حُسْنُ الظَنِ بِالـمُسْلِمِين

عبد الله بن علي الطريف
1442/07/20 - 2021/03/04 20:20PM

حُسْنُ الظَنِ بِالـمُسْلِمِين 1442/7/21هـ 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102] قال عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: وَكَانَ يُصَلِيْ لِقَوْمِهِ بِبَنِي سَالِمٍ، فَلَمَا أَنْكَرَ بَصَرَهُ وَدَ أَنْ يَأْتِيَهُ رَسُولُ ﷺ فَيُصَلِّي مِنْ بَيْتِهِ مَكَانًا يَتَّخِذُهُ مُصَلًّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَأَفْعَلُ فَغَدَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ ﷺ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ.؟ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا.. وَصَنَعَ لَهُ غَدَاْءً فَسَمِعَ مَنْ حَوْلَهُ فَأَتَوا، فَقَالَ رَجُلٌ: مِنْهُمْ مَا فَعَلَ مَالِكٌ (بْنُ الدُّخْشُنِ) لَا أَرَاهُ [أَيْ لَمْ يَحْضُرْ].؟ فَقَالَ رَجُلٌ: مِنْهُمْ ذَاكَ مُنَافِقٌ لَا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا تَقُلْ ذَاكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لَا نَرَى وُدَّهُ وَلَا حَدِيثَهُ إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقِينَ.! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ. رواه البخاري  قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله من فوائد هذا الحديث: أنه يجب على الإنسان أن يحبس لسانه عن الكلام في الناس، بنفاق أو كفرٍ أو فسقٍ إلا ما دعتْ الحاجةُ إليه؛ فإنَّه لابد أن يبينه لأن النبي ﷺ لما قال رجلٌ عن مالكِ إنه منافق قال: لَا تَقُلْ ذَاكَ.! أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ.؟ لكن هذا متى يحصل أن يشهدَ الرسولُ ﷺ لرجلٍ بالإخلاص هو ليس بحاصل بعد موت الرسول ﷺ، إنما ليس لنا إلا الظاهر فمن ظهر لنا من حالة الصلاح وجب علينا أن نحكم له بالصلاح وألا نغتابَه ولا نسبَه.أ-ه  أيها الأحبة: لقد عَلمَنا رسولُ اللهِ ﷺ إحسان الظن بالآخرين، وعدم التشكيك في ضمائر الناس، والمتأمل لرد النبي ﷺ على هذا الرجل يرى أنه لم يبن حكمه على ما قد يُـمِدُهُ اللهُ تعالى به من وحي، وإنما بناه على قاعدة أساسية فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ راداً على الرجلِ: لَا تَقُلْ ذَاكَ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ.! فحكم عليه بما رآه وسمعه ولم يدخل بالبواطن والسرائر فهذه لا يعلمها إلا الله وحده.  أيها الإخوة: حسن الظن بالناس خلقٌ إسلاميٌ أصيل أمرنا الله تعالى به في كتابه فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا..) [الحجرات:12] قال السعدي رحمه الله: "نهى الله تعالى عن كثير من الظن السيء بالمؤمنين، فـ (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه. أ هـ ونهانا عَنْ إساءة الظن النَّبِيُّ ﷺ فقَالَ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. رواه البخاري ومسلم  أحبتي: شيوعُ حسن الظن بين الناس يحمي المجتمع من مصائب كثيرة، فالأمة السعيدة الرشيدة هي التي يبني أكثرُ أفرادها علاقتهم مع غيرهم على حسن الظن، وعلى عواطف المحبة المشتركة، والمودة الخالصة والتعاون المتبادل، والثقة والابتعاد عن سوء الظن دون ضرورة تدعو إليه، إِذْ مِنْ دعاءِ المؤمنين الصادقين: (رَبنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً للذِينَ آمَنُوا رَبنَا إِنكَ رَؤُوفٌ رحِيمٌ) [الحشر:10]  واعلموا: أن سوء الظن يحمل على التجسس والتحسس والغيبة والتحاسد والتباغض والتدابر، ويقطع العلاقة بين المتآخين.. وَمَنْ حَكَمَ بِشَرٍّ عَلَى غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ حَمَلَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى احْتِقَارِهِ وَعَدَمِ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ وَالْتَوَانِي فِي إكْرَامِهِ، وَإِطَالَةِ اللِّسَانِ فِي عِرْضِهِ وَكُلُّ هَذِهِ مُهْلِكَاتٌ..  وبسبب سوء الظن في أحوال الناس قد يخسر الإنسان الانتفاع بمن ظنه ضاراً، أو الاهتداء بمن ظنه ضالاً، أو تحصيل العلم ممن ظنه جاهلاً ونحو ذلك. ولذلك فإن على الإنسان أن يحذر من هذه الآفة الضارة بالدين والدنيا، وأن يحرص على سلامة صدره على إخوانه؛ ليعيش هانئ البال، مرتاح النفس، بعيداً عن منقصات الحياة، سالماً من عناء البحث عن عورات المسلمين وتتبع عثراتهم..  أيها الإخوة: ولقد كان لسلف الأمة القدحُ المعلى في تمثل حسن الظن والبعد والنهي عن سوئه.. قال أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "حسن الظن من حسن العبادة"..   وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "من أحب أن يختم له بخير فليحسن الظن بالناس". وقال بشر الحافي: "من سره أن يسلم فليلزم الصمت وحسن الظن بالخلق".  وقال بكر بن عبد الله المزني: "إيَّاك من الكلام ما إن أصبتَ فيه لَم تُؤجَر، وإن أخطأت فيه أثمت، وهو سوء الظنِّ بأخيك". بارك الله لي ولكم 

