حب الوطن

محمد مرسى
1432/10/23 - 2011/09/21 09:43AM
حب الوطن

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.. فتنطلق التربية الإسلامية في تعاملها مع النفس البشرية من منطلق الحب الإيماني السامي، الذي يملأ جوانب النفس البشرية بكل معاني الانتماء الصادق، والولاء الخالص.
الوطنية: صفة، وهي: العاطفة التي تُعبِّر عن ولاء المرء لبلده، والمقصود هنا أن يكون ولاء المرء المسلم لبلده من أجل كلمة التوحيد الظاهرة، وشرائع الدين المطبقة.
بمعنى: أن الوطنية؛ هي: قيام الفرد المسلم بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام فالأصل في الإنسان أن يحب وطنه ويتشبث بالعيش فيه، ولا يفارقه رغبة عنه، ومع هذا فلا يعني هذا انقطاع الحنين والحب للوطن، والتعلق بالعودة إليه، كما كان بلال رضي الله عنه يتمنى الرجوع إلى وطنه مكة.
وحب الوطن غريزة متأصلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحن إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجم، ويغضب له إذا انتُقص.
ولا شك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها، فليس غريبًا أبدًا أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه، وشبَّ على ثراه، وترعرع بين جنباته. كما أنه ليس غريبًا أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يُغادره إلى مكانٍ آخر، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً، ثم الوطن ثانيًا؛ إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودّعًا لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: "ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ". رواه الترمذي (الحديث رقم 3926، ص 880). ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظًا تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.
وإذا كان الإنسان يتأثّر بالبيئة التي ولد فيها، ونشأ على ترابها، وعاش من خيراتها، فإن لهذه البيئة عليه (بمن فيها من الكائنات، وما فيها من المكوّنات) حقوقًا وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوّة، وحقوق الجوار، وحقوق القرابة، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب؛ وفاءً وحبًّا منه لوطنه.
وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات؛ فإن حُب الإنسان لوطنه، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته، إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: من الآية 61).
ويمكن القول: إن دور التربية الإسلامية يتمثلُ في تنمية الشعور بحب الوطن عند الإنسان في ما يلي:
(1) تربية الإنسان على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه- بعد فضل الله سبحانه وتعالى- منذ نعومة أظفاره، ومن ثمّ تربيته على رد الجميل، ومجازاة الإحسان بالإحسان، لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك، وترشد إليه كما في قوله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)﴾ (الرحمن).
(2) الحرص على مدّ جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه، لإيجاد جوٍّ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه، الذين يمثلون في مجموعهم جسدًا واحدًا مُتماسكًا في مواجهة الظروف المختلفة.
(3) غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن، وتوضيح معنى ذلك الحب، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت، والمدرسة، والمسجد، والنادي، ومكان العمل، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً، أو مسموعةً، أو مرئية.
(4) العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام.
(5) تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته، التي من حق الجميع أن ينعُم بها، وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص.
(6) الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته، سواءٌ كان ذلك الإسهام قوليًّا أو عمليًّا أو فكريًّا، وفي أي مجالٍ أو ميدان؛ لأن ذلك واجب الجميع، وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي.
(7) التصدّي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة.
(8) الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل.
وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعًا لما فيه الخير والسداد، والهداية والرشاد، والحمد لله رب العباد.
(9) التعرف على تاريخ الوطن وجغرافيته ورموزه ورجاله.
"ما أطيبَك من بلدٍ! وما أحبَّك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك، ما سكنتُ غيرَك"؛ رواه الترمذي.
ما أروعَكِ من كلمات!
كلمات قالها الحبيب- صلى الله عليه وسلم- وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وتعلُّق كبير بالوطن، بمكة المكرمة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلاً بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.
ولقد ثبت في الحديث الصحيح عن عائشة- رضي الله عنها-: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يقول في الرقية: "باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا" رواه البخاري ومسلم.
والشفاء في شم المحبوب، ومن ألوان الدواء لقاءُ المحبِّ محبوبَه أو أثرًا من آثاره؛ ألم يُشفَ يعقوبُ ويعود إليه بصره عندما ألقَوْا عليه قميصَ يوسفَ؟!
