حب الوطن

صالح العويد
1432/10/24 - 2011/09/22 14:51PM
هذه خطبة خطبت بهاالعام الماضي حول حب الوطن نقلتهاورتبتهاأسأل الله أن ينفع الجميع بها

الحمد لله المحمودِ بكلّ حالٍ، منه المبتَدا وإليه المنتهَى وإليه المرجِع والمآل، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له الكبيرُ المتعال، وأشهد أنّ محمدًا عبد الله ورسوله، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى الصّحب والآل. والتابعين لهم بكريم الخصال أمابعد
فاتَّقوا الله تعالى ـ أيّها المسلمون ـ وخافُوه، وأطيعُوا أمرَه ولا تعصُوه، وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ
عبادَ الله، أيّها المسلمون، شعورٌ كم خفَقَت به القلوبُ، وشوقٌ كم كلفَت به الأفئدة، وحنينٌ يزلزل مكامنَ الوُجدان، حبٌّ أطلَق قرائحَ الشعراء، وهوًى سُكِبت له محابرُ الأدباء، وحَنين أمضّ شغافَ القلوب، وإلفٌ يأوي إليه كرامُ النفوس وسليمو الفطر، حبٌّ لم تَخلُ منه مشاعرُ الأنبياء، وودٌّ وُجِد في قلوب الصحابة والأصفياء، بل هو شعورٌ تغلغَل في دواخلِ الحيتان تحتَ الماء، ورَفرفت لأجلِه أجنحةُ الطير في السّماء، إنه ـ أيها المسلمون ـ حبُّ الأوطان، حب الأوطان من الإيمان قاله ويقوله حكماءالأزمان المحبّةُ للأوطان والانتماءُ للأمّة والبلدان أمر غريزيّ وطبيعةٌ طبع الله النفوسَ عليها،
وحينَ يولَد إنسانٌ في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءَها ويتنفّس هواءها ويحيا بين أهلها فإنَّ فطرته تربطه بها فيحبّها ويواليها، ويكفي لجَرح مشاعر إنسانٍ أن تشير بأنه لا وطنَ له. ولذلك جعل التغريب عن الأوطان في شريعةالرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، إذا وقَع في الزنا من غير إحصان، وتوعدقوم شعيب شعيباعليه السلام ومن تبعه بأن يخرجوهم من أرضهم أويعودوافي ملتهم ولوط عليه السلام توعده قومه بأن يكون من المخرجين إن لم ينته عن نصحهم كم يتلذَّذ الإنسان بالبَقاء في وطنه، وكم يحنُّإذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذَل المُهَجُ لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري فيالعُروق، وتخفق بها القلوب، كيف لا وقد قرَن المولى - سبحانه - حبَّ الأرض بحبِّالنفس؟ قال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواأَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌمِنْهُمْنبينامحمد عليه الصلاة والسلام، يوم أنْ تآمَر عليه رُؤوس الكفر ليسجنوه أو يقتُلوه أويُخرِجوه، خرَج فارًّا مُهاجِرًا، فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَإلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: ((والله، إنّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت))، قال العينيّ رحمه الله: "ابتلى الله تعالى نبيَّه بفراق الوطن" واستحقَّ الصحابة - رضِي الله عنهم - المدحَوالثَّناء؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم المحبوبة في سبيل الله - تعالى - {لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْيَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُأُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ولما علم النبيّ أنّه سيبقَى مُهاجرًا دعا بتحبيبِ المدينة إليه كما في الصحيحين، وفي صحيحِ البخاريّ أنّ النبيَّ كان إذا قدِم من سفَر فأبصر دَرَجات المدينة أوضَعَ ناقته أي: أسرَع بها، قال ابن حجَر رحمه الله: "فيه دلالة على فضلِ المدينة، وعلى مشروعية حبِّ الوطن والحنين إليه".
