جِلْسَةُ السُّؤَالِ وَالِامْتِحَانِ

يوسف العوض
1447/07/10 - 2025/12/30 08:31AM

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَعِينُهُ اسْتِعَانَةَ الْمُؤْمِنِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْمُذْنِبِينَ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ الدِّينِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي الْمُقَصِّرَةَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ لِيَوْمِ الرَّحِيلِ، ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُذَكَّرَ بِهِ الْعِبَادُ أَمْرُ الْقَبْرِ وَمَا فِيهِ مِنْ فِتْنَةٍ وَامْتِحَانٍ، فَالْقَبْرُ مَنْزِلُ الْوَحْدَةِ، وَمَحَلُّ الظُّلْمَةِ، وَمَوْضِعُ الِانْقِطَاعِ عَنِ الْأَهْلِ وَالْأَحِبَّةِ، فَلَا يُؤْنِسُ فِيهِ الْعَبْدَ إِلَّا عَمَلُهُ، وَلَا يَنْفَعُهُ إِلَّا إِيمَانُهُ.

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ فِتَنِ الْقُبُورِ سُؤَالَ الْمَلَكَيْنِ، فَإِذَا أُدْخِلَ الْعَبْدُ قَبْرَهُ، وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشَيِّعُونَ، وَسَمِعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ غِلَاظٌ شِدَادٌ، فَيُجْلِسَانِهِ جِلْسَةَ السُّؤَالِ وَالِامْتِحَانِ، لَا مَجَالَ فِيهَا لِلْكَذِبِ وَلَا لِلْهَرَبِ.

فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَهَذَا سُؤَالُ التَّوْحِيدِ، وَيَقُولَانِ: مَا دِينُكَ؟ فَهَذَا سُؤَالُ الِاسْتِسْلَامِ وَالطَّاعَةِ، وَيَقُولَانِ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ فَهَذَا سُؤَالُ الِاتِّبَاعِ وَالِاقْتِدَاءِ.

فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الَّذِي عَرَفَ رَبَّهُ فِي الدُّنْيَا، وَعَبَدَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ، وَاتَّبَعَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فَإِنَّ اللَّهَ يُثَبِّتُهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، لَا رَبَّ لِي سِوَاهُ، وَدِينِيَ الْإِسْلَامُ، رَضِيتُ بِهِ دِينًا، وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، آمَنْتُ بِهِ وَاتَّبَعْتُهُ.

فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَافْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ.

وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُعْرِضُ، أَوِ الْمُنَافِقُ، الَّذِي عَاشَ بِلَا إِيمَانٍ صَادِقٍ، وَلَا اتِّبَاعٍ حَقِيقِيٍّ، فَإِنَّهُ إِذَا سُئِلَ قَالَ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ، فَافْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ تِلْكَ الْأَسْئِلَةَ لَيْسَتْ نَظَرِيَّةً تُحْفَظُ بِاللِّسَانِ، وَلَا مَعْلُومَاتٍ تُرَدَّدُ فِي الْخُطَبِ، بَلْ هِيَ حَقَائِقُ يُجَابُ عَنْهَا بِالْعَمَلِ، وَيُثَبِّتُ اللَّهُ فِيهَا مَنْ ثَبَتَ عَلَى دِينِهِ فِي الْحَيَاةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا كَمَا أَمَرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إِقْرَارًا بِرُبُوبِيَّتِهِ وَإِلْزَامًا لِعُبُودِيَّتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النَّجَاةَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَالثَّبَاتَ عِنْدَ سُؤَالِ الْمَلَكَيْنِ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِأُمُورٍ عَظِيمَةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ أَسْبَابًا لِلثَّبَاتِ:

أَوَّلُهَا: تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ، فَمَنْ صَحَّ تَوْحِيدُهُ فِي الدُّنْيَا، ثَبَّتَهُ اللَّهُ فِي الْقَبْرِ، وَمَنْ خَالَطَ تَوْحِيدَهُ شِرْكٌ أَوْ رِيَاءٌ، كَانَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ.

وَثَانِيهَا: صِدْقُ الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَخْذُلُ مَنْ صَدَقَ مَعَهُ، ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾.

وَثَالِثُهَا: اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ السُّؤَالَ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ.

وَرَابِعُهَا: كَثْرَةُ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِعْدَادُ لَهُ، فَإِنَّ مَنْ ذَكَرَ الْمَوْتَ قَصَّرَ أَمَلَهُ، وَأَصْلَحَ عَمَلَهُ.

يَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، مَا أَسْرَعَ مَا نَنْتَقِلُ مِنْ ضَجِيجِ الدُّنْيَا إِلَى صَمْتِ الْقُبُورِ، وَمِنَ الْأَهْلِ وَالْأَوْلَادِ إِلَى عَمَلٍ مَقْبُولٍ أَوْ مَرْدُودٍ، فَطُوبَى لِمَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُقَالَ: فُلَانٌ قَدْ مَاتَ.

اللَّهُمَّ ثَبِّتْنَا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ قُبُورَنَا وَقُبُورَ وَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ رَوْضَاتٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ.

المرفقات

1767072651_امتحان القبر.docx

المشاهدات 203 | التعليقات 0