حجز الأماكن في المساجد......لقلة الاستيعاب بالتباعد

mo ab
1441/12/22 - 2020/08/12 23:33PM

إن الحمد لله...

عِبَادَ اللهِ: مع هذا الوباءِ والبلاءِ -الذي نسألُ اللهَ أن يرفعَه- ومعَ التباعدِ والاحترازاتِ الصحيةِ المعمولِ بها قلَّ استيعابُ المساجدِ للمصلينَ، فظهرتْ مشكلةُ حجزِ الأماكنِ في بعضِ المساجدِ وخصوصاً في الجوامعِ ويومِ الجُمُعةِ؛ فتحجز الصفوف الأُوَلُ ويتأخرُ أصحابُها عن المجيءِ لحينِ قربِ دخولِ الإمامِ أو الخطيبِ.

وهذا والله من العجب! فحِينَمَا تَدْخُلُ الجامع؛ وَتَـجِدُ أَنَّ رَوْضَتَهُ قَدِ احتُلَّتْ، بِسجَّادَاتٍ، وكَرَاسٍ، وحَامِلَاتِ مَصَاحِفَ، دُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَحَدٌ، وَعِنْدَ قُرْبِ الإِقَامَةِ يَتَوَافَدُ بَعْضُهُمْ؛ مُتَخَطِّيًا الرِّقَابَ، مُـخْتَـرِقًا الصُّفُوفَ؛ لِيَجْلِسَ فِي الرَّوْضَةِ الَّتِـي لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا، فيُـخْشَى عليه أَنْ يَكُونَ بِتَخَطِّيـهِ الرِّقَابِ قَدِ اِتَّـخَذَ جِسْرًا لَهُ إِلَى جَهَنَّمَ؛ لِقَوْلِهِ –‘-: "مَنْ تَخَطَّى رقاب الناس يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ" رَوَاهُ الترمذي وابن ماجة، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيّ؛ فعَلَى الْـمُسْلِمِ الْـحَذرُ مِنْ هذا الفعلِ حتى لا يقعَ فيما يسخطُ اللهَ عليهِ وهو يحسبُ أنه قد حصَّلَ الأجرَ العظيمَ.

ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أَنَّ الْـحَثَّ جَاءَ بالتَّبْكِيـرِ مِنْ خِـلَالِ الْـحُضُورِ بِالْبَدَن لِلْمَسَاجِدِ في الجمعة والجماعات، وَلَيْسَ بِتَقْدِيـمِ الَـحَاجَاتِ والسّجاَداَت، فَهَذَا الْعَمَلُ مُـحَرَّمٌ شَرْعًا، وَقَدْ حَذَّرَ مِنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ.

قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِـمَهُ اللهُ-: وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِـيـرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ تَقْدِيمِ مَفَارِشَ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، قَبْلَ ذَهَابِهِمْ إلَى الْمَسْجِدِ، فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ مُحَرَّمٌ، وَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَفْرُوشِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ غَصْبُ بُقْعَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَنْعُ غَيْرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَيَصِحُّ لِـمَنْ سَبَقَهُ أَنْ يَرْفَعَ ذَلِكَ الْـمَفْرُوشِ وَيُصَلِّيَ مَوْضِعَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُنْكَرٌ. اِنْتهَى كَلامُهُ -رَحِـمَهُ اللهُ-.

وَقَالَ الشَّيْخُ اِبْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِـمَهُ اللهُ-: إِنَّ حَجْزَ الأَمَاكِنِ فِي الْمَسْجِدِ حَرَامٌ، وَلَا يَـجُوزُ، وَمَنْ حَجَزَ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ وَالْمَكَانُ إِنَّـمَا يَكُونُ لِلأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، ثُـمَّ ذَكَرَ -رَحِـمَهُ اللهُ- أَنَّ بَعْضَ علماءِ الْـحَنَابِلِةِ قَالَ: إِنَّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَكَانِ الْمَحْجُوزِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ. اِنْتَهَى كَلَامُهُ -رَحِـمَهُ اللهُ-.

