جماعة الحوثي من “الغدير” إلى “المولد النبوي” احتفال ديني أم استعراض سياسي! مصطفى حسان
احمد ابوبكر
1435/03/13 - 2014/01/14 07:42AM
جماعة الحوثي من “الغدير" إلى “المولد النبوي" احتفال ديني أم استعراض سياسي! مصطفى حسان
تعمل جماعة الحوثي على استغلال المناسبات الدينية والمذهبية، وتوظيفها سياسياً من جهتين: الأولى، بالحديث عن المظلومية التاريخية المزعومة لشيعة آل البيت، كما يقولون، بهدف استعطاف عامة الناس، والثانية استعراض مظاهر القوة والحشد الجماهيري لإيصال رسائل من نوع ما إلى العديد من الأطراف.
مسلسل المناسبات يبدأ بما يطلقون عليه "عيد الغدير"، الذي يصادف يوم 18 ذي الحجة من كل عام، ويزعمون فيه - ويشاركهم هذا الزعم كافة الشيعة - بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى لـ علي بعده بالخلافة، ثم ذكرى استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في 10 محرم، ثم ذكرى استشهاد زيد بن علي في 25 محرم، ثم ذكرى المولد النبوي في 12 ربيع أول، ومؤخراً أضافت جماعة الحوثي مناسبة جديدة تتمثل في ذكرى مقتل زعيم الجماعة ومؤسسها الصريع حسين بدر الدين الحوثي، يرى مراقبون أنها ستكون حسينية أخرى في اليمن السعيد.
مظاهر الاستعراض التي برزت بشكل لافت خلال السنتين الماضيتين، حصدت من ورائها جماعة الحوثي العديد من المكاسب السياسية والميدانية، فمن جهة وسعت الجماعة من مناطق نفوذها بقوة السلاح في العديد من المناطق المجاورة لمحافظة صعدة، مستغلة ظروف المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، في ظل ضعف سلطة الدولة، والانفلات الأمني وانشغال الحكومة المركزية في صنعاء بترتيبات المرحلة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، وعوامل أخرى محلية وإقليمية.
مناسبات تلو أخرى
لا يكاد يفرغ الحوثيون من مناسبة حتى يستعدوا لمناسبة أخرى، الأمر لا يقتصر فقط على المناسبات الدينية، بل يحرص الحوثيون بشكل مبالغ فيه على إحياء مناسبات تاريخية غابرة، في محاولة لإنتاج مآسي التاريخ، وصولاً إلى إحياء الثارات، والنفخ في النعرات، وإثارة النزعات.. وفي ما يلي نستعرض أهم المناسبات التي تعمل جماعة الحوثي على إحيائها بصورة استعراضية لافتة:
عيد الغدير
كانت جماعة الحوثي تمارس هذه المناسبة في وقت سابق؛ من باب إحياء المذهب الذي تعتنقه، وتجديد للفكر الذي تعمل بكل طاقاتها لنشره بين أوساط المذهب الزيدي. "ورغم أن طريقة الحفل والتعبئة فيها تقليد للشيعة الاثني عشرية إلا أن الحوثيين يحاولون إظهار خصوصيتهم المذهبية والتأكيد على أنهم شيعة هادوية أو زيدية كما يسمون أنفسهم، وذلك من خلال التركيز على أن آل البيت هم سلالة الحسنين كما يقول أئمة المذهب الهادوي وليسوا الاثنى عشر فقط، كما يحيي الحوثيون ذكرى أئمة الهادوية الذين لا يعترف بها الإثنى عشرية كذكرى استشهاد الإمام زيد، بل وأضافوا مؤخرا إحياء ذكرى دخول الإمام الهادي اليمن، مع محاولة التركيز على أهدافهم المذهبية كالبطنين وغيرها".[1]
لن نسرد تفاصيل إحياء هذا الاحتفال، خلال بداية الظهور للجماعة، ويكفينا القول أن أغلب تلك الاحتفالات، كانت بصورة غير معلنة وضمن مناطق محدودة، حيث كان الحوثيون يحتفلون بذكرى الغدير، الذي يطلقون عليه أيضاً "عيد الولاية"، قبل اندلاع التمرد المسلح في العام 2004، وكانت الاحتفالات قبل ثورة اليمن الشبابية تتم خارج صنعاء، وتحديداً في صعدة وفي مناطق بعيدة عن أنظار السلطة، حيث يتجمع الحوثيون في أماكن صحراوية أو جبلية مفتوحة يرددون خلالها شعار الصرخة المعروف، مضاف إليه أحياناً (الموت لروسيا.. الموت للوهابية)، كما يقومون بإطلاق النيران بغزارة من مختلف الأسلحة، ويجرون مناورات وتدريبات عسكرية، وهو ما كان يؤدي إلى سقوط قتلى ومصابين، سواء في صفوف الحوثيين يجري التكتم عليهم، أو في صفوف المواطنين، الأمر الذي دفع السلطات اليمنية عام 2005 إلى إصدار قرار بمنع تلك الاحتفالات، وبررت قرار المنع بأن عيد الغدير "بدعة تتنافى مع أسس ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتتعارض مع الكتاب والسنة، بالإضافة إلى ما يسببه إطلاق النار أثناءه من إقلاق للأمن وما يسفر عنه من سقوط ضحايا، بالإضافة إلى ما يمثله من مخالفة للنظام والقانون"[2].
وفي الآونة الأخيرة، برزت احتفالات جماعة الحوثي بالغدير وغيرها من الاحتفالات بشكل لافت، واتخذت طابعاً مختلفاً عن ذي قبل، سواء من خلال حجم الحشود الكبيرة التي استطاعت الجماعة حشدها، أو نقل هذه الاحتفالات من الطابع السري إلى العلني، والخروج عن المحيط الذي كانت تمارس فيه هذه الطقوس والمتمثل ببعض المناطق في محافظة صعدة، إلى محافظات أخرى كان لمحافظة صنعاء الاهتمام الكبير من قبل الحوثيين، ساعدهم في ذلك التحالف الجديد بينهم وبين رأس النظام السابق الذي خاضوا معه ستة حروب.
