حتى لا نقع في الطلاق
الشيخ السيد مراد سلامة
جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم لامحالة زائل.
حذر الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل.
فمن أسلم وجهه لله فذاك الكيّسُ العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال الغافل.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تنزه عن الشريك وعن الشبيه وعن المشاكل.
من للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر؟ ومن يعدل المائل؟ من يشفي المريض؟ من يرعى الجنين
في بطن الحوامل؟
من يجيب المضطر إذا دعاه؟ ومن استعصت على قدرته المسائل؟
من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل؟
لبِسْتُ ثَوبَ الرَّجَا وَالنَّاسُ قَدْ رَقَدُوا |
|
وَقُمْتُ أَشْكُو إِلَى مَولَايَ مَا أَجِدُ! |
وَقُلْتُ: يَا عُدَّتِي فِي كُلِّ نائبَةٍ |
|
وَمنْ عَلَيْهِ لِكَشْفِ الضُّرِّ أعْتَمِدُ! |
أَشْكُو إِلَيْك أُمُورًا أَنْتَ تَعْلَمُهَا |
|
مَا لِي عَلَى حِمْلهَا صَبْرٌ وَلَا جَلَدُ! |
وَقَدْ مَدَدتُّ يَدِيْ بِالضُّرِّ مُبْتَهِلًا |
|
إِلَيْكَ يَا خَيرَ مَنْ مُدَّتْ إِلَيْهِ يَدُ! |
فَلَا تَرُدَّنَّـهَا يَا رَبِّ! خَائِبَةً...فَبَحْرُ جُودِكَ يَرْوِي كُلَّ مَنْ يَرِدُ!
ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
إلهي لا تعذبني فإني |
|
مقر بالذي قد كان مني |
ومالي حيلة إلا رجائي |
|
وعفوك إن عفوت وحسن ظني |
فكم منزلة لي في البرايا |
|
وأنت علي ذو فضل ومن |
إذا فكرت في ندمي عليها |
|
عضضت أناملي وقرعت سني |
يظن الناس بي خيراً وإني |
|
لشر الناس إن لم تعف عني |
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) [آل عمران/102}
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) [النساء/1][
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) [الأحزاب/69-71][
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد e وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثاتها بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فإن من المعضلات التي تعصف بأمن و استقرار الأسرة و المجتمع و الأمة على حد سواء انتشار ظاهرة الطلاق و إذا نظرنا إلى الإحصائيات لوجدنا إن الخطب جسيم و مدمر ، ففي مصر –مثلا- ذكر الإعلامي مصطفى كفافين: نسبة الطلاق ارتفعت في مصر من 7% إلى 40% خلال الـ50 عامًا الماضية، فإجمالي عدد المطلقات في مصر وصل إلى 4 ملايين مطلقة، بمعدل 250 حالة طلاق في اليوم الواحد أي حدوث طلاق كل 4 دقائق في مصر، من أصل 14 مليون قضية طلاق تشهدها المحاكم المصرية سنويًا، بمشاركة 28 مليون شخص أمام المحكمة، أي ما يعادل ربع سكان مصر.([1])
وفي السعودية جاء في إحصاءات «العدل» ارتفعت حالات الطلاق المسجلة في محاكم المملكة بنسبة 22% خلال الفترة نفسها مسجلة 54.471 حالة طلاق لتحقق معدل 7 حالات طلاق مقابل كل 10 حالات زواج جديدة.
كما ارتفعت دعاوى فسخ النكاح المسجلة لدى المحاكم السعودية خلال العام 1435ه بنحو 17% عما سجل خلال العام 1434ه لتبلغ 10.469 دعاوى بمعدل 29 دعوى منظورة في اليوم الواحد، في حين ارتفع أيضاً عدد دعاوى الخلع وإثباته المنظورة لدى محاكم المملكة خلال الفترة نفسها بنسبة نحو 47% مقارنة بالعام الذي سبقه لتبلغ 2.033 دعوى بمعدل قارب ال 6 دعاوى منظورة يومياً بحسب إحصاءات وزارة العدل. ([2])
أليست هذه كارثة ينبغي أن تجيش لها جيوش الدعاة والمصلحين والمفكرين؟
لذا فأنا أضع حلولا جذرية لهذه القضية من خلال القران الكريم وسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم-
وتشتمل الحلول على ثلاثة محاور وإليكم البيان:
المحور الأول: حلول قبل الزواج
1-حسن الاختيار
لابد للشاب وللفتاة قبل الدخول في شراكة الحياة الزوجية من تخطيط لمستقبل أسرة سعيدة فالإنسان عندما يريد أن يشتري سيارة فإنه يسأل ويدقق ويبحث عن أجود السيارات وآمنها، وتلك سيارة يمكن له أن يبدلها بغيرها بدون مشاكل ولا عقبات فلماذا لا نحسن الاختيار والتخطيط للحياة الأسرية
لذا فأول الحلول {حس الاختيار من كلا الطرفين} وهذا ما أرشدنا إليه الإسلام وبينه لنا النبي الهمام-صلى الله عليه وسلم
أن يختار الشباب امرأة صالحة ملتزمة و يكون ذلك الاختيار هو الأساس الذي يبني عليه أسرته عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك )) متفق عليه .
