حصاد حكم الأقليات.. لاجئو أغلبية في بطون السمك// أمير سعيد
احمد ابوبكر
1436/11/22 - 2015/09/06 09:32AM
[align=justify]"حماية الأقليات" الدينية أو العرقية، ظلت طوال ثلاثة قرون هي إحدى أبرز ذرائع الاحتلال الأوروبي لكثير من ممالك الدولة العثمانية؛ ففرض نفوذ ديني أو سياسي خارجي على أقلية في دولة ما تعد إحدى الوسائل الناجعة للتدخل في شؤونها. ولقد أجاد الانجليز والفرنسيين والروس اللعب بهذه الورقة، وجعلوها مبرراً لاحتلال تلك الممالك في القرم والقوقاز والبلقان.. إلخ. ويكفي النظر إلى أن احتلال دولة بحجم مصر كانت ذريعته الأولى في العام 1882 كان حماية الأجانب في الإسكندرية بعد أن طعن مالطي، "عربجي" مصري بسبب اختلاف على أجرة ركوب! سرعان ما نفخت فيها بريطانيا وعقدت مؤتمراً أوروبيا لمناقشة "المسألة المصرية"؛ فدكوا الإسكندرية وهدموا مساجدها ودورها واحتلوا مدن مصر واحدة تلو الأخرى لـ"حماية الأجانب"!
لم تزل الذريعة واحدة، ترافقها أخريات كتأمين ممر بحري "كقناة السويس مثلاً" أو حجزاً على أملاك دولة مدينة، لكن تبقى فكرة "حماية الأقليات" عنصراً ثابتاً تتبدل عليه الذرائع الأخرى بحسب الحالة.
طور الغرب هذه الذريعة، وقننها دولياً؛ فأصبحت فكرة "تمكين الأقليات" مطلباً عالمياً تفرضه الدول الكبرى، وتمرره من خلال مؤسسات دولية تبدو للبسطاء "محايدة" كالأمم المتحدة.. وخطورة "التطوير" هذا ليس فقط اتخاذه ذريعة – كما في الماضي – لفرض احتلال فقط، وإن كان لكبيراً، وإنما يتجاوز هذا إلى جعل كلمة التمكين هذه لا تعني فقط الحصول على حقوق، بل امتيازات عن الأغلبية، وحسب، وإنما يتجاوز هذا كله إلى حكم الأقلية للأغلبية، مثلما قد فعل هذا مؤخراً في تمكين الأقلية النصيرية من حكم سوريا، والشيعية الإمامية من حكم العراق، والجارودية (الحوثية) في اليمن، و"المسيحية" في إرتريا، وتنحية الأغلبية الباشتونية من حكم أفغانستان فعلياً لحساب قوميات أخرى.. وبمعنى آخر قريب تمكين الأقليات المتغربة والنظم العسكرية الأقلوية (عبر سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في كثير من دول العالم الإسلامي).. الخ
تم هذا "التمكين" للأقليات في عديد من دول المنطقة، وتحقق مراد الغرب، لكن ما الذي جنته المنطقة منه؟
جنته ما أوضحته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من إحصاء يرسم صورة ربما كانت دقيقة عن تدفق اللاجئين من دول المنطقة إلى أوروبا، إذ تشكل نسبة اللاجئين إلى أوروبا ممن يخضعون لنظم "تمكين الأقليات" الأعلى من بين اللاجئين، فتحتل سوريا التي يحكمها نظام نصيري أقلوي نسبة تبلغ نحو 34% وكلا من إرتريا التي اشترط الغرب لمنحها "الاستقلال" عن إثيوبيا أن يبقى حكمها "مسيحياً" رغم أن أغلبيتها الكاسحة من المسلمين، وأفغانستان التي تخضع لحكم أقلوي قومي، خاضع لاحتلال غربي تماماً، بنسبة 12% لكل منهما، شأن الأخير فيه كشأن العراق الذي أفرز احتلاله حكماً أقلوياً هو الآخر، نفذ بعناية لإظهاره ديمقراطياً!
هذا حصاد حكم الأقليات، وتمكينها؛ فالأقلية لكي تحكم لابد أن تبسط نفوذها بقوة على "مواطني" دولتها؛ فإذا ما أضيف إلى هذه "القوة السلطوية" أحقاداً طائفية عميقة الجذور، خلفت في الماضي حروباً دينية، ومآس متنوعة؛ فإن بطشها يكون رهيباً للحد الذي يجعل ضحاياها يقذفون بذواتهم وفلذات أكبادهم في عرض البحر، في قوارب مهترئة، فارين من حروب واضطهاد وقهر وإفقار يفوق قدرة البشر على الاحتمال، ويحدو بهم إلى "رحمة البحر" التي لا توافيهم على الدوام، فيغرق من يغرق، ويبقى من بقي ليلقى لأواءً ومعاناة بلون آخر من عرابي حكم الأقليات وتمكينها/الأوروبيين.
