جَرِيمَةُ السَّرِقَةِ وَأَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْحَرَامِ 14 رَجَب 1445هـ
محمد بن مبارك الشرافي
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ},{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا},{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْمَالَ فِي الْأَرْضِ لِيَكُونَ قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَقَدْ حَفِظَهُ عَلَيْهِمْ، فَحَرَّمَ الاعْتِدَاءَ عَلَيْهِ بِأَيِّ طَرِيقٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾، وَجَاءَ مَنْعُ أَخْذِ حُقُوقِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) رَوَاهُ مُسْلِم، وَلا فَرْقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ خَاصًّا أَوْ عَامًّا، فَيُمْنَعُ أَخْذُه أَوِ التَّعَدِّي عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا لا شَكَّ فِيهِ أَنَّ السَّرِقَةَ حَرَامٌ وَجَرِيمَةٌ مَهْمَا قَلَّ قَدْرُهَا وَخَفِيَتْ سَبِيلُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ نُقُودًا أَوْ مَنَافِعَ، مَنْقُولاتٍ أَوْ عَقَارَاتٍ، فَقَدْ حَرَّمَهَا دِينُنَا الْإِسْلَامُ وَحَذَّرَ مِنْ ضَرَرِهَا.
وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ يُبَايِعُ الْمُسْلِمِينَ رِجَالًا وَنِسَاءً عَلَى اجْتِنَابِهَا، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَتِ الْمُؤْمِنَاتُ إِذَا هَاجَرْنَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْتَحَنَّ بِقَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ, رَوَاهُ مُسْلِم، فَتَأَمَّلُوا عِبَادَ اللهِ ذِكْرَ السَّرِقَةِ مَعَ الشِّرْكِ وَالزِّنَا وَقَتْلِ الْأَوْلادِ لِتَعْلَمُوا جُرْمَهَا.
وَمِمَّا يُؤْسَفَ لَهُ جِدًّا أَنَّهُ قَدِ انْتَشَرَ فِي النَّاسِ أَشْكَالٌ مِنَ السَّرِقَةِ وَالاخْتِلَاسِ، طَالَتِ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ، وَالْمَالَ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ، حَتَّى سَرَقَ الْمُوَظَّفُ مَا خَفَّ وَثَقُلَ مِنْ أَدْوَاتِ مَكْتَبِهِ وَأَقْلَامِهِ، وَسَرَقَ الْمُقَاوِلُ وَالْعُمَّالُ، حَتَّى أَنْقَصُوا الْأَسْمَنْتَ وَالْحَدِيدَ عِنْدَ الْبِنَاءِ، وَسَرَقَ الْمَسْؤُولُ مِمَّا طَالَتْ يَدُهُ مِنْ مَالٍ عَامٍّ، وَسُرِقَتِ السَّيَّارَاتُ وَالْمَنَازِلُ وَالْمَزَارِعُ، وَسُرِقَتْ كِيبَلاتُ الْكَهْرَبَاءِ مِنَ الْعِمَارَاتِ وَمِنَ الْمَحَاوِرِ الزَّرَاعِيَّةِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُقْلِقٌ جِدًّا، حَتَّى صَارَ النَّاسُ لا يَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبِ هَذَا الْبَلاءِ وَالْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَالِ بِأَيِّ طَرِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِي المَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الحَلاَلِ أَمْ مِنَ الحَرَامِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ, يَعْنِي : مَا أَخَذَ المالَ مِنْ أَيِّ طَرِيق.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اسْمَعُوا مِنْ نُصُوصِ الْوَحْيِ مَا يُرْهِبُ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ إِيمَانٌ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنِ السُّلْطَانِ وَالزَّاجِرِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾, فَأَوْجَبَ اللهُ قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ وَإِزَالَتَهَا مِنْ بَدَنِهِ, عُقُوبَةً لَهُ وَنَكَالًا وَحِفْظًا لِأَمَوَالِ النَّاسِ وَمُمْتَلَكَاتِهِمْ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَاللَّعْنُ مَعْنَاهُ: الطَّرْدُ وَالإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِنَ العُقُوبَاتِ : أَنَّ صَدَقَةَ السَّارِقِ وَدُعُاءَهُ مَحْجُوبَانِ عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى، لا يَقْبَلُ اللهُ إِحْسَانَهُ وَلا يَسْمَعُ دُعَاءَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}, ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَّا عَنْ جَزَائِهِ فِي الآخِرَةِ فَإِنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يُسْأَلُ عَنِ المالِ مِنْ أَيْنَ جَاءَ وَأَيْنَ ذَهَبَ ؟ فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح, وَصَحَّحَهُ الْأَلْبانِيّ، فَلْيُعِدَّ سُرَّاقُ الْمَالِ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ جَوَابَهُمْ أَوْ يَتُوبُوا إِلَى رَبِّهِمْ.