أيّها المسلمون، البشرُ يألفون أرضَهم على ما بها حتى ولو كان قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الأوطان غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعَل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدفَع عنه إذا هوجِم، ويغضَب له إذا انتُقِص. وإذا كانت محبَّة الأرض والوطن سُلُوكًا فطريًّا،فكيف تكونُ المحبَّة وذلك الولاء حينما يكون ذلك الوطن هو مهبط الوحي، ومنبعالرسالة؟!
منه انطلقَت الدعوةالمحمديَّة، وعبْر بوَّابته دخَل الناس في دِين الله أفواجًا.
كيف إذا كان ذلكم الوطن يضمُّ بين جَنباتِه البيتَالعتيق ومسجدَ الرَّسول أحبَّ البقاع وأكرمها عند الله - تعالى؟!
كيف إذا كان ذلكم البلد تُرفَع فيه رايةُ التوحيد؟ فلاأثَر ولا آثار للشرك ولا للوثنيَّة .
فيه المحاكم الشرعيَّة، والوزارات القضائيَّة،والمؤسَّسات الدعويَّة، وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقبل ذلك كلِّهفيه أبناء هذا البلد المتديِّن بفطرته، الذي يحبُّ الصلاح، ويَسعَى إلى الإصلاح،ولو كان بعض أفراده مُقصِّرًا
عباد الله والوطنيةُ بهذا المفهومِ الطبيعيّ أمرٌ غيرُ مستَغرَب، وهذه السعادةُ به وتلك الكآبة لفِراقه وذلك الولاء له مشاعرُ إنسانيّة لا غبارَ عليها ولا اعتراض، ولا يجوزُ أن تكونَ مفهومًا مشوَّهًا يعارَض به الولاءُ للدين، فالإسلام لا يغيّر انتماءَ الناس إلى أرضهم ولا شعوبهم ولا قبائلهم، فقد بقيَ بلال حبشيًّا وصهيبٌ روميًّا وسلمان فارسيًّا، ولم يتضارَب ذلك مع انتمائِهم العظيم للإسلام
أيّها المسلمون، من مقتضيات الانتماء للوطن محبّتُه والافتخارُ به وصيانتُه والدفاعُ عنه والنصيحةُ له والحرصُ على سلامتِه واحترامُ أفراده وتقديرُ علمائه وطاعةُ ولاة أمرِه، ومِن مقتضياتِ الوطنيّة القيامُ بالواجبات والمسؤوليّات، كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق، ومن مقتضيات حبّ الوطَن احترامُ نظُمه وثقافته والمحافظة على مرافِقه ومواردِ الاقتصادِ فيه والحِرص على مكتسَباته وعوامِل بنائه
ورخائِه والحذرُ من كلّ ما يؤدي إلى نقصه. إنّ الدفاع عن الوطن واجِبٌ شرعيّ، وإنّ الموتَ في سبيلِ ذلك شهامةٌ وشهادَة، وفي قصّة الملأ من بني إسرائيل: قَاَلوُا وَمَا لََنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا
عبادَ الله، وحتى تتبيّن مظاهرُ الوطنية الصادقة ويسقُط زيفُ الشعارات فإنّ المتأمّل في الواقع يميّز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذب بالشّعَارات، فإنّ لخيانةِ الوطن مظاهِر وظواهر بعضُها مرّ على بلادنا فحُسِم أمره وكُبِت شَرّه، وبعضُها لم يزَل قائمًا يتشكّل ويتلوّن ويخفّ ويشتدّ ويَبِين ويتوارى، وبعضُها يظهر باسم الغيرة على الوطن وفي حقيقته غيرةٌ منه.
