حر الصيف وقفات وتأملات

حر الصيف وقفات وتأملات

الخطبة الأولى

إن الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستَعينُهُ ونستَغفرُهُ ، ونعوذُ باللهِ من شرُورِ أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا ، منْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له ، ومنْ يضللْ فلا هاديَ له ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ ، وأشهدُ أن محمّداً عَبدُهُ ورسولُهُ ، صلى اللهُ عليه وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَمَ تسلِيماً كَثِيراً . أَمَّا بَعْدُ :-

فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ : ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ .

عباد الله : تمر علينا الفصول والشهور ، وتمضي بنا الأيام والدهور ، ويأتينا زمهرير الشتاء فنستعد له بالملابس والمواقد وغيرها . ويأتينا حر الصيف فنستعمل ما أفاء الله علينا من خير في كسر حرارته وتخفيف وهَجِه ، ومع ذلك يدركنا شئ من لهبه . ولنا في هذه الأيام مع فصل الصيف وحرارته بعض الوقفات والتأملات .

أولاً : أن شدة الحرّ من فيح جهنم نعوذ بالله من جهنّم ، ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  ( اشتكت النار إلى ربها فقالت يارب : أكل بعضي بعضًا ، فأذِن لها بنفسَين : نفَس في الشتاء ، ونفَس في الصيف ، فهو أشد ما تجدون من الحر ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ) . وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أبردوا بالظهر فإن شدّة الحرّ من فيح جهنم ) .

ثانياً : أن نتذكر بحرارة الصيف وطول نهاره يوم القيامة حين تقرب الشمس من الخلائق بمقدار ميل والناس على قدر أعمالهم في العرق ، أخرج مسلم في صحيحه عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا ) قَالَ : وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ . وأخرج الشيخان واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :     ( يعرَقُ الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم ) . واعلموا أن هناك ظِلاًّ يمنُّ الله به على بعض عباده المؤمنين فيظلهم في ذلك الظل .  فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى اللهْ عليه وسلم قال : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصدقة فأَخْفَاها حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ ) أخرجه البخاري ومسلم .

ثالثاً : أن نتذكر ونحن نَفِرُّ من لهيب الصيف إخوانا لنا قد مسّتهم البأساء والضراء . ولا ننسى إخواننا الذين يرابطون على حدود هذه البلاد ، فقد اجتمع عليهم حر الموقف وحر الصيف أعانهم الله ونصرهم .

رابعاً : أن نشكر الله سبحانه وتعالى على ما أنعم به علينا من وسائل للرفاهية وأجهزة للراحة ، من تكييف وتبريد لم تكن عند أسلافنا . ﴿ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ إبراهيم 34 . وقال تعالى :  ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلَالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ) (سورة النحل آية81 ) . وعلينا أن نستعين بهذه الوسائل على القيام بطاعته ولا يصيبنا الكسل عن أداء فرائض الله بسبب شدّة الحر . ولنعتبر بقول الله تعالى عن المتخلفين : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ) التوبة 81 .. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين ، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم . 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على فضله وإنعامه ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الداعي إلى رضوانه ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً . أما بعد :- 

فاتقوا الله عباد الله واستعينوا به على طاعته ، واشكروه على نعمه ، وتفكروا في تقلبات الأيام والشهور واختلافها بين بردٍ وحرٍ ، وأحسنوا إلى أنفسكم بطاعة ربكم ، واعلموا أنكم عن الدنيا راحلون ، ويوم القيامة محاسبون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فا جتهدوا في الخيرات ونافسوا في الطاعات . وإياكم وسب الصيف وإطلاق الكلام على وجه التسخط ، فإن ذلك طعن في مصرف الأمور سبحانه ، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار ) . فإن كان خبرا من دون لوم كقوله : الحر في هذا اليوم شديد ، أو يقول تعبنا من شدة حر هذا اليوم ، فلا بأس بذلك .

عباد الله : إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ اتِّقَاءِ حَرِّ جَهَنَّمَ : الْمَشْيَ إِلَى الْمَسَاجِدِ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ ، وَشُهُودَ الْجَنَائِزِ وَنَحْوِهَا مِنَ الطَّاعَاتِ ، لاَ سِيَّمَا أَيَّامَ الصَّيْفِ الْحَارَّةَ ، فَكُلَّمَا اشْتَدَّ الْحَرُّ زَادَ الأَجْرُ ، فَالأَجْرُ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ ، وَلَعَلَّ الرُّجُوعَ مِنْ صَلاَةِ الْجُمُعَةِ فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ ، يُذَكِّرُنَا بِانْصِرَافِ النَّاسِ مِنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ ، فَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ إِلَى السَّعِيرِ ، فَإِنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَلاَ يَنْتَصِفُ ذَلِكَ النَّهَارُ حَتَّى يَقِيلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ : ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ﴾ وَقَالَ عَنِ الْفَرِيقِ الآخَرِ: ﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ ﴾  عباد الله : صلوا وسلموا على نبينا محمد فقد أمرنا اللهُ بالصّلاة والسّلام عليه فقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا ) . اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد ، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين . اللهم أعز الإسلام والمسلمين  وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين ، اللهمَّ إنا نسألك أنْ تحفظَ بلادَنا وسائرَ بلادِ المسلمين ، اللهم ادفَع عنَّا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصَّة ، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ، اللهم احفظ إمامنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ، اللهم انصر بهم الحق وأهله ، وادحر بهم الباطل وأهله ، إنك سميع الدعاء ، اللهم أمّن حدودنا واحفظ جنودنا عامة ، والمرابطين منهم خاصة ، اللهم يسر أمورنا ، واشرح صدورنا ونور قلوبنا ، اللهم اغْفرْ لنا ولوالدينا ولجميع المسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ برحمتك يا أرحم الراحمين ، ( ربنا آتِنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقِنا عذابَ النارِ ) عبادَ الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) واذكروا اللهَ العظيم الجليل يذكُرْكم واشكُروه على  نعمِه يزِدْكم ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون .

 

 

( خطبة الجمعة 17/1/1445هـ . جمع وتنسيق خطيب جامع العمار بمحافظة الرين / عبد الرحمن عبد الله الهويمل                          للتواصل جوال و واتساب /  0504750883  ) .

المرفقات

1722196690_حر الصيف وقفات وتأملات.docx

المشاهدات 126 | التعليقات 0