ففي الاحتفال بيوم الغدير لعام 2012، أقامت الجماعة مراسيم الاحتفال لأول مرة، خارج نطاق نفوذها بمحافظة صعدة، وصلت إلى محافظة ذمار وضواحي العاصمة صنعاء وسط حشود مسلحة غير مسبوقة، اعتبرها المراقبون نوعا من استعراض القوة، في وقت أكدت مصادر سياسية يمنية أن الاحتفال الأخير جاء وسط تحالف بين الجماعة المتمردة والرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث "أشارت تسريبات إلى أن الاتفاق بين الطرفين قضى بالاحتفال وسط المظاهر المسلحة"[3].
ورغم ما قيل عن أن الجماعة اتخذت قراراً بعدم إطلاق الرصاص والأعيرة النارية، خلال احتفالات الغدير 2012، وأن الأمر سيقتصر على الألعاب النارية، في محاولة على ما يبدو لتجميل صورتها أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية التي بدأت قلة منها تتحدث على استحياء عن جرائم العنف التي ترتكبها الجماعة، إلا أن مظاهر التسلح لدى الجماهير التي شاركت في تلك الاحتفالات كانت واضحة للعيان، حتى داخل العاصمة صنعاء.
كما استبقت الجماعة احتفالاتها بالغدير بتوزيع أسلحة وأموال على زعماء قبائل ووجاهات عشائرية واجتماعية من أجل إنجاح الاحتفالات وحشد جموع غفيرة من المواطنين في توجه اعتبره البعض "استعراض عضلات"، ويبعث رسائل تتراوح بين تحدي الأطراف الداخلية المناوئة للحوثيين ورسائل خارجية مطمئنة للحلفاء، خصوصاً إيران التي تتهمها السلطات اليمنية بتقديم كافة أنواع الدعم المادي والعسكري والسياسي للحوثيين.
وفي السياق ذاته، كانت جماعة الحوثي دعت أنصارها للاحتفال بيوم (عيد الغدير) في حي الجراف الغربي بالعاصمة صنعاء كدعوة عامة، في الوقت الذي لم تجرؤ الجماعة على الاحتفال بهذه المناسبة العام السابق 2011، إلا في خيمة مغلقة بالعاصمة صنعاء وعلى الهواء الطلق في منطقة خولان محافظة صنعاء.
واستمرت جماعة الحوثي بالاحتفال بعيد الغدير رغم فتوى مفتي الجمهورية اليمنية القاضي محمد بن اسماعيل العمراني "بعدم مشروعية الاحتفال بهذا اليوم".[4]
ويفرض الحوثيون على الناس في صعدة في يوم الغدير: إما الاحتفال به معهم أو الجلوس في البيت، ويحرمون العمل وممارسة البيع والشراء في ذلك اليوم. ومن خلال تتبع أوضاع المعتقلين في سجون جماعة الحوثي تم الحصول على معلومات من سجين استطاع الفرار، بعد أن كان قد تم اعتقاله نتيجة خروجه من منزله في يوم الغدير "18 من ذي الحجة"[5].
وعليه، يتضح أن ما تقوم به جماعة الحوثي هو السعي لتحقيق أهداف سياسية، واستعراض للقوة، على غرار ما يقوم به الإيرانيون وكذلك حزب الله اللبناني، من خلال تلك الاحتفالات التي تصبغها بلبوس الدين، مستغلةً تعاطف أبناء المذهب الزيدي مع مزاعم مظلومية آل البيت من جهة، بالإضافة إلى حالة الجهل لدى بعض أنصار النظام السابق من جهة ثانية، والذين يحرصون على المشاركة في احتفالات الحوثي، نكاية بالأحزاب الأخرى - التجمع اليمني للإصلاح - فيحضرها الكثير دون أن يعي ما هي المرامي التي تسعى إليها جماعة الحوثي، في الوقت الذي تستفيد الجماعة من زيادة الحشود في الظهور بحجم أكبر من حجمها الحقيقي، كمحاولة لإيصال رسائل للداخل والخارج!
بيد أن أخطر ما يسعى إليه الحوثيون ويركز عليه خطابهم الإعلامي في هذه المناسبات، هو محاولتهم من خلالها إضفاء الصبغة الشرعية على مشروعهم السلالي الطائفي الذي لم يعد سراَ وإنما أعلنوه صراحة بوثيقة فكرية نشروها على الملأ، وإيهام اتباعهم، والعوام الذين تصلهم رسائلهم، أن من يحتفون بذكراهم (ولادة أو استشهادا) هم من أسسوا لهذا المشروع واستشهدوا من أجله!
وخلاصة الأمر، إن احتفالات الحوثيين بالغدير، كان محل قراءة وتحليل العديد من المراقبين للشأن اليمني، الذين رأوا بأن الاحتفال في مرحلة ما بعد الثورة الشعبية كان صارخاً من خلال إقامة العديد من المظاهر التي لم تكن معروفة من قبل مثل إطلاق الألعاب النارية في عدد من المدن وإقامة المهرجانات والولائم. مشيرين أيضاً إلى أنه على الرغم من قيام الحوثيين بإحياء هذه المناسبة في السنوات الماضية في صعدة التي يسيطرون عليها حصراً وعدد من المدن الصغيرة، إلا أن احتفالهم العام 2012 وصل إلى العاصمة صنعاء التي أقاموا فيها الاحتفال ووصل الإحتفال في عام 2013 إلى مدية يريم بمحافظة إب والذي شهدت مواجهات بين مؤيدين ومعارضين إلا أن الاحتفال بتلك الطرق اعتبرها البعض استفزازية، لما تضمنته من استعراض للقوة ومحاولة لملء المشهد السياسي الذي بدأ يتشكل وفقا لمعطيات وأسس طائفية ومذهبية في اليمن، سيما وأن هناك العديد من التقارير الصحفية التي تتحدث عن أن التمدد الحوثي الذي تجاوز المناطق التقليدية المحكومة بالمذهب الزيدي أصبح أكثر عنفوانا وجرأة من خلال وصوله إلى مناطق ومحافظات سنية ينتمي معظم سكانها للمذهب الشافعي، وذلك من خلال محاولة دغدغة عواطف "الهاشميين" في شرق البلاد وغربها.