الخطبة الثانية: 

أيها الإخوة: ومما يعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين الدعاء: وهو باب لكل خير، وأعظم أسباب سلامة القلب وحسن الظن بالمسلمين، وقد كان من دعاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا» رواه الطبراني عَن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وقال الألباني إسناده جيد. ومنها: مجاهدة النفس بأن تُقربَ من يُقصِيك وتُكرم من يُؤذيك، قال ابن القيم رحمه الله: وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَجْمَعَ لِهَذِهِ الْخِصَالِ مِنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ الْأَكَابِرِ يَقُولُ: وَدِدْتُ أَنِّي لِأَصْحَابِي مِثْلُهُ لِأَعْدَائِهِ وَخُصُومِهِ. وَمَا رَأَيْتُهُ يَدْعُو عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ قَطُّ، وَكَانَ يَدْعُو لَهُمْ. وَجِئْتُ يَوْمًا مُبَشِّرًا لَهُ بِمَوْتِ أَكْبَرِ أَعْدَائِهِ، وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةً وَأَذًى لَهُ. فَنَهَرَنِي وَتَنَكَّرَ لِي وَاسْتَرْجَعَ. ثُمَّ قَامَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى بَيْتِ أَهْلِهِ فَعَزَّاهُمْ، وَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ مَكَانَهُ، وَلَا يَكُونُ لَكُمْ أَمْرٌ تَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى مُسَاعَدَةٍ إِلَّا وَسَاعَدْتُكُمْ فِيهِ. وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ. فَسُّرُوا بِهِ وَدَعَوْا لَهُ. وَعَظَّمُوا هَذِهِ الْحَالَ مِنْهُ. فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ. ومنها: حمل الكلام على أحسن المحامل: قالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ داعياً لأعلى مقامات حسن الظن بهذا التوجيه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".  ومنها: تجنب الحكم على النيات: وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده فلم يأمرنا سبحانه، بشق الصدور..  ومنها: استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس: فمن ساء ظنه بالناس كان في تعبٍ وهمٍ لا ينقضي.. فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقربَ الناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد.. ومن آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم:32].  وبعد أخي المبارك: متى خطر لك خاطر سوء ظن بمسلم، فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير، فإنّ ذلك يغيظ الشّيطان ويدفعه عنك، فلا يُلْقِي إليك خاطرَ السُّوءِ خيفةً من اشتغالِك بالدّعاء والمراعاة. اللهم بصرنا بعيوبنا ونق صدورنا وقلوبنا واجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر واختم بالصالحات أعمالنا.   

المشاهدات 1342 | التعليقات 0