حسن الخلق : خطبة أكثــــــر من رائعــــــــة

حاطب خير
1435/03/16 - 2014/01/17 13:51PM
بسم الله الرحمن الرحيم

حسن الخلق

عباد الله

ما منا من أحد إلا وهو يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويرجو أن يكون من أقرب الناس إليه مجلسًا يوم القيامة،
وما منا من أحد إلا وهو يطمع أن يكون من أحب الناس إليه؟!
فما القرب إليه صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم إلا قرب من الجنة ودُنوٌّ من رحمة الله عز وجل.

فأي شيء هذا الذي يتحقق به القرب إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ويجعل المرءَ محبوبًا إليه؟

أَمَا إنه ليس بكثرة الصيام والحج، وليس هو بالمبالغة في الزهد،
و لا يتطلب بسطة في الجسم والعلم ولا جاهًا ولا مالا،
فما عساه أن يكون؟؟

إنه حُسْنَ الخُلُق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذي

ولقد بعَث الله نبيَّنا محمّدًا صلى الله عليه وسلم للدَّعوةِ إلى الأخلاقِ الصَّالحة،
قال عليه الصَّلاة والسَّلام: (نَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ ) رواه أحمد.
قال ابن القيم رحمه الله : " حُسْنُ الْخُلُقِ يَقُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ:
الصَّبْرُ ، وَالْعِفَّةُ ، وَالشَّجَاعَةُ ، وَالْعَدْلُ . "

إِنَّ حُسنَ الخُلُقِ بَذلٌ لِلنَّدَى، وَكَفٌّ لِلأَذَى ، وَرَتقٌ لِلخَلَلِ وَعَفوٌ عَنِ الزَّلَلِ، وَسَترٌ لِلعُيُوبِ وَجَبرٌ لِلقُلُوبِ،
إِنَّهُ تَخَلٍّ عَنِ الرَّذَائِلِ، وَتَحَلٍّ بِالفَضَائِلِ، الخُلُقُ الحَسَنُ أَن تَصِلَ مَن قَطَعَكَ، وتُعطِيَ مَن حَرَمَكَ، وتَعفُوَ عَمَّن ظَلَمَكَ،
وتوقر الكبير، وترحم الصغير وتعرف لكل ذي حق حقه

قال ابن القيم رحمه الله : " الدِّينُ كُلُّهُ خُلُقٌ . فَمَنْ زَادَ عَلَيْكَ فِي الْخُلُقِ : زَادَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ"
وقال ابن رجَب رحمه الله: "لا تتمّ التقوَى إلاَّ بحُسن الخلُق".

ولقد كان نبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أكمَلُ الناسِ أَخلاقًا، وصَفَه الله بقولِه:
( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )[القلم: 4].
نشَأ صلى الله عليه وسلم وعاش متحلِّيا بكلِّ خلقٍ كَريمٍ مبتَعِدًا عن كلِّ وَصفٍ ذَميم،
كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس تواضعا كيف لا وهو القائل :
(لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُالله ، فَقُولُوا : عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ) رواه البخاري.

ولما سئلتُ عائشة رضي الله عنها ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنعُ في بيتِه ؟ قالت:
( كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ) أخرجه البخاري
وفي صحيح الجامع قالت : كان يخيطُ ثوبَه, ويخصفُ نعلَه

وكان صلى الله عليه وسلم رقيق القلب رحيما،قال الله تعالى :
(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)

وكان صلى الله عليه وسلم كريم الطبع جميل المعشر، عن عثمان رضي الله عنه قال:
( إِنَّا وَاللَّهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ، وَكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا ، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا ، وَيَغْزُو مَعَنَا ، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) رواه أحمد،

وكان صلى الله عليه وسلم دائم البشر، كثير الابتسام قال جرير رضي الله عنه :
( ما رآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ تَبَسَّم)
وكان صلى الله عليه وسلم أوفرَ الناس حِلمًا، قالت عائشة رضي الله عنها :
(ما ضرب رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيدِه ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ ) أخرجه مسلم

وكان صلى الله عليه وسلم أوسَعَ الناس عَفوًا، آذاه قومُه فسَأله ملَك الجِبال أن يطبقَ عليهم الجبلين فأبى
وقال لهم يوم فتَح مكّةَ : ((اذهَبوا فأنتمُ الطلقاءُ))

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصِي أصحابه رضي الله عنهم بحسن الخلق قالَ لمعاذٍ رضي الله عنه :
( اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ) رواه الترمذي

ولما سُئِلت عائشةُ رضي الله عنها عن خلُق النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلُقُه القرآن.متفق عليه

والقُرآن جامِعٌ لمكارمِ الأخلاقِ ومحاسِن الأعمال.
فقد أمَر الله في كتابه عزّ وجلّ بكلِّ خلُق كريم، ونهى عن كلِّ خلق ذميم، والآياتُ في هذا المعنى كثيرةٌ جدًا،
قال الله تعالى: ( ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ )
، وقال تعالى: ( خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِض عَنِ ٱلْجَٰهِلِينَ ) ،
وقال تعالى : (وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَٰن ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلاَمًا )
وقال تعالى : ( وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ )
، وقال تعالى : ( وَاخفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ،
وقال تعالى: ( تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَٱلْعَٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
، وقال تعالى: ( وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) [الأنعام: 151]،
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً )
وقال تعالى ( وَمَا ءاتَٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ ).

