاصي ، وقلنا أن من أدب العاصي أن إذا عصى ، لا بد له من أن يلتزم بأمور عدة ، منها : المبادرة بالتوبة ، وعدم التهوين من شأن تلك المعصية ، وأن يسارع لمفارقة مكان المعصية ، وأنّ عليه الحذر كل الحذر من المجاهرة بالمعصية ، والفرار كل الفرار من أن يسعى العاصي لأن يجعل غيره يعصي مثله ، وأنّ على العاصي أن يستدفع المعصية بالحسنة ، وغير ذلك من الآداب التي ينبغي أن يكون عليها العاصي .



أما اليوم فحديثنا من زاوية مختلفة وهو عن ماهو المطلوب من المسلم تجاه العاصي ، ويصح أن نقول عن موضوع اليوم ( حقوق العصاة ) نعم حقوق العصاة التي كفلها له الإسلام ، فأول حق من حقوق العصاة التي كفلها له الإسلام هي :
عدم التحسس والتجسس في حال الشخص ، وهل هو يفعل المعصية تلك أو لا ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم قال في جزء من حديث ( و لا تجسسوا و لا تحسسوا )
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في الفرق بين التجسس والتحسس هو: أن التجسس أن يحاول الإنسان الاطلاع على العيب بنفسه، والتحسس أن يلتمسه من غيره ، كأن يسأل الناس: ما تقولون في فلان ا .هـ
ولا ينبغي للمسلم أن إذا سأله شخص عُرف بذلك أن يُجاب ، بل النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الصحابة ألايخبروه عما يفعل البعض مما يوجب ظن السوء كي يخرج إليهم سليم الصدر ، فعن عبدالله بن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: (لا يخبرني أحدٌ عن أحدٍ شيئاً -يعني مما يوجب ظن السوء- فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر)رواه الإمام أحمد
وهنا تنبيه وهو أن السؤال عن شخص ما يشرع في حالات استثنائية كالسؤال عن من تقدم للزواج من ابنته مثلاً ، أو لمن يريد أن يعقد معه صفقة تجارية مثلاً ونحو ذلك فهذا مما لابأس به.

ثاني الحقوق من حقوق العصاة هي : الستر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ) صححه الألباني
وحتى يؤدي الستر أثره وأجره ، لابد أن يكون الستر بعيداً عن التهديد بفضحه وبعيد من أن يتخذه وسيلة لإذلاله أو استغلاله وكل هذا من الإيذاء .
وهنا تنبيه أيها الأخوة :أنه إذا تبين لك أن الستر سيكون مضراً على الشخص أوعلى مجتمعه فينبغي حينها عدم الستر بل يجب محادثة من يظن أنه وسيلة لصلاحه وإقلاعه عن تلك المعصية .
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين ( الستر يتبع المصالح ، فإن كانت في الستر فهي أولى ، وإن كانت المصلحة في الكشف فهي أولى ، ون تردد الإنسان بين هذا وهذا فالستر أولى ) أ.هـ


ثالث هذه الحقوق من حقوق العصاة : النصيحة ، وجرير بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم. [متفق عليه].
وحينما نقول النصيحة لايشترط أن تكون النصيحة مباشرة فقط ، بل قد تكون النصيحة غير مباشرة وأيضاً وفق مايناسبه الموقف ، وعلى المنصوح أن يتقبل النصيحة بصدر رحب ، ودون ضجر أو ضيق أو تكبر، وكذلك ينبغي عليه عدم الإصرار على الباطل ، فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}
وبعض الناس يستمر على معصيته بحجة واهية ، وهي أن كل الأساليب التي استخدمت معه في النصح لم تكن تلائمه ، مع أنه يعرف نـُـبل الهدف والمقصد الذي يسعى إليه الناصحون ، وتجده مستمر على هذه المعصية وينتظر من ينصحه بالطريقة التي يريد ، وهذا والله من اتباع الهوى وتسويف الشيطان له .


رابع هذه الحقوق من حقوق العصاة : عدم إعانة الشيطان عليه ، فقد أُتِيَ للنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ ، يقول أبو هريرة راوي الحديث : فَلَمَّا انْصَرَفَ الرجل بعد ضربه قَالَ رَجُلٌ : مَا لَهُ .. أَخْزَاهُ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ رواه البخاري ، وفي رواية صحيحة عند أبي داود ، وَلَكِنْ قُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ
فمن جميل خلق المسلم أن يدعو للعاصي بأن يهديه الله ، وأن يُسَهّل له طريق الصواب ومثل هذا النحو .


