حرب الإبادة الصامتة. حرب المخدرات 1440/10/25هـ

عبد الله بن علي الطريف
1440/10/24 - 2019/06/27 04:51AM
الخطبة الأولى:
أما بعد أيها الإخوة: لم تزل بلادنا المباركة تتعرض بين الفينة والأخرى لهجمات شرسة من تجارٍ مغرضين يهدفون للربح على حساب إفساد عقول الأمة قبل أجسادها، فبعد الفينة والأخرى تعلن وزارة الداخلية عن ضبط كميات من أقراص الكبتاجون، وأطنان من مخدر الحشيش، والكوكايين، وأنواع أخرى من المخدرات ..
نعم أحبتي: قوافل مظلمة تأم منافذَ هذا البلد المبارك الخارجية تحمل السمَّ الأبيض الزعاف، وبفضل الله تعالى وتوفيقه، ثم بجهودٍ مباركة من رجال الأمن والجمارك المخلصين، يتم إحباط محاولات التهريب للمواد المخدرة، وهذه الجهود المباركة لهؤلاء الرجال المخلصين تذكر وتشكر فكم من شر عن حياض بلادنا منعوه، وباغٍ على الفضيلة كبحوه، ومتسترٍ على المخدرات كشفوه، وحاملٍ للبلاء أمسكوه، ولما يحمل من سم زعاف ضبطوه. فلله الحمد والمنة وجزى كل ذائدٍ عن بلادنا وشعبنا خير الجزاء..  
أيها الأحبة: والمتأمل في الهجمات المستمرة على بلادنا يرى أنه لابد له من وقفات مهمات الأولى: تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حربٌ عظمى لا هوادة فيها بأساليب متعددة وحرب المخدرات من أقذرها، وما يذكر من أرقام فلكية للمضبوطات تفوق الخيال جزء من هذه الحرب وهي حرب سرية تسري في جسد الأمة في ظلمة الليل البهيم سريان النار بالهشيم.
نعم: هي -والله!- حربُ إبادةٍ صامتةٍ، وتدميرٍ خفي.. حُرُبٌ لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل، ولا يرى فيها لهيب الصواريخ، إنها حرب الإبادة بالسموم البيضاء، إنها حرب المخدرات!..
ولن تتوقف هذه الهجمات عن هذا الوطن الكريم حتى يُحَقِقَ صانعوها أهدافهم، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، والله من ورائهم محيط.
ويجب علينا أن لا نحزن ولا نخاف ولا نيأس؛ فإن الله الذي لا يخلف المعياد قد قال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:38] يقول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من اللهِ للذين آمنوا، أنَّ الله يدافِعُ عنهم كلَّ مكروه، ويدفعُ عنهم كلَّ شرٍّ؛ بسبب إيمانهم، من شرِّ الكفار، وشرِّ وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئاتِ أعمالهم، ويحملُ عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحمَّلون، فيخفف عنهم غاية التخفيف. ولكل مؤمن من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقِلٌّ ومُسْتَكْثِر. أ هـ.
ونقول نحن: لن يبطلَ أمرَ الله مُبْطِلٌ، ولن يغلبه مغالب، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21].
وقد اشتد أوار هذه الحرب وحمى وطيسها تأثراً بالوضع السياسي الإقليمي، خصوصاً بعد إفلاس الدولة التي تشير التقارير المنشورة أنها وراء التسهيلات لتهريب هذه الكميات الضخمة من المخدرات!.
الوقفة الثانية: إنَّ الإحصاءات التي نسمعها بوسائل الإعلام وما تتضمَّنَه من حقائقَ مخيفة ومفزعة، هي أكبر دليل على مقدار الهجمة الشرسة على بلادنا، وهو من مقاصد الإعلان عنها من الجهات المختصة، حتى نعلم المخاطرَ التي تواجهها أمتنا وبلادنا، وبهذا ندرك حجم المسؤولية الملقاة علينا جميعاً لدرء هذا الشر الداهم، والخطر المحدق ببلادنا؛ لذا يجب علينا رصَّ الصفوف، والوقوفَ صفاً واحداً أمام تجار ومروجي المخدرات، وتقديم المعلومات عنهم إلى أجهزة الأمن المعنية بمكافحة المخدرات من أجل إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده.
حق على كل واحد منا أن يغير ملابسه التي يرتدي، ويرتدي لباس جندية الحرب ضد المخدرات، وعلينا أن نبلغ عن كل حالة، وأن نحمل مَن نعلمه ولنا فيه صلة إلى مستشفياتِ الأمل؛ دفاعاً عن هذا الوطن العزيز.