قال الجاحظ: "كانت العرب إذا غزَتْ، أو سافرتْ، حملتْ معها من تربة بلدها رملاً وعفرًا تستنشقه".
إنها الأرض التي ولد فيها، ونشأ فيها، وشبَّ فيها، وتزوَّج فيها، فيها ذكرياتٌ لا تُنسى، فالوطن ذاكرة الإنسان، فيها الأحباب والأصحاب، فيها الآباء والأجداد.
قال الغزالي: "والبشر يألَفُون أرضَهم على ما بها، ولو كانت قفرًا مستوحَشًا، وحبُّ الوطن غريزةٌ متأصِّلة في النفوس، تجعل الإنسانَ يستريح إلى البقاء فيه، ويحنُّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هُوجِم، ويَغضب له إذا انتقص".
إنه يحب وطنه، وهذا من طبيعة الإنسان، فقد فَطَرَه الله على حبِّ الأرض والديار.
قال الحافظ الذهبي- وهو من العلماء المدقِّقين- مُعَدِّدًا طائفةً من محبوبات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "وكان يحبُّ عائشةَ، ويحبُّ أَبَاهَا، ويحبُّ أسامةَ، ويحب سبطَيْه، ويحب الحلواء والعسل، ويحب جبل أُحُدٍ، ويحب وطنه".
إنه يحب مكةَ، ويكره الخروجَ منها، والرسول- صلى الله عليه وسلم- ما خرج من بلده مكة المكرمة، إلا بعد أن لاقى من المشركين أصنافَ العذاب والأذى، فصَبَر؛ لعله يلقى من قومه رقةً واستجابةً، وأقام ورحل، وذهب وعاد، يريد من بلده أن يَحتضن دعوتَه، ولكن يريد الله- لحكمة عظيمة- أن يَخرُج، فما كان منه إلا أنْ خرج استجابةً لأمر الله، فدِينُ الله أغلى وأعلى.



ولكن عندما حانتْ ساعةُ الرَّحيل، فاض القلبُ بكلمات الوداع، وسَكبتِ العينُ دموعَ الحبِّ، وعبَّر اللسانُ عن الحزن.
أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه؛ كما قال- تعالى-: ﴿إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا﴾ (التوبة: من الآية 40)، وعندما هاجر إلى المدينة، كان يدعو اللهَ أن يرزقه حبَّها، فمكة وطنه، وحبُّها يملك قلبَه، وهواها فطرة فُطر عليها، كما هو الحال عند الناس؛ لذلك لا يمكن أن يكرهها، وإن أصابه فيها ما أصابه.
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
أما المدينة، فهي بلد جديد استوطنه، وشاء الله أن يكون عاصمةَ دولةِ الإسلام الناشئة؛ لذلك كان يدعو الله أن يحبِّبَها إليه؛ كما في "الصحيحين": "اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدّ" رواه البخاري ومسلم.
إنه يدعو الله أن يحبِّب إليه المدينةَ أكثرَ من حبِّه لمكة؛ فحبُّ مكة فطرةٌ؛ لأنها وطنه، أما حبُّ المدينة فمنحةٌ وهِبة، فسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- ربَّه أن يحبِّبها إليه حبًّا يفوق حبَّه لمكة؛ لما لها من الفضل في احتضان الدعوة، ونشر الرسالة.
وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله تعالى عنه- قال: "كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه- أي: أسرع بها- وإن كانت دابة حرَّكَها"، قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبِّها"؛ أخرجه البخاري.



ولقد أحبَّ الصحابةُ ديارَهم، ولكنهم آثروا دين الله- عز وجل- فقد أُخرجوا- رضي الله عنهم- من مكة، فهاجَرَ مَن هاجر منهم إلى الحبشة، وهاجروا إلى المدينة، خرجوا حمايةً لدينهم، ورغبةً في نشر دين الإسلام.