خامس هذه الحقوق : إعطاء كل خطأ ومعصية حجمها الطبيعي بلا إفراط أو تفريط ، بمعنى أنه لو وقع إنسان في معصية ما ، فلايجوز ولامسوغ لنا أن ننفي عنه الإيمان مثلاً أو أن نقول (فلان مافيه خير) مثلاً ، وكل هذا من الخطأ ، بل وهذا قد يدعو العاصي إلى تصديق مثل هذه العبارات ويصبح يستمرء المعصية تلو المعصية جراء كلمة طائشة وَصفـتـْه .
والصحابي الذي فعل معصية وأتي به للنبي صلى الله عليه وسلم ، سمع وقتها رجلاً من القوم يقول: اللَّهُمَّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ ، فقال النبي : لا تَلْعَنُوهُ فَوَ اللَّهِ مَا عَلِمْتُ ، إِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ . رواه البخاري

سادس هذه الحقوق من حقوق العصاة : التروي معه في إصلاح خطأه وتبيين الحكم الشرعي له ، فكلنا يتفق أن البول في المسجد خطأ ، ومع هذا وقع مثل ذلك أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال الصحابة لهذا الرجل : مَهْ مَهْ : فقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم : لا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ، فَتَرَكُوهُ حَتَّى انتهى ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَى الرجل فَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، قَالَ راوي الحديث : فَأَمَرَ رَجُلا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ ) رواه مسلم


سابع هذه الحقوق من حقوق العصاة هي قبوله بعد التوبة وحفظ مكانته ، ويتضح هذا جليا ، في موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع المرأة التي زنت وأمر برجمها ، فصلى عليها وقال عنها : ( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم )
وقد جاء في قصة المرأة المخزومية التي قُطعت يدها في سرقة أنها َحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدُ ذلك وَتَزَوَّجَتْ - تقول عائشة رضي الله عنها راوية الحديث - وَكَانَتْ تَأتِينِي بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه مسلم >
إذا عُـلم ذلك اتضح أنه ليس بصحيحٍ ماعليه كثير من المجتمع من رفض من يخرج من السجن وازدارءه والتباعد عنه ، بل تنبغي إعانته كي يثبت على الاستقامة ويمارس حياة عادية بين الناس .


ثامن هذه الحقوق من حقوق العصاة : النظر إليه بمنظار رحمة لا بمنظار تنقّص وازدراء ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من أهل الجنة ( الرحيم لكل ذي قربى ومسلم ) رواه الإمام مسلم ، و قال أيضاً "من لا يَرحم لا يُرحَم" رواه البخاري
وهذا ماينبغي عليه المرء أن يرحم العاصي ويدعو له ويعلم أنه مبتلى ، وإذا رأى مثل ذلك يقول كما في الدعاء الوارد (الحمد لله الذي عافني مما ابتلاه به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً)

تاسع هذه الحقوق من حقوق العصاة : إعانته على كفارة المعصية مثلاُ أو تسهيل طرق التوبة له ونحو ذلك ، ويتضح ذلك مافعله النبي صلى الله عليه وسلم مع من فعل معصية مواقعة زوجته في نهار رمضان ، وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم مذعوراً وقال هلكت ! ثم بين له النبي صلى الله عليه وسلم كفارة ذلك بالترتيب ، لكنه لم يستطع على الإعتاق أو الصوم شهرين فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإطعام وأعانه وأعطاه تمراً ليتصدق به ، لمّا رأى من حالِه أنه لا يستطيع أن يشتري الصدقة كي يدفعها لمن يستحق.

وفي ختام حديثنا ،، لا يُفهم من حديثنا عن حقوق العصاة التهوين من شأن المعصية ، لا والله ، بل من المعلوم أن شؤم المعصية شؤم عظيم يجد العاصي أثرَه على نفسه وحياته وأهله وماله ، وقد أفضنا في ذلك في الخطبة السابقة ...





المشاهدات 3552 | التعليقات 2

موضوع رائع يا شيخ عبد الإله .. ليتك جعلته خطبة ، لأن صياغته كأنه مقال
سددك المولى


نفع الله بكما

وبحق الموضوع الأول والثاني كلاهما رائع ومهم ونحتاج إليه

أسأل الله أن لا يحرمكم الأجر على ما تقدمون

فأنا كخطيب أستفيد كثيرا مما يطرح هنا ويوفر مادة جيدة تُقدم لينتفع منها الناس

ليس تكاسلا عن التحضير ولكن هناك مواضيع قيمة ومفيدة سبقتمونا إليها ونحن نستفيد منها

فجزا الله خيرا المشاركين والقائمين على الموقع