هذا الحصاد، وما ذهل الغرب عن مقصده؛ فهو مدرك تماماً ما يرنو إليه، وهو حيث يرى ما جنته يداه في أزمة اللاجئين الكبيرة هذه لا يكف عن غروره وتكبره بالإبقاء على أنظمة كبشار وأفورقي والعبادي.. بل يعاود عناداً في استنساخ التجربة تلو الأخرى، وها هو يدرس بجدية فكرة تمكين الأقلية "المسيحية" في مصر عبر حصة مميزة في الحكومة القادمة، وفي التمهيد لمثله في بعض الدول العربية الأخرى.
تمكين الأقليات قضى بألا نجد من بين مئات الآلاف من اللاجئين في قوارب الموت هذه إلا نزراً قليلاً جداً يكاد لا يذكر من تلك الأقليات؛ فيما الغالبية غارقة.. غارقة في معاناتها وآلامها.. وفي البحر أيضاً![/align]
لم تزل الذريعة واحدة، ترافقها أخريات كتأمين ممر بحري "كقناة السويس مثلاً" أو حجزاً على أملاك دولة مدينة، لكن تبقى فكرة "حماية الأقليات" عنصراً ثابتاً تتبدل عليه الذرائع الأخرى بحسب الحالة.
طور الغرب هذه الذريعة، وقننها دولياً؛ فأصبحت فكرة "تمكين الأقليات" مطلباً عالمياً تفرضه الدول الكبرى، وتمرره من خلال مؤسسات دولية تبدو للبسطاء "محايدة" كالأمم المتحدة.. وخطورة "التطوير" هذا ليس فقط اتخاذه ذريعة – كما في الماضي – لفرض احتلال فقط، وإن كان لكبيراً، وإنما يتجاوز هذا إلى جعل كلمة التمكين هذه لا تعني فقط الحصول على حقوق، بل امتيازات عن الأغلبية، وحسب، وإنما يتجاوز هذا كله إلى حكم الأقلية للأغلبية، مثلما قد فعل هذا مؤخراً في تمكين الأقلية النصيرية من حكم سوريا، والشيعية الإمامية من حكم العراق، والجارودية (الحوثية) في اليمن، و"المسيحية" في إرتريا، وتنحية الأغلبية الباشتونية من حكم أفغانستان فعلياً لحساب قوميات أخرى.. وبمعنى آخر قريب تمكين الأقليات المتغربة والنظم العسكرية الأقلوية (عبر سلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في كثير من دول العالم الإسلامي).. الخ
تم هذا "التمكين" للأقليات في عديد من دول المنطقة، وتحقق مراد الغرب، لكن ما الذي جنته المنطقة منه؟
جنته ما أوضحته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من إحصاء يرسم صورة ربما كانت دقيقة عن تدفق اللاجئين من دول المنطقة إلى أوروبا، إذ تشكل نسبة اللاجئين إلى أوروبا ممن يخضعون لنظم "تمكين الأقليات" الأعلى من بين اللاجئين، فتحتل سوريا التي يحكمها نظام نصيري أقلوي نسبة تبلغ نحو 34% وكلا من إرتريا التي اشترط الغرب لمنحها "الاستقلال" عن إثيوبيا أن يبقى حكمها "مسيحياً" رغم أن أغلبيتها الكاسحة من المسلمين، وأفغانستان التي تخضع لحكم أقلوي قومي، خاضع لاحتلال غربي تماماً، بنسبة 12% لكل منهما، شأن الأخير فيه كشأن العراق الذي أفرز احتلاله حكماً أقلوياً هو الآخر، نفذ بعناية لإظهاره ديمقراطياً!
هذا حصاد حكم الأقليات، وتمكينها؛ فالأقلية لكي تحكم لابد أن تبسط نفوذها بقوة على "مواطني" دولتها؛ فإذا ما أضيف إلى هذه "القوة السلطوية" أحقاداً طائفية عميقة الجذور، خلفت في الماضي حروباً دينية، ومآس متنوعة؛ فإن بطشها يكون رهيباً للحد الذي يجعل ضحاياها يقذفون بذواتهم وفلذات أكبادهم في عرض البحر، في قوارب مهترئة، فارين من حروب واضطهاد وقهر وإفقار يفوق قدرة البشر على الاحتمال، ويحدو بهم إلى "رحمة البحر" التي لا توافيهم على الدوام، فيغرق من يغرق، ويبقى من بقي ليلقى لأواءً ومعاناة بلون آخر من عرابي حكم الأقليات وتمكينها/الأوروبيين.
هذا الحصاد، وما ذهل الغرب عن مقصده؛ فهو مدرك تماماً ما يرنو إليه، وهو حيث يرى ما جنته يداه في أزمة اللاجئين الكبيرة هذه لا يكف عن غروره وتكبره بالإبقاء على أنظمة كبشار وأفورقي والعبادي.. بل يعاود عناداً في استنساخ التجربة تلو الأخرى، وها هو يدرس بجدية فكرة تمكين الأقلية "المسيحية" في مصر عبر حصة مميزة في الحكومة القادمة، وفي التمهيد لمثله في بعض الدول العربية الأخرى.
تمكين الأقليات قضى بألا نجد من بين مئات الآلاف من اللاجئين في قوارب الموت هذه إلا نزراً قليلاً جداً يكاد لا يذكر من تلك الأقليات؛ فيما الغالبية غارقة.. غارقة في معاناتها وآلامها.. وفي البحر أيضاً![/align]