ما يجدر ذكره هنا أيضاً أن التمدد الحوثي في اليمن أخذ طابعا سياسيا وإعلاميا منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يتهمه الكثير من خصومه بالتحالف مع الحوثيين في الفترة الراهنة بغرض الانتقام من خصومه السياسيين الذي أسقطوا نظام حكمه وعلى وجه التحديد حزب التجمع اليمني للإصلاح.. في الوقت الذي يبدو أن الوضع السياسي الذي تشكل منذ اندلاع الثورة الشعبية في اليمن قد ساهم في منح الحوثيين استراحة محارب طويلة، تمكنوا خلالها من ترتيب أوراقهم والانتشار ثقافيا وإعلاميا من خلال إنشاء قناة فضائية ودعم أخرى وطباعة العديد من الصحف وإطلاق عدد من المواقع الإلكترونية إضافة إلى نشر شعاراتهم التي ظهرت علنا في شوارع العاصمة. وإلى جانب ذلك يرى العديد من المراقبين أن الحوثيين إلى جانب استعدادهم الدائم لخوض حرب سابعة باتوا يتبعون ذات سياسة حزب الله اللبناني في استقطاب الكثير من الإعلاميين والمثقفين اليساريين والليبراليين والعمل على خلق واجهة سياسية يقدمون فيها أنفسهم ومشاريعهم في منأى عن الصورة النمطية التي صبغوا بها خلال ستة حروب متتالية خاضوها ضدهم الحكومة اليمنية[6].
يوم عاشوراء
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء ويصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في معركة كربلاء لذلك يعتبره الشيعة يوم عزاء وحزن. كما وقعت العديد من الأحداث التاريخية الأخرى في نفس اليوم.
وتقول رجاء يحيى الحوثي، إن شعائر عاشوراء عند الحوثيين تثير الاستغراب والتعجب، لهمجيتها وشناعتها وعدم تقبل العقل السوي لها"، متسائلة: "ما مغزى هذه الشعائر؟، وما معنى الدماء التي تسيل وما المقصود بشعارهم لبيك ياحسين؟"[7].
وفي أواخر العام 2009، أثناء الحرب السادسة، احتفل الحوثيون بطريقة مختلفة آنذاك، عندما حاولوا عشية الاحتفال بعاشوراء اجتياح مدينة صعدة القديمة من عدة محاور، بطريقة انتحارية، تصدى لهم الجيش اليمني بمساندة الطيران الحربي ما أدى إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين[8].
أما في العام 2012 فقد صادف يوم عاشوراء تأريخ 24 نوفمبر، شهدت حركة الحوثي حينها نقلة نوعية في تأريخ الاحتفالات، عندما نقلت مظاهر الاحتفال إلى العاصمة صنعاء، وعقدت تلك المناسبة في صالة زهرة المدائن بمنطقة الجراف إحدى معاقل الجماعة، قبل أن تنتهي فعاليات الاحتفال بحادثة تفجير غامضة، أثناء مغادرة الحوثيين قاعة الاحتفال، ما أدى إلى مقتل ثلاثة حوثيين على الأقل، وإصابة آخرين.
في العام 2013 كان الإحتفال اعظم جرأة إذ تظاهر العديد من انصار الحوثي في مسيرة شهدت نوع من التكتيك وظهور بعض الرسميات التي تقوم بها دولة إيران الأم الرسمية للجماعة، فقد كان في التظاهر لجان ذو زي معين ولافتات تدعو للحزن على مقتل الحسين.
وانتشر عدد من العناصر الامنية التابعة للجماعة منذ وقت مبكر في محيط المسيرة التي سارت في خط المطار, وشوهدت تلك العناصر التي ترتدي ملابس مميزة في الحصبة وشارع التلفزيون و الاحياء الواقعة قرب وزارة الداخلية .
وكان خطاب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والذي ألقاه عشية احتفال جماعته بعيد الغدير، قال أن نسل الإمام علي هم أحق بولاية المسلمين، والذي وجه بانتقادات ساخطه في أوساط الكتاب والسياسيين.
أما في محافظة صعدة، فقد أقدم مسلحو الحوثي، على تعطيل وإخراج الطلاب من جميع المدارس بعاصمة المحافظة وإلزامهم بالمشاركة معهم في يوم عاشوراء، والعويل والبكاء على مقتل الحسين رضي الله عنه. ونفذ مسلحو الحوثي حملة عاشوراء بطريقة ممنهجة إذ بدءوا حملتهم بإلزام أغلب طلاب المدارس على حمل تلك الأربطة السوداء وقد كتب عليها: «يا حسين». كما ألزموا مدراء المدارس ورواد الفصول بتكليف أصحابهم بتقديم ما أسموها إذاعة عاشوراء «الإذاعة الصباحية» في عموم مدارس المحافظة والمعدة مادتها الإذاعية سلفا من قبلهم، ويتخللها ترديد بعض الشعارات مثل «هيهات منا الذلة.. لبيك يا حسين»، وانتدبوا شخصاً لكل مدرسة لإلقاء محاضرة على الطلاب أثناء طابور الصباح
مولد نبوي أم انقلاب عسكري
في استعداد الجماعة لإحياء المولد النبوي والذي سيصادف 13 يناير 2014 يبدو الأمر مختلفاً عن الاحتفالات السابقة واعظم جرأة وتخطيط فيما يشبه الإعداد لشيء مريب لا يستبعد الكثيرون أن تكون الجماعة تسعى لانقلاب عسكري، لا سيما بعد محاولة الوصول إلى ارحب والاشتباكات مع قبائل ارحب، تسهيل للوقوف على عتبات معسكر الصمع، الذي يطل بشكل مباشر على مطار صنعاء الدولي، والحصار الذي شهده مسجد بدر التابع للمحطوري مفتي جماعة الحوثي، حيث شوهد تكديس الأسلحة في المسجد ومحاولة البسط بالقوة على حديقة 26 سبتمبر المجاورة للمسجد.
وعلى ذات النهج الساعي لإبراز القوة، وبسط النفوذ خارج محافظة صعدة التي أصبحت كياناً مستقلاً بذاته، تحت سيطرة الحوثيين وإدارتهم، تحرص الجماعة على عدم استنزاف الجهود في تلك المحافظة، وترك الأمر لمن بقي فيها لإحياء طقوس الاحتفال بالمولد النبوي، بينما تتحرك بحثاً عن أماكن جديدة للاحتفال تمثل عمق الدولة اليمنية، حيث ستكون الأنظار مسلطة عليها بشكل كثيف. ويتوجه الحوثيون بعدتهم وعتادهم إلى العاصمة صنعاء، حيث تشهد شوارع صنعاء للسنة الثانية على التوالي حملة إعلانات ترويجية اسم "محمد" صلى الله عليه وسلم، مصبوغة باللون الأخضر وهو ذات اللون الموجود على أعلام حزب الله اللبناني والجمهورية الإيرانية، والمملكة السعودية، تنتشر هذه الإعلانات في الكثير من الشوارع الرئيسية بالعاصمة عبر اللافتات واليافطات القماشية، بالإضافة إلى توزيع الدعوات والرسائل الورقية من قبل الحوثيين.
