حب المؤمنين وفي مقدمتهم الصحابة الميامين

عبدالله الجارالله
1431/10/21 - 2010/09/30 19:49PM
استكمال لحديث الخطباء عن عائشة رضي الله عنها

حب المؤمنين وفي مقدمتهم الصحابة الميامين 22/10/1431هـ
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا. مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أما بعد: فاتقوا الله عبادَ الله، واعبدوه واشكرُوا له، واذكروا أنَّكم مُلاقوه، فأعِدُّوا لهذا اللِّقاءِ عُدَّتَه، وخُذوا له أُهبَتَه، ولا تغُرَّنكم الحياةُ الدنيا، ولا يغُرَّنَّكم بالله الغرور.
أيُّها المسلمون، إنَّ آثارَ الإيمان الصادقِ بالله تعالى وآثارَ العملِ الصالحِ الذي يُبتغَى به وَجهُه تعالي ويُقتَدى فيهِ بنبيِّه صَلواتُ الله وسَلامُه عليه تربو عَلَى العدِّ، وتزيدُ عن الحصرِ، وإنها آثارٌ لا تَغيبُ عن مداركِ أولي النُّهَى، ولا تَعزُبُ عن نَظَرِ وتفكُّرِ أولي الأبصار.
وإنَّ من حلوِ ثمارِ الإيمانِ ما يغرِسُه الله لأهلِه في قلوبِ خَلقِه من محبَّةٍ لا يملكون ردَّها، ومودَّةٍ لا يستطيعون إلاَّ الإقرارَ بها والخضوعَ لسلطانها، أوضَحَ ذلك سبحانه في محكمِ كتابه بقوله عزَّ اسمُه: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)).
وإنَّ أعظمَ ما في هذا الوُدِّ ـ يا عبادَ الله ـ أنه آيةٌ بيِّنةٌ ودليلٌ ظاهرٌ على حبِّ الله تعالى، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عله وسلم أنَّه قال: ((إنَّ الله إذا أحبَّ عبدًا دعَا جبريلَ عليه السلام فقال: إني أحبُّ فُلانًا فأحِبَّه))، قال: ((فيُحبُّه جبريل، ثم يُنادي في السماء فيقول: إن الله يحبّ فلانًا فأحِبُّوه، فيُحبُّه أهل السماء))، قال: ((ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ)) الحديث. فلا ترى في الناس إلا محبًّا له، مُثنِيًا عليه، رؤوفًا رحيمًا به، عبَّر عن هذا أبلَغَ تعبير التابعيُّ الجليلُ زيدُ بنُ أسلَمَ رحمه الله بقوله: "من اتَّقى الله أحبَّه الناسُ وإن كرِهوا" ؛ يُريد أنَّ الناسَ لا يملكون إلاَّ أن يُحبُّوه، ولو أرادوا استشعارَ البُغض له ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
فانظر إلى الإيمانِ والتَّقوى كيف أعقَبَا صاحبَهما في قلوبِ الناسِ حبًّا لم يعمَل له، ولم يسعَ إِليه، ولم يخطُر له على بال.
ولا عَجَبَ في ذلك؛ فقد بلغ الإيمانُ والتقوى بأهلِهما مرتبةَ الولايةِ، فاستحقّوا صفةَ أولياءِ الله الذين بشَّرَهم ربُّهم بأنهم لا يخافون ما يستقبلون من أهوال يوم القيامة، ولا يحزَنون على ما تركوا من خَلفِهم في الحياة الدنيا: ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُون)).
وَلم يقتَصِر الأمرُ على هذا، بل إنهم بلَغوا بحبِّ الله لهم وكريمِ مقامِهم عنده أن جعَل من ناصَبَهم العداءَ بمنزلة المحارِبِ له سبحانه، كما جاء في الحديثِ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ الله تعالى قال: مَن عَادَى لي وَليًّا فقد آذَنْتُهُ بِالحرب)) اي أنه تعرَّضَ لإهلاك اللهِ له، وفي هِذا ـ كما قال أهل العلم بالحديث ـ تهديدٌ شديدٌ؛ لأن من حاربه الله أهلكَه.
وإذا ثَبَت هذا في جانبِ المعاداة ثبت في جانب الموالاة أَيضًا، فمَن والى أولياءَ الله أكرَمه الله، ورضِيَ عنه، وهداه، واجتباه.
عباد الله
و من أعظمِ من تجبُ موالاتُه والحذرُ الشديدُ مِن معاداتِه صحابةَ رسولِ الله عليه الصلاة والسلام الذين رضِي الله عنهم، وأفاض سبحانه في الثناءِ عليهم في محكَمِ كِتابه، فقال عزَّ من قائل: (( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم)) ، وقال عزَّ وجلَّ: ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا)) ، وقال سبحانه: (( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)).
ونهى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَن سَبِّ أحدٍ مِنهم، وَبيَّن أنَّه لا يبلُغُ أَحدٌ مبلَغَهم في الجلالةِ والفَضلِ ولو أنفَقَ مَا أنفَقَ من مالِه، فقالَ عليه الصلاةُ والسلام: ((لا تسُبُّوا أحدًا مِن أَصحابي، فلَو أنَّ أحدَكم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدرَكَ مُدَّ أحَدِهم ولا نَصيفَه)).
وبيَّن عليه الصلاةُ والسلامُ أنَّ حبَّ الأنصارِ مِن علامات الإيمانِ الصّادقِ، وأنَّ بُغضَهُم من علاماتِ النّفاقِ، يقول عليه الصلاة والسلام:((آيةُ الإيمان حُبُّ الأنصار، وآيَة النفاقِ بُغضُ الأنصارِ)ويقول عليه الصلاة والسلام ((الأنصارُ لا يحبُّهم إلا مؤمِنٌ، ولا يُبغِضهم إلا منافقٌ، فمَن أحبَّهم أَحبَّهُ الله، ومن أبغَضَهم أبغَضَه الله)).
