حَاجَتُنَا لِلْجِدِّيَةُ فِي حَيَاتِنَا وَنِهَايَةُ الْعَامِ 25 ذِي الحِجَّة 1436هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1436/12/24 - 2015/10/07 13:55PM
حَاجَتُنَا لِلْجِدِّيَةُ فِي حَيَاتِنَا وَنِهَايَةُ الْعَامِ 25 ذِي الحِجَّة 1436هـ

الْحَمْدُ للهِ الْقَائِمِ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ، الرَّقِيبِ عَلَى كُلِّ جَارِحَةٍ بِمَا اجْتَرَحَتْ ، الذِي لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرِّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ تَحَرَّكَتْ أَوْ سَكَنَتْ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْمُتَفَضِّلُ بِقَبُولِ طَاعَاتِ الْعِبَادِ وَإِنْ صَغُرَتْ ، الْمُتَفَضِّلُ بِالْعَفْوِ عَنْ مَعَاصِيهِمْ وَإِنْ كَثُرَتْ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، عَمَّتْ دَعْوُتُهُ الْمُبَارَكَةُ كَافَّةَ الْعِبَادِ وَشَمِلَتْ ، وَأَنَارَتْ بِهَا الأَرْضُ وَأَشْرَقَتْ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً بِالسَّلَامِ عَلَيْهِ اتَّصَلَتْ .
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَاحْذَرُوا مَعْصِيَتَهِ ، وَكُونُوا رَاجِينَ لِثَوَابِهِ وَجِلِينَ مِنْ عِقَابِهِ ، وتذكروا قَولَهُ تَعَالَى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ دِينَنَا دِينُ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَدِينُ الْجِدِّ وَالنَّشَاطِ وَلَيْسَ دِينَ الْخُمُولِ وَالْكَسَلِ , وَمَعَ الأَسَفِ فَإَنَّ النَّاظِرِ فِي أَحْوَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ اليَوْمَ يَرَى عَكْسَ ذَلِكَ , فَيَرَى الاتِّكَالِيَّةَ وَالتَّسْوِيفَ وَالتَّأَخُّرَ وَالْبُعْدَ عَنِ الْحَزْمِ وَالتَّرَاجُعَ عَنِ الْعَزْمِ .
فَتَعَالَ انْظُرْ فِي حُضُورِنَا لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ , فَمِنَّا مَنْ لا يَحْضَرُهَا أَصْلَاً وَمَنْ يَحْضُرُهَا فَأَكْثَرُهُمْ يَتَأَخَّرُ لِيَفُوتَهُ بَعْضُهَا , وَرُبَّمَا لَمْ يَأْتِ حَتَّى فَرَغَ الإِمَامُ مِنَ الصَّلَاةِ .
انْظُرْ إِلَى الْجِدِّيَّةِ فِي أَدَاءِ الْوَظِيفَةِ : فَتَأَخَّرٌ فِي الدَّوَامِ وَسُرْعَةٌ فِي الْخُرُوجِ آخِرَ الْيَوْمِ , وَتَكَاسُلٌ أَثْنَاءَ الْعَمَلِ إِلَّا الْقَلِيلَ مِنَ الْمُوَظَّفِينَ .