وإليكم الواقع التطبيقي لهذا الأساس:
قال يحيى بن يحيى النيسابوري: كنت عند سفيان بن عيينة إذ جاءه رجل فقال: يا أبا محمد، أشكو إليك من فلانة - يعني امرأته - ،أنا أذل الأشياء عندها وأحقرها!.
فأطرق سفيان مليا، ثم رفع رأسه فقال: لعلك رغبت إليها لتزداد بذلك عزا ؟!
فقال: نعم يا أبا محمد!.
فقال: من ذهب إلى العز ابتلي بالذل، ومن ذهب إلى المال ابتلي بالفقر، ومن ذهب إلى الدين يجمع الله له العز والمال مع الدين.
ثم أنشأ يحدثه فقال:
كنا إخوة أربعة: محمد، وعمران، وإبراهيم، وأنا،
فمحمد أكبرنا وعمران أصغرنا، وكنت أوسطهم، فلما أراد محمد أن يتزوج رغب في الحسب، فتزوج من هي أكبر مالا منه فابتلاه الله بالفقر، أخذوا ما في يديه ولم يعطوه شيئا!، فنقبت في أمرهما، فقدم علينا معمر بن راشد فشاورته، وقصصت عليه قصة أخوي، فذكّرني حديث يحيى بن جعدة وحديث عائشة، فأما حديث يحيى بن جعدة:
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -:
" تنكح المرأة على أربع: دينها، وحسبها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك ".
وحديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم -قال:
" أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة ".
فاخترت لنفسي الدين وتخفيف المهر اقتداء بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم -فجمع الله لي العز والمال مع الدين)اهـ.
الزوج: اختيار الزوجة زوجا صالحا وإن كان فقيرا عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة
في الأرض وفساد عريض ". ([3])
2-الواقعية والبعد عن العنترية والمثالية
وإن مما يسبب المشكلات والخلافات بين الزوج والزوجة الظهور بمظهر العنترية والمثالية
فكثير الشباب يُظهر نفسه في فترة الخطوبة بالغنى والجود والسخاء ويكلف نفسه فوق طاقته ويظهر للفتاة أنه فارس الأحلام فإذا ما دخل بزوجته وقد ارتسم في مخيلتها أنه عنتر زمانه، و حاتم دهره، إذا بالحال غير الحال و الطعام غير الطعام و الأسلوب غير الأسلوب و غير ذلك فعندها تفقد الزوجة المصداقية بالزوج و يحدث الشقاق فيما بينهما
عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها - قالت : " جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله إني على ضرة فهل علي جناح أن أتشبع من زوجي بما لم يعطني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"([4]) .
وقال النووي قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّر بِمَا لَيْسَ عِنْده بِأَنْ يَظْهَر أَنَّ عِنْده مَا لَيْسَ عِنْده ، يَتَكَثَّر بِذَلِكَ عِنْد النَّاس ، وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ فَهُوَ مَذْمُوم كَمَا يُذَمّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُور ([5]).
ثالثا عدم المغالاة في الصداق
فالمغالاة في المهور مما يسبب المشكلات والخلافات بين الزوج والزوجة فكم من أُسر قد تفككت وتمزقت وكان سببها الرئيس هو المغالاة، فبعد الزواج يظهر أثر تلك المغالاة في تحكم الزوجة وتسلطها على الزوج لأنها كما يقولون (قيدته من يديه و رجليه) فيحدث الشقاق و الخلافات التي تعصف بالأسرة إلى الفراق و الطلاق
عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " لَا تُغَالُوا صَدَاقَ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا، أَوْ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ، كَانَ أَوْلَاكُمْ وَأَحَقَّكُمْ بِهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُثَقِّلُ صَدَقَةَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ([6])
فتكون تلك الديون عقبة في طريق السعادة الزوجية، ونارًا تحرق قلب الزوج كلما تذكر مَن تسبب فيها.
