حتى لا تُفكّر بالانتحار: حديث الشرع والعقل إليك

خطبة بعنوان: حتى لا تُفكّر بالانتحار: حديث الشرع والعقل إليك.

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لاإله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، وبعد:

(مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة)

أيها الأخوة المسلمون: من الغرب العلماني المادي، من أروبا الديموقراطية ومن أمريكا البراجماتية، من اليابان التكنولوجية الوثنية، من روسيا العلمية الشيوعية، إلى حيث الدول العربية، إلى حيث نحن، إلى حيث المسلمون المؤمنون، حيث ينتقل إلينا داءٌ، لا كغيره من الداء، وسلوك لا كغيره من السلوك، وجريمة لا كغيرها من الجرائم، حيث ينتقل  إلينا الانتحار، وما أدراك ما الانتحار، إنه قتل المسلم الموحد لنفسه بنفسه، وإنْهاء لحياته دونما تحريض ولا جبر من غير، داء الانتحار داء لم تعهده الأجيال السابقة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أيها الأخوة المسلمون: أشارت بحوث لمنظمة الصحة العالمية أن شخصا واحدا ينتحر كل أربعين ثانية في العالم، وأن نحو مليون شخص يموتون في العالم من جراء الانتحار سنويا بين الأفراد الذين تتراوح أعمارهم مابين 15 و 44 عاما.

أيها الأخوة المسلمون: تشير التقارير المختصة إلى تزايد نسب الانتحار في دول العالم العربي خلال السنوات الأخيرة بشكل يدعو إلى القلق، بعدما كانت هذه الظاهرة متفشية أكثر في الدول الغربية، ففي بعض الدول العربية حسب دراسة أجريت من طرف ثلاثة أطباء نفسانيين، فإن نسب الانتحار ارتفعت بشكل مهول، إذ تقدر عدد محاولات الانتحار سنويا حوالي عشرة آلاف.

أيها الأخوة المسلمون: وفي بعض البلاد العربية، أصبح الوضع خطيرا، فلا يكاد يمر بنا أسبوع إلا ونقرأ أو نسمع عن حالة انتحار، وتشير التقارير المختلفة من المركز الوطني للطب الشرعي والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والتي تنشرها الصحف المحلية إلى أن حالات الانتحار الفعلي في تزايد، فقبل سنوات في بعض الدول العربية لم تتجاوز المائة سنويا، ولكنها في السنوات الأخيرة تجاوزت المائة ،أي أنه هناك حالة انتحار وقتل للنفس كل ثلاثة أيام، وتشير التقارير إلى أن حالات الانتحار موجودة في كل المحافظات والمدن في بعض البلدان العربية.

أيها الأخوة المسلمون: تشير التقارير كذلك، إلى أن معظم الذين يقدمون عليه يندرجون ضمن الفئة العمرية الصغيرة في السن التي تتراوح بين 18- 40 عاماً من الذكور والإناث، ونسبة الذكور أعلى، وقد اطلعت على تقارير عديدة عن حالات الانتحار في بعض الدول العربية، مثلا، فوجدت أن أكثر المنتحرين أعمارهم تقارب ال 25 سنة، فقَلّ مدينة لم ينتحر بها شخص في عمر ال 25 تقريبا، وهي حوادث مفزعة والله، ولا أريد أن أذكر صورا بعينها حفاظا على كرامة المسلم وأهله، وواجبنا جميعا علماء وخطباء ودعاة وملمون وآباء ومثقفون ومؤمنون أن ننشر الوعي والتوجيهات السليمة للوقاية من تزايد حالات الانتحار حفاظا على مجتمعنا وإنقاذا لشبابنا وبناتنا.

(مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة)

أيها الأخوة المسلمون: تشير التقارير المحلية والعربية والعالمية إلى أن هناك أسبابا عديدة تدفع الإنسان إلى الانتحار، فهناك أسباب نفسية، وأسباب مادية، وأسباب عائلية، وأسباب وظيفية، وأسباب مرضية، وأسباب اجتماعية، وأسباب إلحادية، وأسباب معيشية، وأسباب عقلية وفكرية. وأيّا كانت تلك الأسبا،ب فلا يقبل بها الشرع ولا يبررها الدين، ولا يرتضيها الله ورسوله، فكلها أسباب تقع في دائرة الابتلاء والمحن.

فيا أيها المؤمن بربك وبرسولك وبقرآنك، يا أيها المؤمن بلقاء الله وبالجنة وبالنار، يا أيها المؤمن بقول الله: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)(البقرة،281)، أيها المؤمن، أيها الشاب المؤمن، أيتها الفتاة المؤمنة، أيها الإنسان، اصغ بقلبك وعقلك لما سأقوله لك:

تذكّر، أنت مؤمن، فبدل أن يستجرك الشيطان إلى حبلٍ تنصبه لنفسك فتشنق به نفسك، اطلب من الرحمن أن يهديك إلى الحبل المتين، حبل الله القرآن الكريم.

