حب النبي اتباع لاابتداع

سعيد الشهراني
1446/03/08 - 2024/09/11 12:39PM

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الذي خصنَا بخيرِ رسلهِ، وأنزلَ علينَا أكرمَ كتبهِ، أحمدهُ سبحانهُ وأشكرهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولهُ صلى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ وسلمَ.

 أما بعد: اتقوا اللهَ حقَّ التقوى(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).

أيها المسلمون: كانَ ثوبانُ مولى رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ شديدَ الحبِّ لهُ، قليلَ الصبرِ عنهُ، فأتاهُ ذاتَ يومٍ وقدْ تغيرَ لونهُ، ونحلَ جسمهُ، يُعرفُ في وجههِ الحزنُ، فقالَ لهُ النبيُّ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: مَا غيرَ لونكَ؟! قالَ: يا رسولَ اللهِ، ما بي ضرٌّ ولا وجعٌ غيرَ أني إذا لمْ أركَ اشتقتُ إليكَ واستوحشتُ وحشةً شديدةً حتى ألقاكَ، ثمَّ ذكرتُ الآخرةَ وأخافُ أنْ لا أراكَ هناكَ، لأني عرفتُ أنكَ ترفعُ معَ النبيينَ، وأني إنْ دخلتُ الجنةَ كنتُ في منزلةٍ هيَ أدنى منْ منزلتكَ، وإنْ لمْ أدخلْ لا أراكَ أبدًا، فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولهُ ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ).

أيها المسلمون: ومنْ رحمةِ اللهِ بنا أنْ بعثَ فينا محمدًا صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وأمرنا بالإيمانِ بهِ وتصديقهِ، واتباعهِ، والاقتداءِ بهِ، والانتصارِ لهُ، ومحبتهِ، وتقديمهِ على النفسِ والمالِ والولدِ؛ فعلى يديهِ كملَ الدينُ، وبهِ ختمتِ الرسالاتُ، وأرسلَ إليهِ أفضلَ الشرائعِ، وأنزلَ إليهِ أفضلَ الكتبِ, فهوَ خليلُ اللهِ، وهوَ كليمُ اللهِ، وهوَ صفيهُ، وهوَ رسولهُ، وهوَ حبيبهُ. ففتحَ اللهُ بهِ أعينًا عميًا، وآذانًا صمًّا وقلوبًا غلفًا، وأخرجَ بهِ الناسَ منَ الضلالةِ إلى الهدى.

إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي بلغَ الرسالةَ أحسنَ بلاغٍ، وأدى الأمانةَ أحسنَ أداءٍ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادهِ، فلهُ الوسيلةُ والفضيلةُ والمقامُ المحمودُ ولواءُ الحمدِ، إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أعزُّ الناسِ نسبًا، وأشرفُهمْ مكانةً، أظهرَ اللهُ على يديهِ منَ المعجزاتِ ما أبهرَ العقولَ، ففلقَ لهُ القمرَ فلقتينِ، وتكلمتِ الحيواناتُ بحضرتهِ، وسبحَ الطعامُ وتكاثرَ بينَ يديهِ، وسلمَ عليهِ الحجرُ والشجرُ، وهو أولُ منْ تنشقُّ عنهُ الأرضُ يومَ القيامةِ، وأولُ منْ يُفتحُ لهُ بابُ الجنةِ، وأولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ، وهوَ سيّدُ ولدِ آدمَ أجمعينَ.

إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي زكاهُ ربهُ تزكيةً ما عُرفتْ لأحدٍ غيرهُ منَ المخلوقينَ فأرسلهُ اللهُ شاهدًا ومبشّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنهِ وسراجًا منيرًا، شرحَ اللهُ لهُ صدرهُ، ووضعَ عنهُ وزرهَ، ورفعَ لهُ ذكرهُ وأعلى في العالمينَ قدرهُ، ما رآهُ أحدٌ إلا هابهُ، ولا عاشرهُ أحدٌ إلا أحبّهُ حبًّا جمًّا، صاحبُ الوجهِ الوضاءِ، والطهرِ والصفاءِ، دائمُ الابتسامةِ، مليحُ الوجهِ، أكحلُ العينينِ، كالقمرِ ليلةَ البدرِ استنارةً وضِياءً، أشدُّ حياءً منَ العذراءِ في خدرها، يقولُ أنسٌ رضيَ اللهُ عنهُ: مَا مَسَسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