وما أقساه من خروج وما أشدَّه! لذلك وصف الله الصحابةَ الذين أُخرجوا من ديارهم بالمهاجرين، وجعل هذا الوصفَ مدحًا لهم على مدى الأيام، يُعلي قدرَهم، ويبيِّن فضلَهم؛ قال- تعالى-: ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)﴾ (الحشر).
ولما كان الخروج من الوطن يبعث على كل هذا الحزن، ويُسبِّب كلَّ هذا الألم، قرن الله- عز وجل- حبَّ الأرض في القرآن الكريم بحبِّ النفس؛ قال- تعالى-: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ﴾ (النساء: من الآية 66).
بل قرنه في موضعٍ آخرَ بالدِّين، والدين أغلى من النفس، ومقدَّمٌ عليها لمن يفقه؛ قال- تعالى-: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ (الممتحنة: من الآية 8).
وجعل النفيَ والتغريبَ عن الوطن عقوبةً لمن عصى، وأتى من الفواحش ما يَستحق به أن يُعذَّب ويُغرَّب.
تجليات الحب:
والحبُّ للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس؛ بل يتجلَّى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما يتجلى به حبُّ الوطن الدعاء.
الدعاءُ تعبيرٌ صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذبٌ، أو مبالغة، أو نفاق؛ لأنه علاقة مباشرة مع الله.
لقد دعا الرسول- صلى الله عليه وسلم- للمدينة، كما في "الصحيحين": "اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة"؛ رواه البخاري ومسلم

وفي مسلم: "اللهم باركْ لنا في تمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا، اللهم إن إبراهيمَ عبدُك وخليلُك ونبيُّك، وإني عبدُك ونبيُّك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة، ومثله معه" رواه مسلم.
وقد حكى الله- سبحانه وتعالى- عن نبيِّه إبراهيمَ- عليه الصلاة والسلام- أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله- تعالى-: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)﴾ (البقرة).
ودعاء إبراهيمَ- عليه الصلاة والسلام- يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله- سبحانه وتعالى- شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال- تعالى-: ﴿إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)﴾ (المائدة)، فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
وقد دعا الإسلامُ إلى فِعل كلِّ ما يُقوِّي الروابطَ والصلات بين أبناء الوطن الواحد، ثم بين أبناء الأُمَّة، ثم بين بني الإنسان.
ومما يتجلى فيه حبُّ الأوطان: صلة الأرحام، فهم عترة الإنسان وخاصَّتُه، وهم قرابته وأنسه، وبهم تطيب الإقامة في الديار؛ لذلك جعل الله صلةَ الأرحام من أعظم القُرُبات، وقطيعتَهم قرينَ الإفساد في الأرض.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله خَلَقَ الخلْقَ، حتى إذا فرغ منهم، قامَتِ الرَّحمُ فقالت: هذا مقامُ العائذ من القطيعة، قال: نعم، أمَا ترضَيْنَ أن أصلَ مَن وصَلَك، وأقطع مَن قطَعَك؟ قالت: بلى، قال: فذاك لكِ"، ثم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "اقرؤوا إن شئتم: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)﴾ (محمد)".
وينتقل الإحسانُ إلى دائرة أخرى من الدوائر التي تحيط بالإنسان، وهي دائرة الجوار، وهل تطيب الإقامةُ في الدار إن عدا عليك فيها جارٌ؟
لذا جعل الإسلام الإحسانَ إلى الجوار مِن كمال الإيمان، كما جعل الإساءة إلى الجوار من أسباب دخول النار؛ عن أبي هريرةَ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ".
وتتَّسع الدائرة لتشمل الإحسان إلى كل مسلم؛ قال- صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّه لنفسه".
وتتسع الدائرة لتشمل الإحسانَ إلى أهل الأديان الأخرى، وهم شركاؤنا في الوطن، وجاء عن رسول الله- ‏‏صلى الله عليه وسلم- ‏أنه ‏قال: "ألا ‏مَن ظَلَمَ ‏ ‏مُعَاهدًا، ‏أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ- فَأَنَا ‏حَجِيجُهُ ‏‏يَوْمَ القِيَامَةِ".