في العام السابق تقدم الحوثيون بمذكرتين متزامنتين إلى حكومة الوفاق الوطني طالبوا فيهما بالسماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي بالعاصمة صنعاء .وُجّهت إحدى المذكرتين إلى وزير الشباب والرياضة، طالبوا فيها السماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بملعب الثورة، والأخرى إلى رئيس الحكومة للسماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي بميدان السبعين، كإجراءٍ احتياطي في حال رُفض الطلب الأول. وسط اتهامات للحوثيين باستغلالهم لهذه المناسبة الشريفة، لمصالح الجماعة وزعمائها"[9] .
لكن حكومة الوفاق لم تجب على المذكرتين، مما دفع الجماعة إلى أن تقرر إقامة الاحتفال في منطقة حزيز مديرية سنحان، التي يغلب عليها الطابع الزيدي ومعظم سكانها من أنصار الرئيس السابق، وقد أقامت الجماعة احتفالها هناك، رغم معارضة العديد من وجهاء وأعيان قبائل مديرية سنحان وبني بهلول، الذين طالبوا وزارة الداخلية بإيقاف الفعالية التي تنظمها جماعة الحوثي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. متهمين الجماعة بأن لها توجهاً مذهبياً معيناً لإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في منطقتهم"[10].
من العام إلى هذه السنة هناك فارق فبينما العام السابق رفضت حكومة الوفاق السماح لجماعة الحوثي بإجراء الاحتفال بملعب الثورة فإن هذا العام تم منحهم الفرصة والسماح بإقامة الاحتفال بملعب الثورة وتم التسليم المدينة إلى حراسة من جماعة الحوثي.
التراجع الملحوظ للدولة والرضوخ المستمر لجماعة الحوثي من قبل الدولة حتى في مسألة الحروب الدائرة في شمال الشمال، وحصار أبناء دماج يجعل المواطن يضع اكثر من علامة استفهام حول اسباب التدليل التي تحظى به الجماعة.
صالح الحليف الجديد والعدو القديم في احتفال العام 2013 كان بدوره قد "أبلغ عبدالملك الحوثي اعتزامه حضور الحفل، ودعاه إلى توفير إجراءات أمنية مشددة لتأمين الميدان الذي سيقام فيه الاحتفال"، حسب مصادر صحافية يمنية[11].
وذلك في إشارة واضحة منه إلى أتباعه بالمشاركة، وإعطائهم الضوء الأخضر للحضور في الاحتفال، لكن صالح الذي وعد بالحضور تراجع ولم يحضر.
لكن في الاحتفال القادم يبدو الأمر مختلف فقد دعا قيادات مرتبطة بالمؤتمر وبالرئيس صالح إلى مظاهرة في اليوم الثاني من الاحتفال بالمولد النوبي للحوثيين وذلك من اجل اسقاط حكومة الوفاق، واختيار هذا التأريخ اثار كثير من المخاوف لدى الساسة، حيث يعتبره البعض تنسيق بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي لإسقاط الرئيس هادي وليس الحكومة فقط.
معلومات تحدثت بها وسائل اعلام أن تكاليف الحفل والتنظيم والحشد قد تم مقاسمتها مع قيادات من النظام السابق وكانت لهم اجتماعات دورية مع نجل الرئيس السابق على عبدالله صالح، واضافت المصادر أن صالح تواصل مع كثير من التجار وطلب منهم دعم فعالية الاحتفال التي تتبناها جماعة الحوثيين المسلحة.
وقال: إن ذلك التواصل لصالح أفضى إلى 1200 كرتون ماء، و12 دينة موز، وتاجر يمتلك أشهر فنادق العاصمة" بثلاثة مليون ريال، ومؤسسة الصالح تكفلت ببقية المواد الغذائية من دقيق وغاز وغيرها، وتبرعت ثلاثة مطاعم بالعاصمة صنعاء -تحتفظ الصحيفة بأسمائها- بالطبخ مجانًا.[12]
الصحفي عبدالحكيم هلال عبر في صفحته عن علاقة المولد النبوي بحملة 14 يناير بقوله سيكون الحوثيون قد حشدوا أعضائهم وأنصارهم الى صنعاء يوم الاثنين، من كافة المحافظات، بحجة الاحتفال بالمولد النبوي، وبالطبع ستكون تلك حجة أيضاً لصعود أنصار وأعضاء المؤتمر باسم الاحتفال ذاته.
سيبقى المحتفلون بالمولد حتى اليوم الثاني (14 يناير) لتنفيذ الأجندة التالية للاحتفال، بإحداث اضطرابات كبيرة مخطط لها سلفا في صنعاء، ويعتقد أن الإعدادات السرية لإنجاح بقية المخطط جاهزة..!!
لذلك، أضطر المؤتمر لنفي علاقته ب-14 يناير، لشعوره - وان كان متأخراً - ضرورة القيام بذلك، نظرا لحجم، والنتيجة المتوقعة من الحدث.
هذا الاندماج المؤتمري الحوثي والخدمات التي يقدمها النظام الذي كان في السابق يحارب مظاهر احتفال الحوثي بالمولد النبوي يفصح عن كثير من الأشياء، من ابرزها أن هذه الاحتفالات لم تكن ولن تكون دينية وإنما سياسية خالصة، يراد من خلالها استعراض القوة، والانتقام بواسطة الحوثي من القوى التي ساهمت بشكل كبير على سقوط نظام صالح.
لا ندري هل ستكون بوابة المولد النبوي هي نفسها التي ستعصف بحكم هادي ومن نفس الباب ستعود الإمامة البغيضة إلى اليمن.