عن عائشة -رضي الله عنها-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: (إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ: تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا) ([7])
وقد انك النبي – صلى الله عليه وسلم – على من غالى في الصداق عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا ، فَإِنَّ فِي عُيُونِ الأَنْصَارِ شَيْئًا ؟ قَالَ : قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا . قَالَ : عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا ؟ قَالَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ ! كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ ! مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ . قَالَ : فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ . ([8]) .
المحور الثاني حلول ما بعد الزواج
أولا: تعرف على ما تحب وتعرفي على ما يحب:
و هو أن يفهم كل واحد منهما نفسية الأخر عند البناء فان ذلك يجنب الشقاق و الخلاف المستقبلي و تأمل إلى ذلك المشهد الرائع لذلك الفهم ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قَالَتْ : فَقُلْتُ : مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ ذَاكَ ؟ قَالَ: إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى تَقُولِينَ : لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ ، قُلْتُ : أَجَلْ وَاللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلاَّ اسْمَكَ.([9])
قال شريح القاضي: "خطبت امرأة من بني تميم فلما كان يوم بنائي بها أقبلت نساؤها يهدينها حتى دخلت علي، فقلت: إنه من السنة إذا دخلت المراة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين، ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأت، فإذا هي بوضوئي، وصليت فإذا هي بصلاتي، فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناحيتها فقالت: على رسلك يا أبا أمية.
ثم قالت: الحمد لله أحمده أستعينه وأستغفره، وأصلي على محمد وآله، أما بعد: فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبيّن لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً، وقد ملكت فاصنع ما أمرك الله تعالى به {إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}.
فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي وأسلم على محمد وآله وصحبه، أما بعد.. فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فبثيه، وما رأيت من سيئة فاستريها، فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري، قالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك آذن له، ومن تكره أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء، قال: فبت معها بأنعم ليلة ومكثت معي حولاً لا أرى منها إلا ما أحب، فلما كان رأس الحول، جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز تأمر وتنهى، فقلت: من هذه؟، قالوا: أم فلانة حليلتك، قلت: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت: وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا، قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوفق قرينة، لقد أدّبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً، فقالت: يا أبا أمية، إن المرأة لا يرى منها أسوأ حالاً منها في حالتين: إذا ولدت غلاماً، أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة.
قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية، فمكثت معي عشرين سنة لم أعب عليها شيئاً إلا مرة واحدة وكنت لها ظالما. ([10])
ثانيا حسن المعاملة:
واعلم أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة أن الحياة الزوجية شراكة بينكما ولا تدوم هذه الشراكة إلا بالإحسان وحسن المعاملة
قال الله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]
وقال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]
أن تتذكر أيها الزوج أن زوجتك أمانة وهي وصية رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أبي هريرة قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء ([11])
تذكر أيها الزوج أن خير الناس من أحسن معاملته لزوجته عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِى ».([12])
و أنت أيتها الزوجة تذكري عظم حقه عليك عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- بِابْنَةٍ لَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ ابْنَتِى قَدْ أَبَتْ أَنْ تَزَوَّجَ فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« أَطِيعِى أَبَاكِ ». فَقَالَتْ : وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ أَتَزَوَّجُ حَتَّى تُخْبِرَنِى مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ قَالَ :« حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَتْ لَهُ قُرْحَةٌ فَلَحِسَتْهَا مَا أَدَّتْ حَقَّهُ ».([13])
و إليك دستور السعادة و فن المعاملة من خبيرة في الشؤون الأسرية أصبحت وصاياها منهجا تربويا و دستورا أسريا
أمامة بنت الحارث الشيباني توصي ابنتها ليلة زفافها:
أي بنية: إن الوصِية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لكِ ، و لكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل.. ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنتِ أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.