وإذا تحلَّى المسلِمون بأَخلاقِ القُرآن الكريم صَلحَ المجتمَع وكانُوا دُعاةَ خيرٍ إلى الدين بالقُدوةِ والأفعالِ الحميدة.

وأصلُ الأخلاقِ التوحيد، فمن فقَدَه لم ينتَفِع بِغيرِه،قال الله تعالى :
(وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً )
قالت عائشةُ رضي الله عنه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ ابنَ جدعَانَ يصلُ الرحمَ ويطعِم المسكينَ فهَل ينفعُه؟ فقال صلى الله عليه وسلم :
((إنَّ ذلك لا ينفَعه؛ إنه لم يقل يومًا: ربّ اغفر لي خطيئتي يومَ الدين)) رواه مسلم.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.


الخطبة الثانية:
عباد الله

لقد تَكَفَّلَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِبَيتٍ في أَعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ، وَبَيَّنَ أَنَّ أَكمَلَ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ أَثقَلُ مَا يُوضَعُ في المِيزَانِ، وَقَرَّرَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - أَنَّ المُؤمِنَ يَبلُغُ بِحُسنِ الخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ مَعَ التَّقوَى أَكثَرُ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الجَنَّةَ، وَأَنَّ حُسنَ الخُلُقِ هُوَ البِرُّ... بِكُلِّ هَذَا صَحَّتِ الأَحَادِيثُ عَنهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - في تَرغِيبٍ في حُسنِ الخُلُقِ لا يَعدِلُهُ تَرغِيبٌ، وَمَدحٍ لَهُ لا يُمَاثِلُهُ مَدحٌ.

وَاعلَمُوا أَنَّ حُسنَ الخُلُقِ وَإِن كَانَ يَسِيرًا عَلَى مَن يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيهِ ، إِلاَّ أَنَّهُ يَحتَاجُ مِنَ المَرءِ إِلى أَن يَأطِرَ نَفسَهُ عَلَيهِ أَطرًا وَيَحمِلَهَا عَلَيهِ حَملاً، وَيَأخُذَهَا بِالجِدِّ وَيُجَاهِدَهَا عَلَى قَبُولِ الحَقِّ وَلَو عَلَى نَفسِهِ، َقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: «إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ، وَمَن يَتَّقِّ الشَّرَّ يُوقَهُ» رَوَاهُ الطَّبرَانيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَإِنَّ الطَّرِيقَ لِذَلِكَ أَن يَرزُقَ اللهُ عَبدَهُ امتِثَالَ مَا في القُرآنِ وَالسُّنَّةِ مِنَ الأَوَامِرِ وَالكَفِّ عَمَّا فِيهِمَا مِنَ النَّوَاهِي، وَأَن يَمُنَّ عَلَيهِ بِحُسنِ الاقتِدَاءِ بِمَن كَانَ خُلُقُهُ القُرآنَ صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) ،
وقد أرشدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى خير ما يعيننا على ذلك، وهو اللجوء إلى الله والتضرع إليه بدعائه بلهجةٍ صادقة وقلب حاضر،
فالدعاءُ بابٌ عظيم، إذافُتح للعبدِ، تتابعت عليه الخيراتُ، وانهالت عليه البركات

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ صِحَّةً في إِيمَانٍ، وَإِيمَانًا في حُسنِ خُلُقٍ، وَنَجَاحًا يَتبَعُهُ فَلاحٌ، وَرَحمَةً مِنكَ وَعَافِيَةً , وَمَغفِرَةً وَرِضوَانًا.


.
المشاهدات 47346 | التعليقات 4

جزيت خيرا شيخ حاطب فكم لك من اسمك من حظ ونصيب فقلد حطبت فضلا كثيرا وفضلا عظيما وفوائد جمة في حديثك

فنفع الله بك



وإياك شيخ زياد

والشكر موصول للمشايخ الذين أخذت من خطبهم

والمواقع التي أفدت منها في تمييز الصحيح من الضعيف مع التخريج للأحاديث وضبطها بالشكل

ولك جزيل الشكر على تشجيعك لجامعها




.

للفائدة :
http://www.alifta.net/Fatawa/fatawaDetails.aspx?BookID=2&View=Page&PageNo=1&PageID=11791







.


للفائدة :
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=28213