تبقى الخيارات مفتوحة لكثير من التنبؤات وإن غدا لناظره قريب
تعمل جماعة الحوثي على استغلال المناسبات الدينية والمذهبية، وتوظيفها سياسياً من جهتين: الأولى، بالحديث عن المظلومية التاريخية المزعومة لشيعة آل البيت، كما يقولون، بهدف استعطاف عامة الناس، والثانية استعراض مظاهر القوة والحشد الجماهيري لإيصال رسائل من نوع ما إلى العديد من الأطراف.
مسلسل المناسبات يبدأ بما يطلقون عليه "عيد الغدير"، الذي يصادف يوم 18 ذي الحجة من كل عام، ويزعمون فيه - ويشاركهم هذا الزعم كافة الشيعة - بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى لـ علي بعده بالخلافة، ثم ذكرى استشهاد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في 10 محرم، ثم ذكرى استشهاد زيد بن علي في 25 محرم، ثم ذكرى المولد النبوي في 12 ربيع أول، ومؤخراً أضافت جماعة الحوثي مناسبة جديدة تتمثل في ذكرى مقتل زعيم الجماعة ومؤسسها الصريع حسين بدر الدين الحوثي، يرى مراقبون أنها ستكون حسينية أخرى في اليمن السعيد.
مظاهر الاستعراض التي برزت بشكل لافت خلال السنتين الماضيتين، حصدت من ورائها جماعة الحوثي العديد من المكاسب السياسية والميدانية، فمن جهة وسعت الجماعة من مناطق نفوذها بقوة السلاح في العديد من المناطق المجاورة لمحافظة صعدة، مستغلة ظروف المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد، في ظل ضعف سلطة الدولة، والانفلات الأمني وانشغال الحكومة المركزية في صنعاء بترتيبات المرحلة النهائية لمؤتمر الحوار الوطني، وعوامل أخرى محلية وإقليمية.
مناسبات تلو أخرى
لا يكاد يفرغ الحوثيون من مناسبة حتى يستعدوا لمناسبة أخرى، الأمر لا يقتصر فقط على المناسبات الدينية، بل يحرص الحوثيون بشكل مبالغ فيه على إحياء مناسبات تاريخية غابرة، في محاولة لإنتاج مآسي التاريخ، وصولاً إلى إحياء الثارات، والنفخ في النعرات، وإثارة النزعات.. وفي ما يلي نستعرض أهم المناسبات التي تعمل جماعة الحوثي على إحيائها بصورة استعراضية لافتة:
عيد الغدير
كانت جماعة الحوثي تمارس هذه المناسبة في وقت سابق؛ من باب إحياء المذهب الذي تعتنقه، وتجديد للفكر الذي تعمل بكل طاقاتها لنشره بين أوساط المذهب الزيدي. "ورغم أن طريقة الحفل والتعبئة فيها تقليد للشيعة الاثني عشرية إلا أن الحوثيين يحاولون إظهار خصوصيتهم المذهبية والتأكيد على أنهم شيعة هادوية أو زيدية كما يسمون أنفسهم، وذلك من خلال التركيز على أن آل البيت هم سلالة الحسنين كما يقول أئمة المذهب الهادوي وليسوا الاثنى عشر فقط، كما يحيي الحوثيون ذكرى أئمة الهادوية الذين لا يعترف بها الإثنى عشرية كذكرى استشهاد الإمام زيد، بل وأضافوا مؤخرا إحياء ذكرى دخول الإمام الهادي اليمن، مع محاولة التركيز على أهدافهم المذهبية كالبطنين وغيرها".[1]
لن نسرد تفاصيل إحياء هذا الاحتفال، خلال بداية الظهور للجماعة، ويكفينا القول أن أغلب تلك الاحتفالات، كانت بصورة غير معلنة وضمن مناطق محدودة، حيث كان الحوثيون يحتفلون بذكرى الغدير، الذي يطلقون عليه أيضاً "عيد الولاية"، قبل اندلاع التمرد المسلح في العام 2004، وكانت الاحتفالات قبل ثورة اليمن الشبابية تتم خارج صنعاء، وتحديداً في صعدة وفي مناطق بعيدة عن أنظار السلطة، حيث يتجمع الحوثيون في أماكن صحراوية أو جبلية مفتوحة يرددون خلالها شعار الصرخة المعروف، مضاف إليه أحياناً (الموت لروسيا.. الموت للوهابية)، كما يقومون بإطلاق النيران بغزارة من مختلف الأسلحة، ويجرون مناورات وتدريبات عسكرية، وهو ما كان يؤدي إلى سقوط قتلى ومصابين، سواء في صفوف الحوثيين يجري التكتم عليهم، أو في صفوف المواطنين، الأمر الذي دفع السلطات اليمنية عام 2005 إلى إصدار قرار بمنع تلك الاحتفالات، وبررت قرار المنع بأن عيد الغدير "بدعة تتنافى مع أسس ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف وتتعارض مع الكتاب والسنة، بالإضافة إلى ما يسببه إطلاق النار أثناءه من إقلاق للأمن وما يسفر عنه من سقوط ضحايا، بالإضافة إلى ما يمثله من مخالفة للنظام والقانون"[2].
وفي الآونة الأخيرة، برزت احتفالات جماعة الحوثي بالغدير وغيرها من الاحتفالات بشكل لافت، واتخذت طابعاً مختلفاً عن ذي قبل، سواء من خلال حجم الحشود الكبيرة التي استطاعت الجماعة حشدها، أو نقل هذه الاحتفالات من الطابع السري إلى العلني، والخروج عن المحيط الذي كانت تمارس فيه هذه الطقوس والمتمثل ببعض المناطق في محافظة صعدة، إلى محافظات أخرى كان لمحافظة صنعاء الاهتمام الكبير من قبل الحوثيين، ساعدهم في ذلك التحالف الجديد بينهم وبين رأس النظام السابق الذي خاضوا معه ستة حروب.
ففي الاحتفال بيوم الغدير لعام 2012، أقامت الجماعة مراسيم الاحتفال لأول مرة، خارج نطاق نفوذها بمحافظة صعدة، وصلت إلى محافظة ذمار وضواحي العاصمة صنعاء وسط حشود مسلحة غير مسبوقة، اعتبرها المراقبون نوعا من استعراض القوة، في وقت أكدت مصادر سياسية يمنية أن الاحتفال الأخير جاء وسط تحالف بين الجماعة المتمردة والرئيس السابق علي عبد الله صالح، حيث "أشارت تسريبات إلى أن الاتفاق بين الطرفين قضى بالاحتفال وسط المظاهر المسلحة"[3].