الوقفة الثالثة: حرب المخدرات قديمة، ويقف ورآها دول وعصابات كالدول من أعداءِ الإسلامِ والإنسانيةِ وعبادِ المادة ورفقاءِ الشيطان، يروجون تجارة الموت في الأمة، وينشرون هذا الوباء بين صفوفِ أجيالِ الشباب من أجل تدميرهم وتحويلهم إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل؛ حتى يصبح العنصر البشرى أداة هدمٍ وإجرام وليس أداة بناءٍ وتعمير.
وهذا يؤدي إلى إلحاقِ الضرر الفادحِ بالاقتصاد الوطني، والبنيان العائلي والاجتماعي والثقافي، ويكون سبباً في الإخلال بالأمن والنظامِ العام، ونشرِ الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجب أنظار الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية وتوجيهها للانشغال في محاربة عصابات المخدرات من اجل استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، وتقضى على معتقدات الأمة، وتستنزف خيراتها، ثم يستولي العدو  على أراضيها، ويدنس مقدساتها.
أيها الأحبة: ووقائع التاريخ تثبت أن سلاح المخدِّرات يوجَّه للأمم بهدف نخرها من الداخل، وتجريدها من أهم عناصر القوة فيها وهو الشباب القوي الواعي المنتمي لدينه ووطنه، الغيور عليه، والحريص على مقدراته.
وقديما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وهو يتحدث عن حكم الحشيش، قال: إِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جنكيزخان لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ...
إلى أن قال: فَإِنَّهَا، مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مصطولا، وتُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة، وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ؛ فَتَجْعَلُ الْكَبِيرَ كَالسَّفِيه، وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ، وَتُورِثُ الْجُنُونَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَوا مَجْانين بِسَبَبِ أَكْلِهَا (مجموع الفتاوى 34/ 205).
أيها الإخوة: وقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن حرب الأفيون الحشيش ضد الصين، وهي أقذر حروب التاريخ على الإطلاق، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمن كثير من الشعب الصيني؛ فانزعجت الصين من الخطر الذي سببه تعاطي الأفيون الواسع على صحة المواطنين‏، وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه‏ ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون.! وأخيراً نجحت بريطانيا في هذه الحرب، وحققت ما تريد. وكذلك فعلت إسرائيل مع مصر، وما زالت تدعم الترويج في جميع الدول الإسلامية.
إن هذه البلاد المباركة -وهي حصن السنة الأخير- مستهدفة، فبعد أن فشل دعاة الانحراف الفكري وكذا الانحراف العقائدي من تحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، ورأوا تماسكهم وتمسكهم بقيادتهم وانتماءهم لوطنهم، سلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات، ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط؛ ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خططهم.
وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة، ولن تتوقف هذه الهجمات؛ بل ستزداد! وعلينا اليقظة والاستعداد التام، وعلى كل مواطن أن يقوم بما يستطيعه من جهد في صد هذا الشر عن بلاده.. حما الله بلادنا والمسلمين وصلى الله على نبينا محمد...
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة: الوقفة الرابعة: حق على كل أب وأم ومربٍّ أن يتعرف على صنوف هذه المخدرات وأنواعها وأشكالها وآثارها وعلامات متعاطيها حتى يُوجه أبناءه وبناته إلى الحذر من تعاطيها، ويتعرف مبكراً على من وقع في براثنها منهم ليسعى بإنقاذه.
وأهل الشر والفساد لا يريحهم إلا فسادُ الآخرين ووقوعهم بما وقعوا فيه من معصية، قال الله تعالى: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:27-28].
قوله: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي: يريد الله أن يتوب عليكم ويتجاوز عن خطايكم. (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ). أي: ويريد الذين ينقادون لشهواتهم وملذاتهم أن تنحرفوا عن الدين انحرافاً كبيراً.
فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين، وتخيّروا أحسن الطريقتين.
أيها الأحبة: ومما يجب التأكيد عليه -باستمرار- تحذير الأبناء المبتعثين من الوقوع ببراثن المخدرات، وتحذيرهم من السيجارة الأولى، وتذكيرهم بأهمية الثبات والعزم والاستمرار، وإيقاظ الرقابة الذاتية في نفوسهم؛ فإن الله تعالى يقول: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك:12]، وتذكيرهم بأن أعداء هذه الأمة يعملون ليل نهار لإيقاع أبنائنا.
الوقفة الأخيرة: الدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء، الدعاءُ: بأن يحفظ الله هذه البلاد المباركة من كيد هؤلاء، وكيد كل مَن يريدها وأهلها بشَرٍّ مهما كان، والدعاء: لحراس البلاد من رجال مكافحة المخدرات والجمارك غيرهم ممن يقومون على كشف هذا الشر.. ثم الدعاء: بالحفظ لأولادنا من أن يقعوا في براثن هذه الرذيلة.. فقد قال ربكم: (ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60] وقال: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) [النمل:62] وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لم يسأل الله يغضبْ عليه" رواه الترمذي وحسنه الألباني. ثم صلوا وسلموا على نبينا محمد
 
المشاهدات 1706 | التعليقات 0