جريمة اللواط!

جريمة اللواط! 
 
خطبة الجمعة. 
 
الخطبة الأولى 
الحمد لله الذي يسر لنا سبل الهدى والتقى والعفاف، ونجانا بفضله مما يحذر المرء منه ويخاف، وأكرمنا بجوده الذي ليس على أحد بخافٍ، وجعلنا بكرمه ومنَّته من المسلمين الأحناف، أحمده سبحانه وأشكره أنْ شرع لأمة الإسلام من الحدود ما يحفظ لها أمنها ودينها وعفافها وسلامتها من الانحراف، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
 
فإن خير الكلام كلامُ الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
 
 
أيها المسلمون: فطر الله جل وعلا بني آدم على حب الخير والنزاهة والعفة، وسمو الهدف، وحسن الأخلاق، كما فطرهم على كره الشر والرذائل، والساقط من الأخلاق والأفعال والأقوال، بيد أن قومًا من بني البشر شذوا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، فقلبوا الموازين، واستبدلوا بالخير الشر، وبالعفة والنزاهة الخسةَ والقذارة، فعمدوا إلى ما نهى الله عنه فأتوه، وإلى ما أمر الله به فقلَوه وتركوه، يعيش أحدهم في عالم الجرائم والذنوب والمعاصي، تنازعه فطرته الخيرة فيكبتها، ويدعوه واعظ الخير في قلبه فلا يعبأ بدعائه، لا يتورع عن ارتكاب أي ذنب مهما عظم؛ لأن الجرم قد استحكم، وغلبة النفس قد طغت.
 
 
 
جريمة نكراء يقدم عليها كل من انتكست فطرته، واتصف بكل صفات الخنا والعار؛ إنها جريمة عمل قوم لوط، التي كلِفت بها النفوس الخبيثة، وغذَّتها وسائل وروافد عديدة.
 
عباد الله:
تدبروا آيات الكتاب، وتذكروا ما فيه من الثواب والعقاب، وتأملوا ما فيه من المواعظ والعبر؛ قال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ ، وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)
وإن من أعظم مواعظ القرآن ما قصه الله من أخبار الرسل والأمم، وبيان عاقبة من أطاعهم وعاقبة من عصاهم، حتى يعلم كل أحد أنه إن أطاع الله ورسوله ﷺ فاز فوزاً عظيماً، وإن عصى الله ورسوله ﷺ خسر خسراناً مبيناً.
 
ومن أخبار الأمم التي قصها الله تعالى قصةُ قومِ لوط، وكانوا قوماً مشركين، ومع شركهم كانوا من أسوء الناس سيرة، وأخبثِهم علانيةً وسريرة، فكانوا قُطّاعَ طرق ينبهون الغادِيَ والرائح، ويجاهرون في نواديهم بالقبائح، وسبقوا البشريةَ كلَّها إلى الفاحشة المنكرة، فكانوا يأتون الرجال شهوةً مِن دون النساءِ والعياذُ بالله.
 
فأرسل الله إليهم لوطاً عليه السلام رحمةً بهم، وإعذاراً إليهم، يدعوهم إلى التوحيد ليطهرهم من الشرك، ويدعوهم إلى الإصلاح ليطهرهم من الإفساد في الأرض، ويدعوهم إلى عفة الفروج والاكتفاء بالحلال عن الحرام، ليطهرهم من الفاحشة التي لا يقرها دينٌ ولا عَقْل، ولا فِطرةٌ ولا مُروءة.
 