ولِذا عباد الله كانت محبَّةُ أصحابِه عليه الصلاة والسلام من أصولِ مُعتَقَدِ أهلِ السنّةِ والجماعةِ التي لا خلافَ بينهم فيها، قال الإمامُ أبو جعفَرٍ الطحاويّ رحمه الله مُعبِّرًا عن ذَلك: "ونُحِبّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُفرِطُ في حبِّ أحدٍ منهم ـ أي: نُبالغ ونُغالي ـ، ولا نتبرَّأُ من أحدٍ منهم، نُبغِضُ من يُبغضُهم وبغيرِ الحقِّ يذكُرُهم، ولا نذكُرهم إلا بخيرٍ، وحبُّهم دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، وبُغضُهم كفرٌ ونِفاقٌ وطُغيانٌ" انتهى كلامه رحمه الله.
وإنما كان حبُّهم ـ يا عبادَ الله ـ دينًا وإيمانًا وإحسانًا لأنه امتثالٌ لأمرِ الله، وطاعةٌ له، وتقديمٌ لأمرِه ونهيِهِ سبحانه على كلِّ ما سواهما، ولأنهم نصَروا دينَ الله، وجاهَدوا معَ رَسوله صلى الله عليه وسلم ، وبذَلوا في ذلك الدماءَ والأموالَ والأرواحَ، وما أحسَن مَوقفَ المسلمِ الصادقِ من هؤلاء الأسلافِ العِظام، ذلك الموقفُ الذي صوَّره القرآنُ أبلغَ تصويرٍ في قولِ ربِّنا تقدَّست أَسماؤه: (( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)).
نفعني الله وإياكم بهديِ كتابِه، وبسنّة نبيِّه عليه الصلاة والسلام . أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَلى إِحسانِهِ، وَالشكرُ لَهُ عَلى تَوفِيقِهِ وَامتِنَانِهِ، وَأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأشهدُ أنَّ مُحمّداً عَبدُهُ وَرسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلمَ تسليماً كثيراً .
.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، جاءَ عن الصحابيِّ الجليل عبدِ الله بنِ مسعودٍ رضي الله عنه قولُه: (مَن كان منكم مُستنًّا فليستَنَّ بمن قَد مَات، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتنةُ، أولئك أصحابُ محمّد صلى الله عليه وسلم ، كانوا أفضَلَ هذه الأمَّةِ، وأبرَّها قلوبًا، وأعمَقَها علمًا، وأَقلَّها تكلُّفًا، قَومٌ اختارَهم الله لصُحبة نبيِّه وإقامةِ دينِه، فاعرِفوا لهم فضلَهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسَّكوا بما استَطعتُم من أخلاقِهِم ودينهِم، فإنهم كانوا على الهُدَى المستقيم).
وجاء عنه رضي الله عنه قولُه أيضًا: (إنَّ الله تعالى نظَر في قلوبِ العباد، فوجَدَ قلبَ محمّد عليه الصلاة والسلام خيرَ قلوبِ العبادِ، فاصطفاه لنفسه، وابتعثَه برسالتِه، ثم نظَرَ في قلوب العبادِ بعد قلبِ محمّد عليه الصلاة والسلام ، فوجَدَ قلوبَ أصحابِه خيرَ قلوبِ العباد، فجَعَلَهم وزراءَ نبيِّه يُقاتلون عن دينِه) انتهى. أفيَختارُ سبحانه لصحبةِ نبيِّه غيرَ أفضلِ الأمّةِ وأعظمِها وأبرِّها وأتقاها له سبحانه؟!
فاتقوا الله عبادَ الله، وحذارِ مِن معاداةِ المؤمنين المتَّقين، حذارِ من ذلك، وفي الطليعةِ منهم صحابةُ خاتم النبيِّين وسيِّدِ ولَد آدم أجمعين.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرِ خَلقِ الله محمّد بن عبد الله، فقد أُمِرتُم بذلك في كتابِ الله؛ حيث قال سبحانه قولاً كريمًا: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)).
اللّهمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الآلِ والصحابة والتابعين، ومن تَبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرمَ الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، واحمِ حَوزَة الدّين، ودمِّر أعداءَ الدّين، وسائرَ الطُّغاة والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادَتهم، واجمَع كلِمَتهم على الحقّ يا رب العالمين.
اللّهمّ انصر دينك وكتابك وسنة نبيِّك محمّد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين...
اللهم إملاء قلوبنا بمحبتك ومحبة نبيك عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام وسائر عبادك المؤمنين واجعلنا منهم وبهم مقتدين .... اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْـهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِليْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُـوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا يَا رَبَّنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا، وَعَافِنَا وَاعْفُ عَنَّا، اللَّهُمَّ أَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَزِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ اغْفِـرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْـلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ الأَحْيَاءِ مِنْهُـمْ وَالأَمْوَاتِ. اللَّهُمَّ وَوَفِّقِ وُلاَةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ
{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}

{رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}


المرفقات

66.doc

66.doc

المشاهدات 2314 | التعليقات 1

أثابكم الله شيخنا الكريم ,,,
حبذا لو أنكم أشرتم إلى فضل أمّ المؤمنين عائشة، وجرم التعرض إليها بالخصوص لمواكبة حملة الخطباء,,