جولات الموصل
احمد ابوبكر
1438/01/21 - 2016/10/22 06:14AM
[align=justify]العبثية ترسم المشهد في الموصل؛ فعشرات الآلاف من المسلحين تقاطروا من جبهات شتى لحصار الموصل وضربها، وقهر تنظيم الدولة داعش الذي يتردد أنه يحتفظ في المدينة بأقل من خمسة آلاف مقاتل. يقولون في مصر إن "المنطق انتحر" من مشاهد كهذه؛ فقوات متعددة الجنسيات أبرزها عراقية/إيرانية مشتركة معززة بتحالف تقوده الولايات المتحدة جاءت جميعها لمحاربة تنظيم لا يقوى على الصمود في سوريا أمام بضعة دبابات تركية تساند آلافاً من منسوبي الجيش السوري الحر، مع هذا يصرح القادة العسكريون العراقيون والأكراد والأمريكيون أن معركة لما يُسمى تحرير الموصل ستطول!
لكن هذه العبثية ليست في جوهرها "عبثية" بالمعنى المشهور؛ فهي أقرب إلى مفهوم "الفوضى الخلاقة" الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس قبل سنين منه إلى العبث والعشوائية.
( 1 )
أي جندي يتمركز حول الموصل يدرك أن المعركة يمكن أن تحسم بسرعة استناداً إلى فارق القوة بين الطرفين، والتفوق الهائل في ميزان القوى، لكن الممسكين بلجام المعركة يرخونه عن عمد لأن للصراع عنواناً آخر لا يمت لداعش بصلة، إنه الهدف الرئيس للمعركة، تهجير أهل موصل، والاستيلاء عليها من قبل "الحرس الثوري العراقي" أو ما يسمى بالحشد الشعبي الذي يتشكل من ميليشيات طائفية شيعية لم تكف يوماً عن ارتكاب مجازر بغية التهجير القسري أينما حلت في معاقل السنة بالعراق.
( 2 )
مدينة الموصل هي المعقل الأول للمسلمين في العراق بملايينها الثلاثة (سابقاً)، والتي وإن تفوقت بغداد عنها من حيث تعداد سكانها السنة، إلا أن الموصل تنفرد بأنها المدينة شبه الخالصة للسنة بنسبة تزيد عن 90% من سكانها، وهو ما يجعلها مقصداً رئيساً لمخطط التهجير القسري الذي تنفذه إيران في العراق بمساندة أمريكية؛ فإذا ما خرجت الموصل من حسابات القوة الاستراتيجية للسنة في العراق؛ فإن مخاوف إيران من إحياء المقاومة العراقية تتبدد.
كانت الموصل معقلاً مهماً للمقاومة العراقية قبل أن تتم تغذية مجاميع الزرقاوي (القاعدة) لقضم مكتسبات المقاومة التي اعتمدت على بقايا الجيش العراقي السابق الذي حله الأمريكي بول بريمر التي كانت صامدة بعد حل الجيش، ومن ثم التراجع كثيراً وانهيار المقاومة بها، ثم العودة بوجه داعش لتفكيك المدينة نفسها بعد تفكيك مقاومتها إما تخفيض سكانها أو تقسيمها وإضعاف تأثيرها السني بكل حال، لحرمان السنة من حاضنة مهمة جداً للمقاومة مستقبلاً.
( 3 )
من شأن معركة حاسمة قصيرة في الموصل ألا تهجر السكان السنة منها؛ لذا فإن الرغبة الطائفية العراقية تدفع باتجاه إطالة أمد المعركة قدر الإمكان، فمهمة تهجير مئات الآلاف من الموصل لن تكون يسيرة، لاسيما مع وجود مراقبين آخرين في هذه المعركة بخلاف العراق وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، وبالأهم وجود ممانعة تركية لحصول هذا، وتحفز لعرقلة هذا المخطط بعد كشفه من قبل أنقرة والرياض إعلامياً وسياسياً.
ويتوقع أن تساهم داعش في هذا السيناريو بدور يتلخص في ممانعة عالية لمدة طويلة، ثم الانسحاب بحجة تأمين حياة السكان المدنيين بعد أن يرحل الكثير منهم وتتهدم كثير من دور الموصل وأبنيتها.
