حبُ الخيرِ لغيرِك-18-3-1441هـ-مستفادة من خطبة الشيخ عبدالله الحبيشي

محمد بن سامر
1441/03/17 - 2019/11/14 22:45PM
    الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وليُ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا رسولُه الأمينُ، عليه وآلهِ الصلاةُ وأتمُ التسليمِ.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ حقَ تقاتِه ولا تموتُنَّ إلا وأنتم مسلمون".
أما بعدُ: فيا إخواني الكرام، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: "لا يبلغُ العبدُ حَقِيقَةَ الإيمانِ حتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ ما يحبُّ لِنفسِهِ".
إنه دينُ الإسلام العظيمِ، الذي ربطَ كمالَ الإيمانِ وحقيقتَه بحبِ الخيرِ للناسِ كافةً، ليس لأهلِك وأقاربِك والمسلمينَ والناسِ فقط، بل لكلِّ المخلوقاتِ.
فما أعظمَهُ من دينٍ، وما أحسنَهُ من أدبٍ، وما أَجَلَّهُ من خُلُقٍ حيثُ يتعاملُ المسلمُ مع الناسِ وكأنَّهم نَفْسُهُ.
إن الإيمانَ والإسلامَ ليس ادعاءً يدعيهِ من شاءَ، وليس باللباسِ والمظهرِ، ولكنه عملٌ وتطبيقٌ، فلا يقتصرُ على العباداتِ من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍ فقط، وليس في المسجدِ فقط، ولكنه في المعاملةِ الحسنةِ الطيبةِ الراقيةِ للآخرينَ، فما أشينَ الرجلَ خاشعًا في الصلاةِ، فإذا خرجَ أفسدَ الحياةَ، فمن أرادَ الجنةَ، والبعدَ عن النارِ فليحبَ للناسِ مثلما يحبُ لنفسِه منِ الخيرِ، ويكرهُ لهم مثلما يكرهُ لنفسهِ من الشرِ، قالَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: "مَنْ أحبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنةَ فَلْتُدرِكْه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، ويأتي إلى الناسِ الذي يحبُّ أنْ يُؤْتَى إليه"، وقدْ مدحَ اللهُ-سبحانه وتعالى-الأنصارَ لحبِهم للخيرِ لغيرِهم، وإيثارِهم وتفضيلِهم لإخوانِهم المهاجرين على أنفسِهم فقالَ: "وَالَّذِينَ تَبَوؤوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
وقال ابنُ عبَّاسٍ-رضي اللهُ عنهما-: "إني لأمرُّ بالآيةِ من كِتابِ اللهِ، فأودُّ أنَّ النَّاسَ كُلَّهم يعلمُون منها ما أعلم"، وقال الشافعيُّ-رحمه الله-: ودَدْتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العلمَ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيءٌ"، وأرادَ محمَّدُ بنُ واسعٍ أنْ يبيعَ حمارًا له، فقالَ له رجلٌ: أترضاه لي؟ قالَ: لو رضيتُهُ لم أَبِعْهُ، لا أرضى لكَ إلا ما أرضاهُ لنفسي.
والرجلُ الذي أزالَ ما يؤذي الناسَ عن الطريقِ فدخلَ الجنةَ؛ إنما دخلَها بما في قلبِه من حبِ الخيرِ للناسِ، وكفِ الأذى عنهم، قالَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: "رأيتُ رجلًا يتقلبُ في الجنةِ في شجرةٍ كانت تؤذي الناسَ في الطريقِ، فقالَ: واللهِ لأُنحَينَّ هذه عن المسلمينَ لا تؤذيهم فقطعَها".
ومن محبةِ الخيرِ للناسِ النصحُ لهم، ودلالتُهم على ما ينفعُهم في دينهِم ودنياهُم، والدعاءُ لهم، قالَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: "مَنِ استغفَرَ للمؤمنينَ وللمؤمناتِ-قال: اللهم اغفرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ-، كتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مؤمِنٍ ومؤمنةٍ حسنةً".