ورغم ما قيل عن أن الجماعة اتخذت قراراً بعدم إطلاق الرصاص والأعيرة النارية، خلال احتفالات الغدير 2012، وأن الأمر سيقتصر على الألعاب النارية، في محاولة على ما يبدو لتجميل صورتها أمام وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية التي بدأت قلة منها تتحدث على استحياء عن جرائم العنف التي ترتكبها الجماعة، إلا أن مظاهر التسلح لدى الجماهير التي شاركت في تلك الاحتفالات كانت واضحة للعيان، حتى داخل العاصمة صنعاء.
كما استبقت الجماعة احتفالاتها بالغدير بتوزيع أسلحة وأموال على زعماء قبائل ووجاهات عشائرية واجتماعية من أجل إنجاح الاحتفالات وحشد جموع غفيرة من المواطنين في توجه اعتبره البعض "استعراض عضلات"، ويبعث رسائل تتراوح بين تحدي الأطراف الداخلية المناوئة للحوثيين ورسائل خارجية مطمئنة للحلفاء، خصوصاً إيران التي تتهمها السلطات اليمنية بتقديم كافة أنواع الدعم المادي والعسكري والسياسي للحوثيين.
وفي السياق ذاته، كانت جماعة الحوثي دعت أنصارها للاحتفال بيوم (عيد الغدير) في حي الجراف الغربي بالعاصمة صنعاء كدعوة عامة، في الوقت الذي لم تجرؤ الجماعة على الاحتفال بهذه المناسبة العام السابق 2011، إلا في خيمة مغلقة بالعاصمة صنعاء وعلى الهواء الطلق في منطقة خولان محافظة صنعاء.
واستمرت جماعة الحوثي بالاحتفال بعيد الغدير رغم فتوى مفتي الجمهورية اليمنية القاضي محمد بن اسماعيل العمراني "بعدم مشروعية الاحتفال بهذا اليوم".[4]
ويفرض الحوثيون على الناس في صعدة في يوم الغدير: إما الاحتفال به معهم أو الجلوس في البيت، ويحرمون العمل وممارسة البيع والشراء في ذلك اليوم. ومن خلال تتبع أوضاع المعتقلين في سجون جماعة الحوثي تم الحصول على معلومات من سجين استطاع الفرار، بعد أن كان قد تم اعتقاله نتيجة خروجه من منزله في يوم الغدير "18 من ذي الحجة"[5].
وعليه، يتضح أن ما تقوم به جماعة الحوثي هو السعي لتحقيق أهداف سياسية، واستعراض للقوة، على غرار ما يقوم به الإيرانيون وكذلك حزب الله اللبناني، من خلال تلك الاحتفالات التي تصبغها بلبوس الدين، مستغلةً تعاطف أبناء المذهب الزيدي مع مزاعم مظلومية آل البيت من جهة، بالإضافة إلى حالة الجهل لدى بعض أنصار النظام السابق من جهة ثانية، والذين يحرصون على المشاركة في احتفالات الحوثي، نكاية بالأحزاب الأخرى - التجمع اليمني للإصلاح - فيحضرها الكثير دون أن يعي ما هي المرامي التي تسعى إليها جماعة الحوثي، في الوقت الذي تستفيد الجماعة من زيادة الحشود في الظهور بحجم أكبر من حجمها الحقيقي، كمحاولة لإيصال رسائل للداخل والخارج!
بيد أن أخطر ما يسعى إليه الحوثيون ويركز عليه خطابهم الإعلامي في هذه المناسبات، هو محاولتهم من خلالها إضفاء الصبغة الشرعية على مشروعهم السلالي الطائفي الذي لم يعد سراَ وإنما أعلنوه صراحة بوثيقة فكرية نشروها على الملأ، وإيهام اتباعهم، والعوام الذين تصلهم رسائلهم، أن من يحتفون بذكراهم (ولادة أو استشهادا) هم من أسسوا لهذا المشروع واستشهدوا من أجله!
وخلاصة الأمر، إن احتفالات الحوثيين بالغدير، كان محل قراءة وتحليل العديد من المراقبين للشأن اليمني، الذين رأوا بأن الاحتفال في مرحلة ما بعد الثورة الشعبية كان صارخاً من خلال إقامة العديد من المظاهر التي لم تكن معروفة من قبل مثل إطلاق الألعاب النارية في عدد من المدن وإقامة المهرجانات والولائم. مشيرين أيضاً إلى أنه على الرغم من قيام الحوثيين بإحياء هذه المناسبة في السنوات الماضية في صعدة التي يسيطرون عليها حصراً وعدد من المدن الصغيرة، إلا أن احتفالهم العام 2012 وصل إلى العاصمة صنعاء التي أقاموا فيها الاحتفال ووصل الإحتفال في عام 2013 إلى مدية يريم بمحافظة إب والذي شهدت مواجهات بين مؤيدين ومعارضين إلا أن الاحتفال بتلك الطرق اعتبرها البعض استفزازية، لما تضمنته من استعراض للقوة ومحاولة لملء المشهد السياسي الذي بدأ يتشكل وفقا لمعطيات وأسس طائفية ومذهبية في اليمن، سيما وأن هناك العديد من التقارير الصحفية التي تتحدث عن أن التمدد الحوثي الذي تجاوز المناطق التقليدية المحكومة بالمذهب الزيدي أصبح أكثر عنفوانا وجرأة من خلال وصوله إلى مناطق ومحافظات سنية ينتمي معظم سكانها للمذهب الشافعي، وذلك من خلال محاولة دغدغة عواطف "الهاشميين" في شرق البلاد وغربها.
