حسن الخاتمة 

عبدالله اليابس
1439/04/24 - 2018/01/11 18:38PM

حسن الخاتمة                       الجمعة 25/4/1439هـ  

إن الحمد لله نحمده، ونشهد ألا إله إلا الله الواحد القهار, الملك العزيز الجبار, الذي قضى زوال هذه الدار, وهدم بالموت مشيب الأعمار, وجعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله المصطفى المختار, القدوة المثلى في العمل لحسن الخاتمة وعدم الركون لهذه الدار, صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأبرار, وصحبه الأطهار, وتابعيه الأخيار, إلى يوم البعث لدار القرار.

{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}.

نعم .. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ..

لن أحدثكم اليوم حديثًا مستفيضًا عن الموت وما بعده .. لكن سأحدثكم عن لحظة أقضت مضاجع العقلاء, وطارت لأجلها أفئدة النبلاء, نتحدث اليوم عن ساعة الموت, ووقت الختام, ولحظة الانتقال من الدنيا إلى الآخرة.

تلك اللحظة التي يخرج فيها مكنون ما استودعه الإنسان في نفسه, ويظهر فيها نِتاج ما زرع في الدنيا.

نسمع ونقرأ عمن مات وهو ساجد, أو مات في حج أو عمرة أو عمل صالح, ونسمع أيضًا عمَّن مات وهو يعاقر الخمر أو المخدرات أو في مجلس محرم ..

ألم نتساءل يومًا لم مات هؤلاء على خير ومات أولئك على ضده؟

إن القلوبَ مستودعات .. ويظهر مخزونها في لحظة الموت, فإن أودعتَ فيها خيرًا ظهر لحظة الوداع .. وإن أودعتها شرًا وجدته أمامك.

كان العلاء بن زياد العدوي رحمه الله يقول: (لينزل أحدكم نفسه أنه قد حضره الموت, فاستقال ربه تعالى فأقاله, فليعمل بطاعة الله عز وجل).

ألا يا عسكر الأحيا     ***   ء هذا عسكر الموتى

أجابوا الدعوة الصغرى  ***   وهم منتظروا الكبرى

يحثون على الزاد  ***   وما زاد سوى التقوى

يقولون لكم جِدُّوا        *** فهذا آخر الدنيا

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. لأهمية لحظة الختام في حياة الإنسان، كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يُوصون بالحرص على حسن الخاتمة، قال سبحانه: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، وقال تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}.

ولسائل أن يسأل: كيف تكون خاتمتي حسنة؟ فيقال:

إن حسن الخاتمة لا يكون إلا بتوفيق الله للعبد, لكن الله تعالى أمر بفعل الأسباب, ومن أسباب حسن الخاتمة:

الاستقامة على العمل الصالح، وهي أن يَلزم الإنسان طاعةَ الله في كل أحواله، فمن عاش على شيء مات عليه، قال سبحانه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}.

وقد بشر الله تعالى أهل الاستقامة بتأييد الملائكة وتثبيِتهم لهم عند الممات، قال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.

قال أبو بكر العطوي: كنت عند الجنيد رحمه الله لما احتضر فختم القرآن ثم ابتدأ سورة البقرة فتلا سبعين آية ومات.

كما أن حسن الظن بالله تعالى من أهم الأسباب التي يُوَفَّقُ بها العبد لحسن الخاتمة، فيرجو سعةَ رحمةِ الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ), ويقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (أنا عند ظن عبدي بي).

ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال: (كيف تجدك؟)، قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف).

ومن أسباب حسن الخاتمة: التوبة إلى الله تعالى والإقبال عليه، فلا يدري الإنسان كم بقي في عمره؟ وتأمل في حديث الرجل الذي قتل مائة نفس كيف رحمه الله تعالى لما تاب وأناب فأصبح من أهل الجنة بعد أن كان مسرفًا على نفسه.

ومن أسباب حسن الخاتمة أن يكثر الإنسان من دعاء الله تعالى أن يحسن خاتمته, فلعل دعوة تصادف ساعة إجابة فيستجيب الله تعالى دعاءه.

فاللهم إنا نسألك حسن الخاتمة, الله أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, واجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى .

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. وكما أن للخاتمة أسبابًا فإن لها علامات, ومن علامات حسن الخاتمة:

النطق بالشهادة عند الموت، يقول رسول صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة).

ومن علامات حسن الخاتمة: الموت برشح الجبين، أي: أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) رواه أحمد والترمذي.

ومنها: الموت ليلة الجمعة أو نهارها لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر).

ومنها: الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله، أو بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو أن يموت غرقاً، ودليل ما تقدم ما رواه مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذًا لقليل قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد).

ومنها: الموت ببعض الأمراض أو الحوادث, كالميت بسبب الهدم وموت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو وهي حامل به, والموت بالحرق وذات الجنب وبالسل, كما وردت في ذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن علامات حسن الخاتمة: الموت على عمل صالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة، ومن تصدق بصدقة ختم له بها دخل الجنة) رواه الإمام أحمد وغيره.

أيها الإخوة .. بقي أن أنبه إلى أن ظهور شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة، ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح أو نحو ذلك. فهذا كله من الغيب.

 فاللهم أحسن خاتمتنا وأحمد عاقبتنا واختم لنا بخير يا رب العالمين.

يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

الخاتمة-25-4-1439

الخاتمة-25-4-1439

المشاهدات 4602 | التعليقات 0