حادثة التوأمان وصايا وتوضيح 10/ 10/ 1437هـ

عبدالله حمود الحبيشي
1437/10/10 - 2016/07/15 02:25AM
حادثة التوأمان وصايا وتوضيح * 10/ 10/ 1437هـ

إنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ..
أَمَّا بَعْدُ .. عباد الله .. حادثة أزعجت الجميع وآلمتنا .. إنها حادثة التوأمان الذان قتلا أمهما .. نسأل الله أن يغفر لها ويرحمها ويعلي قدرها في عليين .. كما نسأله أن يهدي ضال المسلمين ويحفظ شبابنا من مظلات الفتن ما ظهر منها وما بطن .
إنها حادثة مزعجة ومؤلمة بكل المقاييس ، ولا نريد من ذكرها نكأ الجراح ، واجترار الآلام ، ولكن لنأخذ منها عظه وعبرة ، ودرس نحافظ به على ما بين أيدينا من أبناء .. وما خسر من استفاد من عثرته .
إنهم توأمان أعمارهم بالثامنة عشر ويعيشان مع أبويهما في نفس المنزل .. وكانت أمهم رحمها الله حريصة عليهما وشديدة المتابعة لهما .. فلا يكاد يمر أسبوعا إلى وتتصل وتسأل عنهم في المدرسة وعن تحصيلهم ودراستهم .. وكذلك أبوهم نسأل الله أن يجبر مصابه ويرفع ضره .. كان حريصا على أبنائه ولا يتخلف عن لقاء أولياء الأمور في المدرسة على كبر سنه وضعف قوته .
هذا حال الأبوان كانا من الصالحين الطائعين ولا نقول إلا خيرا فهو الابتلاء وقد يكون الله أراد لهما منزلة لا ينالاها إلا بهذا البلاء العظيم .. فنسأل الله أن تكون الأم من الشهداء ويكون الأب من الصابرين المحتسبين وأن يعظم أجره .
أما حال التوأمان فكانا لا يشاركان في الأنشطة المدرسة ، وكانا شبه انطوائيان .. ومسالمان وكما يُقال فيهما طيبة زائدة .. كما أنهم إنقطعوا عن الدراسة في أول المرحلة الثانوية ، وجلسوا عاما كاملا أو أكثر وهم في البيت لا يدرسون ولا يعملون مما خلق لهم فراغا كبيرا في حياتهم .. كما أنهم لا يشهدون الصلاة مع الجماعة .. فهم لم يُروا في المسجد إلا نادرا ، فضلا عن مشاركتهم في حلقات تحفيظ القران ، والأنشطة التي تكون في الحي ، وليس لهم تواصل مع الجيران .
وهذه البيانات والمعلومات تُعطينا نظرة عامة لما كانا عليه ، وقد تكون من أسباب ما وقع .
هذه هي الحادثة ، وهذه بعض معالمها ، وبعض معلوماتها ، وشيء من صفات مرتكبيها .. وكما أننا تألمنا يجب أن نكون قد تعلمنا .. وكما أنها مصابٌ جلل ، فهي نذير خطر .. وحتى نسلم من أمثلها فهذه وصايا أربع .. أوصي بها نفسي وأوصي بها الآباء والأمهات تذكيرا وتحذيرا :
فأول هذه الوصايا : الدعاء ثم الدعاء للأولاد .. الدعاء أولا بالصلاح والهداية ، والدعاء لهم بأن يحفظهم الله من الشرور والفتن وهذا هو منهج الأنبياء ودأب الصالحين ، فالله وحده بيده الهداية ، وبيده القلوب وهو الحافظ الهادي (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ) .
إن القارئ لكتاب الله يجد حرص الأنبياء وعباد الله الصالحين المتقين على الدعاء لأبنائهم بالهداية والصلاح .
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)
(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)
إنه الدعاء للذرية وهي من الدعوات المستجابات .. وحذاري من الدعاء عليهم مهما كانت الظروف ومهما كانت المسببات ، فدعوة بعدم التوفيق أو بالشقاء أو الهلاك قد تُفتح لها أبواب السماء فيشقى الوالدين حسرة وألما قبل أن يشقى بها الولد . نسأل الله أن يصلح لنا ذرياتنا ويجعلهم قرة عين ويرزقهم الصلاح والهداية ويحفظهم من مظلات الفتن والشبهات والشهوات .