( 4 )
وقد لا تنجح عملية تهجير قسري في الموصل بشكل كامل بناء على معطى الممانعة التركية السعودية لهذا، وهذا سيحدده مدى قدرة تركيا على عرقلة هذا السيناريو بتحريك قوات أثيل النجيفي الموالية لها للوصول إلى عمق الموصل، وجيش النقشبندية، وقواتها المساندة، والتنسيق مع قوات البيشمركة، لكن يبقى أن التهجير هدف واضح للميليشيات العراقية الشيعية، الرسمية وغير الرسمية، وهو هدف لا يرنو بالضرورة إلى توطين شيعة بالموصل عند إعادة إعمارها، وإنما تحجيم قيمة الموصل كمعقل أول للسنة في العراق، وشماله بالتحديد.
( 5 )
الموصل هي إحدى أركان مثلث، يمتد ضلعاه إلى اسطنبول وحلب، وهي واحدة من مرتكزين تستند إليهما أنقرة في سياستها العربية منذ قرون، وبتكسير هذين المرتكزين تتقطع هذه الأواصر التركية العربية الشعبية، ويتحجم النفوذ التركي في شمالي العراق وسوريا. هذا إذن هدف رئيس لهذه الحملة، التي وضع لها عنوان زائف عن "التحرير" أو "هزيمة داعش". وبالنظر إلى العنوان الأخير؛ فإنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان المقصود بالهزيمة إضعاف داعش أو تقوية فرعها الواهن في سوريا بعد أن ألحقت به تركيا هزيمة نكراء. سيتبين هذا حين ينقشع غبار المعركة، ويتمحض وجه الحقيقة، ويتضح ما إذا كانت داعش قد نقلت معظم قوتها الصغيرة بالأصل من الموصل قبل المعركة واستبقت جزءا لمناوشة القوات المتعددة الجنسيات والأهداف حول الموصل، أم أنها تواجه معركة بقوتها الضاربة الحقيقية؟ وسيتبين أيضاً ما إذا كان معظم قادتها قد غادروا الموصل بالفعل، واستبقوا مغيبي التنظيم أم أنهم سيخوضون غمار معركتهم الأخيرة بشجاعة؟
ـــــــــــــــــــــــــ
يتوقع لهذه المعركة – كما تقدم – أن تطول حتى تستوفي الغرض منها، وهذا يستدعي وقوفاً عند مفارق جديدة في طريقها الطويل، واسترسالاً لاحقاً عند محطاتها القادمة.. سلم الله لنا الموصل الحدباء، وخلص أهلها من براثن الأشقياء.[/align]
لكن هذه العبثية ليست في جوهرها "عبثية" بالمعنى المشهور؛ فهي أقرب إلى مفهوم "الفوضى الخلاقة" الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس قبل سنين منه إلى العبث والعشوائية.
( 1 )
أي جندي يتمركز حول الموصل يدرك أن المعركة يمكن أن تحسم بسرعة استناداً إلى فارق القوة بين الطرفين، والتفوق الهائل في ميزان القوى، لكن الممسكين بلجام المعركة يرخونه عن عمد لأن للصراع عنواناً آخر لا يمت لداعش بصلة، إنه الهدف الرئيس للمعركة، تهجير أهل موصل، والاستيلاء عليها من قبل "الحرس الثوري العراقي" أو ما يسمى بالحشد الشعبي الذي يتشكل من ميليشيات طائفية شيعية لم تكف يوماً عن ارتكاب مجازر بغية التهجير القسري أينما حلت في معاقل السنة بالعراق.
( 2 )
مدينة الموصل هي المعقل الأول للمسلمين في العراق بملايينها الثلاثة (سابقاً)، والتي وإن تفوقت بغداد عنها من حيث تعداد سكانها السنة، إلا أن الموصل تنفرد بأنها المدينة شبه الخالصة للسنة بنسبة تزيد عن 90% من سكانها، وهو ما يجعلها مقصداً رئيساً لمخطط التهجير القسري الذي تنفذه إيران في العراق بمساندة أمريكية؛ فإذا ما خرجت الموصل من حسابات القوة الاستراتيجية للسنة في العراق؛ فإن مخاوف إيران من إحياء المقاومة العراقية تتبدد.
