جُـمْـعَةٌ مُبَارَكَةٌ
د صالح بن مقبل العصيمي
1437/11/09 - 2016/08/12 11:08AM
[font="]جُمُعَةٌ مُبَارَكَةٌ[/font]
[font="]الجُمُعَةُ 16مِنْ ذِي القَعْدَةِ [/font]
[font="]إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. [/font][font="][/font]
[font="]عبادَ اللهِ، مَا مَاتَ نبيُ الهُدَى صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،إلا وقدْ تركَنَا على بيضاءَ ،نقيةٍ ،ليلُها كَنَهارِهَا ، لا يزيغُ عَنْها إلا هَالِكٌ، مَنْ زادَ فِيها فشَرُهُ كشرِ مَنْ أَنقَصَ مِنْها ، ومنْ أحدثَ فيها ،فقدْ شَرَعَ من الدِّينِ مَا لم يَأذَنْ بِهِ اللهُ ،لقولهِ تعالى: "أمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " فَكُلُ مبتدِعٍ ومُـحْـدِثٍ يعتبر زائدَ في دينِ اللهِ ، ومُشَرع ٍ في الدين فما لمْ يأذنْ بهِ اللهُ ، فما ماتَ محمدٌ ،صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا والدينُ قدْ أكمَلَهُ اللهُ وأتمَّهُ، وَرَضِيَهُ، لقولهِ تَعَالَى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا " قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ اللهُ عَنهُمَا:" أخبرَ اللهُ نَبِيَهُ والمؤمنينَ ، أنَّهُ أَكْمَلَ لهمُ الإيمانَ ،فلا يحتاجونَ إلى زيادةٍ أبداً، وقدْ أَتَمَّهُ فَلَا يُنْقِصُهُ أَبَدَاً، وقَدْ رَضِيَهُ فَلَا يَسْخَطْهُ أَبَدَاً " انْتَهَى كَلَامُهُ رضىَ اللهُ عَنْهُ ، فَما أكمَلَهُ اللهُ لا يَحتَاجُ إلى زيادةٍ، وما أَتَمَّهُ اللهُ فلا يَعْتَرِيْهِ نُقْصَانٌ ،وَمَا رَضِيَهُ فَلَا يَسْخَطُهُ أبداً، واِحْذَرُوا التَقَرُبُ للهِ بِمَا لا دليلَ عليهِ ، مِنْ كِتَابٍ ولا سُنَّةٍ ، ولمْ يَفْعَلْهُ النبيُ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ مِن بعدِهِ؛ فَلَا يَجُوزُ لمسلمٍ أنْ يَزِيْدَ في دِينِ اللهِ ما ليسَ مِنْهُ ، وأَلَّا يَبْتَدِعَ في دينِ اللهِ مالمْ يأذنْ بِهِ اللهُ، ولمْ يُرْشِدْهُمْ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَهْمَا اسْتَحْسَنَتْهُ عُقُولُهمْ ، وقَبِلَتْهُ أَمْزِجَتُهُمْ ، وزَيَّنَتْهُ لَهُمْ أنفُسُهُم وأهواؤُهم ، وقدْ حَذَّرَ النبيُّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منَ البدعِ أحسنَ تحذيرٍ، فقالَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ فيهِ فهوَ رَدٌ " رواهُ مسلمٌ .[/font]
[font="]عبادَ اللهِ، اعلَمُوا أَنَّ خَيَر الهَدْيِ هَدْيُ محمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، واحْذَرُوا البِدَعَ لِقَولِهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإِنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وخيرَ الهَدْيِ هَديُ محمَّدٍ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وشَرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها ، وكلَ بدعةٍ ضلالةٌ " رواهُ مسلمٌ، فهذا كلامُ أنصحِ الخلقِ للخلقِ، وأبرِّ الناسِ بالناسِ، وأعلمِهِم بما فيه صَلاُحُهُم وهِدَايَتُهُم ، وسارَ على نَهجِةِ أَصْحَابُهُ الغُرُّ المَيَامِينُ ، رضىَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، قالَ ابنُ مَسْعُودٍ ، رضىَ اللهُ عَنهُ. " اتبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا، فقدْ كُفِيتُمْ ،"رواهُ الطبرانيُّ بسندٍ صحيحٍ ، إِيْ وَرَبِّي، فلقدْ كُفِينَا ،فلمْ يَكلْنَا اللهُ إِلَى عُقولِنا، ولا إلى أَمزِجَتِنَا وَأَهْوَائِنَا، وقالَ ابنُ عُمرَ رضيَ اللهُ عَنهُمَا:"كُلُ بدعةٍ ضَلالةٌ وإِنْ رَآهَا النَّاسُ حَسَنَهً "رواهُ الـمـَـرْوَزِيُّ في السُّنَّةِ ، فتَأَمَّلُوا عِبَادَ الِلَّهِ هَذَا الأَثرَ العَظِيمَ: "كُلُ بدعةٍ ضَلالةٌ وإنْ رآها الناسُ حسنَةً " وشُدْ عَضُدَهَا بقولِ ابنِ عباسٍ ، رضىَ اللهُ عَنهُمَا: " مَا أتَى على الناسِ عامٌ إلا أحدَثُوا فيهِ بِدعةً وأَمَاتُوا فيهِ سُنَّةً حَتَّى تَحيَا البدعُ، وتموتَ السُّنَنُ" رَوَاهُ الطبرَانِيُّ وغيرُهُ، وهذا دليلٌ على أنَّ البدعَ مستمرةٌ، يُقَلِّدُ الناسُ فيها بعضُهمْ بَعْضَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ العليِّ العظيمِ! ومِن الأُمورِ التي انتشرتْ في الأَعوامِ الأَخيرةِ، معَ انتشارِ رسائلِ الهواتفِ النَّقَالَةِ، والذَّكيةِ ،ووسائلِ التواصلِ الاجتماعِيِّ المـُختلفةِ، ما يرسِلُهُ بعضُ الناسِ لبعضٍ في كلِ يومِ جُمعةٍ، بِقَولِهمْ: "جُمْعَةٌ مُبَاركَةٌ "، وبعضُهَا يَحْمِلُ التَّهنِئَةَ بيومِ الجُمعةِ، وبعضُها يَحُثُّكَ على أنْ تَختَتِمَ أُسبوعَك بخيرٍ ،ومثلُ هذه التَّهانِي والتباريكُ بيومِ الجمعةِ ، وجَعْلُها خاتِمَةً للعملِ ،منَ الأمورِ المحدَثَةِ التي لمْ تكنْ معروفةً عِندَ السَّلَفِ الصَّالحِ ، حتى تَـمَادَى البعضُ في إِرسالِ هذِهِ التهانيَ ،فَبَرْمَجَ بَعضُهم أَجهزَتَهُ على هذِهِ الرسائلِ في ساعةٍ موحدةٍ ،تُرسَلَ للمضافينَ على قَوَائِمِهِ كُلَّ أُسبوعٍ ، فَأَلزَمَ بِهَا نَفسَهُ، وتَطَوَّرَ الأَمرُ إلى أنَّ البَعْضَ لمْ يَقْتَصِرْ على إِرسالِ الرسائلِ فَقَط، بلْ يَـحُثُ على إِعَادَةِ الإِرسَالِ ،بـَحْثًا كما يزعم عنْ الأَجْرِ والـمَثُوبَةِ مِن اللهِ. " وهُمْ يَحَسبُونَ أَنهمْ يـُحسِنُونَ صُنعًا " ولَسْتُ أَدْرِي من أَينَ أَتَوا بهذه التَّهاني والتَبريكَاتَ ،وترتيبِ الثوابِ والأجرِ على هذِهِ الأفعالِ ؟هلْ عندَهُمْ عَلَى ذلك َدليلٌ مِنْ كتابٍ أو سُنَّةٍ أو قولِ صاحبِيٍّ حَتَّى نَلْتَزِمَ بِمَا يَقُولُونَ، أَمْ هُوَ مِمَّا اِسْتَحْسَنَتْهُ عُقُولُكُمْ ؟ فَلَا دَلِيلَ عندَهُمْ عَلَى صِحَّةِ مَا يَفْعَلُونَ؟[/font]