ومن ذلك ما تورَّط به شبابٌ أغرارٌ رفعوا شعارَ نصرةِ الإسلام ورايَة الإصلاح فأخطؤوا سبيلَه، ولم يجدوا صدورًا يُفرِغون فيها رصاصَهم إلاَّ صدورَ أهليهم، ولا أمنًا يُزعزَع إلاَّ أمن بلادهم، ولا بناياتٍ تهدَم على مَنْ فيها إلا بنايات وطَنهم، يقطعون شجرًا أظلّهم، ويعكّرون ماءً سقاهم، يزعُمون أن عملهم لله وباسم الله وهم في حقيقة حالهم قد ارتَهنوا لأعدائهم وحُسَّادهم وصاروا أدواتٍ لهم يصرِّفونهم في الإساءة لأوطانهم كيف شاؤوا، ومن ورائهم من يبرِّر ويحرِّض. لقد تجلَّلوا بعار الخيانة، وتلبّسوا بجُرم الجناية، ناهيك عن تعرّضهم للإثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد كفانا الله شرهم.
أيّها المسلمون، وثمةَ مَظهرٌ آخَر من مظاهرِ خيانةِ الوطن لا يقلّ سوءًا عن الأول إن لم يزد عليه، أناسٌ من بني جِلدتنا ويتكلّمون بألسنتِنا، سُبِيت قلوبهم، وغُزِيت عقولهم، وانبهروا بعدوّهم، ففقدوا ذواتهم، أُشرِب في قلوبهم حبُّ الغرب، وسباهم سلوكه، فآمنوا بحَسَنه وسيّئه، واستحسَنوا حلوه ومرَّه، ثم أورثهم ذلك كلُّه انتقاصًا لأهلهم وتثريبًا على أوطانهم وسُخريةً بأعرافهِ المعتَبرة ولمزًا لتقاليده المرعيّة، وصارت فضائلُه المتوارَثة محلَّ انتقاداتهم، وأخلاقياتُه المتسَلسلة غَرضَ رميِهم، فصارت فنونهم وآدابهم ومَقالاتهم لا غرضَ لها إلاّ التشهير بهذا المجتمع وإظهار معايِبه وتَشويه سمعته في الداخل والخارج.
هل من النصيحة القَدحُ والاتهام والتنقّص بالبَلد ومقدَّراته ونظُمِه وسياساته عبرَ الوسائل المتنوعة أمام العالمين؟! فهذه روايةٌ مسرحُ أحداثِها شوارعُنا وأحياءُ بلدنا بأسمائها المعروفة، لم يجِد كاتبُها أشخاصا لرواية إلاّ أساقط الناس وأراذل المجتمع مما لم يخلُ منهم عصرٌ أو مصر، يختصِر المجتمعَ فيهم، ويصوِّر البلدَ بهم، ويؤرّخ للزّمن بحكاياتهم. وذاك مسلسلٌ محلّيٌّ يصوَّر في بيوتنا وأزقّتنا، يُظهر مُواطِنَ هذا البَلد إمّا مغفَّلاً أو شهوانيًّا أو فاسدًا أو بذيءَ اللسان. وذاك كاتِبٌ في صحيفةٍ أو مجلّةٍ اتَّخذ له أعداءً من أفراد هذا البلد أو مؤسّساته، تباينت معهم توجّهاته، واختلفت وإيّاهم آراؤه، فجعَلهم مضمونَ مقالاته وموضوعَ كتاباته، يضخِم أخطاءهم، ويهوّل أفعالَهم، ويطعَن في مقاصِدهم، إنه لا عذرَ لأولئك المشهِّرين بمجتَمعهم الناشِرين لنقائصِ وطنِهم وعيوبِ مواطنِيهم، سواء ما كان منها واقعًا أو مبالغًا فيه أو ما كان فِريةً عليه، لا نجني من ذلك إلا إيغارَ صدور المواطنين على وطنِهم ومؤسساته والتشويه لوطَنهم، لا عذرَ لهم في ذلك أبدًا، إنهم إن راموا الإصلاحَ فليس هذا طريقَه، وإن أرادوا النقدَ فليس هذا سبيلَه، أمّا إن شاؤوا الانتقامَ من أفراد ومؤسّسات وجعَلوا ما مُكِّنوا فيه أذيةً وتصفيةَ حسابات فهذا هو الداء الذي لا علاجَ له إلا الكيّ.
إنّ الشريعة الإسلامية ـ وهي التي لم تغفِل أقلّ الأمور ـ لم تترك سبيلَ النصيحة ملتبِسًا، ولم تدَع أسلوب الإصلاح غائبًا، وإنّ أهمّ المعالم في طريقِ الإصلاح والنصيحةِ التثبّت من الحال والعدل والإنصاف في إطلاق الأحكام واطِّراح الهوى، وقبل ذلك وبعدَه عدمُ التشهير وإذاعة السوء، وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْر مِنْ الأَمْن أَوْ الْخَوْف أَذَاعُوا
بِه وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أُولِي الأَمْر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [التوبة: 24].
بارك الله لي ولكم في القرآنِ والسنّة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ، ، فاستغفِروه وتوبوا إليه فإنه الغفور ذو الرحمة