لكنّهم أَصرّوا على ما هم عليه، فأرسل الله تعالى ملائكةً في صورةِ شبابٍ حِسانِ الوجوه،
استدراجا لهم. 
وهنا تنبيه هام!! 
قد يعطى الرجل حسنا وجمالا 
فهذا يكون ابتلاء من الله عز وجل 
لينظر الله ماذا يعمل عبده بما وهبه 
فإن اتقى الله زاده جمالا فاجتمع جمالا المظهر والسريره والله جميل يحب الجمال. 
وأما إن أعطاه الله الحسن والجمال 
ثم انتكس في فطرته بأن تنصل عن رجولته التي طبيعتها الخشونة والقوة وتظاهر بالنعومة وبالغ في زينته ومتشبها بالنساء في هيئته أو كلامه أو لبسه وهو مع ذلك جميل في خِلقته لاشك أن ذلك الرجل خسر في هذا الاختبار الذي اختبره الله به. 
وهو وهذا حاله سيُفتن ويفتن ويَضل ويُضل نسأل الله العافية. 
وهذا توجيه لأولياء الأمور الآباء، والأعمام والأخوال ومن عنده رعية يرعاها! 
اتقي الله فيهم.. 
وربّهم تربيةً تناسب فطرتهم
فالأمة والوطن والمجتمع 
لا يحتاج إلى ذكور أشباه الرجال! 
بل إلى رجال بمعنى الكلمة! 
نحتاج إلى رجال في هيئتهم وفي مواقفهم 
ورجال في كلامهم وفي حالهم كله والله المستعان. 
عباد الله! 
 نزل ضيوف لوط على لوط عليه السلام وهو لا يعرف حقيقتهم، فتسامعَ بهم قومه، فحاولوا الوصول إليهم ليفعلوا بهم ما تعوّدوه من الفاحشة القبيحة، فنزل بلوطٍ هَمٌّ عظيم، وكَربٌ شديدٌ، فقال متمنّياً : “لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ” أي أنه لا طاقة له بهم، ولا أنصارَ له من بيته ولا من غيرهم، فلم تكن له ذريةٌ إلا بنات -وهكذا كان الأنبياءُ آباءَ بناتٍ- كما قال أحمدُ رحمه الله.
 
فلما رأتِ الملائكة ُكَرْبَ لوطٍ وخوفَه مِن وصولِ قومهِ إليهم أفصحوا له بالحقيقة: “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ” أي لسنا بشراً بل ملائكة، فلن يصلوا إليك ولا إلينا بسوء فَطِبْ نفساً وقَرَّ عيناً، ثم صفَقَ جبريلُ بطَرَفِ جناحهِ وجوهَ القائمينَ على الباب فذهبتْ أبصارُهم، كما قال تعالى (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ) [القمر: 37]
 
ثم أمرت الملائكة لوطاً أن يخرج هو وابنتاه بالليل، وأن يمشيَ وراءَهما، وأن يتّجِهَ نحوَ بلادِ الشام، وأن لا يتلفتَ أحدٌ منهم إلى الوراءِ عندَ نزولِ العذابِ بقومِهم، وهذا معنى قوله تعالى (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) [الحجر: 65].
 
فأرسل الله عند الصباح على قومِ لوطٍ حجارةً من سجِّيلٍ منضود، وقلَعَ ديارهم فرُفِعتْ إلى السماء ثم قُلِبتْ عليهم بمن فيها، حتى امرأةِ لوط فإنها كانت كافرةً على دينِ قومِها، ولاحظوا أنها لم تفعل الفاحشة معهم ولكن لأنها رضيت عملهم عمتها العقوبة معهم! فهلكوا جميعاً بعدل الله وقدرته. ونجّى الله لوطاً وابنتيهِ بفضله ورحمته.
 
وجعل اللهُ قومَ لوطٍ عظةً وعبرةً للأمم من بعدهم، فمن عمل مثل عملهم فإنّ عذاب الله منه قريب. (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود: 82، 83] نعوذ بالله من غضبه وانتقامه، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
 
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، والصلاة والسلام على من حذر أمته من مضلات الفتن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بعثه ربه بأحسن سبيلٍ، وأفضل كتاب، وأقوم سنن، صلى الله عليه وآله وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:
 
فاتقوا الله تعالى يا عباد الله، واعتصموا به، واستغيثوا به واستعينوه، واحرصوا على الفضيلة وسُبُلها، وربُّوا ذريتكم عليها، واسألوا الله صلاحكم وصلاحهم؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "لو أن لوطيًّا اغتسل بكل قطرة من السماء، لقِيَ الله غير طاهر"، فلهذه الجريمة أضرار كثيرة جدًّا يقصُر دونها العدُّ والإحصاء، وهذه الأضرار متعددة؛ فأضرار دينية، وخلقية، واجتماعية، ونفسية، وصحية، وغير ذلك، فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وسبب للبعد عن علَّام الغيوب، وسبب لمقت الله وأليم عقابه، وأخذه الشديد في الدنيا والآخرة، بل خطرها على التوحيد؛ إذ إنها ذريعة للعشق، والعشق ذريعة للشرك والتعلق بغير الله تعالى.
 
