حتى يعلنوا بها
ياسر دحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
أيها المؤمنون: نظرةُ الناس اليوم ماديةٌ بحْتة, وإذا كان هذا منطِق الكفار فإنه لا يليق بمؤمن, لأن المؤمن ميزانُه الشرع, وحين تظهر الأمراض والأوبئة وتفشو بين الناس, يرجعها أهل الدنيا إلى أسباب مادية, وينسون السبب الحقيقي الذي بموجبه سلط الله تعالى هذه الفيروسات المخلوقات الدقيقة لتفتك بالناس, وتبث الرعب بينهم, وتصيب كثيراً من قطاعات الأموال بمقتل؛ فشركات الطيران تتكبد خسائر فادحة نتيجة توقفها, السياحةُ معطلة, والفنادقُ خالية, وأماكنُ اللهو خاوية, وضربت بعض الدول على نفسها عزلة تامة, وأخرى قاطعتها جميع الدول لتواجه مصيرها بنفسها...
سبحان الله! فيروسٌ صغيرٌ لا يرى بالعين المجردة يفعل كل هذا, إنها قدرة الله؛ ليُريَ الإنسان ضعفه, وأنه مهما طغى وتكبر وتجبر فإن الله قادرٌ على أنه يذله بأضعف مخلوقاته, هذا الفيروسُ هو جندي من جند الله يأتمر بأمره, ويسلطه على من يشاء؛ عذاباً ورحمة, {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}.
العالم اليوم مشغولٌ بالبحث عن علاج لهذا المرض, يسابقون الزمن, وحتى لو وجدوا علاجاً ستفجأُهم أمراضٌ أشد وأفتكُ من هذا الوباء, هل تعلمون لماذا يا عباد الله؟! لأنهم لم يعالجوا أسباب ظهور هذه الأمراض, وإنما يعالجون آثارها ونتائجها, وعبثاً يحاولون, فلقد أخبرنا نبينا الصادق المصدوق منذ خمسة عشر قرناً عن سبب ظهور هذه الأوبئة, مخبراً عن الحال الدنيء الذي ستصل إليه البشرية, محذراً أمته من سلوك سبيل المفسدين, فقال عليه الصلاة والسلام: "لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا" (رواه ابن ماجه), أرأيتم إنها الفواحش؛ الزنا وفاحشةُ قوم لوط, فحين تكون علنيةً يجاهر بها الناس, ويرتكبونها دون خجلٍ من الخلق, ولا خوفٍ من الله؛ يسلط الله عليهم هذه الأوبئة!.
إننا نعيش اليوم في عصر البهيمية؛ ففي كثير من البلدان تسود الإباحية الجنسية, ترتكب الفواحش دون نكير, ولكل رجلٍ خليلةٌ بل خليلاتٌ يمارسون الرذيلة, وقد ماتت الغيرة من نفوسهم, بل لم يبقَ في ضمائرهم ذرةُ حياء, إذ يمارسون الفواحش نهاراً جهاراً أمام أعين المشاهدين والمشاهدات, خلف التلفاز والشاشات, وفي الأماكن العامة والملاهي والشواطئ والمنتزهات, هم في دركاتٍ من الفحش لن تراها حتى عند الحيوانات.
ولقد تأثر كثيرٌ من المسلمين في كثيرٍ من الأقطار فأصبحوا يسايرون الكفار خطوةً خطوةً, تبرجٌ وعريٌ, نساءٌ وضعن الحياءَ عنهن, يختلطن بالرجال, مراسلاتٌ وكلامٌ وعشقٌ وهيام, ضعفٌ في الغيرة, بعدٌ عن الدين, دناءةٌ في الأخلاق, شبابٌ تائه, يجتمعون على المنكرات, يتتبعون النساء والبنات بالمعاكسات, حلاقاتٌ غريبة, يستحي الناظر إلى أصحابها بسبب ما يفعلونه في أنفسهم من تشويه خلقتهم, يجرون خلف الشهوات ليل نهار, غيرُ عابئين بأضرارها وآثارها الخبيثة!.
فاحشةُ الزنا أحدُ أسباب هذه الأوبئة بنص حديث رسول الله, وهي من كبائر الذنوب التي نهى عنها, قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً), وقرنها الله بأعظم كبيرتين؛ الشرك بالله والقتل, قال تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا), واقترن حال الزاني بحال المشرك في كتاب الله: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).