تذكّر، أنت مؤمن، إن جار عليك الخلق وآذاك الناس وابتليت، فالجأ للخالق الذي تؤمن منه، واعلم أن المؤمن الذي تصيبه المصائب فيؤمن ويوقن أنها من الله، فإن الله يهد قلبه، فيا مقلب القلوب، اهد قلوبنا طريق الصبر والصابرين.

تذكّر، أنت مؤمن، فإن تكالبت عليك هموم الحياة وغمومها ومشاكلها، فخذ بالأسباب لمواجهتها، وتذكر أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وعليك بالهدي النبوي: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وعليك بدعاء: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.

تذكّر، أنت مؤمن، فلا تدع الوحدة والعزلة تنهشك لتختار طريق الانتحار، بل اختر طريق رب العباد، طريق المؤمن برب العباد، وعليك بالتواصيي مع المؤمنين حولك والتشاور معهم، والصبر على أذى الناس، وشاور في مشكلتك أهل العلم الشرعي.

تذكّر، أنت مؤمن، فلا تأذن للاكتئاب والقلق سبيلا إليك بسبب التفكير بالمستقبل والتفكير بالماضي، فإن ابتليت بفقد الأحباب وغير ذلك، فلا يختنق صدرك ليجرك لحبل الإعدام ومسدس النار وحبوب الموت، فتقتل نفسك، فتلقى الله غضبان عليك، ولكن اختر طريق الإيمان حيث تتلوا قول أرحم الراحمين: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)(الحديد،22-23).

تذكّر، أنت مؤمن، فلا تختر طريق الانتحار يأسا من المغفرة، أو استعظاما لذنوبك، فالمؤمن لا يقنط من رحمة الله، والله يغفر الذنوب جميعا.

تذكّر، أنت مؤمن، فلا يصيبنك اليأس من الحياة، بسبب ما فيها من الشقاء، فتختار طريق الانتحار لتقلى شقاء أعظم بعده، وتذكر أن هذه الدنيا، هي أصلا دار ابتلاء واختبار، فإياك أن ترسب فيها، وترسب في الآخرة.

 (مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة).

أيها المؤمن، أيها المسلم، يا مَن تؤمن بلقاء ربك:

يا مَنْ تُقرر أن تختار طريق الانتحار، ظنا منك أنك تريد أن تستريح من عناء الدنيا، وتخلص من ظروفك القاسية، وتهرب من واقعك الأليم وضائقات الحياة، مَن قال لك أنك سترتاح؟ مَنْ؟ ألست مؤمنا ألست مسلما؟ ألست تؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ ألست تؤمن بالقرآن؟ ألست تؤمن بالسنة؟  

مَن قال أنك سوف تستريح حينما تختار طريق الانتحار؟مَن قال لك؟ ألم تعلم ماذا يقع لك بعد أن تنحر؟ ألم تعلم .ألم تعلم حينما لم تتحمل الصبر على ألم الدنيا؟ ألم تعلم أن عذاب الدنيا وشقاء الدنيا أهون من عذاب الآخر وشقاء القبر؟ مهما تكانت حياتك الدنيوية شقية فهي أهون من الحياة في القبر، ومن البقاء في عذاب النار.

تعال معي أيها المسلم، أيها المؤمن، لنستمع معا بقلوب مصغية وآذان واعية وعقول مفكرة، إلى هذه القصة والواقعة والحادثة التي حدثت في زمن النبوة، ففيها من العبر ما تشيب له الولدان، ففي الحديث الصحيح الذي جاء في مسند الإمام أحمد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَقَالَ، يَعْنِي لِرَجُلٍ يَدَّعِي بِالْإِسْلَامِ: (هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ)، فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا، فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، الرَّجُلُ الَّذِي قُلْتَ لَهُ: إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِلَى النَّارِ)، فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنْ بِهِ جِرَاحٌ شَدِيدٌ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: (اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)، وفي رواية للبخاري: (حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ).

يا مَنْ تُقرر أن تختار طريق الانتحار، ظنا منك أنك تريد أن تستريح من عناء الدنيا، وتخلص من ظروفك القاسية، وتهرب من واقعك الأليم وضائقات الحياة، مَن قال أنك سوف تستريح حينما تختار طريق الانتحار؟ مَن قال لك؟ ألم تعلم ماذا يقع لك بعد أن تنحر، ألم تعلم أن العذاب أسرع مما تتصور، ففي صحيح البخاري، عن جُنْدَبٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، يقول ابن عثيمين: "أي: سابقني بنفسه، وتسبب في قتل نفسه، ولم يتحمل هذا الألم الذي أنزلته به، فصار قتله لنفسه سبباً في حرمانه ثواب الله تعالى، وفي حرمانه الجنة".