ومن حبِ الخيرِ للناسِ كفُّ الأذى والمكروهِ عنهم، يقولُ الأحنفُ بنُ قيسٍ: " كنتُ إذا كرِهت شيئًا من غيري، لم أفعلْ بأحدٍ مثله".
إن حبَ الخيرِ للناسِ ومعاملتَهم به، وكُرْهَ الشرِ لهم وكفَه عنهم يحققُ خيرًا كثيرًا، ويكف شرًا كبيرًا، أسألُ اللهَ أن يجعلني وإياكم والمسلمينَ ممن يحبُ لغيرِه ما يحبُ لنفسِه، ويكرُه لغيرِه ما يكرَهُ لنفسِه...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ: فلا يبلغُ العبدُ حَقِيقَةَ الإيمانِ حتى يُحِبَّ لِلنَّاسِ ما يحبُّ لِنفسِهِ، إنَّ تطبيقَاتِ هذا الحديثِ العظيمِ واسعةٌ ومتعددةٌ، فإذا سرتَ في الطريقِ ورميتَ نفايةً أو أذىً، فهل ترضى أن يُرمى هذا الشيءُ أمامَ بابِ دارِك، أو في بيتِك، أو على سيارتِك أو يُرمى عليك، فتتضررُ به، أو تتسخُ منه؟ إذا كنتَ لا ترضاهُ لنفسِك، فالناسُ لا يرضونَهُ لأنفسِهم.
إذا دخلتَ المسجدَ فآذيتَ الناسَ برائحةِ عرقِك أو الدخانِ أو الثومِ أو البصلِ، أو آذيتهم بأطفالِك، وإزعاجِهم وصياحِهم ولعبِهم، فهل ترضى أن تُؤذى بذلك في بيتِك أو سيارتِك أو مكانٍ قريبٍ منك؟ إذا كنتَ لا ترضاهُ لنفسِك، فالناسُ لا يرضونَهُ لأنفسِهم.
إذا قطعتَ الإشارةَ الحمراءَ باستهتارٍ وتهورٍ وعدمِ مبالاةٍ بالآخرينَ، فعرضتَ الناسَ وأهلَهم وأحبابَهم للموتِ، وممتلكاتِهم وسياراتِهم للهلاكِ والخرابِ، فهل ترضى أن يُفعل بك أنت وأهلُك وسيارتُك ذلك؟ إذا كنتَ لا ترضاهُ لنفسِك، فالناسُ لا يرضونَهُ لأنفسِهم.
إذا أغلقتَ الطريقَ على الناسِ بالوقوفِ في غيرِ المكانِ المناسبِ، فأخرتهم، فماتَ أحدُهم لأنه أُسعِفَ فتأخرَ بسببِك، أترضى أن يُفعلَ بك أو بقريبك ذلك؟ إذا كنتَ لا ترضاهُ لنفسِك، فالناسُ لا يرضونَهُ لأنفسِهم.
الذي يحبُ أنْ يُحَبَهُ الناسُ ويُقدروه ويحترموه ويعاملوه بالحسنى ويحفظوا حقوقَه فلْيُحبَ للناسِ ذلك ويعاملَهم به.
ما أحسنَ أن تحبَ الخيرَ للناسِ كافةً وتعاملَهم به، حتى الكفار، فإحسانُ معاملتِهم، وعدمُ ظلمِهم، مما يحبُه اللهُ، قال-تعالى-: "لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ"، ومحبةُ الخيرِ للكفارِ في أنْ يُسلموا ويُؤمنوا، ويخرجوا من ظلماتِ الكفرِ إلى نورِ الإيمانِ، قالَ النَّبيُّ-صلى اللهُ عليه وآلِه وسلمَّ-: "فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ".
حبُ الخيرِ للناسِ كافةً يشملُ محبةَ الخيرَ للعصاةِ بالهدايةِ، وللمبتدعةِ باتباعِ السنةِ، وللمترددينَ بالثباتِ، وللزائغينَ بالاستقامةِ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا والمسلمينَ سيِئ الأخلاقِ والأعمالِ، اللهم أصلحْ ولاةَ أُمورِنا وولاةَ أُمورِ المسلمينِ، وارزقهمْ البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ، اللهم اغفرْ لنا ولوالدينا وللمسلمينَ، أسألُك لي ولهم رضاكَ والفردوسَ الأعلى من الجنةِ وما قرَّب إليها قولٍ وعملٍ، ومن كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأُعيذُهم بك من سخطِك والنارِ وما قرَّب إليها قولٍ وعملٍ، ومن كلِّ شرٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهم عليك بأعداءِ المسلمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ يا قويُ يا عزيزُ.
 
المرفقات

الخيرِ-لغيرِك-18-3-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الش

الخيرِ-لغيرِك-18-3-1441هـ-مستفادة-من-خطبة-الش

المشاهدات 1146 | التعليقات 0