ما يجدر ذكره هنا أيضاً أن التمدد الحوثي في اليمن أخذ طابعا سياسيا وإعلاميا منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي يتهمه الكثير من خصومه بالتحالف مع الحوثيين في الفترة الراهنة بغرض الانتقام من خصومه السياسيين الذي أسقطوا نظام حكمه وعلى وجه التحديد حزب التجمع اليمني للإصلاح.. في الوقت الذي يبدو أن الوضع السياسي الذي تشكل منذ اندلاع الثورة الشعبية في اليمن قد ساهم في منح الحوثيين استراحة محارب طويلة، تمكنوا خلالها من ترتيب أوراقهم والانتشار ثقافيا وإعلاميا من خلال إنشاء قناة فضائية ودعم أخرى وطباعة العديد من الصحف وإطلاق عدد من المواقع الإلكترونية إضافة إلى نشر شعاراتهم التي ظهرت علنا في شوارع العاصمة. وإلى جانب ذلك يرى العديد من المراقبين أن الحوثيين إلى جانب استعدادهم الدائم لخوض حرب سابعة باتوا يتبعون ذات سياسة حزب الله اللبناني في استقطاب الكثير من الإعلاميين والمثقفين اليساريين والليبراليين والعمل على خلق واجهة سياسية يقدمون فيها أنفسهم ومشاريعهم في منأى عن الصورة النمطية التي صبغوا بها خلال ستة حروب متتالية خاضوها ضدهم الحكومة اليمنية[6].
يوم عاشوراء
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم في التقويم الهجري ويسمى عند المسلمين بيوم عاشوراء ويصادف اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما حفيد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في معركة كربلاء لذلك يعتبره الشيعة يوم عزاء وحزن. كما وقعت العديد من الأحداث التاريخية الأخرى في نفس اليوم.
وتقول رجاء يحيى الحوثي، إن شعائر عاشوراء عند الحوثيين تثير الاستغراب والتعجب، لهمجيتها وشناعتها وعدم تقبل العقل السوي لها"، متسائلة: "ما مغزى هذه الشعائر؟، وما معنى الدماء التي تسيل وما المقصود بشعارهم لبيك ياحسين؟"[7].
وفي أواخر العام 2009، أثناء الحرب السادسة، احتفل الحوثيون بطريقة مختلفة آنذاك، عندما حاولوا عشية الاحتفال بعاشوراء اجتياح مدينة صعدة القديمة من عدة محاور، بطريقة انتحارية، تصدى لهم الجيش اليمني بمساندة الطيران الحربي ما أدى إلى سقوط الكثير من القتلى والجرحى في صفوف الحوثيين[8].
أما في العام 2012 فقد صادف يوم عاشوراء تأريخ 24 نوفمبر، شهدت حركة الحوثي حينها نقلة نوعية في تأريخ الاحتفالات، عندما نقلت مظاهر الاحتفال إلى العاصمة صنعاء، وعقدت تلك المناسبة في صالة زهرة المدائن بمنطقة الجراف إحدى معاقل الجماعة، قبل أن تنتهي فعاليات الاحتفال بحادثة تفجير غامضة، أثناء مغادرة الحوثيين قاعة الاحتفال، ما أدى إلى مقتل ثلاثة حوثيين على الأقل، وإصابة آخرين.
في العام 2013 كان الإحتفال اعظم جرأة إذ تظاهر العديد من انصار الحوثي في مسيرة شهدت نوع من التكتيك وظهور بعض الرسميات التي تقوم بها دولة إيران الأم الرسمية للجماعة، فقد كان في التظاهر لجان ذو زي معين ولافتات تدعو للحزن على مقتل الحسين.
وانتشر عدد من العناصر الامنية التابعة للجماعة منذ وقت مبكر في محيط المسيرة التي سارت في خط المطار, وشوهدت تلك العناصر التي ترتدي ملابس مميزة في الحصبة وشارع التلفزيون و الاحياء الواقعة قرب وزارة الداخلية .
وكان خطاب زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والذي ألقاه عشية احتفال جماعته بعيد الغدير، قال أن نسل الإمام علي هم أحق بولاية المسلمين، والذي وجه بانتقادات ساخطه في أوساط الكتاب والسياسيين.
أما في محافظة صعدة، فقد أقدم مسلحو الحوثي، على تعطيل وإخراج الطلاب من جميع المدارس بعاصمة المحافظة وإلزامهم بالمشاركة معهم في يوم عاشوراء، والعويل والبكاء على مقتل الحسين رضي الله عنه. ونفذ مسلحو الحوثي حملة عاشوراء بطريقة ممنهجة إذ بدءوا حملتهم بإلزام أغلب طلاب المدارس على حمل تلك الأربطة السوداء وقد كتب عليها: «يا حسين». كما ألزموا مدراء المدارس ورواد الفصول بتكليف أصحابهم بتقديم ما أسموها إذاعة عاشوراء «الإذاعة الصباحية» في عموم مدارس المحافظة والمعدة مادتها الإذاعية سلفا من قبلهم، ويتخللها ترديد بعض الشعارات مثل «هيهات منا الذلة.. لبيك يا حسين»، وانتدبوا شخصاً لكل مدرسة لإلقاء محاضرة على الطلاب أثناء طابور الصباح
مولد نبوي أم انقلاب عسكري
في استعداد الجماعة لإحياء المولد النبوي والذي سيصادف 13 يناير 2014 يبدو الأمر مختلفاً عن الاحتفالات السابقة واعظم جرأة وتخطيط فيما يشبه الإعداد لشيء مريب لا يستبعد الكثيرون أن تكون الجماعة تسعى لانقلاب عسكري، لا سيما بعد محاولة الوصول إلى ارحب والاشتباكات مع قبائل ارحب، تسهيل للوقوف على عتبات معسكر الصمع، الذي يطل بشكل مباشر على مطار صنعاء الدولي، والحصار الذي شهده مسجد بدر التابع للمحطوري مفتي جماعة الحوثي، حيث شوهد تكديس الأسلحة في المسجد ومحاولة البسط بالقوة على حديقة 26 سبتمبر المجاورة للمسجد.
وعلى ذات النهج الساعي لإبراز القوة، وبسط النفوذ خارج محافظة صعدة التي أصبحت كياناً مستقلاً بذاته، تحت سيطرة الحوثيين وإدارتهم، تحرص الجماعة على عدم استنزاف الجهود في تلك المحافظة، وترك الأمر لمن بقي فيها لإحياء طقوس الاحتفال بالمولد النبوي، بينما تتحرك بحثاً عن أماكن جديدة للاحتفال تمثل عمق الدولة اليمنية، حيث ستكون الأنظار مسلطة عليها بشكل كثيف. ويتوجه الحوثيون بعدتهم وعتادهم إلى العاصمة صنعاء، حيث تشهد شوارع صنعاء للسنة الثانية على التوالي حملة إعلانات ترويجية اسم "محمد" صلى الله عليه وسلم، مصبوغة باللون الأخضر وهو ذات اللون الموجود على أعلام حزب الله اللبناني والجمهورية الإيرانية، والمملكة السعودية، تنتشر هذه الإعلانات في الكثير من الشوارع الرئيسية بالعاصمة عبر اللافتات واليافطات القماشية، بالإضافة إلى توزيع الدعوات والرسائل الورقية من قبل الحوثيين.