الزنا فسادٌ للأعراض, وانتهاكٌ للحرمات, اختلاطٌ للأنساب, يجرِّئ على أكل الحرام, والسرقة والكذب والخيانة, وصمةُ عارٍ وذل لا تُمحى بسهولة, ويتناقلها الناسُ ولا يتناسونها, وطعنةٌ مؤلمةٌ في قلب الوالدين, تجعلهما يتجرعان المر طولَ حياتهما, وهو من أشد أنواع العقوق, يُذهِبُ بكرامة الفتاة ويكسوها عارًا لا يقف عندها، بل يتعداها إلى أسرتها وأقاربها، وتنكِّس به رؤوسُهم بين الخلائق, وقد يؤدي إلى القتل كما في جرائم الشرق قي بعض البلدان, وبعض النساء إذا حملت من الزنا ربما قتلت وليدها حتى لا يكشف أمرها, فجمعت بين موبقتين عظيمتين؛ الزنا والقتل, فأي مسلمٍ هذا الذي يرضاه في أهله أو في بنته أو أخته؟!, إن كنت لا ترضاه لأهلك فكيف ترضاه لبنات الناس؟!.
إن الزنا دينٌ فمن هتك أعراض الناس يوشك الله أن يسلط من يهتك عرض أهله, وما يدري هذا الزاني أن ترتفع دعوةٌ من أمٍ مكلومةٍ أو أبٍ مغموم تنغِّص عليه حياته, وتورده المهالك والآفات, فتنقلب حياتُه تعاسةً وشقاء, وفي الحديث: "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ فَإِنَّها لَيْسَ بَيْنَها وَبَيْنَ اللهِ حِجابٌ...", يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
عُفّوا تَعُفُّ نِساؤُكُم في المَحرَمِ ** وَتَجَنَّبوا ما لا يَليقُ بِمُسلِمِ
إِنَّ الزِنا دَينٌ فَإِن أَقرَضتَهُ ** كانَ الوَفا مِن أَهلِ بَيتِكَ فَاِعلَمِ
يا هاتِكاً حُرَمَ الرِجالِ وَقاطِعاً ** سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشتَ غَيرَ مُكَرَّمِ
لَو كُنتَ حُرّاً مِن سُلالَةِ ماجِدٍ ** ما كُنتَ هَتّاكاً لِحُرمَةِ مُسلِمِ
مَن يَزنِ يُزنَ بِهِ وَلَو بِجِدارِهِ ** إِن كُنتَ يا هَذا لَبيباً فَاِفهَمِ
من يزنِ في قوم بألفَي درهم ** في أهله يُزنى بغير الدرهمِ
عباد الله: قد أخبر نبينا أن الزنا والإيمان لا يجتمعان, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ يَزْنِى الزَّانِى حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ" (متفق عليه), قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الإِيمَانُ" (أبو داود والترمذي, وصححه الألباني), فيا له من منكر عظيم, يطمس نور القلب, ويجلب سخط الرب, وصاحبه متوَّعدٌ بأليم العذاب في الدنيا والآخرة.
ولهذه الأضرار والمفاسد فإن الله رتب الله عليه الحد وشدد فيه, قال ابن القيم -رحمه الله-: "خصَّ الله سبحانه حدَّ الزنا من بين الحدود بثلاث خصائص: إحداها: القتل فيه بأشنع القتلات، وأما ما دون القتل فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد, وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة. والثانية: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد على الزاني والزانية.
والثالثة: أن الله -جل شأنه- أمر أن يكون حَدُّهما بمشهد من المؤمنين، وذلك أبلغ في مصلحة الحدّ وحكمة الزجر مما لو كان تنفيذه في مكان خَفيٍّ لا يراه أحد".
قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الحكيم العليم، الرؤوف الرحيم، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين، نبينا وسيدنا محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها المؤمنون: لقد توعَّد الله تعالى الزناة بالعذاب الشديد, ففي قبورهم يكونون في حال سيء مهين, قال رسول الله: "فَانْطَلَقْنَا, فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ" فَأَحْسِبُ أنَّهُ قَالَ: "فإذا فِيهِ لَغَطٌ, وأصْواتٌ, فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فإذا فِيهِ رِجَالٌ وَنِساءٌ عُرَاةٌ, وَإِذَا هُمْ يَأتِيِهمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ, فإذا أتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا . قُلْتُ: مَا هَؤلاءِ؟ فأجابه جبريل: فَإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّواني" (متفق عليه).
والشيخ الزاني عقوبته أشد فعند الطبراني وصححه الألباني: "لا ينظر الله إلى الشيخ الزانى والعجوز الزانية", وعند مسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم, ولهم عذاب أليم" شيخ زان.."
ومن استغل غياب زوجٍ أو سفره فأفسد امرأته, سلَّط الله عليه أسوداً تنهشه يوم القيامة أو ثعباناً, ففي صحيح الترغيب والترهيب قال عليه الصلاة والسلام: "مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَى فِرَاشِ الْمُغِيبَةِ، مَثَلُ الَّذِي يَنْهَشُهُ الْأَسَاوِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ", وفي مسند أحمد قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قَعَدَ عَلَى فِرَاشِ مُغِيبَةٍ قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُعْبَانًا".