يا مَنْ تُقرر أن تختار طريق الانتحار، ظنا منك أنك تريد أن تستريح من عناء الدنيا، وتخلص من ظروفك القاسية، وتهرب من واقعك الأليم وضائقات الحياة، مَن قال أنك سوف تستريح حينما تختار طريق الانتحار؟من قال لك؟ ألم تعلم ماذا يقع لك بعد أن تنحر وتقتل نفسك مرة واحدة؟ ألم تعلم أنك حينما ظننت أنك بتجرعك لألم الانتحار مرة واحدة، ثم سترتاح بعدها، عاقبك الله بأن جعلك تتجرع الألم نفسه آلاف المرات.

فاستمع معي بقلبك وعقلك إلى هذا الحديث العجيب المخيف، في صحيح البخاري، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِى يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِى بَطْنِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِى نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)، وَمَعْنَى (يَتَحَسَّاهُ) يَشْرَبهُ فِي تَمَهُّل وَيَتَجَرَّعُهُ، وفي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ)، وفي حديث عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة).

يا مَنْ تُقرر أن تختار طريق الانتحار، ظنا منك أنك تريد أن تستريح من عناء الدنيا، وتخلص من ظروفك القاسية، وتهرب من واقعك الأليم وضائقات الحياة، مَن قال أنك سوف تستريح حينما تختار طريق الانتحار؟من قال لك؟ ألم تعلم ماذا يقع لك بعد أن تنحر وتقتل نفسك، هل تعلم أن رسول الله لم يكن يصلي على المنتحر، وكان يطلب من الصحابة أن يصلوا عليه، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قاتل نفسه لا يصلي عليه الإمام، ويصلي عليه بقية الناس؛ لأن النبي أُتِي برجلٍ قتل نفسه فلم يصل عليه، والحدبث في صحيح مسلم، وفي سنن أبي داود، جاء رجل إلى رسول الله فأخبره أنه رأى رجلاً ينحر نفسه حتى مات، فقال: (أنتَ رأيتَه؟) قال الرجل: نعم، قال: (إذًا لا أصلي عليه)، فامتنع، ولم ينه غيره أن يصلي عليه، وفي صحيح مسلم، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: "أُتِىَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ"، والمشاقص: جمع مشقص وهو نصل السهم إذا كان طويلا عريضا، وما ذاك إلا للزجر عن هذا الذنب الذي اقترفه، أما بقية المسلمين فيصلون عليه، ويدعون له ويترحمون عليه، رجاء أن يخفف عنه هذا الذنب؛ لأنه بقي على إسلامه، ولم يخرج  من الإسلام بسبب انتحاره.

(مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة).

أقول قولي هذا وأستغفر الله.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

(مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة)

أيها المؤمن بلقاء ربك سبحانه:

أقول لكل مسلم ومسلمة، قد يفكر في اختيار طريق الانتحار للتخلص من مشاكل الحياة، أقول له: ألم تعلم أن قتلَكَ لنفسك حرام، وكبيرة من الكبائر العظام، استمع ماذا يقول العزيز الحكيم: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا)(النساء،29-30)، قال السعدي: "(وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أي: أكل الأموال بالباطل وقتل النفوس (عُدْوَانًا وَظُلْمًا) أي: لا جهلا ونسيانا (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا) أي: عظيمة كما يفيده التنكير.فالإنسان ليس ملكًا لنفسه، بل ملك لخالقه جل وعلا، ولذلك فلا يجوز له أن يتصرف في بدنه إلا فيما أذن له فيه، وأما الإضرار بنفسه كتعمده قتلها فإنه كقتله غيره من الناس، فله عظيم العقوبة عند الله"، قال ابن حجر: "إن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم؛ لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى، فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه"

أيها المؤمن بلقاء ربك سبحانه:

ألم تعلم أن رسولك صلى الله عليه وسلم قد نهاك عن مجرد تمني الموت، فكيف بقتلك لنفسك، ولهذا نهِيَ المؤمن عن تمنِّي الموت، فقال لنا نبيّنا صلى الله عليه وسلم، كما في صيح ابن حبان: (لا يتمنينَّ أحدُكم الموتَ لضرٍّ نزل به، فإن كان محسِنًا فإنه يزدَاد خيرًا، وإن كان مسيئًا فيستَعتِب)، إذًا، فتمنِّي الموت لا يليق بالمسلم، لا يتمنّاه، لماذا؟ لأنّه ربما ساعة تعيشها في الدنيا، يوفقك الله لتوبة نصوح فيها، ورجوع إليه سبحانه، وتفكير سليما ينقذك من عقبات كؤود، وتذكر أنه إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهاك عن تمني الموت لمثل هذه الأسباب، أتظن أن يأذن لك بعد هذا أن تقتل نفسك لمثيلتها من الأسباب؟

(مَنْ قتل نَفْسَه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة).

اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة.

 

المرفقات

1631210888_خطبة حتى لا تفكر بالانتحار خطاب الشرع والعقل إليك.docx

المشاهدات 619 | التعليقات 0