[font="]عبادَ اللهِ، لقدْ أدركَ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مئاتِ الجُمَعِ، وأَدرَكَ أصحَابُهُ آلافَ الجُمعِ، وأَدرَكَ سَلَفُ هذه الأمةِ عشراتِ الآلافِ مِنَ الجُمَعِ، لمْ يُعرفْ عن واحدٍ منْهم أَنَّهُ هنَّأ أَو بَارَكَ في دُخولِ يومِ الجمعةِ ، فهلْ نحنُ على هَديٍ خيرٍ من هَديِهم ؟ هلْ أَخْفَى اللهُ هذا الفضلَ عنْهُم، وحَرَمَهُمْ منه وادَّخَرَهُ لنَا؟ لا واللهِ، فَهُمْ خَيرٌ منَّا، وهديُهم خيرٌ من هَدينا فمَا لا يُعد في وَقتِهمْ دينٌ فلا يُعد في وقِتِنا دينٌ ، فَمِن أينَ أتى هَؤلاءِ بمثلِ هذهِ التهاني والتبريكاتِ ؟ لا شكَ أنّهَ من استحسانِ عُقُولِهمْ ، ومما يَدُلُ على أنَّ هذا الأمرَ محدثٌ أنّهُ ،لمْ يَنُصُ عليه السَلُفُ الصالحُ في كُتُبِهِمْ لا قَبُولاً ولا رفضًا ،ومَا ذَاكَ إلا لأَنّهُ وليدُ السَّنواتِ المتأخرةِ ،وقدْ انْبرَى لهذا العملِ المـُحْدَث أحدُ كِبَارِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ، وعُلَمَائِها وبَقِيَّةُ سَلَفِهَا ، في عَصْرِنَا الحَاضِرِ ،شَيخُنُا العلَّامَةُ ، الإمامُ : صالحُ بنُ فَوزان الفَوزان حَفِظَهُ اللهُ ، حيثُ قالُ شيخُنا " وهذا الأمرُ لا شَكَ في بِدعِيَتِهِ حيثُ لمْ يردْ عنْ رَسُولِ اللهِ ، ولا عنْ صَحَابَتِهِ الكرامِ رضوانُ اللهِ عَليْهِمْ ،مَعَ تَوافُرِ دَوَاعِيِهِ وأَسْبَابِهِ ،وما توفرتْ دواعِيهِ وأَسبَابُهُ ولمْ يَفْعَلْهُ النبيُ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأُصحَابُهُ فَهُوَ بِدْعَةٌ " انتهى ،كلامُهُ حَفِظَهُ اللهُ ،وقَدْ يَقُولُ قَائِلٌ أَنَّهُ وَرَدَ في الحديثِ الذى رَوَاهُ ابنُ مَاجَةَ وحَسَّنَهُ الأَلبَانِيُ" أَنَّه، صَلَى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ " وهذا لا حجة لهم فيه ، فكَونُها عِيدًا لا يُؤخَذُ بـِالمَفْهُومِ الشاملِ للعيد ،وإنما سميت بهذا الاسم ، لأنها تَتَكَرَرُ كُلَ أُسْبُوعٍ ، وتَعُودُ بِـمَـا فِيها مِن فضائل ، لا يَعنِى الاحِتفاءَ بها والتَّهَانيَ والتباريكَ ،ولا تُقَاسُ على العيدِ بأيِّ حالٍ مِن الأَحوالِ، فالعيدُ مثلاً: لا يجوزُ صومُهُ بحالٍ من الأَحوالِ ، وأمَّا الجُمعةُ ،فتُصامُ إذا لمْ يكن المقصودُ تَـخْصِيصُهَا بالصيامِ ، لما رَواهَ مُسلمٌ[/font][font="] [/font][font="]في صَحِيحِهِ من حَديثِ[/font][font="] [/font][font="]أَبي هريرةَ[/font][font="] [/font][font="]رضيَ اللهُ تعَالى عَنهُ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:" لا تَـخُصُوا ليلةَ الجُمعةِ بقيامٍ مِن بَينِ الليالي، ولَا تَخُصوا يومَ الجُمعةِ بصيامٍ مِن بينِ الأيامِ إلا أنْ يَكونَ في صومٍ يَصومُهُ أحدُكمْ " فدَلَ على أَنَّها ليستْ عيدًا، بحييُ تأخُذُ أحكامُ العيدِ منْ كُلِّ وَجْهٍ، ،بلْ لو وَافَقَتْ الجمعةُ عرفةَ، أو عَاشُوراءَ، لجَازَ إِفْرَادُهَا بالصومِ ،وغَاَيةُ مَا في الحديثِ أَنَّ يَومَ الجمعةِ يومٌ فَاضِلٌ ،ولكنْ لا يُخَصَّ بِمَزِيَّةٍ أَو بِعبادةٍ عَنْ غَيرِهِ من غَيرِ دَليلٍ فإذَا أَفردَها