إنهُ محمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ الذي كانَ يُعرفُ بريحِ الطيبِ إذا أقبلَ، وأحسنُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا، وأتقاهمْ للهِ وأخشاهمْ، أعظمُ الناسِ تواضعًا، يُخالطُ الفقيرَ والمسكينَ، وينطلقُ معَ الجاريةِ الصغيرةِ تأخذُ بيدهِ حيثُ شاءتْ، ولا يتميزُ عنْ أصحابهِ بمظهرٍ، يزورُ كبيرَهمْ ويسلّمُ على صبيانِهمْ، يأتي ضعفاءهمْ ويعودُ مرضاهمْ، ويشهدُ جنائزهمْ، يجلسُ على الأرضِ ويأكلُ عليها، يعقِلُ الشاةَ ويحلبهَا، يخصفُ نعلهُ ويخيطُ ثوبهُ ويخدمُ أهلهُ، يقبلُ الهديةَ ولا يأخذُ الصدقةَ، أشجعُ الناسِ، وأرحمُ الناسِ، وصدقَ اللهُ ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ).فَمَا أعظمهُ منْ رجلٍ! وما أجلهُ منْ نبيٍّ! وما أعزَّهُ منْ رسولٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.

أمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنْ حُقُوقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ تكونَ أوامرُه ونواهيهِ مقدمةً على كلِّ الأوامرِ والنواهي في جميعِ أحوال حياتنا، ولنْ يَكْتملَ الإيمانُ الحقيقيُّ في قلوبنا، ولنْ نذوقَ حلاوتهُ، ونُحسُّ بالراحةِ النفسيةِ والطمأنينةِ؛ حتى نحبَّ النبيَّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ حبًّا أكثرَ منْ أنفسنا وأهلِينا وأموالنا وكلِّ الدنيا، قال رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ).

عباد الله: إنَّ منْ مقتضياتِ هذا الحبِّ أنْ يكثرَ المسلمُ منْ ذكرهِ والصلاةِ والسلامِ عليهِ، وأنْ يتمنى رؤيتهُ، والشوقَ إلى لقائهِ، وسؤالَ اللهِ اللحاقَ بهِ على الإيمانِ، وأنْ يجمعَ بينهُ وبينَ حبيبهِ في مستقرِّ رحمتهِ، وقدْ أخبرَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ بأنهُ سيوجدُ في هذهِ الأمةِ منْ يودُّ رؤيتهُ بكلِّ ما يملكونَ، فقال رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ( مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَإِنَّ مِنَ المخَالَفَةِ لِهَدْيِهِ وَالابْتَدَاعِ فِي شَرْعِهِ: إِقَامَةُ مَا يُسَمَّى [بِالموْلِدِ النَّبَويِّ], فِإِنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي دِينِ اللهِ, وِلِا ذِكْرَ لَهُ فِي القُرْآنِ وِلَا فِي السُّنَّةِ, وَلَمْ يَفْعَلْهُ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَلَا التَّابِعُونَ لهُمْ بِإِحْسَانٍ, وَإِنَّمَا هِيَ بِدْعَةٌ حَدَثَتْ فِي بِلَادِ المسْلِمِينَ وانْتَشَرَتْ شَيْئًا فَشَيْئًا في بِلَادِ المسْلِمَينَ فنبينا محمد صلى اللهُ عليهِ وسلمَ لا يريدُ بنا أنْ نحتفلَ بمولدهِ، بلْ يريدنا منا أنْ نتبعَ سنتهُ

ثمَّ اعلموا - يا عبادَ اللهِ - أنَّ منْ علاماتِ حبهِ - صلى اللهُ عليهِ وسلمَ -: كثرةُ الصلاةِ والسلامِ عليهِ في كلِّ وقتٍ وحينٍ، ففي الصلاة عليه الراحةُ والطمأنينةُ والأجرُ والثوابُ، وهوَ دليلٌ على هذا الحبِّ.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد...

المرفقات

1726047544_خطبة بعنوان(محبة النبي اتباع لا ابتداع) مختصرة.docx

المشاهدات 2160 | التعليقات 0