تَأَمَّلْ فِي جِدِّيَّتِنَا فِي إِدَارَةِ بُيُوتِنَا وَفِي تَعَامُلِنَا مِعَ أَهْلِنَا, فَلَيْسَ هُنَاكَ انْضِبَاطٌ وَاضِحٌ, وَلَيْسَ هُنَاكَ تَعَاوُنٌ بَنَّاءٌ , يَبْلُغُ الْوَلَدُ مِنَ الْعُمُرِ عِتِيَّاً وَهُوَ لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي شُغْلٍ ولَا يَتَحَمَّلُ الْمَسْؤُولِيَة , وَعِنْدَ إِرَادَةِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ يَصِيحُ : أَيْنَ ثَوْبِي ؟ أَيْنَ حِذَائِي ؟
إِذَا تَعَطَّلَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرَاً يُمْكُنُ إِصْلَاحُهُ فَلَا يُكَلِّفُ رب الأُسْرَةِ نَفْسَهُ أَنْ يُصْلِحَهُ , فَلَوْ خَرِبَتْ حَنَفِيَّةٌ فِي دَوْرَةِ الْمِيَاهِ أَوْ نُوْرٌ فِي غُرْفَةٍ مِنَ الْغُرَفِ لَجَلَسَتِ الْمَرْأَةُ رَدْحَاً مِنَ الزَّمَنِ تُطَالِبُ بِإِصْلَاحِهِ , ثُمَّ بَعْدَ الاسْتِجَابَةِ يَذْهَبُ يَبْحَثُ عَنْ عَامِلٍ يَقُومُ بِهِ وَرُبَّمَا أَضَاعَ الْوَقْتَ فِي الْبَحْثِ عَنْهُ وَدَفَعَ مَالاً كَانَ هُوَ بِحَاجِةٍ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ مُتَطَلَّبَاتِهِ , وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى الْخُمُولِ وَالْكَسَلِ الذِي قَدْ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ عِنْدَنَا .
بَلْ دَقِّقِ النَّظَرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُيُوتِ تَجِدُ الأَبْنَاءَ فِي مُخْتَلَفِ الْأَعْمَارِ فِي عُزُوفٍ عَنْ قَضَاءِ حَاجِيَّاتِ الْأَهْلِ حَتَّى اضْطُرَّ بَعْضُ الآبَاءِ إِلَى اسْتِقْدَامِ سَائِقٍ خَاصٍّ لِيُحْضِرَ الْخُبْزَ وَالْفَاكِهَةَ لِلْمَنْزِلِ وَيَأْخُذَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ يُوَزِّعُهُنَّ عَلَى الْمَدَارِسِ وَالْجَامِعَاتِ لِأَنَّ الشَّبَابَ مَشْغُولُونَ بِالْمُبَارِيَاتِ وَمُتَابَعَةِ الْمَقَاطِعِ وَكُلِّ جَدِيدٍ فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ, أَوْ أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الدُّنْيَا وَلا يُقْعِدُونَهَا إِذَا قَدَّمُوا مَنْفَعَةً بِعَدْ التِي وَاللُّتَيَّا , مِمَّا يَجْعَلُ تَرْكُهُمْ أَفْضَلَ مِنِ انْتِظَارِ نَفْعِهِمْ , فَأَيُّ حَيَاةٍ هَذِه ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَأَمَّلُوا فِي أَوْضَاعِنَا فِي مَصَالِحِنَا الدُّنْيَوِيِّةِ مِنَ التِّجَارَةِ أَوْ الصِّنَاعَةِ أَوْ غَيْرِهَا , فَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا يَجْلِسُونَ يُطَالِبُونَ الدَّوْلَةَ أَوْ غَيْرَهَا بِالصَّرْفِ عَلَيْهِمْ إِمَّا عَنْ طَرِيقِ الضَّمَانِ أَوْ مَا يُسَمَّى بِحَافِزٍ أَوْ غَيْرِهَمَا مِنْ طُرُقِ الْحُصُولِ عَلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ عِنْدَهُ نَوْعُ تَحَرُّكٍ وَلَدَيْهِ أَفْكَارٌ لِنَفْعِ نَفْسِهِ وَتَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ طُرُقِه لَكِنْ آلَتْ الْحَالُ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ فَتَحَ سِجِلَّاً تِجَارِيَّاً ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْعَمَالَةِ وَتَسَتَّرَ عَلَيْهِمْ , وَالْمَحَلُّ بِاسْمِهِ ظَاهِرِيَّاً وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ لِلْعَامِلِ حَقِيقَةً, وَإِنَّمَا يَرْضَى هَذَا بِدُرِيْهِمَاتٍ تَأْتِيهِ آخِرَ الشَّهْرِ وَهُوَ مُتَكِّئٌ عَلَى سَرِيرِهِ, لِأَنَّهُ لا يُرِيدُ أَنْ يَتْعَبَ فِي الْوُقُوفِ فِي الْمَحَلِّ أَوْ ضَاقَ ذَرْعَاً بِمُتَابَعَةِ الْعُمَّالِ أَوْ أَنَّ التِّجَارَةَ أَشْغَلَتْهُ عَنْ هِوَايَاتِهِ مِنْ مُتَابَعَةِ التِوِيتَرِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ.
وَنَجِدُ أَنَّ مِنْ إِخْوَانِنَا الْعُمُّالَ مَنِ اشْتَرَى الْعِمَارَاتِ وَفَتَحَ الْمَحَلَّاتِ وَاكْتَسَبَ الْمَالَ, وَأَخُونَا الْكَفِيلُ الْمُتَسَتِّرُ لا يَزَالُ مَكَانَهُ يُرَاوِحُ, وَنَحْنُ لا نَحْسِدُ إِخْوَانَنَا الْعُمَّالَ خَاصَّةً الْمُسْلِمِينَ, لَكِنْ يُؤْسِفُنَا هَذَا الْكَسَلُ وَالْخُمُولُ الذِي قَدْ ضَرَبَ أَطْنَابَهُ بَيْنَنَا وَنَحْنُ أُمَّةُ الْجِدِّ وَالْعَمَلِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : تَأَمَّلُوا فِي مَدَارِسِنَا التِي هِيَ اللَّبِنَةُ الأُولَى لِلْمُجْتَمَعِ وَالتِي يُنْتَظَرُ مِنْهَا أَنْ تُخْرِجَ لَنَا أَجْيَالاً يَقُومُونَ بِدِينِنَا وَدُنْيَانَا !
إِنَّنَا نَجِدُ تَأَخُّرَاً فِي الْحُضُورِ أَوَّلَ الْعَامِ الدِّرَاسِيِّ وَكَأَنَّهُ لَمْ تُوجَدُ إِجَازَةٌ فَالأُسْبُوعُ الأَوَّلُ وَالأُسْبُوعُ الأَخِيرُ لا دِرَاسَةَ فِيهِ , ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ تَأَخُّرٌ فِي الطَّابُورِ الصَّبَاحِيِّ مِنَ الْطُلَّابِ, بَلْ رُبَّمَا مِنَ الْمُعَلِّمِينَ, وَرُبَّمَا شَمِلَ ذَلِكَ أَعْضَاءَ إِدَارَةِ الْمَدْرَسَةِ الذِينَ يُنْتَظَرُ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً لِلطَّالِبِ وَالْمُدَرِّسِ وَوَلِيِّ الأَمْرِ .
ثُمَّ تَعَالَ لِنَتَأَمَّلَ فِي جِدِّيَّةِ التَّدْرِيسِ, وَقُوَّةِ الْمُعَلِّمِ فِي أَدَاءِ حِصَّتِهِ, فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ الْمُعِلِّمُ الذِي يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ جَادَّاً وَحَازِمَاً, يَبْدَأُ فِي أَوَّلِ حِصَّةٍ بَالْوُعُودِ بِالنَّجَاحِ الْوَهْمِيِّ بِأَنَّهُ سَوْفَ يُخَفِّفُ عَلَيْهِمُ الأَسْئِلَةَ وَأَنَّ الْمَنْهَجَ سَوْفَ يَطُولُهُ الْحَذْفُ مِنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَوَسَطِهِ, ثُمَّ فِي نِهَايَةِ الْعَامِ يُعْطِيهِمْ مُذِكِّرَةً صَغِيرَةً رُبَّمَا تَكُونُ وَرَيْقَاتٍ مَعْدُودَةً لِكَتَابِ يَبْلُغُ مِئَاتِ الصَّفَحَاتِ ! بَلْ إِنَّ الْحَالَ التِي يَجِبُ أَنْ نُصَرِّحَ بِهَا وَلا نَسْكُتَ أَنَّ الْغَشَّ قَدْ انْتَشَرَ فِي أَكْثَرِ مَدَارِسِنَا , لَيْسَ مِنَ الطُّلَّابِ فَحَسْبُ , بَلْ مِنْ بَعْضِ الْمُدَرِّسِينَ , وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْ يَسْأَلْ لِيَعْلَمَ الأَمْرَ الذِي لَمْ يَعُدْ خَافِيَاً , إِنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنَ الْمُعَلِّمِينَ مَنْ يُغَشِّشُ طُلَّابَهُ فِي مَادَّتِهِ هُوَ لِيُغَطِّيَ فَشَلَهُ فِي التَّدْرِيسِ وَضَعْفَهُ فِي التَّعْلِيمِ , بَلْ إِذَا لَمْ تَنْجَحْ تِلْكَ الْمُحَاوَلاتِ فَإِنَّ صَاحِبَنَا وَفَّقَهُ اللهُ يُعْطِيهِمْ دَرَجَاتٍ مِنْ عِنْدِهِ وَكَأَنَّهُ يُخْرِجُ لَهُمْ مِنْ خِزَانَةِ أَبِيهِ !
