جنة الإحسان
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(21/4/1443هـ) جنة الإحسان
أيها الناس: لا خير فيمن يحجب خيره عن غيره، ويزوي معروفه عمن يستحقه، ولا يعطي كل ذي حقٍّ حقّه.
ومن عزَّ نوالُه وقلَّ عطاؤه، فنِعمتُه إلى زوال، وما عنده من خير فهو إلى اضمحلال؛ لأنها غير محفوظة بالبذل، وغير مصانة بالإسداء، أو محروسةٍ بالإهداء.
يقول خير الخلق صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ نِعْمَةً فَأَسْبَغَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَتَبَرَّمَ، فَقَدْ عَرَّضَ تِلْكَ النِّعْمَةَ للزَّوَالِ» حسنه الألباني.
وفي الحديث القدسي: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ، وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى».
والله يقول:{وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين} الإحسان يفرح القلب، ويشرح الصدر، ويجلب النعم، ويدفع النقم، وتركه يوجب الضيم والضيق، ويمنع وصول النعم إليه.
الإحسان صفةٌ من صفات الله تعالى، واسم من أسمائه، فهو المحسن على خلقه لم يزل، وقد أمر عبادَه بالإحسان أمرًا عامًّا، فقال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا ﴾ ، وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء)).
قال السعدي رحمه الله في تفسيرها ما نصه: وهذا يشمل جميعَ أنواع الإحسان؛ لأنَّه لم يقيِّده بشيء دون شيء، فيدخل فيه الإحسان بالمال كما تقدَّم، ويدخل فيه الإحسان بالجاه؛ بالشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإحسان بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وتعليم العلم النَّافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس؛ من تفريج كرباتهم، وإزالة شدَّاتهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالِّهم، وإعانة مَن يعمل عملًا، والعمل لمن لا يحسِن العمل ونحو ذلك، مما هو من الإحسان الذي أمَر الله به .
الإحسان شيء جميل، وأجمل منه أن يحل محلَّه، ويصيب موضعه!
في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه" .
معاشر المؤمنين، إن طرق البذل والإنفاق سبقنا إليها العظماء من الموفّقين، وعلى رأسهم سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم الذي قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار)) رواه البخاري.
كان صلى الله عليه وسلم لا يتأخر عن تفريج كربات أصحابه، فكم قضى لهم من ديون، وكم خفف عنهم من آلام، وكم واسى لهم من يتيم، وفوق ذلك مات ودرعه مرهونة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .
ثم جاء أصحابه رضي الله عنهم الذين ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء ، والإحسان والسخاء، الصديق رضي الله عنه يقدّم ماله كله لله، والفاروق رضي الله عنه يقدم نصف ماله لله، وعثمان رضي الله عنه يشترى الجنة من الرسول صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة حين حفر بئر رُوْمَة، ومرة حين جهز جيش العسرة .
فلا تبخل على نفسك وقدم لها ما يسرك أنفق ينفق الله عليك أحسن يحسن الله لك فرج يفرج الله عنك فالجزاء من جنس العمل.
بارك الله لي ولكم،،،،
الخطبة الثانية:
عباد الله: ومن تيسير الله وتوفيقه لنا وجود جهات رسمية موثوقة مأمونة تسعى جاهدة لمد يد العون والمساعدة لكل من يحتاج للمساعدة ومن تلك الجهات منصة إحسان الوطنية للعمل الخيري .
تقدّم هذه المنصة الخيرية أكثر من مجال للتبرع من خلالها وذلك من أجل تغطية جميع جوانب الحياة في المملكة ومن هذه المجالات: المجال الصحي والتعليم والتعلم وإغاثة المحتاجين وإعانة الأيتام والأرامل ومساعدة السجناء والفقراء.
ويوجد العديد من فرص التبرع في هذه المنصة الخيرية، ومن بين هذه الفرص: فرص مشاريع: وتشمل الكثير من التبرعات مثل سداد قرض أو شراء حقائب للأطفال للمدارس.
ومنها: فرص فُرجت: وهي من أجل مساعدة المكروبين مثل السجناء.
ومنها: المتجر وهي تشمل وجبات الإطعام أو الأدوية الصحية أو كفالة الأيتام ومساعدة الأرامل وغيرها.
ومنها: إغاثة وهي تقدم المساعدة لكل من يعاني من عدم وجود محل سكن أو من لا يملك ثمن عملية له أو كل محتاج.
فلا تبخل على نفسك بالمساهمة في وجوه الخير فإن المحروم من حُرم فعل الخير .
وتذكر قول الحق تبارك وتعالى:"وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً"،،،