الحمد لله، تعاظم ملكوته فاقتدر، وعزّ سلطانه فقهر، أحمده حمدًا كثيرا كما أمر، وأشكره وقد تأذّن بالزيادة لمن شكر، والصلاة والسلام الأزكَيَان على المصطفى خير البشرصلى الله عليه وعلى آله وصحبه السادة الغُرَر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما اتَّصلت عين بنظر وأذنٌ بخبر، وسلَّم تسليمًا كثيرًا
أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـأَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " إِنَّ اللهَ مَعَالَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ "
أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، مِن حَقِّ اللهِ ـ تَعَالى ـ عَلَينَا أَن نَشكُرَنِعَمَهُ ، وَمِن فَضلِهِ أَنْ وَعَدَنَا عَلَى الشُّكرِ بِالمَزيَدِ فَقَالَ : " وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم "
أَلا وَإِنَّ مِن أَجَلِّ نِعَمِهِ ـ تَعَالى ـ عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِالمُبَارَكَةِ أَنْ بَسَطَ عَلَينَا رِدَاءَ الأَمنِ وَالعَافِيَةِ ، وَوَسَّعَلَنَا في الأَرزَاقِ وَتَابَعَ عَلَينَا العَطَايَا ، وَرَزَقَنَا وُلاةَ أَمرٍعُقَلاءَ وَعُلَمَاءَ أَتقِيَاءَ وَرَعِيَّةً أَوفِيَاءَ ،
اجتَمَعَت عَلَى الخَيرِكَلِمَتُهُم ، وَائتَلَفَت عَلَى الحَقِّ قُلُوبُهُم ، لِتُطفِئَ فِتَنًاأَوقَدَهَا السُّفَهَاءُ وَالغَوغَاءُ ، وَتُحبِطَ مُؤَامَرَاتٍ دَبَّرَهَاالمُغرِضُونَ وَالأَعدَاءُ ، وَتَقلِبَ كُلَّ مِحنَةٍ إِلى مِنحَةٍ ، وَتُحَوِّلَكُلَّ رَزِيَّةٍ لِعَطِيَّةٍ
عباد الله:ولبلدنا الغالي حُقوقٌ وواجباتٌ، الوفاء بها مؤشر علىصِدق الانتماء، وبرهانٌ على محبَّة الخير لها. من أهم الواجبات المَنُوطة بنا تجاه بلدنا : المحافظةعلى تديُّن المجتمع وصَلاحه، ونشْر الخير بين أبنائه، ومقارعة الفساد، وتجفيفمنابعه قدْر الإمكان، فبلدنا قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام ، وأنظارالملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين وتديُّنِ بلادنا، فالحرص على صَفاء الإسلامونقائه مسؤوليَّة مشتركة بين الجميع؛ حكَّامًا ومحكومين، عُلَماء ومعلِّمين، دُعاةومربِّين.أساءَ وما أحسَنَ مَن أشاعَالفكر المنحرِف، والمناهج المستوردة بين أبناء هذا البلد.خيانةٌ للوطنيَّة حينما تتحوَّل بعض وسائل الإعلام إلىوسيلة هدْم للقِيَمِ والأخلاق، والتشتُّت والافتراق، بعيدة عن هُموم مُواطِنيها،ومشاريع الإصلاح في بلدها.
_ ومن واجبناتجاه وطننا ترسيخُ القِيَم الاجتماعيَّة؛ حتى يعيشَ ذلكم الوطن لحمةً واحدةً،مُتعاوِنين مُتَآلِفين، يُعطَف فيه على الصغير، ويُوقَّر فيه ذو الشَّيبة الكبير، وتُسَدُّفيه الفاقة، يُواسَى فيه المكلوم، ويُناصَح المُخطِئ، ويسعى لقَضاء حاجاتالمحتاجين؛ حتى يكونَ المجتمع بذلك كالبُنيان يَشُدُّ بعضهبعضًا.وأشدُّ الناس نفعًا لبلدهموالوطن ممتنٌّ لجميلهم هم أولئك الرجال الذين بذَلُوا أموالهم وأوقاتهم في دعْمأعمال البر ومشاريع الخير التي ينتفع بها أبناء البلد، فهؤلاء من حقِّهم علينا أنْيُدعَى لهم، ويُذكَر أثرُهم ومَآثِرُهم على البلاد والعباد.
