حرمة القصر والاتجار بالبشر

يحيى جبران جباري
1441/02/04 - 2019/10/03 05:59AM

الحمد لله عن كل ضعيف ومسكين ومظلوم يدافع ، أحمده سبحانه واشكره ما هلت من كرمه مدامع ، و أستعينه وأستهديه وأستغفره، يعين من طلبه ولا يمانع ، ويهدي من في هديه طامع ، ويغفر لمن تاب إليه ففضله واسع ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعطي المانع ، الخافض الرافع ، من إذا وقع عذابه فماله من دافع ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ومصطفاه من خلقه وخليله ، هو لأمته في الدنيا نافع ، وفي الآخرة لهم شافع ، صل الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، إلى يوم  ربه كل مفقود فيه راجع .

ثم أما بعد : فأوصيكم ايها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله عز وجل وخشيته ، فهو المطلع السامع ، واحذروا ثم احذروا الدنيا ، ولا يعيشن أحدكم عمره فيها طامع ، فحلاوتها لا تطول ، وسعادتها لا تدوم ، وسل من لها جامع ، فاتقوا الله في أنفسكم وفي أهليكم وبنيكم ، واعملوا لآخرتكم ، فعيشها في الجنة هوالنافع .( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18(الحشر)

ايها المسلمون : اعلموا رحمني الله وإياكم بأن الله خلق الخلق ، وقسم الرزق ، وجعله في السماء محفوظ فلن يسرق(وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) (الذاريات) وبقدر منه جل وعلا جعل الميزان في ذلك بين بني الإنسان ، فذاك يملك مصانع ومتاجر ، وآخر لديه محلات ومناجر ، وآخر اعطاه الله مزارع وحضائر ، كل هؤلاء سوقهم خاسر ، مالم يكن هناك عامل يشتغل في أموالهم باطنا وظاهر ، فالمصانع والمناجر ، تحتاج الى مهندس ، وحداد ، ونجار ، وصاحب المحلات والمتاجر ، يحتاج لمحاسب ،  وبائع ، وصاحب المزارع ، في حاجة لحارث وزارع ، وصدق الله (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) (البقرة) وهذا هو الميزان العدل ، والسبيل الحق لطرق الرزق ، إذ لوكان البشر كلهم ، على مستوا واحد في المعيشة ، لما وجدوا من ينفعهم ويقوم على مصالحهم وشؤونهم ، ولهلك العمال و الصناع ، ومال التجار والأغنياء ضاع ،

وها نحن اليوم ايها الأحبة : في زمن تطورت فيه انواع التجارة ، وزادت فيه الحاجة للعمالة ، في شتى المجالات ، ولله الحمد والمنة ، إلا أنه وجد أصحاب قلوب ضعيفة ، وذمم رخيصة ، استغلت الحاجة الماسة لكثير من ذوي الحاجة ، فغيرت التجارة عن حقيقتها ، فبدلا أن تكون بالسلع والمال  ، أصبحت بالبشر والفعل غير الحلال ، والأكل بالباطل لحقوق العمال ، وقد تنوعت مثل هذه الصورة وتعددت ، بسبب ما جبلت عليه النفس الآدمية من الميل للظلم نسأل الله العافية ، وقد قيل : الظلم من شيم النفوس ؛؛ وإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم ، والظلم في التجارة والإجبار على عمل بدون تراض ، محرم ، لقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ (النساء) وقد استغل البعض هدانا الله وإياهم حاجة العمالة الماسة للعمل ، في هذه البلاد المباركة ، ليرعوا انفسهم وبنيهم ، سعيا منهم في الأرض لطلب الرزق الحلال كما أمر الله ، فيقعون في أيدي من لا يخافون من الله ، فيفرضون عليهم أموالا مقابل استقبالهم تزيد عن المعتاد ، ويطلبون منهم أجرة مستمرة ومكلفة لا يستطيعونها ، مقابل إبقائهم ، أو يتناقلونهم  بينهم ، فيعطي هذا مالا ويعطي الآخر مثله ، ليروج سوقهم ، وآخرون يأتون بعمال فيكلفونهم من الأعمال فوق طاقتهم ، وهذا خلاف الأصل والحق ، فلهؤلاء حقوق تحترم لإنسانيتهم ، وقد جاء في الصحيحين عن ابي ذر رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم . ومن الواجب أن يبين للأجير ماله وما عليه ، قبل بدء العمل ، فعن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صل الله عليه وسلم نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له ) وأشنع من هذا كله ، من يأتي بعامل تحت كفالته ، أو يستأجر أجيرا ، لحاجته وعمله ، وثم لا يعطيه أجره ولاحقه ، وقد قال النبي صل الله عليه وسلم (اعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) وقال عليه الصلاة والسلام (كفى المرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم ) وكفى من يخشى الله أن يسمع ما جاء في البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال.. قال رسول الله صل الله عليه وسلم قال الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته ، رجل اعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ماله ،  ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه ) نعوذ بالله من ذلك كله ، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)  اقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم .....

الحمد لله أنزل العلم وحرم الظلم ، احمده سبحانه وأشكره على ما قضى ويحكم ، وأشهد ان لا اله الا الله يعطف ويحلم ، وأن محمد رسوله الملهم ، عليه صلى ربنا وسلم ، وبعد : يامن صمت طاعة لله ولرسوله  ولم يتكلم ، اتق الله ، فمن اتق الله رحم ، ومن رحم سيرحم  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) (التوبة)عباد الله : ما أسلفت ، ما هو إلا قطرة من بحر ، وقليل من صور ،  موجودة وبها الواقع يزخر ، غاب عند أصحابها الخوف من الله ، وحب المال ،  صم أذني أحدهم وعن الحق أعماه ، وإلا فأي نفس ترضى بأن تتاجر بأطفال ، يرمي بهم في الشوارع ، يستجدون الناس ، ويستغلون عطفهم ، ليعطوهم ، ثم يأتي هذا المجرم ليجمع ما بين ايديهم ، واي قلب يحمله ، من يأتي بعامل من بلده ، او يستأجر أجير فينجز عمله ، ثم لا يعطيه حقه ، مع أن لهذا وذاك ، أسرة وأطفال ، وربما أب وأم عاجزين ينتظرون ، ما سيأتيهم من قيمهم هذا ولهم سيرسله ، فالشرع ، والنقل ، والعقل ، والجمعيات والحقوق والهيئات وكل الجهات ، تجرم هذا الفعل وتحرمه ، فاتقوا الله في أنفسكم ايها المسلمون ، واحذروا هذا الأمر العظيم وإياكم ثم إياكم وفعله ، وحذاري ثم حذاري ، من دعوة مظلوم ، ترفع الى الله وتصله،   فمن سيقوى وكيف سينجو من كان الله يوم القيامة خصيمه وخصمه ،

ثم صلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة ، وعلى آله وأصحابه ومن التزم نهجه .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد ..

المشاهدات 1120 | التعليقات 0