أي بنية : إنك فارقت الجو الذي منه خرجتِ ، وخلفتِ العش الذي فيه درجتِ إلى وكر لم تعرفيه ، وقرين لم تألفيه ، فأصبح بملكه عليكِ رقيبا ومليكا ، فكوني له أمة يكن لكِ عبداً وشيكا.. واحفظي له خصالاً عشراً يكن لك ذخراً..
أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة وحسن السمع له والطاعة.
وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لموضع عينه وأذنه.... فلا تقع عينه منكِ على قبيح ولا يشم منكِ إلا أطيب ريح.
وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه. فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النائم مغضبة.
وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله والإرعاء على حشمِه وعياله... وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير.
وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمراً ولا تفشين له سراً.... فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره..... ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه إن كان فرحاً
ثالثا فن إدارة الأزمات
وإذا ما حدث خلاف أو شقاق بينكما فعليكما بفن وقانون إدارة الأزمات الذي وضع حكيم هذه الأمة أبو الدرداء رضي الله عنه
لقد أوصى الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه زوجته فقال لها: "إذا رأيتني غضبت فرضني، وإن رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب"
نعم... إنها الصحبة الطيبة التي تعرف أن لها حقاً، وللآخرين حقوقاً.... فتعطي قبل أن تأخذ،
عن [النعمان بن بشير] رضي الله تعالى عنهما قال: جاء [أبو بكر] رضي الله عنه يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ,فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأذن له بالدخول فدخل...
فقال أي أبو بكر: يا ابنة أم رومان ؟ يعني كأنه يهددها أو يغضب عليها يا ابنة أم رومان ؟ وتناولها :أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينهما( يعنى كأنه جعلها خلفه يريد أن يخلصها من أبيها ، رضي الله تعالى عنه )، فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها يقول لها: "ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ؟".
قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها ,فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم بالدخول فقال أبو بكر:" يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما " .
عن أنس قال كان النبي {صلى الله عليه وسلم} عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي {صلى الله عليه وسلم} في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي {صلى الله عليه وسلم} فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة ٍ من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت([14])
رابعا: لا يوجد رجل كامل وامرأة كاملة
لا يوجد رجل كامل إلا الأنبياء و المرسلون و لا يوجد امرأة كاملة إلا ما استثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)([15])
لذا فلا تبحث عن الكمال في زوجتك وأنت كذلك لا تبحثين عن الكمال في زوجك بل المعاشرة بالمعروف
فإن كرهت منها أيها الزوج خلقا رضيت أخر و أنت كذلك أيتها الغالية، عن أبي هريرة -رضي الله عنه -: أَنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قال «لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة ، إِن كَرِه منها خُلُقا ، رضي منها آخَرَ». أخرجه مسلم. ([16])
خامسا: سلة المهملات
سلة المهملات لابد من إعدادها وعدم نسيانها، وتلك السلة يضع فيها كلا الزوجين ما دار بينهما من سوء تفاهم فالماضي الأليم لا مكان له في قلوب المحبين فلا حقد ولا حسد وضغينة فلا يخزن الزوج سقطات زوجته ليذكرها به عند الاختلاف وكذلك الزوجة فلابد من التصفية والتنقية للقلوب
الحياة الزوجية لا تخلوا من منغصات وتلك المنغصات كالملح الذي يوضع على الطعام فلو زاد عن حده ما قبل ذلك الطعام وما استساغة أحد
لذا فعند الخصام والخلاف لابد من عدة أمور حتى لا نقع في المحظور وهو الطلاق :
أولا: تقوى الله التي تمنع كلا الزوجين من الوقوع فيما يغضب الرب جل جلاله قال الله –تعالى -في سورة الطلاق:
- قوله تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا * ويرزقه من حيث لا يحتسب} (الطلاق:2-3)
- قوله سبحانه: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} (الطلاق:3)
- قوله عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرًا} (الطلاق:4)
- قوله تعالى: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا} (الطلاق:5)
ثانية تذكروا المعروف: لا تنسوا الفضل والمعروف الذي كان بينكما قال الله (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)
إن الوفاء على الكرام فريضة *** واللؤم مقرون بذي النسيان
وترى الكريم لمن يعاشر حافظا *** وترى اللئيم مضيع الإخوان
فالواجب عندما الخصام الالتزام بأمر الله تعالى و امر سوله صلى الله عليه وسلم-عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - : قال : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «أَربع مَنْ كُنّ فيه كان منافقا خالصا. وَمَنْ كانت فيه خَصْلَة منهن كانت فيه خَصْلَة مِنَ النِّفَاق، حتى يَدَعَهَا : إِذا ائْتُمِن خَانَ ، وإِذا حَدّث كَذَبَ. وإِذا عَاهَدَ غَدَرَ. وإِذا خَاصَم فجر».