ومَن لا يشكر الناس لا يشكر الله - تعالى.
وفي النفسِ عتَبٌ كبيرٌ على من أشغَله المالُ عن القيامِ بحقّ الوطَن والمواطن، فإنك ترى جانِب ضَعف المواطنَة عند مَنْ يسعَى للرِّبح
المضاعَف على حسابِ العامّة باحتكار البضائعِ والتلاعبِ في الأسعار والتضييق علَى الناسِ في معاشِهم واستِغلال الأحداثِ والظروف دونَ النظرِ إلى حال الناس، ناهيك عن الغِشّ والتدليس
ومن حُقوق الوطن على أهله: الإخلاص في العمل، والصدق في أداء أمانة الوظيفة، والانضباط بالقوانين والأنظمةالتي فيها المصلحة والمنفعة العامَّة، مع السمع والطاعة بالمعروف لِمَن ولي أمرالبلد، ما لم يُؤمَر العبد بمعصية، فإنْ أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وإنمااعتزالٌ ومُناصَحة، مع الحِرص على جمْع الكلمة ولُزُوم الجماعة.
عباد الله:وأجرَمُ الناس في حقِّ وطنهم، وأخوَنُهم لبلدهم أولئكالذين يَأكُلون من نِعَمِ البلد وخيراته، ويَرفُلون في أمْنه وأمانه، ثم يبذلونوَلاءهم خارج أوطانهم لنزعات طائفية، فهؤلاء الواجب الحذرُ والتحذيرُ منهم، فلُحمةطائفتهم أقوى عندهم من رَوابِط وطنيَّتهم، ووقائع الأحداث في الدول المجاورة أقرَبُشاهدٍ وأوضَحُ مثالٍ، والسعيد مَن وُعِظَ بغيره!
بهذاأيهاالمسلمون تكون الوطنية والمواطنة قَولٌ يُثبِتُهُ العَمَلُ، وَكَلامٌ يَتلُوهُ فِعلٌ جَمِيلٌ، وَشُعُورٌ بَاطِنٌ مَعَ بَذلٍ ظَاهِرٍ، وَشُكرٌ لِلنَعمَاءِ وَصَبرٌ عِندَ البَأسَاءِ؟! وإن مما يَدعُو لِلأَسَفِ حَقًّا أَن تُختَزَلَ الوَطَنِيَّةُ في حَفَلاتٍ رَاقِصَةٍ، أَو تَكُونَ غَايَتُهَا أَغَانِيَّ مَاجِنَةً، أَو تُقرَنَ بِتَصَرُّفَاتٍ شَبَابِيَّةٍ هَوجَاءَ وَحَرَكَاتٍ صِبيَانِيَّةٍ رَعنَاءَ! من رَفَعَ عَلَمٍ أَو تَعلِيقَ صُوَرٍ أَو تَردِيدَ نَشِيدٍ، وَفي القُلُوبِ مَا فِيهَا مِن غَيظٍ وَحَنَقٍ تَشهَدُ بِهِ مِثلُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ السَّيِّئَةِ وليس هذامن شكرالنعمة أصلح الله الحال منه المبتَدا وإليه المنتهَى وإليه المرجِع والمآل هذا وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على خير الورى نبيِّ الرحمة والهدى كما أمركم بذلك ربّكم جل وعلا، فقال تعالى قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56].
اللّهمّ صلّ وسلِّم وبارك على الهادي البشير والسّراج المنير نبينا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين... وعن سائر الآلِ والصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوِك وكرمك وإحسانك يا أكرمَ الأكرمين.
المشاهدات 6535 | التعليقات 6