كانت الموصل معقلاً مهماً للمقاومة العراقية قبل أن تتم تغذية مجاميع الزرقاوي (القاعدة) لقضم مكتسبات المقاومة التي اعتمدت على بقايا الجيش العراقي السابق الذي حله الأمريكي بول بريمر التي كانت صامدة بعد حل الجيش، ومن ثم التراجع كثيراً وانهيار المقاومة بها، ثم العودة بوجه داعش لتفكيك المدينة نفسها بعد تفكيك مقاومتها إما تخفيض سكانها أو تقسيمها وإضعاف تأثيرها السني بكل حال، لحرمان السنة من حاضنة مهمة جداً للمقاومة مستقبلاً.
( 3 )
من شأن معركة حاسمة قصيرة في الموصل ألا تهجر السكان السنة منها؛ لذا فإن الرغبة الطائفية العراقية تدفع باتجاه إطالة أمد المعركة قدر الإمكان، فمهمة تهجير مئات الآلاف من الموصل لن تكون يسيرة، لاسيما مع وجود مراقبين آخرين في هذه المعركة بخلاف العراق وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، وبالأهم وجود ممانعة تركية لحصول هذا، وتحفز لعرقلة هذا المخطط بعد كشفه من قبل أنقرة والرياض إعلامياً وسياسياً.
ويتوقع أن تساهم داعش في هذا السيناريو بدور يتلخص في ممانعة عالية لمدة طويلة، ثم الانسحاب بحجة تأمين حياة السكان المدنيين بعد أن يرحل الكثير منهم وتتهدم كثير من دور الموصل وأبنيتها.
( 4 )
وقد لا تنجح عملية تهجير قسري في الموصل بشكل كامل بناء على معطى الممانعة التركية السعودية لهذا، وهذا سيحدده مدى قدرة تركيا على عرقلة هذا السيناريو بتحريك قوات أثيل النجيفي الموالية لها للوصول إلى عمق الموصل، وجيش النقشبندية، وقواتها المساندة، والتنسيق مع قوات البيشمركة، لكن يبقى أن التهجير هدف واضح للميليشيات العراقية الشيعية، الرسمية وغير الرسمية، وهو هدف لا يرنو بالضرورة إلى توطين شيعة بالموصل عند إعادة إعمارها، وإنما تحجيم قيمة الموصل كمعقل أول للسنة في العراق، وشماله بالتحديد.
( 5 )
الموصل هي إحدى أركان مثلث، يمتد ضلعاه إلى اسطنبول وحلب، وهي واحدة من مرتكزين تستند إليهما أنقرة في سياستها العربية منذ قرون، وبتكسير هذين المرتكزين تتقطع هذه الأواصر التركية العربية الشعبية، ويتحجم النفوذ التركي في شمالي العراق وسوريا. هذا إذن هدف رئيس لهذه الحملة، التي وضع لها عنوان زائف عن "التحرير" أو "هزيمة داعش". وبالنظر إلى العنوان الأخير؛ فإنه من غير المعروف حتى الآن ما إذا كان المقصود بالهزيمة إضعاف داعش أو تقوية فرعها الواهن في سوريا بعد أن ألحقت به تركيا هزيمة نكراء. سيتبين هذا حين ينقشع غبار المعركة، ويتمحض وجه الحقيقة، ويتضح ما إذا كانت داعش قد نقلت معظم قوتها الصغيرة بالأصل من الموصل قبل المعركة واستبقت جزءا لمناوشة القوات المتعددة الجنسيات والأهداف حول الموصل، أم أنها تواجه معركة بقوتها الضاربة الحقيقية؟ وسيتبين أيضاً ما إذا كان معظم قادتها قد غادروا الموصل بالفعل، واستبقوا مغيبي التنظيم أم أنهم سيخوضون غمار معركتهم الأخيرة بشجاعة؟
ـــــــــــــــــــــــــ
يتوقع لهذه المعركة – كما تقدم – أن تطول حتى تستوفي الغرض منها، وهذا يستدعي وقوفاً عند مفارق جديدة في طريقها الطويل، واسترسالاً لاحقاً عند محطاتها القادمة.. سلم الله لنا الموصل الحدباء، وخلص أهلها من براثن الأشقياء.[/align]
المرفقات
1175.pdf