فَهَلْ نَنْتَظِرُ مِنْ طُلَّابٍ تَخَرُّجُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَنْ يَحْمِلُوا هَمَّ الأُمَّةِ أَوْ يَقُومُوا بِأَعْبَائِهَا أَوْ يَكُونُوا رَادِعِينَ لِأَعْدَائِهَا ؟؟؟
إِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ الطُّلَّابَ يُعَانُونَ بَعْدَ التَّخَرُّجِ مِنَ الثَّانَوِيِّ مِنْ ضَعْفٍ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ فَضْلَاً عَنْ تَحْصِيلِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ وَالْمَهَارَاتِ الْعِلْمِيَّةِ , وَلِذَلِكَ يَنْكَشِفُ كُلُّ هَذَا عِنْدَ دُخُولِهِمُ اخْتِبَارَ الْقُدُرَاتِ التَّحْصِيلِيَّةِ أَوِ امْتِحَانَاتِ الْمَوَادِّ التَّخَصُّصِيَّةِ (كِفَايَة) , وَيَرْسَبُ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ أَوْ يُحَصِّلُ دَرَجَاتٍ ضَعِيفَةٍ لا تُؤَهِّلِهُ لِدُخُولِ جَامِعَةٍ أَوِ الحُصُولِ عَلَى وَظِيْفَة , فآلَ الأَمْرُ بِكَثِيرٍ مِنْهُمْ إِلَى النَّوْمِ بَعْدَ الثَّانِوِيِّ , أَوْ إِلَى الدِّرَاسَةِ فِي الْجَامِعَاتِ الأَهْلِيَّةِ لِيُثْقِلَ كَاهِلَ وَالِدَيْهِ بِالْمَصْرُوفَاتِ الْجَدِيدَةِ .
وَكَانَ بِالْإِمْكَانِ لَوْ جَدَّ الْمُعَلِّمُ وَاجْتَهَدَ , وَقَامَ بِمَسْؤُولِيِّتِهِ وَجَدَّ الْوَالِدَانِ فِي حَمْلِ أَوْلادِهِمْ عَلَى التَّحْصِيلِ وَعَرَفَ الطُّلَّابُ أَنَّ الْمُدَرَّسَ الذِي يَتَهَاوُنَ مَعَهُمْ هُوَ فِي الْوَاقِعِ غَاشٌّ لَهُمْ وَيَهْدِمُ مُسْتَقَبَلَهُمْ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ : هَذِهِ بَعْضُ زَفَرَاتٍ فِي الصَّدْرِ, وَبَعْضُ إِشَارَاتٍ إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ حَالُ كَثِيرٍ مِنَّا , فَيَجِبُ أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى رَفْعِ هَذَا الثِّقَلِ وَنَتَكَاتَفُ عَلَى نَفْضِ هَذَا الْغُبَارِ الذِي غَطَّى عَلَى قُدُرَاتِنَا وَطَمَسَ هَوِيَّتَنَا, وَرُبَّمَا يُهِيِّئُنَا لِنَكُونَ لُقْمَةً سَائِغَةً لِأَعْدَائِنَا.