 
 
ومن أضراره قلة الحياء، فالحياء هو الحياة:
 
فلا والله ما في العيش خيرٌ 
ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ 
 
 
ومنها سوء الخلق، وقسوة القلب، وقتل المروءة والشهامة، وانتكاس الفطرة، وذهاب الغَيرة من القلب، وسواد الوجه وظلمته، وحرمان العلم وبركته، وذهاب الشجاعة.
 
 
 
ومن أضرارها زوال البركات والخيرات، وحلول العقوبات، وقلة الأمن، وشيوع الفوضى، وحرمان الأمة من السعادة الحقيقية وتفسخ المجتمع وتحلله، وهل يرجى ممن يلوط العَذِرَةَ، أو يدعو الناس لنفسه كالمرأة خيرًا؟! ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46].
 
عباد الله! 
جريمة اللواط من كبائر الذنوب، ومن أعظم الفواحش، وقد عذَّبَ اللهُ أهلهُ عذاباً ما ذَكر أَنّهُ عَذَّبَ أُمَّةً بمثله، والعياذُ بالله.
 
وقد حذّرَ النبي ﷺ أمته من هذه الفاحشة فقال ﷺ : ” إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ” رواه الترمذي، وقال ﷺ: “لَعَنَ اللهُ من عمِلَ عَمَلَ قومِ لُوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قوْمِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ” رواه أحمد. وقال ﷺ : «لا ينظر الله إلى رجل أتى ذكرا أو امرأة في دبرها» رواه الترمذي ، و جاء عنه ﷺ الأمرُ بقتلِ اللوطي ففي الحديث “مَن وجَدتمُوهُ يعملُ عملَ قومِ لوطٍ، فاقتُلُوا الفَاعِلَ والمفعولَ بهِ” أي فليقتلهُ ولاةُ الأمور.
وهذا التحذيرُ الشديدُ من اللواط، وترتيبُ العقوباتِ الدنيوية والأخرويةِ عليه دليلٌ على قُبحِ هذه الفاحشة لما تفضي إليه من فسادِ الدين، والأخلاقِ، والفِطرةِ، والصِّحة، واختلالِ القِيَم، وانهدامِ الأُسر، وتَفكّكِ المجتمع، وغيرِ ذلك من المفاسد.
 
عباد الله:
 
إن الوقوع في هذه الفاحشة له مقدمات تسبقه: منها ضعفُ الإيمان، وإطلاقُ النظر، والتساهلُ بكشفِ العورات، وإهمالُ التربية، والخلوة بالمردان من غير حاجة والأمرد هو الشاب الذي لم يظهر شعر وجه ، ومن الأسباب التمايع والمبالغة في العناية بالأبناء من قبل الوالدين، وصحبة السوء، والأفلام والمقاطع الخليعة، وضعف الوازع الديني، وصعوبة الزواج مع ترك الصيام وضعف الوازع الديني وغيرُ ذلكَ من الأسباب، فالواجبُ الحذر، والحرصُ على أسبابِ السلامة، لا سيما في زمن تحاول فيه كثير من البلاد أن تفرض على الناس تقبل الشذوذ، وتفرضَ العقوبةَ على مَن يُحذِّرُ منه، حفظ الله علينا ديننا، وأخلاقَنا، وقيَمَنا، وذرياتِنا، فاللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.
 
معاشر المؤمنين: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الصحابة أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنّا معهم بمنّك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين. اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. اللهم وفق إمامنا وولي عهده بتوفيقك وأيدهم بتأييدك وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
المرفقات

1715210606_جريمة اللواط.pdf

المشاهدات 177 | التعليقات 0