حاجة الفرد والأمة لقراءة وجرد السنة

د عبدالعزيز التويجري
1442/01/20 - 2020/09/08 23:50PM

الشيخ: عبدالعزيز حمود التويجري 

المملكة العربية السعودية/ بريدة- حي الصباخ/ جامع إبراهيم الخليل -عليه السلام- 

1442/1/16 هـ 

           

الحمد لله لا رب لنا سواه ، ولا نعبد إلا إياه ،مخلصين  له الدين ولو كره الكافرون. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك علي وعلى آله واصحابه وازواجه إلى يوم الدين .  اما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ }

أخرج الإمام مسلم في صحيحه أَنَّ ضِمَادًا الأزدي قَدِمَ مَكَّةَ ، فَسَمِعَ سُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ، فَقَالَ: لَوْ أَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ لَعَلَّ اللهَ يَشْفِيهِ عَلَى يَدَيَّ، قَالَ فَلَقِيَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ، وَإِنَّ اللهَ يَشْفِي عَلَى يَدِي مَنْ شَاءَ، فَهَلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ» قَالَ: فَقَالَ: أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، فَأَعَادَهُنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ r ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ: فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ، وَقَوْلَ الشُّعَرَاءِ، فَمَا سَمِعْتُ مِثْلَ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ، وَلَقَدْ بَلَغْنَ نَاعُوسَ الْبَحْرِ، ثم قال: هَاتِ يَدَكَ أُبَايِعْكَ عَلَى الْإِسْلَامِ..

   تؤلف اللفظ والمعنى فصاحته ... تبارك الله منشي الدرّ في الكلم

هذا كلام سيد الفصحاء وإمام البلغاء ، هز بفصاحته البلغاء، وأسكت بمنطقه الشعراء، وأفحم ببيانه العرب العرباء ..

مِنْ كُلِّ لَفْظٍ بَلِيغٍ راقَ جَوْهَرُهُ   **   كأنُهُ السَّيْفُ ماضِ وَهْوَ مَصْقُولُ

لم تبقِ ذكراً لذي نُطقٍ فصاحتهُ   **  وهل تضيءُ مع الشمسِ القناديلُ ؟

فصاحته معجزة في بيانه ، محكمة في تشريعاته ، ظاهرةفي أحكامه ، علمٌ في الاقتصاد ، حكيم في السياسة ، رائدفي الأخلاق والأدب .

قال الحافظ ابن الأثير : وبيانه ونطقه عليه الصلاة والسلام تأييداً إلهياً، ولطفاً سماوياً، وعناية ربانية، ورعاية روحانية"

        يا بليغاً حوَتْ بلاغتُه   **   دُرَّ المعاني وجَوهر الأدبِ

      ويا إماماً سَمت فصاحتُه   **   قيساً وقُسّاً في الشعر والخُطبِ

هذا هو الكنز بين أيدينا  .. جواهره تزخر بها أرفف بيوتنا ، وعبق أحاديثه تفوح من جنبات أجهزتنا ، وجوامع سنتهتملأ مكتباتنا ، فهل من يد تمتد لتستقي من حوض سنته ، وهل من عين تسمُل في المطالعة لأحاديثه ..

أسانيد مثل نجوم السمــــــــــــــاء ***   أمام متون كمثل الشهــــــــــب

هي الفرق بين الهدى والعمى   ***    هي السد بين الفتى والعطب

حجاب من النار لا شك فيه     ***     تميز بين الرضا والغضب

وستر رقيق إلى المصطفى      ***    ونص مبين لكشف الريب

أحاديث المصطفى هي الوحي الثاني ، والكنز الباقي .. قال عليه الصلاة والسلام  ( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) ( وما ينطق عن الهوى * إنه إلا وحي يوحى ).

ما من مسجد إلا ويُقرأ فيه أحاديث رياض الصالحين ،فلا تمل الألسن من ترداده، ولا تسأم الآذان من تكرار سماعه.. بل تهون الأسفار من أجله، قال الأمام البخاري :وقد رحل جابر بن عبدالله رضي الله عنه مسيرة شهرٍ إلى عبدالله بن أُنيس من أجل سماع حديث واحد .  

  ما يعرف الشَّوقّ إلَا من يُكابده   ***   ولا الصَّبَابَة إلَا مَن يُعَانيها

بل قال الحافظ الذهبي: فلو رحل الشخص لسماعه مسيرة ألف فَرْسخ لَمَا ضاعت رحلتهُ .

وفي صحيح مسلم أن رجلاً سأل الشعبي فأجابه بحديث، ثم قال له: خُذْ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ شَيْءٍ ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إِلَى الْمَدِينَةِ.