الإنسانُ بخاصيةِ الصيامِ ، أو القيامِ ، فقدْ خالفَ السنةَ ،معَ أنَّ القيامَ في الأَصلِ مَندُوبٌ إِليه ،فَإِذَا كانَ النَّهيُ عَنْ التَّخْصِيصِ وَاضِحاً وصَرِيـحًا في عِبَادةٍ مَندوبةٍ بالأَصلِ ، فَكَيفَ بمنْ يَـخُـصُونَها بِعِبادةٍ ليستْ مِن رَبِّهِ بالأَصلِ كَمَنْ يَخصُّونَها بالتَّهاني بِدُخولِها ،[/font][font="] [/font][font="]ومِمَا يَزِيدُ الأمرَ خَطَرًا ،أَنَّ في هَذِهِ التهنئةِ المـُحدَثَةِ تَشَبُهٌ بالنَصَارى ،ومَا أكثرَ مَا تَشبَهَ مقلدو أُمَتِنَا بالنَّصارَى! فَالنَّصَارى يَعْتَقِدُونَ في يومِ الأَحَدِ ، ويُرسِلَ بعضُهُمْ لِبَعْضٍ: " أَحَدٌ مُبَارَكٌ " فَجَاءَنَا مَن قالَ: " جـُمعةٌ مباركةٌ " ومَا أكثرَ رُدُودِ الأفعالِ التي نُحْدِثُهَا كَرَدَةِ فِعلٍ لِأفعَالِ اليهودِ والنَّصارى! حتى سِرنَا خَلفَهُم حَذوَ القِذَّةِ بِالقِذَّةِ ،وقدْ حَذَّرَ النبيُ " صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك ،فقالَ: " لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ ، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ فَمَنْ " متفقٌ عليهِ ، فاحتفلَ النَّصارى بِرأْسِ السّنَةِ الميلاديةِ ،واحتفلَ مُقلِدُوهُمْ مِن أُمَتِنَا بِرَأْسِ السَّنَةِ الهِجْرِيَّةِ ، وَأحيَا النَّصَارى مَولِدَا لِلمَسِيحِ ، وسَارَ على نَـهجِهِم مُقَلِدُوهُمْ مِنْ أُمَتِنَا فَصَنَعُوا احتِفَالاً بِميلادِ الَمَعصُومِ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، دَافِعُهَا التَّقْلِيدُ وَرَدَةُ الفِعْلِ ، والعَاطِفَةُ الجَيَّاشَةُ، غيرُ الـمُنْضَبِطَةِ، من غَيرِ دليلٍ ،ولا حَولَ ولا قُوةَ إِلا بِاللهِ العليِ العَظِيمِ! فَالحَذَرَ الحَذَرَ ،مِنْ إِرْسالِ هذه التَّهانيَ بِيَومِ الجُمُعَةِ ، أَو تَقَبُّلِهَا ، أَوْ إِعَادَةِ نَشْرِهَا حتى لا تَكُونَ شريكًا في هذا العملِ المحدثِ ، فَإِذَا جَاءتْكَ هذه الرسالةُ ، فَأَرسِلْ للمُرْسِلِ بِقَولِكَ: مَا دَلِيلُكَ وبُرْهَانُكَ عَلى هذه الـمُبَاركةِ ؟ استجابةً لقولِهِ تَعَالى: "قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ " ثمَّ بَيِّنْ لَه الحكمَ الشرعيَّ لها، ثمَّ قمْ بحذفِهَا ، ولا تُعدْ إرسالهَا لغيرِكَ ،وحَذِّرْ منْهَا ، فَبِمثلِ هذا الصنيعِ تموتُ البدعة ُويُقضى عَليها في مهدِها ،قبلَ أنْ تستفحلَ ويصعبُ نزعُها ،وتَجدُ مَن يقولُ: مالَكُمْ تُنكرونَ على النَّاسِ وهُمْ يُبارِكُونَ لِبعضِهِمْ في يومِ الجُمعةِ ،ويتقربونَ إلى اللهِ في ذَلِكَ، وَهُوَ عملٌ طيبٌ يدلُّ عَلَى المَحَبَّةِ ؟ فيُقَالُ لَهُمْ: إنَّهُ تَقَرُّبٌ إلى اللهِ بما لمْ يَأذنْ بِهِ اللهُ، ويُقالُ لهمْ : هَلْ سَتَقُولونَ لمنْ أَنْكَرَ عَلى مَنْ تَنَفَلَ نَفْلاً مُطلَقَا في وقتِ النَّهي: إِنَّكَ مُخطئٌ في إنكارك ويَصْدُقُ عليكَ قولُهُ تَعَالى: " أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْدًا إِذَا صَلَّى " أَمْ سَتُوَافِقُونَ عَلَى إِنْكَارِهِ ؟ لأن عُمَرَ، رَضِىَ اللهُ عَنْهُ " كان يَنْهَى عَن الركعتينِ بَعدَ العَصْرِ ويَضْرِبُ النَّاسَ عَليها " رَوَاهُ البُخَارِيُ ، فيقال لهم : فهلْ هَؤُلاءِ الذِينَ ضَرَبَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، يَلْعَبُونَ أَوْ يَلْهُونَ ؟لا وَرَبِّي، بلْ كَانُوا يُصَلُّونَ تَقَرُّبًا إلى اللهِ ، ولكنْ فِعلَهُمْ للصَّلاةِ في وَقْتٍ لم يأذنْ بِهِ اللهُ كَانَ هُوَ السَبَبُ في نَهيهِمْ عَنْهَا .[/font]
[font="]عبَادَ اللهِ، مَازالتْ هُناكَ فِئَةٌ مِن النَّاسِ ومِنَ العَجِيبِ أَنَّ فِيْهِمْ طَلَبَةُ عِلْمٍ تَتَعَجَبُ أَنَّها تُنْهى عَن عِبَادَةٍ مِن العباداتِ، ويَتَعجَبُونَ مِن كَونِها بدعةً مَعَ أَنَّها ِعِبَادَةٌ، فَلا يَقَعُ في أَذْهَانِهمْ أَنَّ التَّقَرُّبَ إِلى اللهِ بِمَا لمْ يَأْذنْ بِهِ اللهُ مَنهيٌّ عَنْهُ ، أَمَا عَلِمَ هَؤُلاءِ أَنَّ البِدَعَ لا تَقَعُ إِلا في العِبَادَاتِ ؟ بَلْ ومَا ابتَدَعَ مُبتَدِعٌ في الغَالبِ إِلا بِنِيَةِ التَّقَرُّبِ إِلى اللهِ بِنِيَّةٍ حَسَنَةٍ ، مِنْ بَابِ إِحسَانِ الظَّنِ بِهِمْ ، وَلَكِنَّ اللهَ لا يُتَقَرَّبُ إِليه إِلا بِما شَرَعَ ، فَلا تَستَهِينُوا - عِبَادَ اللهِ - بِمثلِ هذِهِ الأُمُورِ ،ولا تَستَحسِنُوهَا " وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ " وَلَقَدْ حَذَرَ رسولُ اللهِ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ممنْ يَصُومونَ طوالَ دَهرِهِمْ ،ومِمنْ يَقُومونَ طِوالَ لَيلِهِمْ ، وبَيَّنَ أَنَّ مَن صنعَ ذَلكَ ليسَ مِنْهُ ، بَلْ وذَمَّ اللهُ الرَّهبَانِيَةَ التي ابتَدَعَهَا النَّصارى ،مَعَ أَنَّهُمْ ،يَنقَطِعُونَ فيها للتعبدِ للهِ ،جلَ وعَلا ،لَكِنْ هذهِ المناهج َ في العباداتِ مناهجٌ غيرُ مشروعةٍ ،وكَمَا قالَ الإِمَامُ أبو شَامَةَ رَحِمَهُ اللهُ:" أَفَيَجُوزُ لِمُسلِمٍ يَسمَعُ هذه الأحاديثَ والآثارَ ، ثُمَّ يَقُول : إِنَّ النَبيَ صَلى الله عليه وسلم ، يَنْهَى عَن الصَّلاةِ مِن حَيثُ هي صَلاةٌ ؟ فَيُقَالُ لِمَنْ صلى في وَقْتِ النَّهي " كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ " لا يُقَالُ :ذَلِكَ ولا يَستَحْسِنُهُ إِلا جَاهِلٌ مُحرِّفٌ لكتابِ اللهِ ،مُبَدِلٌ لِكَلامِهِ، انتهى كلامُهُ رَحِمَهُ اللهُ " .[/font]
[font="] رَزَقَنَا اللهُ وإيّاَكُمْ اتباعَ السُنَّةِ، واجتنابَ البِدْعَةِ ، وحَمَانَا مِن مُضِلَّاتِ الفِتَن ِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ ،ونَفَعَنَا اللهُ وإيَّاكُم بالقرآنِ العَظِيمِ ، وبِـهَدْي خيرِ العالمينِ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلاةً سَرمَدِيَّةً إلى يوم ِيُبعثونَ ، جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِـي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.[/font]