هذه خطبة خطبت بهاالعام الماضي حول حب الوطن نقلتهاورتبتهاأسأل الله أن ينفع الجميع بها


أخي الشيخ صالح بارك الله في علمك وعملك ونفعنا والقارئين بما كتبت .. ولي ملاحظة على عبارة وردت في ثنايا خطبتك .. وهي (حب الأوطان من الإيمان ) فهو أثر موضوع لا أصل له كما بين العلماء منهم الصنعانى فى الموضوعات و العجلونى فى كشف الخفا و غيرهما من المتقدمين .. و من المتأخرين الألبانى و ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع .
قال ابن عثيمين -رحمه الله - في شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث : ومثله "حب الوطن من الإيمان" وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب.
وقال محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة :
ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه ، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان ، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم ؟


جزيتما خيرا


ظافر البكري;12919 wrote:
أخي الشيخ صالح بارك الله في علمك وعملك ونفعنا والقارئين بما كتبت .. ولي ملاحظة على عبارة وردت في ثنايا خطبتك .. وهي (حب الأوطان من الإيمان ) فهو أثر موضوع لا أصل له كما بين العلماء منهم الصنعانى فى الموضوعات و العجلونى فى كشف الخفا و غيرهما من المتقدمين .. و من المتأخرين الألبانى و ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع .

قال ابن عثيمين -رحمه الله - في شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث : ومثله "حب الوطن من الإيمان" وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب.
وقال محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة :

ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه ، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان ، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم ؟


بارك الله فيك وفي علمك شيخ ظافر

نعم كماذكرت ولايستغن العبدمن توجيه إخوانه

لكن ليتك دققت في العبارة فلم أنسبهاللنبي صلى الله عليه وسلم

حب الأوطان من الإيمان قاله ويقوله حكماءالأزمان

وأفدتنابملحوظتك بارك الله فيك


أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح والقول السديد


@ظافر البكري 12919 wrote:

أخي الشيخ صالح بارك الله في علمك وعملك ونفعنا والقارئين بما كتبت .. ولي ملاحظة على عبارة وردت في ثنايا خطبتك .. وهي (حب الأوطان من الإيمان ) فهو أثر موضوع لا أصل له كما بين العلماء منهم الصنعانى فى الموضوعات و العجلونى فى كشف الخفا و غيرهما من المتقدمين .. و من المتأخرين الألبانى و ابن عثيمين رحمة الله تعالى على الجميع .
قال ابن عثيمين -رحمه الله - في شرح المنظومة البيقونية في مصطلح الحديث : ومثله "حب الوطن من الإيمان" وهو مشهور عند العامة على أنه حديث صحيح، وهو حديث موضوع مكذوب، بل المعنى أيضاً غير صحيح بل حب الوطن من التعصب.
وقال محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة :
ومعناه غير مستقيم إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه ، كل ذلك غريزي في الإنسان لا يمدح بحبه ولا هو من لوازم الإيمان ، ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم ؟


جزاك الله خيرا