في العام السابق تقدم الحوثيون بمذكرتين متزامنتين إلى حكومة الوفاق الوطني طالبوا فيهما بالسماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي بالعاصمة صنعاء .وُجّهت إحدى المذكرتين إلى وزير الشباب والرياضة، طالبوا فيها السماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بملعب الثورة، والأخرى إلى رئيس الحكومة للسماح لهم بإجراء الاحتفال بالمولد النبوي بميدان السبعين، كإجراءٍ احتياطي في حال رُفض الطلب الأول. وسط اتهامات للحوثيين باستغلالهم لهذه المناسبة الشريفة، لمصالح الجماعة وزعمائها"[9] .
لكن حكومة الوفاق لم تجب على المذكرتين، مما دفع الجماعة إلى أن تقرر إقامة الاحتفال في منطقة حزيز مديرية سنحان، التي يغلب عليها الطابع الزيدي ومعظم سكانها من أنصار الرئيس السابق، وقد أقامت الجماعة احتفالها هناك، رغم معارضة العديد من وجهاء وأعيان قبائل مديرية سنحان وبني بهلول، الذين طالبوا وزارة الداخلية بإيقاف الفعالية التي تنظمها جماعة الحوثي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف. متهمين الجماعة بأن لها توجهاً مذهبياً معيناً لإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في منطقتهم"[10].
من العام إلى هذه السنة هناك فارق فبينما العام السابق رفضت حكومة الوفاق السماح لجماعة الحوثي بإجراء الاحتفال بملعب الثورة فإن هذا العام تم منحهم الفرصة والسماح بإقامة الاحتفال بملعب الثورة وتم التسليم المدينة إلى حراسة من جماعة الحوثي.
التراجع الملحوظ للدولة والرضوخ المستمر لجماعة الحوثي من قبل الدولة حتى في مسألة الحروب الدائرة في شمال الشمال، وحصار أبناء دماج يجعل المواطن يضع اكثر من علامة استفهام حول اسباب التدليل التي تحظى به الجماعة.
صالح الحليف الجديد والعدو القديم في احتفال العام 2013 كان بدوره قد "أبلغ عبدالملك الحوثي اعتزامه حضور الحفل، ودعاه إلى توفير إجراءات أمنية مشددة لتأمين الميدان الذي سيقام فيه الاحتفال"، حسب مصادر صحافية يمنية[11].
وذلك في إشارة واضحة منه إلى أتباعه بالمشاركة، وإعطائهم الضوء الأخضر للحضور في الاحتفال، لكن صالح الذي وعد بالحضور تراجع ولم يحضر.
لكن في الاحتفال القادم يبدو الأمر مختلف فقد دعا قيادات مرتبطة بالمؤتمر وبالرئيس صالح إلى مظاهرة في اليوم الثاني من الاحتفال بالمولد النوبي للحوثيين وذلك من اجل اسقاط حكومة الوفاق، واختيار هذا التأريخ اثار كثير من المخاوف لدى الساسة، حيث يعتبره البعض تنسيق بين الرئيس السابق وجماعة الحوثي لإسقاط الرئيس هادي وليس الحكومة فقط.
معلومات تحدثت بها وسائل اعلام أن تكاليف الحفل والتنظيم والحشد قد تم مقاسمتها مع قيادات من النظام السابق وكانت لهم اجتماعات دورية مع نجل الرئيس السابق على عبدالله صالح، واضافت المصادر أن صالح تواصل مع كثير من التجار وطلب منهم دعم فعالية الاحتفال التي تتبناها جماعة الحوثيين المسلحة.
وقال: إن ذلك التواصل لصالح أفضى إلى 1200 كرتون ماء، و12 دينة موز، وتاجر يمتلك أشهر فنادق العاصمة" بثلاثة مليون ريال، ومؤسسة الصالح تكفلت ببقية المواد الغذائية من دقيق وغاز وغيرها، وتبرعت ثلاثة مطاعم بالعاصمة صنعاء -تحتفظ الصحيفة بأسمائها- بالطبخ مجانًا.[12]
الصحفي عبدالحكيم هلال عبر في صفحته عن علاقة المولد النبوي بحملة 14 يناير بقوله سيكون الحوثيون قد حشدوا أعضائهم وأنصارهم الى صنعاء يوم الاثنين، من كافة المحافظات، بحجة الاحتفال بالمولد النبوي، وبالطبع ستكون تلك حجة أيضاً لصعود أنصار وأعضاء المؤتمر باسم الاحتفال ذاته.
سيبقى المحتفلون بالمولد حتى اليوم الثاني (14 يناير) لتنفيذ الأجندة التالية للاحتفال، بإحداث اضطرابات كبيرة مخطط لها سلفا في صنعاء، ويعتقد أن الإعدادات السرية لإنجاح بقية المخطط جاهزة..!!
لذلك، أضطر المؤتمر لنفي علاقته ب-14 يناير، لشعوره - وان كان متأخراً - ضرورة القيام بذلك، نظرا لحجم، والنتيجة المتوقعة من الحدث.
هذا الاندماج المؤتمري الحوثي والخدمات التي يقدمها النظام الذي كان في السابق يحارب مظاهر احتفال الحوثي بالمولد النبوي يفصح عن كثير من الأشياء، من ابرزها أن هذه الاحتفالات لم تكن ولن تكون دينية وإنما سياسية خالصة، يراد من خلالها استعراض القوة، والانتقام بواسطة الحوثي من القوى التي ساهمت بشكل كبير على سقوط نظام صالح.
لا ندري هل ستكون بوابة المولد النبوي هي نفسها التي ستعصف بحكم هادي ومن نفس الباب ستعود الإمامة البغيضة إلى اليمن.
تبقى الخيارات مفتوحة لكثير من التنبؤات وإن غدا لناظره قريب