الوصية الثانية .. الجلوس مع الأبناء والقرب منهم ومن همومهم والحوار معهم .. لا تكون العلاقة قاصرة على التوجيه والأمر ، بل شيء من الكلام والأنس والمرح واللعب .. ما الذي يمنع أن يكون للأب مع أبنائه جلسة أسبوعية لطرح قضية ومناقشتها .. ما الذي يمنع أن يذهب الأب مع أبنائه لا أقول دائما بل في بعض المرات إلى النادي أو إلى مكتبه أو مكان لشرب القهوة .. ما الذي يمنع أن يذهب الأب إلى بعض الجلسات الشبابية التي يجتمع فيها الأبناء فيتعرف على أصدقاء أبنائه .. قد يطرأ على الأبناء ما يفسدهم ويحرفهم عن الجادة فإن لم نكن قريبين منهم لجؤوا إلى غيرنا ممن قد يضرهم ولا ينفعهم .. هذه إشارات والقصد هو أن نكون قريبين من أبنائنا .. نكون نحن من يبثون إليه همومهم واستفساراتهم وما يعرض لهم .
وهنا لا بد من التأكيد والتنبيه على قبول كل ما يعرضه الأبناء والحوار معهم حتى وإن كان في طرحهم ما يُغضب أو يخالف الدين والعقيدة ولا أدل على ذلك من قبول النبي صلى الله عليه وسلم الحوار مع الشاب الذي يطلب إباحة الزنى .
الوصية الثالثة .. تعظيم الله في نفوس أبنائنا وتعظيم الدماء والأحكام والشريعة .. كيف سيكون حال الأبن الذي تربى مع القرآن حفظا وفهما وتدبرا وتعظيما ، كيف سيكون حاله مع الدماء وحرمتها وهو يسمع قول الله تعالى (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) إنها عقوبات عظيمة لم تجتمع في ذنب واجتمعت في القتل .
ما أحوجنا أن نعظم في نفوس أبنائنا حرمة الدماء فإذا وقعت حادثة فيها قتل أو إجرام يجب على الوالدان التذكير والتنبيه والموعظة للأبناء في خطر الدماء وحرمتها ولا غرابة في ذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام في أعظم موقف وأكبر تجمع وعظ بها وخصها بالذكر ففي حجة الوداع ومعه مائة ألف حاج وقف خطيبا فسأل سؤالا يجمع فيه القلوب قبل الأسماع .. أتَدْرونَ أيُّ يومٍ هذَا . قالوا : اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ ، فقالَ : فإنَّ هذَا يومٌ حرامٌ ، أفَتَدْرُونَ أيُّ بلدٍ هذَا . قالوا : اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ ، قالَ : بلدٌ حرامٌ ، أفَتَدرونَ أيُّ شهرٍ هذا . قالُوا : اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ ، قالَ : شهرٌ حرامٌ . قالَ : فإنَّ اللهَ حرَّمَ عليكُمْ دمَاءَكمْ وأموالَكُمْ وأعرَاضَكمْ ، كَحُرْمَةِ يومِكُمْ هذَا، في شَهرِكُم هذَا ، في بَلَدِكم هذَا . إن الأبناء إذا تربوا على تعظيم الله وشرعه فهم على خير (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)
آخر ما أذكر من الوصايا : ما أحوجنا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وعمت الشهوات والشبهات ما أحوجنا للمناشط المفيدة والبرامج النافعة والتي يلتحق بها الأبناء تشغل فراغهم وتغذي أفكارهم وتُفرغ في الخير طاقاتهم ونشاطهم .. خاصة ونحن في إجازة .. فمن أسباب وقوع التوأمان في الجريمة انعزالهم وبعدهم من المناشط المفيدة .. بعدهم عن المساجد وعن حلقات تحفيظ القرآن .. نحتاج أن نشرك أبنائنا في البرامج التطوعية ونشجعهم عليها ونحثم على الفاعلية فيها .. ولا يكفي الأمر عند هذا ولن ينتهي دورنا هنا.. بل نتابعهم في مثل هذه المناشط ونسأل عنهم ونشعرهم أننا معهم :
ماذا عملت يا بني في الدرس اليوم؟
كم حفظتِ يا بنيتي في حلقة تحفيظ القرآن؟
ما هي المهارة التي تعلمتها في النشاط .