وهُنَا سُؤَالٌ يُطْرَحُ: مَا هَدَفُ الَّذِينَ يَـحْجِزُونَ أَمَاكِنَ مُتَقَدِّمَةً فِي الْـمَسَاجِدِ، ويتأخرون؟ أَهُمْ يَرْجُونَ مَا عِنْدَ اللهِ، أَمْ مَا عِنْدَ النَّاسِ؟ فإن مَا عِنْدَ اللهِ؛ لا يُنال إلا بالسبق وقَدْ عَلِمَ الله السَّابِقَ، وَسَجَّلَتِ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ حُضُورَهُمْ، وَعَلِمَ اللهُ أَنَّ هَذَا الْـحَاجِزَ مُتَأَخِّرٌ بِالْـحُضُورِ، وَلَيْسَ بِسَابِقٍ؛ بَلْ تعدى وظلم المبكرين للصلاة من أخذ حقهم في الْمَكَانِ، وَسَجَّلَ اللهُ حُضُورَهُ الْمُتَأَخِّرَ، فَلَنْ يَنْفَعَهُ حَـجْزُهُ، بَلْ يَضُرُّهُ.

عباد الله: ألا فَلْنَتَّقِ اللهَ في أَنْفُسِنَا، وَلْنَجْلِسْ حَيْثُ اِنْتَهَى بِنَا الْمَجْلِسُ، وَالْحَذِرَ الْحَذَرَ مِنْ اِسْتِغْلاَلِ الْجَاهِ فِي حَـجْزِ الْأَمَاكِنِ! حَتـَّى قَالَ بَعْضُ الْحكَمَاءِ: إِذَا دَخَلَتَ الْمَسْجِدَ فَدَعْ شُغْلَكَ وَقَدْرَكَ عِنْدَ بَابِهِ، وَتَوَاضَعْ للهِ؛ فَإِنَّكَ عَبْدٌ مِنْ عَبَادِهِ.

الخطبة الثانية

الحمد لله

عباد الله: وإن مما يجدر التنبيهُ إليه أن بعضَ المصلينَ هدانا اللهُ وإياهم قد اعتادَ مكاناً للصلاةِ فلا يصلي إلا فيه فإذا تأخرَ في فرضٍ من الفروضِ وسبقهُ بعضُهم لهذا المكانِ انتهرَه وشغَّبّ عليه وَكَأَنَّهُ أَصْبَحَ مِلْكًا لَهُ، يَـحْرُمُ عَلَى غَـيْـرِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَنَسيَ -أَوْ تَنَاسى- أَنَّ هَذَا بَيْتُ للهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهِ شِرْكٌ وَلَا نَصِيبٌ. وَأنه لَا يَـجُوزُ مَنْعُ الْـمٌتقِّدم مِنَ الْـجُلُوسِ بِالْمَكَانِ الشَّاغِرِ.

مَعَ أَنَّ الْأَفْضَل أَلَّا يَعْتَادَ الإِنْسَانُ مَكَانًا مُعَيَّنًا فِي الْمَسْجِدِ، لَا يُصَلِّي إِلَّا فِيهِ، فَقَدْ روى أبو داوود بسنده عن عبد الرحمن بن شبل قال: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –‘- أَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ" حسنه الألباني. وَمَعْنَاهُ: النهي أَنْ يَأْلَفَ المصلي مَكَانًا مَعْلُومًا مِنَ الْمَسْجِدِ مَخْصُوصًا بِهِ يُصَلِّي فِيهِ. وفي ذلك عدة حكم ذكرها العلماء:

منها: أن في تغييرِ الأماكنِ تكثيراً لمواضعِ الصلاةِ والسجودِ في المسجدِ، فتشهدُ هذه الأماكنُ لمن صلى فيها وعليها.

ومنها: أن اتخاذَ مكانٍ معينٍ في المسجدِ قد يُصَيِّرُ العبادةَ طبعاً فيه وتثقلُ في غيره؛ فإذا كانت كذلك فُقِدت لذةُ العبادةِ بكثرةِ الإِلْفِ والحرصِ على هذا المكان.

ومنها: أَنَّ هَذَا الاِسْتِيطَانَ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الشُّهْرَةِ وَالرِّيَاءِ وَالسَّمْعَةِ وَالْـحُظُوظِ وَالشَّهَوَاتِ، وَكُلُّ هَذِهِ آفَاتٌ، فَيَتَعَيَّـنُ الْبُعْدُ عَنْهَا.

جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِـمَّـنْ يَـحْفَظُونَ لِبُيُوتِ اللهِ حُرْمَتَهَا، وَيُرَاعُونَ الأَحْكَام الشَّرْعِيَّة عِنْدَ دُخُولِ الْـمَسَاجِدِ.

المشاهدات 511 | التعليقات 0