لا يلزم من قراءة الأحاديث حِفظها ، بل يقرأها الإنسان ليأنس بمطالعتها ، ويستنير بمعارفها ، ويتربى على أدبها وأخلاقها ، ويتفقه بأحكامها .. فهي البئر الذي لاينضب معينه ، والبحر الذي لاتنتهي جواهره ، والضياء الذي يُنير العقل والروح من برهانه ..

      إن الرسول لنورٌ يُستضاء به   ***   مهند من سيوف الله مسلولُ

      ما بنى جملة من اللفظ إلا     وابتنى اللفظ أمة من عفاء

ومعناه ما قال كلمة إلا أحيا جيلًا ، وما خطب خطبة إلا أبكى قلوباً، وما أرسل عبارة إلا فتح مدينة ، هذه هي البلاغةُ حقا ، وهذا هو الأدب الذي سيطر به عليه الصلاة والسلام على العقول وملك به الأفئدة .. 

فما للعقول المنكوسة تعاف البحر الزلال؟  لترتشف من الماء الآسن  أدباً وروايات وتغريداتٍ تجعل السارق محترماً، والأمين خائناً ، والسفاك فاتحاً عظيماً ، وإمام المسجد متطرفاً مريباً، والمهرج حكيماً عبقرياً. كلامُ وهراءُ ومهاتراتٌتهُدرُ فيها الساعات ، وتضيع من أجلها جواهر الاعمارونفائس الأوقات ..

 وفاضتْ أحاديثُ الفكاهاتِ بيننا  **   كأحسنِ ما فاضَ الحديثُ وأمتعا

    أحاديث هنَّ كمثل الضَّريع   **  آكله أبداً جائعُ

{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} يمدحون من ذموا بالأمس، ويذمون من مُدح أمس  

  سلامي على أهل الحديث فإنهم **   مصابيح علم بل نجوم سمائه

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه وتوبوا إليه إن ربي رحيم ودود .

           

الخطبة الثانية ..

الحمدلله وكفى وسمع الله لمن دعا وصلى الله وسلم على عبده ورسوله المصطفى أما بعد ..

يا أهل السنة .. عليكم بأحاديث السنة قراءة ومطالعة ومذاكرة .. تُنيرُ عقولكم ، وتهدي قلولكم ، وتبصر طريقكم ، وتُقوِمُ ألسنتكم ..

وإنه لغبن وحرمان للشخص أن يبلغ عمره الثلاثين أو الاربعين او الخمسين ولم يطالع كتب السنة ولم يقرأ الوحي الثاني من ميراث النبوة ، وقد جال بصره في صحف ومقالات وتغريدات ، وحُرِمَ من كنوز السنة .

وما تطاول الشانئون من السنة إلا لمَّا جهل الكثير بها ، وضعف قدرها في النفوس.

ما أجمل أن يجتمع أهل الأسرة في دارهم ، أو الأصحاب في طلعتهم فيجردون الصحاح قراءةً وذكرى ، فما قُرئت في شدَّة إلا فُرجت ، ولا رُكب به في مَركب إلا نَجت .. قال الحافظ ابن كثير : وكتاب صحيح البخاري " يستسقى بقراءته الغمام ، وأجمع على قبوله وصحة ما فيه أهل الإسلام .

وقد بسط العلماء كتب الصحاح للقراءة أو الحفظ ..كمختصر صحيح البخاري للزبيدي ، ومختصر صحيح مسلم للمنذري ، وغيرها من مختصرات السنة ، وقد طُبِعت الكتب الستة في كتيبات تُحمل في الجيب ليسهل قراءتها وجردها في أي مكان في الحضر والسفر ، وفي البيت والعمل .

وقد أثلجت الصدور وقرت الأعين بعودة هذا الجيل في هذا العصر إلى ميراث النبوة وإلى حفظ السنة،  حفظا وتفهما ، فضموا إلى حفظ القرآن حفظ السنة , وأصبحت لا تعلوك الدهشة إذا رأيت شبان وفتيات في مقتبل أعمارهم يحفظون الصحيحين كما يحفظون القرآن .

وفي الصحيحين أن وفد عبد القيس قدموا على النبي rفحدثهم ثم قال لهم «احْفَظُوهُ، وَأَخْبِرُوا بِهِ مِنْ وَرَائِكُمْ».

فاللهم أتم علينا نعمك ورزقنا علما وعملا وإيما وثباتا .. اللهم صل وسلم ..

المرفقات

خطبة-حاجة-الفرد-والأمة-لقراءة-السنة

خطبة-حاجة-الفرد-والأمة-لقراءة-السنة

المشاهدات 776 | التعليقات 0