أَقُولَ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْمَلُوا لِصَلَاحِ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لَنَا (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه) , فَهَلْ نَحْنُ أَهْلٌ لِهَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ ؟
إِنَّ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ يُرَبِّينَا عَلَى الْجِدِّ وَالْعَمَلِ وَعَلَى تَرْكِ الْكَسَلِ, قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ, فَهَلْ وَعَيْنَا هَذَا الْأَمْرَ ؟
إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَبِّي أَصْحَابَهُ وَأُمَّتَهُ عَلَى الْبُعْدِ عَنِ الْخُمُولِ وَنَبْذِ التَّوَانِي وَسُؤَالِ النَّاسِ , فعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ, فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ, فَيَبِيعَهَا, فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ, خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوهُ أَوْ مَنَعُوهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
فَأَيْنَ الشَّبَابُ الذِينَ قَدْ طَالَ نَوْمُهُمْ وَامْتَدَ كَسَلُهُمْ مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ وَرِعَايَةِ أُسَرِهِمْ ؟
إِنَّنَا نَحْتَاجُ جَمِيعَاً إِلَى مُرَاجَعَةِ أَحْوَالِنَا وَالنَّظَرِ فِي تَصَرُّفَاتِنَا , فَمَا كَانَ مِنْهَا مُسْتَقِيمَاً حَمِدْنَا اللهَ عَلَيْهِ وَطَلَبْنَا الْمَزِيدَ مِنْهُ, وَمَا كَانَ مِنْهَا مُعْوَجَّاً عَدَّلْنَا وَسَعَيْنَا فِي نَبْذِ الصِّفَاتِ السَّيِّئَةِ.
وَلْنَعْلَمْ جَمِيعَاً أَنَّهُ بِإِمْكَانِ مَنْ يَفْقِدُ صِفَاتِ الْجِدِّ أَنْ يَكْتَسِبَهَا, وَمَنْ كَانَ خَالِيَاً مِنْ مُؤَهِّلَاتِ الْعَمَلِ أَنْ يُحَصِّلَهَا, وَأَنَّ الْحَاجَةَ أُمُّ الاخْتِرَاعِ وَأَنَّ التَّعَاوُنَ عَلَى الْخَيْرِ يُثْمِرُ خَيْرَاً , قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ) رَوَاهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : هَذِهِ آخِرُ جُمُعَةٍ فِي الْعَامِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَدْخُلُ عَامٌ جَدِيدٌ, لَكِنْ اعْلَمُوا أَنَّهُ لا يُشْرَعُ لَنَا عَمَلٌ وَلا اسْتِغْفَارٌ وَلا تَوْبَةٌ بِسَبَبِ نِهَايَةِ الْعَامِ, بَلْ يَجِبُ أَنَّ يَمُرَّ آخِرُ يَوْمٍ مِنْهُ كَغَيْرِهِ مِنَ الأَيَّامِ, وَكَذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ التَّهْنِئَةُ بِدُخُولِ الْعَامِ الْجَدِيدِ, بَلْ يَبْقَى الأَمْرُ مُعْتَادَاً لا نُحْدِثُ شَيْئَاً وَلا نَتْرُكُ شَيْئَاً, وَلِنَتَذَكَّرَ حَدِيثَ أُمِّنَا عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَيْثُ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا وَأَنْ يُسَدِّدَ مَسْعَانَا , وَأَنْ يَهْدِيَ قُلُوبَنَا, وَأَنْ يَغْفِرَ ذُنُوبَنَا وَيَسْتُرَ عُيُوبَنَا , اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا , وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ , وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا, اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلِ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.
المرفقات

حَاجَتُنَا لِلْجِدِّيَةُ فِي حَيَاتِنَا وَنِهَايَةُ الْعَامِ 25 ذِي الحِجَّة 1436هـ.doc

حَاجَتُنَا لِلْجِدِّيَةُ فِي حَيَاتِنَا وَنِهَايَةُ الْعَامِ 25 ذِي الحِجَّة 1436هـ.doc

المشاهدات 3002 | التعليقات 3

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك


جزاكم الله خيرا


جزاك الله خيرا