[font="]أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبً فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] الْخطبةُ الثَّانِيَة[/font]
[font="]الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.[/font]
[font="]عبادَ اللهِ، إنَّ مِن أهمِّ مُهِمَّاتِ أهلِ العِلمِ : الغيرةُ للهِ ، ولرسولِهِ ،صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ولدِينِهِ ، بتعطيلِ ما أُلصقَ بالدينِ مما ليسَ منهُ ، وعَلى أهلِ العلمِ ذَمُّ هَذِهِ البدعِ ، والتحذيرُ منْها ، واستقباحُهَا، وتنفيُر النَّاسِ عَنْهَا ،أمَا السُكُوتُ عنْها ،فَهَذا قدْ يُفْهَمُ منه الموافقةُ عَلَيْهَا ،ويظنُّها العَوَامُ صحيحةً وحَسَنَةً ،فَيُعَانُ عَلَيْهَا بالبَاطِلِ ، والأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ أَيضًا : إِذَا تَوَلى كِبْرَ هذِهِ البدعِ طالبُ علمٍ مُقتدىً بِهِ ، قَدْ يَكُونُ استَحسَنَهَا في بادِئِ الأَمْرِ ، ثمَّ ثَقُلَ عليهِ أَنْ يَتَراجَعَ عَنهَا ،بعدما عُرِفَتْ عنهُ ، فَتَأخُذُهُ العزَّةُ بالإثمِ ، فَيُوهِمَ الناسَ انتصارًا لنَفسِهِ ، أَنَّها مِن السُّنَنِ ، فيكونُ كاذِبًا على اللهِ ، وعلى رَسُولِهِ ، صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِلِسانِ حالِهِ ، ولَوْ لمْ ينطق بها لسانُهُ ،ولسانُ الحالِ قدْ يقومُ مقامَ لسانِ المقالِ ، وأَكثَرَ ما أتى الناسُ البدعَ بهذا السببِ ، فَيتبعُهُ الناسُ ،وتَفسدُ بسببِهِ أمورُهُم ، ولا حولَ ولا قوةُ إلا باللهِ العلي ِّ العَظيمِ ،فَعليكم -عبادَ اللهِ- بالاعتِصَامِ بالكتابِ والسُّنَّهِ ،فاعتَصِمُوا بحبْلِ اللهِ ،ولا تَفَرَّقُوا ، واستَجِيبُوا للهِ ولرَسُولِهِ ،صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَمسَّكُوا بِقَولِ اللهِ تَعَالى: " فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " فالاعتِصَامُ بالكِتَابِ والسُّنَةِ ، مِن أَعظَمِ سُبُلِ النَّجَاةِ مِن البِدَعِ، ومُضِلّات ِالفِتَنِ، مَا ظَهَرَ منْهَا ومَا بَطَنَ .اللهُمَ رُدَنَا إِلَيكَ رَدًّا جَميلاً ولا تَجعَلْ مِنْ بَينِنَا شَقِيَّا ولا مَحرُومًا.[/font]
[font="]اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ[/font][font="] يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. [/font][font="]الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.[/font][font="][/font]
[font="] [/font]
المرفقات
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ.docx
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ.docx
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ.pdf
جُمْعَةٌ مُبَارَكَةٌ.pdf
جمعة مباركة .docx
جمعة مباركة .docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق