حب الوطن والانتماء إليه
إبراهيم بن سلطان العريفان
1444/02/26 - 2022/09/22 18:33PM
الخطبة الأولى:
الحمد للهِ الذي أمرَ عباده بالجدِ والاجتهادِ، والسعي لما فيه مصلحةُ العبادِ والبلاد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ وأن محمداً عبد الله ورسوله خيرُ العبادِ صلى الله وسلم عليهِ، وعلى آلهِ وصحبهِ ومن تبعهم إلى يوم الميعاد.
إخوة الإيمان والعقيدة ... لقد فُطِرَ الإنسانُ بَأن يُحِبَّ مالهُ وولده وأقاربه وأصدقاءه، وأن يُحِبّ موطنهُ الذي عاشَ فيهِ وتَرَعرعَ في أكنافِهِ، وتِلكَ غَريزةٌ مُتأَصِّلةٌ في النفوسِ، تجعلُ الإنسانَ يستريحُ إلى البقاءِ في بلاده، ويَحِنُ إليهِ إذا غاب عنهُ، ويُدافعُ عنه إذا هُوجِم، ويغضبُ له إذا انتُقص. ومهما اضطرَ الإنسانُ إلى تركِ وطِنهِ فإنَّ حنينَ الرجوعِ إليهِ يبقى مُعلقاً في ذاكرتِه لا يفارقه.
وجَد ذلك أفضلُ الخلقِ -صَلواتُ ربي وسلامهُ عليهِ- عند هجرته من مكة قال وهو عند حدودها (ما أَطيبكِ من بلدٍ، وما أَحَبَكِ إليَّ، ولولا أنَّ قومي أخَرجوني مِنكِ ما سَكنتُ غيركِ) فهو ﷺ يحب مَكةَ حبًّا شديدًا، ثم لما هاجَر إلى المدينةِ واستوطنَ بها أَحبَّها وأَلِفَها كما أَحَبَّ مَكةَ، بَل كان ﷺ يدعو ويقول (اللهم حبب إلينا المدينةَ كَحُبنا مَكَةَ أو أشد) كان ﷺ إذا قدم من سفرٍ فأبصرَ درجاتِ المدينةِ أوضعَ نَاقتهُ -أي: أَسرعَ بِها-، وإذا كانت دابةً حَركهَا من حُبها. وهذا على مشروعيةِ حُبِّ الوطنِ والحنينِ إليه.
عباد الله .. إذا كانَ حُب الوطَنِ والحنِينُ إليهِ سُنة نبوية، فينبغي أن نعرفَ معنى حُب الوطنِ وحُسن الانتماءِ إليهِ، إن حب الوطن والانتماء إليه ليس بالمظاهر والتفاهات، وعلينا أن نحَذرَ مِنْ أُناسٍ يَدَّعونَ حُبَّ الوطَنِ ويُدّنَدِّنُونَ دَائِماً حَول الوطنيةِ وحُبِ الوطِنِ وضَرُورَةِ الانتماءِ إليه، وهُم أَضرّ الناسِ على الوطنِ وأَهلهِ، يُريدونَ للبلاد الفسادَ باسِمِ الإصلاحِ والوقوعِ بالمُنكَراتِ أو بإثارةِ الفتنةِ بالإرهابِ والتخريب.
إنَّ الوطَنيةَ وحِسّ الانتماءِ يعني أن يِحرصَ الإنسانُ على عَدَمِ تَشويهِ بَلَدِهِ وجَلبِ السوءِ إليهِ، سواء كان بفكرهِ أو بفِعلِهِ أو بتَصَرفهِ وبَذلِ مَالِهِ لِجَلبِ الشُرورِ والفتن إليه.
حُبُّ البلادِ والانتماءِ إليهِا يَجعلُ مِن الإنسانِ حَريصاً على رفَعِ سُمعتهَا بالحقِ، والبحث عن وسائِلَ تُمَيّزُهُا مِنْ خِلالِ فِعلِهِ وتصرفه، فهل مِنْ الوطَنيةِ الحَقيقيةِ والانتماءِ الجَادِّ للوطنِ إِغراقُ المجتمعاتِ بطوفانٍ من الفضائياتِ والبرامجِ المُخِلَّةِ بالآدابِ والعِفَة والتي لم تَجلب للأُمَةِ إلا العارَ والدمارَ؟! لينقلب ولاؤُهم من بُلدانِهم إلى بلدانٍ أُخرى يُعجبون برموزها ويقلدونهم ويُحبونهم في موجةِ تغريبٍ هائلةٍ يتبناها بعضُ من يدَّعون حبَ البلدِ، وهي تفسد الولاء وتضيع الانتماء وتفقد الهوية؟!
هل من حُبِ الوطَنِ إفسادُ مرافِقِنَا الرسمية، والعبث بالمال العام ومشاريع البلد ومقدراته من رشوةٍ وسرقةٍ، وسوء تنفيذٍ من قبلِ ضعافِ الذمم، ومُخَالَفةِ أنظمتِه وانتهاكِ قَوانِينهِ من قبل شبابه، والمظاهرُ المائعةُ، والإفسادُ والمعاكسات، ونَشرِ الفوضى والمخدرات، والجرائم الجنائيةِ، والنيل من ولاةِ الأمرِ ِوالعُلَماءِ، والسعي للتفرقة والتصنيف والتخوين بالكذب والتدليس كما يَفعلهُ البعض؟!