وتبلغ دائرة الإحسان مداها، لتشمل الحيوان، والنبات، والحجر، وكلَّ شيء؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كَتَبَ الإحسان على كل شيء".
فإذا تحقَّق الترابط بين أبناء الوطن الواحد، كان الجو مهيَّئًا للبناء، وأول خطوة في طريق التقدم هو التعليم، فإذا انتشر العلم النافع بين أبناء الوطن، وتربَّى النشءُ تربيةً صحيحةً، يتحقق أول وأهم مقوِّم من مقومات الحضارة، وهل الحضارة إلا مكوَّن يتركب من الإنسان، والتراب، والزمان؟
وقد حرص الإسلام على نشر العلم بين أبناء الأمة، فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)﴾ (العلق)، وأول أداة وآلة ذُكِرتْ في القرآن هي القلم، قال- تعالى-: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)﴾ (القلم).
ولما هاجر النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، وبدأ بتأسيس حضارة إسلامية، بدأ بنشر التعليم بين أبناء المدينة المنورة، فجعل فديةَ مَن يعرف القراءةَ مِن أسارى بدرٍ أن يُعلِّم عشرةً مِن أبناء المسلمين.
وكان يعلِّم وفود البلاد التي تَقدَم عليه، ويأمرُهم بالرجوع إلى بلادهم؛ حتى يعلِّموا مَن خلفهم؛ عن مالك بن الحويرث قال: قدمنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونحن شببة، فأقمنا عنده نحوًا من عشرين ليلةً، وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رحيمًا، فقال لنا: "لو رجَعتُم إلى بلدكم فعلَّمتموهم- أو قال: أمرتموهم- صلوا صلاة كذا وكذا، في حين كذا وكذا، فإذا حضرَتِ الصلاةُ، فليؤذِّن لكم أحدُكم، وليؤمكم أكبرُكم".
وأما تربة الأرض، فهي المقوم الثاني من مقومات الحضارة، وتربة الأرض تشمل سطحَها، وتشمل ما في باطنها، فهي تعني زراعتَها، واستثمار ما في جوفها من خيرات.
وقد عُنِيَ الإسلامُ بزراعة الأرض أيَّما عناية؛ لأنها مصدر قُوتِ الإنسان، وهي ضمان لاستقلاله وقوَّته، وأيما أمة لا تَزرع أرضَها، ولا تَملك قُوتَها، أمةٌ لا تملك قرارَها، ولا حرِّيتَها، ولا سيادتها؛ لذلك نظَّم الإسلام امتلاكَ الأرض، ووضع أحكامًا تُعنى بالحفاظ على هذا المقوِّم من مقومات الحضارة والتقدم.
وأكتفي بهذه الإشارة التي تُفهم من هذا الحديث؛ عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلاَّ يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ".
وحب الوطن الذي لا يعارض الشرع يعني الإتقان، الإتقان في كل الأعمال، في التعليم، وفي الزراعة، وفي الصناعة، الإتقان في أمر الدنيا وأمر الآخرة، فكل منتَج في بلاد المسلمين يجب أن يحمل علامةَ الجودة الفائقة.
عن عائشة، قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إن الله- تعالى- يحبُّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه".
ولكن الأمر في الواقع على خلاف هذا القول!
وحب الوطن يعني: الحفاظ على الحق العام، وقد بيَّن النبي- صلى الله عليه وسلم- أن الناس شركاءُ في أمورٍ، لا يجوز لأحد الاستئثارُ بها، أو الاعتداء عليها.
قال- صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ، والماء، والنار" رواه أحمد وأبو داود، ورجاله ثقات.
وقال: "وإماطة الأذى عن الطرق صدقة".
وقال: "أعطوا الطريق حقه".
وقال: "اتَّقوا اللاعِنَينِ؛ الذي يتخلَّى في طريق الناس أو ظلِّهم".
حب الوطن في الإسلام: هو محبة الفرد لوطنه وبلده، وتقوية الرابطة بين أبناء الوطن الواحد، وقيامه بحقوق وطنه المشروعة في الإسلام، ووفاؤه بها.
وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: العصبيةَ، التي يُراد بها تقسيمُ الأمة إلى طوائفَ متناحرةٍ، متباغضة، متنافرة، يَكِيد بعضها لبعض، وفي الحديث: "مَن قُتل تحت راية عُمِّيَّة، ينصر العصبية، ويغضب للعصبية، فقتلتُه جاهليةٌ".
حب الوطن في الإسلام: لا يعني: اتِّباعَ القومِ أنَّى ساروا، ونصرَهم على كل حال؛ بل يعني: العدلَ والإنصاف.
وعن عبَّاد بن كثير الشامي، عن امرأةٍ منهم يقال لها: فسيلة، قالت سمعت أبي يقول: سألت النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت: يا رسول الله، أمِنَ العصبيةِ أن يحب الرجلُ قومَه؟ قال: "لا، ولكن من العصبية أن يُعِينَ الرجلُ قومَه على الظلم" رواه أحمد وابن ماجه.
وحب الوطن في الإسلام: لا يعني: الانفصال عن جسد الأمة الإسلامية، أو نسيان مبدأ الإنسانية، فلا ننصر مظلومًا، ولا نغيث ملهوفًا، ولا نعين مكروبًا، ما دام أنه ليس في حدود الوطن، والنبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَثَلُ المؤمنين في تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم مثلُ الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى" متفق عليه
إن حدود الوطن التي تلزم التضحية في سبيل حريته وخيره، لا تقتصر على حدود قطعة الأرض التي يولد عليها المرء؛ بل إن الوطن يشمل القطر الخاص أولاً، ثم يمتد إلى الأقطار الإسلامية الأخرى.
فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فِي بَلَدٍ عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي
إن المسلم يحب وطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه.
وإن المسلم يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
وإن المسلم يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد.
وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
اللهم احفظ بلاد المسلمين آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.
ومن حنين الإنسان إلى بلده، أنه إذا غاب عنها وقدم عليه شخص منها سأله عنها، يتلمس أخبارها، فهذا نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-يسأل أُصيل الغفاري عن مكة لما قدم عليه المدينة، فقد أخرج الأزرقي في "أخبار مكة" عن ابن شهاب قال: قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي فدخل على عائشة رضي الله عنها فقالت له: يا أصيل! كيف عهدت مكة؟ قال: عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، قالت: أقم حتى يأتيك النبي فلم يلبث أن دخل النبي، فقال له: "يا أصيل! كيف عهدت مكة؟" قال: والله عهدتها قد أخصب جنابها، وابيضت بطحاؤها، وأغدق اذخرها، وأسلت ثمامها، وأمشّ سلمها، فقال: "حسبك يا أصيل لا تحزنا".
وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه "المخزون في علم الحديث"، وابن ماكولا في "الإكمال"، وفيه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- "ويها يا أصيل! دع القلوب تقر قرارها".
وهذا كليم الله موسى عليه السلام حنّ إلى وطنه بعد أن خرج منها مجبرًا قال تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَىالْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29)﴾ (القصص).
قال ابن العربي في "أحكام القرآن":
"قال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغرار وتركب الأخطار وتعلل الخواطر ويقول لما طالت المدة لعله قد نسيت التهمة وبليت القصة".
وحب الوطن يجعل الإنسان يدفع عنه العدو إذا هاجمه أو أخرجه العدو منه، والله سبحانه يحكي عن المؤمنين فيقول الله تعالى:
﴿قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا﴾ (البقرة: من الآية 246).
ومما أنشده رفيق بن جابر وهو من شعراء الأندلس في تنبيه الغير من الكلام في أوطان من ينزل عندهم، وأنهم لا يقبلون في أوطانهم قدحًا:
لا تعاد الناس في أوطانهم
قلَّما يُرعى غريب الوطن
فبهذه الآيات والأحاديث والآثار؛ يُعلم أن منها أن "حب الوطن" أمر طبيعي ومشروع أيضًا.
ويؤكد مشروعيته ما أخرجه البخاري أن بلالاً قال
"اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كمَا أخْرَجُونَا مِنْ أرْضِنَا إلَى أرْضِ الوَباءِ".