ومن أمَّن رجلاً على أهل بيته فخانه فيهم؛ فقد عرّض حسناته للإحباط, قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ القَاعِدِيْنَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ المُجَاهِدِينَ في أهْلِهِ, فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وَقَفَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرْضى" (مسلم).
ومن أصرَّ على هذه الكبيرة وشبَّ عليها وكبر ولم يتب؛ فقد حُرِّمت عليه الجنة, قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الشَّيْخُ الزَّانِي..." (صححه الألباني).
عباد الله: وإذا كان الله يعذب الزناة في قبورهم حتى تقوم الساعة, فإن لهم في النار عذابا يُعرفون به, إنهم كانوا في الدنيا ينفقون الأموال الكثيرة على الزينة والعطور, فرائحتهم في النار منتنة, قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلَانِ فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ فَأَخْرَجَانِي، فَأَتَيَا بِي جَبَلًا وَعْرًا, قَالَ: فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا أَنَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الْأَصْوَاتُ؟ فَقَالَا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ انْطَلَقَا بِي... فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ أَشَدَّ شَيْءٍ انْتِفَاخًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، كَأَنَّ رِيحَهُمُ الْمَرَاحِيضُ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الزَّانُونَ وَالزَّوَانِي" (ابن حبان وصححه الألباني).
وأخبر عليه الصلاة والسلام عن نهرٍ يجري في النار, ريحته منتنةٍ يتأذى منه كلُ من في النار يسمى (نهرُ الْغُوطَةِ), قِيلَ: وَمَا نَهْرُ الْغُوطَةِ قَالَ: "نَهْرٌ يَجْرِي مِنْ فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ, يُؤْذِي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ" (أحمد وابن حبان).
عباد الله: يوسف عليه السلام تأتيه المرأة فتعرِض عليه نفسها, وتهيء جميع الوسائل وفوق ذلك التهديدُ بالحبس إن رفض, ومع ذلك أبى وقال: معاذ الله, وفضل السجن على الفاحشة, واليوم تجد كثيرين يحرصون على الذهاب بأرجلهم إلى الزنا, يتربّصون بالنساء يبحثون ويحاولون ويخادعون، وبعضهم يدفع مالاً كثيراً من أجل أن يسافر إلى بلاد الكفار حيث الانفتاح؛ فيعصي ربه هناك، وبعض هؤلاء جاء حاملاً لمرض الإيدز, ثم نقله إلى زوجته البريئة, وكم حصل من مآسي بسبب هذا, فالرجل يلقى حتفه بعد فترة ثم تتبعه زوجته, ويبقى الأولاد دون راعٍ, يتشتتون ويضيعون في هذه الحياة, والسبب لذةٌ عابرة ما كان يظن هذا الرجل أن تبلغ به وبأسرته هذا الحال, فلا حول ولا قوة إلا بالله.
لو قيل لشابٍ: إن هذه المرأة التي ستزني بها مصابة بالإيدز لترك الفاحشة؛ خوفاً من المرض, فسبحان الله! تخاف المرض ولا تخاف من الله! هل تظن يا هذا أنك ستخلَّد في هذه الحياة, لا بد من الموت, ثم إلى أين المصير؟! (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ), (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ), اخفِ من الأعمال ما شئت عن أعين الناس, لكن الله لا تخفى عليه خافيه, سترجع إليه وكلُ ما عملتَ ستراه أمامك وسيحاسبك الله عليه, وستُفضحُ أمام الخلائق, ستفضحُ أمام أولئك الناسِ الذين كنت تخفي منكراتِك عنهم إلا أن يتغمدك الله بستره.
اعلموا -عباد الله- أن من أدمن على المنكرات خشي عليه سوءُ الخاتمة, وللعاقل عبرٌ وعظات, ألم تسموا تلك الحوادث التي في أُخذ أصحابها على حين غفلة, وأتاهم ملك الموت وهم على معصية، منهم من قبضت روحه وهو يرقص ويغني أو وهو في مرقص وبيده كأس خمر, وبعضهم مات وهو في حال الزنا, نسأل الله السلامة والعافية, وهذا الزمان كثُر فيه موتُ الفجأة, فلا تدري متى يأتيك أجلُك وبمِ يختمُ لك, فاستقم واسأل الله الثبات والسلامة والعافية, قَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم: "يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مُلَاقِيهِ" (البيهقي).
والله يدعو عباده للتوبة (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
ألا صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم ,والقائد الكريم, (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.