هل مِنْ حُسنِ الانتماءِ لبلادٍ أَعلنَت رايةَ التوحيدِ أن يوجد من أبنائِهِا الذين عاشوا فيها وأخذوا عُلُومَهُا وعَاصروا عُلماءَه مَنْ يَتَبنّى الغلو والتطرف ليُفسِدَ ويُخَرِبَ في البلادِ العَامِرةِ، أو يُسَافِرَ لينشُرَ الفِتَنَ والأفكار الضالة في بلادٍ مُخَالِفةٍ والانضمام لفرق الفتنةِ كداعش وغيرها لتشويهِ الجهادِ والبلادِ والمسلمين بِأَفعَالِهم.
هل مِنْ الوطَنيةِ والمواطنة أن يَنبري بَعضُ مُثَقَفِينا وكُتَابِ صُحُفِنا لاستثارةِ الناسِ في مقَالاتِهم وبرامِجِهِم وقَنَواتِهم بِطَرحِ الإشاعات والمبَالغَةِ بِها، والتَهجُمِ على حُراسِ الفَضِيلةِ، والنيلُ من عُلَمَاءَ ورِجالاتِ الدعوةِ، والنقد غيرِ البَنّاءٍ لجهاتٍ حكُوميةٍ باسمِ حُريةِ الصَحافَةِ، لغرضِ التشَهيرِ والتَقريعِ، ونشر ثقافة التغريب وليسَ الإصلاحُ!! فهل هذا من حبِ الوطن؟!
هل من حب الشباب لوطنهم هذه البطالة التي يعيشونها تاركين فرصاً عظيمةً للربح في العمل الشريف وبناء الوطن؟!
أسأل الله أن يحفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأن يهد شبابنا وفياتنا ...
أقول ما تسمعون ...
الحمد لله رب العالمين ...
معاشر المؤمنين ... إنَّ الحبَّ الحقيقي للبلاد لا يَمت إلى هذهِ المظاهرِ السيئةِ بصِلةٍ، بل يتبرأ مِنها أَشد البراءَة، فهؤلاءِ لم يدركوا معنى الحب الحقيقي لبلادهم، فهموه أَلحاناً وأَغاني وترانيم وطُقُوسًا وشِعَاراتٍ ومظاهر لا ترتقي إلى الوطنيةِ الصحيحةِ، فنشأت أجيال هَزيلة في ولاءاتها، ساذجةٌ في تعبيرها الفكري والعاطفي، تفسد الوطن بمرافقه وتسعى لمخالفة نظامهِ بشناعةٍ أو بِتهورٍ.
فالحب الحقيقي للوطن هو الذي يُقدس العقيدةَ ويرسخها في الأَجيالِ، والرغبة في نَشرِ الأَمْنِ والحفاظِ عليهِ واحترامِ رجالهِ ونَشرِ الأخَلاقِ الحسنةِ ومُحَارَبةِ السيئةِ، وخلو أَرضهُم من مظاهرِ الشِركِ والبِدعةِ، والحرصِ على اجتماعِ الكلمةِ ووحِدتِهَا والسَمعِ والطاعةِ بالمعروفِ.
الحبُ الحقيقي للوطن هو بِصناعةِ أَجيالٍ جادةٍ ومستقيمةٍ تعرف هدفها في الحياةِ وتسعى لأجله تتعلم بجدٍ وتعمل بطموحٍ، وتلهو بعقلٍ، وتخدم بإخلاص.
الوطنيةُ الحقةُ هي عَقِيدةٌ راسخةٌ ومُجتَمعٌ مُوحد ومتكاتف قيادةً وشعباً، والأمَنُ هو أَمنُ التوحِيدِ والإيمانِ وأَمنُ الأخلاقِ ]الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ[ ورسوخ حُبِّ العقيدةِ يحفظ البلاد من الخطر والتنازع. والمواطنة ليست بصيحاتٍ وأناشيد
إنّ حُبَّ بلادنا منبَعُهَا من الدينِ، لاسيما في أرضٍ تُعلن الحكمَ بشرع الله وترفعُ راية لا إله إلا الله محمد رسول الله فيها الحرمانِ الشريفانِ.
أَرضٌ تملؤها المساجدُ ويُجَلجِلُ فيها الأذان، تُقفل المحلات فترى الناس فيها رُكعاً سجداً لله في الصلوات.
هذا ما ينبغي أن نتذكره هنا؛ فنحمدُ الله عليه، ونحافظ عليه ونسأل الله دوام النعم.. ونشعر بمسؤوليته علينا في تعاملنا مع غيرنا من البلدان.
اللهم انصر بلادنا على عدوّها وسائر بلاد المسلمين، واحمِ حوزةَ الدينِ، واجمع كلمتنا على الحق.. اللهم من أرادنا وبلاد المسلمين بِسوءٍ أو فِتنةٍ ونَشرٍ للفاحشةِ فأشغلهُ بنفسِهِ يا قويُّ يا عزيز
نسأل الله أن يحفظنا وسائر بلاد المسلمين من الفتن والمؤامرات.. اللهم اجمع كلمتنا على الحقِ ووحد صفنا واجمع شملنا وتول أمرنا واهدنا سُبلَ السلامِ والإيمانِ، اللهم وفق ولاةِ أمورنا لما تُحبُ وترضى، وخُذ بنواصيهم للبرِ والتقوى، وارزقهم البطانَةَ الصالحةَ والصحةَ والعافيةَ .. وجنّبهم بطانةَ السوءِ يا عزيزُ يا كريم يا غفور يا رحيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المرفقات
1663860812_حب الوطن والانتماء إليه.docx
1663860822_حب الوطن والانتماء إليه.pdf