قال ابن حجر في "الفتح":
"وقوله: "كما أخرجونا" أي: أخرجهم من رحمتك كما أخرجونا من وطننا".
فلم ينكر النبي- صلى الله عليه وسلم- على بلال ذلك، بل دعا الله أن يحبب إليهم المدينة فقال- صلى الله عليه وسلم- "اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدُّ".
وكان بلال ينشد ويقول:
ألاَ لَيْتَ شَعْرِي هَلْ أبِيتَنَّ لَيْلَةً
بِوَادٍ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وجَلِيلٌ
وهَلْ أرِدَنْ يَوْمًا مِياهَ مَجَنَّةٍ
وهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وطَفِيلُ
ومما يدل على مشروعية حب الوطن كما قرره الأئمة الأعلام على ما أخرجه البخاري، وأحمد وغيرهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها" قال أبو عبد الله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبها".
وقوله: "أوضع نافته": يقال: وضع البعير، أي: أسرع في مشيه، وأوضعه راكبه، أي: حمله على السير السريع.
قال ابن حجر في "الفتح"، والعيني في "عمد القارئ": "وفي الحديث دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه".
قال القارئ في قوله:
(حركها من حبها)؛ أي "حرك دابته بسبب حب المدينة، وهذا التعليق وصله الإمام أحمد".
وفي الحديث عند أحمد بسند صحيح عن علي- رضي الله عنه- قال: "لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها، فاجتويناها، وأصابنا بها وعك وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يتخبر عن بدر.."
قال ابن عبد البر في "الاستذكار":
"وفيه بيان ما عليه أكثر الناس من حنينهم إلى أوطانهم وتلهفهم على فراق بلدانهم التي كان مولدهم بها ومنشأهم فيها".
"فاجتويناها": أي؛ أصابنا الجوى، وهو المرض وداء الجوف إذا تطاول، وذلك إذا لم يوافقهم هواؤها واستوخموها.
"يتخبر": أي؛ يتعرف، إذا سأل عن الأخبار ليعرفها.
ومما جاء عن السلف وحنينهم إلى أوطانهم، ما أخرجه أبو نعيم في "الحلية"، أن إبراهيم بن أدهم قال: "ما قاسيت فيما تركت شيئًا أشد علي من مفارقة الأوطان".
وقال ابن بطوطة: ".... فعند ذلك قصدت القدوم على حضرته... مع ما شاقني من تذكر الأوطان، والحنين للأهل والخلان، والمحبة إلى بلادي التي لها الفضل عندي على البلدان".
وأنشد:
بلاد بها نيطت علي تمائمي وأول أرض مس جلدي ترابها

وقال الأرفعي القزويني في "أخبار قزوين":
ولو لا نزوع النفس إلى مسقط الرأس ودائرة الميلاد لم ينزل ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ (القصص: من الآية 85)، وقد صدق ابن الرومي حيث قال:
وحبب أوطان الرجال إليهم مأرب قضاها الفؤاد هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم عهود الصبي فيها فحنوا لذالكا
وجاءت أشعار السلف في التعبير عن حبهم لأوطانهم، وشغفهم وحنينهم إليها تترا، فهذا أبو بكر العلاف أنشد يقول:
كما تُؤلف الأرض التي لم يكن بها هواء ولا ماء سوى أنها وطن
وأنشد علي بن محمد التنوخي
ما كنت أول مشتاق إلى وطن بكى وحن إلى أحبابه وصبا
وأنشد أبو الفرج محمد بن عبد الواحد الدارمي البغدادي:
ولي وطن لا يرى مثله يقر بذلك لي من عرف
وذكر أبو الطيب الوشاء قال أنشدت لموسى بن عبد الملك وكان حاجًّا فلما قفل وصار بالثعلبية قال:
أيقنت لي وطن أحب بجمع شمل واتفاق
وهذه ميسون بنت بحدل الكلبية أم يزيد زوج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أنشأت تقول وقد حنت إلى وطنها:
خشونة عيشتي في البدو أشهى إلى نفسي من العيش الطريف
فما أبغي سوى وطني بديلاًً فحسبي ذاك من وطن شريف
المشاهدات 4449 | التعليقات 0