حب الوطن

طلال شنيف الصبحي
1443/02/08 - 2021/09/15 22:11PM
10 / 2 / 1442حُبُّ الْوَطَن
منقولة من موقع خطب الجمعة على الواتساب بتصرف يسير)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا
مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
أَيُّهَا الكِرَام: حُبُّ الوَطَن؛ أَمْرٌ فِطْرِي غَرِيْزِيّ؛ فَهُوَ المَكَانُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ الإِنْسَان، وتَفَيَّأَ في ظِلَالِه، وَتَرَعْرَعَ في أَحْضَانِه، وَقَدْ كانَ ﷺ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى جُدُرَاتِ الْمَدِينَةِ؛ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، أي أسرع في السير، وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا! رواه البخاري، قالَ ابْنُ حَجَر: (فِي الْحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ، وَعَلَى مَشْرُوعِيَّة حُبِّ الوَطَن، والحَنِينِ إِلَيْهِ).
وَحُبُّ الوَطَن: كَحُبِّ الحَيَاة، وإِخْرَاجُ الإنسانِ مِنْ وَطَنِه؛ كإِخْرَاجِهِ مِنْ الحَيَاة! ولهذا قَرَنَ اللهُ بَيْنَهُمَا في كِتَابِه؛ قال تعالى -في حَقِّ اليَهُود-: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾.
وحُبُّ الوَطَن؛ فُرْصَةٌ للتَّعَارُفِ والائتِلاف، لا للتَّنَازُعِ والاخْتِلاف! والشَّرِيْعَةُ تَدْعُو إلى الأُلْفَة، وَتُحَذِّرُ مِنْ الفُرْقَةِ؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾.
وحُبُّ الوَطَن؛ فُرْصَةٌ لدَعْوَةِ الحَقّ، والرَّحْمَةِ بالخَلْق: فالأَقْرَبُونَ مِنْ أَهْلِ الوَطَن؛ هَمْ أَوْلَى النَّاسِ بالدَّعْوَة. والاشْتِرَاكُ في الوَطَنِ واللُّغَةِ؛ مِنْ أَسْبَابِ قَبُوْلِ الدَّعْوة؛ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾.
وحُبُّ الوَطَنِ؛ يَسْتَوْجِبُ على المُسْلِمِ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِ بالمَعْرُوف: تَعَبُّدًا لا تَزَلُّفًا، وَرِضىً للرَّحْمَن، لا بالَهَوى والعِصْيَان؛ فَلَا يَتَحَقَّقُ أَمْنُ الوَطَن، وحَقْنُ الدِّمَاء، وإِقْامَةُ الشَّرْع؛ إلا بالطَّاعَةِ، وَلُزُوْمِ الجَماعَة؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾. وفي الحديث الصحيح: (ثلاثَةٌ لا يُكلِّمُهُمُ اللهُ يومَ القيامة، ولا يَنْظُرُ إليهم، ولا يُزكِّيهِم، ولهم عذابٌ أليم)، وذَكَرَ مِنْهُم: (ورَجُلٌ بايعَ إمامًا، لا يُبايِعُهُ إلاَّ لدنيا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا: وفى، وإنْ لم يُعْطِه مِنْهَا: لم يفِ!). رواه مسلم
وَحُبُّ الوَطَنِ؛ يَحُثُّ على الدُّعَاءِ بِصَلاحِ مَنْ يَحْكُمُه؛ فَإِنَّ الحَاكِمَ أَحْوَجُ مَنْ يُدْعَى لَه؛ لأَنَّ صَلَاحَه؛ صَلاحٌ للوَطَنِ وأَهْلِه، قال الفُضَيلُ بنُ عِيَاض: (لَوْ كَانَ لي دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ؛ ما جَعَلْتُهَا إلا في السُّلْطَان!). قِيلَ للفُضَيْل: (فَسِّرْ لَنَا هذا؟)، فقال: (إذا جَعَلْتُهَا في نَفْسِي: لم تَعْدُنِي، وإذا جَعَلْتُهَا في السلطان: صَلَح؛ فَصَلَحَ بِصَلَاحِهِ العِبَادُ والبِلاد!)
وحُبُّ الوَطَنِ؛ يَقْتَضِيْ حِمَايَةَ سَفِيْنَتِهِ مِنْ خُرُوْقَاتِ الفَسَاد! فَإِنَّ التَّوَاصِي على الحقِّ؛ والتَّحْذِيرَ مِنَ الشرِّ؛ حِمَايَةٌ لِسَفِيْنَةِ الوَطَنِ مِنَ الغَرَق! قال ﷺ: (مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ؛ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا! فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا؛ هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ؛ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا). رواه البخاري
وحُبُّ الوَطَنِ؛ لَيْسَ شَعَارًا فَقَط! بَلْ لا بُدَّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلى عَمَلٍ مُخْلِص، ونَصِيحَةٍ صَادِقَة، مَعَ لُزُوْمِ الجَمَاعَة، وأَدَاءِ الأَمَانَة، وعَدَمِ الخِيَانَة؛ قال ﷺ: (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ). رواه الترمذي وصححه الألباني.
والمَعَنَى: أَنَّ المُؤْمِنَ لا يَخُونُ في هَذِهِ الثَّلَاثَة، وأَنَّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا: طَهُرَ قَلْبُهُ مِنَ الغِلِّ والفَسَاد.
وَحُبُّ الوَطَن؛ يُحَتِّمُ أَنْ نَكُونَ يَدًا وَاحِدَة: أَمَامَ العَابِثِيْنَ بِأَمْنِ الوَطَنِ ودِيْنِه؛ ﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾. بارك الله
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
عِبَادَ الله: الاِنْتِمَاءُ إلى وَطَنِ الحَرَمَينِ الشَّرِيْفَيْن: نِعْمَةٌ وَمَسْؤُولِيَّة: فاشْكُرُوا هذهِ النِّعْمَةَ الجَلِيّة، وَكُوْنُوا على قَدْرِ المسؤولية؛ فَهِيَ قِبلَةُ المُسْلِمِيْن، ومَوْطِنُ النَّبِيِّ الأَمِين؛ قال ﷺ عن مكة: (وَاللهِ إِنَّكَ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ). رواه الترمذي وصححه الألباني. ودعا للمدينة بقوله: (اللهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ). رواه البخاري، ومسلم. وما أَشْرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ على المدينةِ قَطُّ؛ إِلَّا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ البِشْرُ والفَرَحُ.
هذا وصلوا وسلموا
المرفقات

1631743870_299074

المشاهدات 1149 | التعليقات 0