ليشعروا بالاهتمام والقرب ولتأكيد استفادتهم من هذه البرامج ..
نسأل الله أن يحفظ أبنائنا وبناتنا ويجعلهم قرة عين لنا وينفع بهم الإسلام وينفعهم بالإسلام ويجعلهم هداة مهتدين نافعين مصلحين .. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمد لله ..
أما بعد عباد الله .. أحداث مؤلمة ، وتفجيرات ، وأحزمة ناسفة ، وقتل ، واستهداف لرجال الأمن ، ولغيرهم من الآمنين .. وهنا نتساءل هل نحن من يصدّر الإرهاب؟!! سؤال طرحه أحد الكتاب وفقه الله ونفع به .. وبحق إنه سؤال خطير يُطرح لما نسمعه ولما نراه من لغط على هذه البلاد .. ليس من أعدائها في الخارج وليس من الصهاينة ولا المتطرفين من منظمات الكراهية الغربية ، بل لم يطرح من المجوس والصفويين .. بل وبكل أسف يطرحه أناس من هذه البلاد ينتمون لها رسميا وقلوبهم مع كل من ذكرناهم من الأعداء ويصطفون في صفوفهم.. وإن كانوا في السابق يلمزون لمزا ويلمحون ولا يصرحون فقد أصبحوا يصرحون ويعلون علنا ويذكرون ذلك في صحافتنا وقنواتنا.
في الآونة الأخيرة خرجت أصوات مغرضة وحاقدة ترمي بلادنا بأنها بلاد داعشية وأخذوا يوزعون النسبة فيما بينهم حسب كراهيتهم فبعضهم قال إن تسعين في المئة من هذا الشعب داعشيون والآخر تنازل قليلاً وقال ستون بالمئة، ومنهم من قال أشنع من ذلك متهمين عقليتنا وفكرنا ومناهجنا بأنها التي صنعت هذا التنظيم وهو طرح مغرض فاضح، واضح الأهداف، والمقاصد والمرامي .. إذ ليس من العقل، ولا من المنطق أن الداعشيين الذين ظهروا في بلاد شتى وجاؤوا من أصقاع الأرض من دول عربية وأخرى أوربية ، ليس من العقل ولا من المنطق أن كلهم تلقوا تعليمهم على أيدي أساتذتنا ومن خلال مناهجنا ..
والمضحك أن أولئك الذين يتهمون مناهجنا ومدارسنا قد تخرجوا من تلك المدارس وتعلموا من تلك المناهج وإن جميع قادتنا وسياسيينا والمسؤوليين وكذلك مثقفينا وشعرائنا وأدبائنا، وعلمائنا وأطبائنا ودعاتنا وأساتذة جامعاتنا وجنودنا الذين يحاربون الإرهاب قد تخرجوا في تلك المدارس.. فكيف يجرؤ عاقل أو مثقف على طرح مثل هذا الافتراء، وهذا التجني الوقح والطرح القبيح الذي يتبناه أعداؤنا ويخططون له من زمن بعيد من أجل الإيقاع ببلادنا ووحدتنا. إنه طرح من طالبوا بكل وقاحة وقبح أن توضع هذه البلاد تحت المراقبة الدولية لأنها مصدر الإرهاب .. وهكذا نرى أن أولئك الذين ينعقون إنما يقفون إلى جانب أعداء الوطن.. كما أنهم يريدون زعزعة الناس حول المنهج ، وإثارة الفتن والتنازع وأن ننقل العراك إلى الداخل فيما بيننا.. فالواجب علينا أن نتمسك بديننا ونتحد خلف علمائنا وولاة أمرنا ونثق بمناهجنا .. كما ندعوا الله أن يرد كيد أعدائنا في نحورهم ويحفظنا من مكرهم وشرورهم ..


* الخطبة مأخوذة من كلمة للشيخ الدكتور يوسف المهوس حفظه الله ومقال الكاتب عبدالله الناصر "هل نحن من يصدّر الإرهاب؟!!" في جريدة الرياض
المشاهدات 1260 | التعليقات 0