تذكروا الأبناء: عند الخصام والخلاف لابد ألا يغيب عن أذهانكما الأبناء والبنات وتذكروا أن مستقبل هؤلاء مرتبط بارتباطكما فكم من أبناء شردوا وضاعوا في صحراء الحياة بسبب الطلاق، بسبب أن كل واحد منهما اختار لنفسه طريقا وترك الأبناء في صحراء الحياة المدمرة
ما هي مظاهر تأثر الأبناء بالطلاق؟؟
عاجلا أم آجلا ستظهر جليا تأثيرات الطلاق على الأبناء وستغزو كل جوانب حياتهم وترفقهم للمستقبل ومن أهم تلك المظاهر:
1-تعرض الأبناء إلى ضغوطات نفسية وعصبية كبيرة ويعيشون حالة من الصراع الداخلي قد تتحول لاحقا لأمراض نفسية
2-ضياع الأبناء وتشتتهم بين الأب وإلام مما يجعل حياتهم غير مستقرة وبالتالي عدم الاستقرار يعني عدم النجاح
3-فرض حياة جديدة على الأطفال دون أن يسمح لهم أي فرصة للتعبير عن رغباتهم قد يحطم الكثير من شخصيته
4-فقدان الأبناء للحب والعاطفة التي لا يمكن لها أن تكون نافعة إلا إذا كانت مصادرها مزدوجة من الأم والأب وعندما يفقد الأبناء العاطفة والحب سيؤثر الأمر جدا على حياتهم ويجعلها أكثر صعوبة واقل إنتاجا
5-الشعور بالإحباط واليأس سيكون قويا لدى الأبناء وستلحظون النظرة الصفراء الباهتة في أعينهم
6-الأبناء الذين يعيشون في ظل انفصال والديهم اقل في الإمكانيات والقدرات على كافة الأصعدة من الأبناء اللذين تربوا في كنف الأسرة الموحدة وفي ظل الوالدين
كانت هذه بعض الحلول التي تحول بين الوقوع في أبغض الحلال إلا وهو الطلاق
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه و سلم
[1] -موقع إعلام على شبكة الإنترنت
[2] -جريدة الرياض
[3] - أخرجه الترمذي ( 1/201 ) و ابن ماجه ( 1967 ) و الحاكم ( 2/164 ـ 165
[4] - أخرجه أحمد (6/345 ، رقم 26966) ، والبخاري (5/2001 ، رقم 4921) ،
[5] - شرح صحيح مسلم 7/245
[6] - أخرجه أبو داود (2106)، والترمذي (1141)، والنسائي 6/ 117 - 119
[7] - صححه الألباني في الإرواء تحت حديث: 1928، وصحيح الجامع: 2235
[8] - مسلم في صحيحه (1424)
[9] -أخرجه البخاري (5/2402 ، رقم 6202) ، ومسلم (1/174 ، رقم 186)
[10] - أحكام النساء لابن الجوزي ﺹ( 135-134 ).
[11] - أخرجه البخاري (3/1212 ، رقم 3153) ، ومسلم (2/1091 ، رقم 1468)
[12] - أخرجه الترمذي (5/709 ، رقم 3895) وقال : حسن غريب صحيح . وابن حبان (9/484 ، رقم 4177)
[13] - أخرجه ابن حبان (9/472 ، رقم 4164) ، والحاكم (2/205 ، رقم 2767) وقال : صحيح الإسناد
[14] - أخرجه أحمد (3/263 ، رقم 13798) ، والبخاري (5/2003 ، رقم 4927)
[15] - أخرجه البخاري في: 60 كتاب الأنبياء: 32 باب قول الله تعالى (وضرب الله مثل للذين آمنوا)
[16] - أخرجه : مسلم 4/178 ( 1469 ) ( 61 ) .
المرفقات
لا-نقع-في-الطلاق
لا-نقع-في-الطلاق
لا-نقع-في-الطلاق-2
لا-نقع-في-الطلاق-2