ثُمَّ إِنَّ مَنْ تَغَذَّى بِالْمَالَ الحَرَامِ مِنْ سَرِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ طَرِيقُهُ إِلَى النَّارِ, فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبانِيّ.
اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْمَالَ الْحَرَامَ وَتُبْ عَلَيْنَا تَوْبَةَ الصَّادِقِينَ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ الذِي أَبَاحَ لَنَا الطَّيِّبَاتِ وَبَارَكَ فِيهَا, وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ وَخَوَّفَ مِنْهَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُعَلِّمِ الْبَشَرِيَّةِ الْخَيرَ وَالصَّلَاحَ، الْهَادِي إِلَى سَبِيلِ الْفَلَاحِ وَعلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مَشْتَبِهَاتُ, فَخُذُوا مَا أَبَاحَ اللهُ لَكُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَاتَّقُوا الْحَرَامَ، وَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوهُ يَسْلَمْ دِينُكُمْ وَتَسْلَمُ أَعْرَاضُكُمْ.
وَلْيَعْلَمِ السَّارِقُ لِغَيْرِ حَقِّهِ أَنَّهُ لَنْ يَزِيدَ بِسَرْقَتِهِ فِي رِزْقِهِ فِلْسًا وَاحِدًا. وَلَوْ صَبَرَ السَّارِقُ سَاعَةً وَاسْتَرْزَقَ بِمَا أَبَاحَ اللهُ لِأَتَاهَ مَا سَرَقَهُ مِنْ طَرِيقٍ مُبَاحٍ مُبَارَكٍ. فَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَحْرِمُ نَفْسَهُ الرِّزْقَ الْحَلَالَ بِتَرْكِ الصَّبْرِ، وَلا يَزْدَادُ عَلَى مَا قُدِّرَ لَهُ فِي بَطْنِ أُمَّه.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدِ اسْتَسْهَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنْوَاعًا مِنَ السَّرِقَاتِ، ظَنُّوهَا مُبَاحَاتٍ أَوْ مُتَشَابِهَاتٍ وَهِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، وَخَاصَّةً فِي الْمَالِ الْعَامِّ وَسَرِقَةِ الْأَرَاضِي، يَسْرِقُ بَعْضُهُمْ أَشْبَارًا أَوْ أَمْتَارًا أَوْ رَصِيفًا أَوْ مَدْخَلًا أَوْ مَخْرَجًا مِنْ أَرْضِ الْعُمُومِ أَوِ الْخُصُوصِ، وَمَا وَعَوْا أَنَّهُمْ يَأْتُونَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مُحَمَّلِينَ أَمَامَ الخَلَائِقِ, فَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الأَمْوَالِ التِي ائْتُمِنَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ قَدِ اسْتَوْجَبَ النَّارِ, عَنْ خَوْلَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ رِجَالاً يَتخوَّضون فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ, ومعنى يَتَخَوَّضُونَ أَيْ: يَعْبَثُونَ فِي مَالِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ بَصِيرَةٍ، بَلْ اسْتَسْهَلَهَا كَثِيرُونَ وَفَرِحُوا بِهَا وَاسْتَسَاغُوا إِطْعَامَهَا أَوْلادَهُمْ، فَيَسْرِقُ بَعْضُهُمْ فِي عَدَّادَاتِ الْمَاءِ وَالْكَهْرَبَاءِ، بَلْ إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُوصِلُونَ الْمَاءَ وَالْكَهْرَبَاءَ إِلَى بُيُوتِهِمْ بِطُرُقٍ خَفِيَّةٍ لا يَدْفَعُونَ أُجْرَتَهَا وَيَقُولُ: هَذَا حَقِّي، فَلا يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ وَلَا يَتَرَاجَعُ عَنْ فِعْلِهِ، وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ أَعْظَمُ مِنَ السَّرِقَةِ، حَيْثُ يَرْتَكِبَ الْمُسْلِمُ الْحَرَامَ الْكَبِيرَ وَهُوَ مُصِرٌّ لا يَسْتَغْفِرُ. وَإِذَا نُصِحَ أَحَدُهُمْ فِيهَا قَالَ: هَذَا مَالُ الشَّعْبِ وَنَحْنُ أَفْرَادٌ مِنْهُ، فَنَقُولُ: إِنْ كُنْتَ فَرْدًا مِنْهُ فَأَطْعِمْ جَمِيعَ الشَّعْبِ وَقَاسِمْهُمْ وَانْتَظِرَ دَوْرَكَ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ السَّرِقَاتِ لا يَكْفِي فِيهَا الْإِقْلَاعُ وَالنَّدَمُ حَتَّى يُرَدُّ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ إِلَى صَاحِبِهِ إِنْ وَجَدَهُ، أَوْ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ كُلِّهِ بِنِيَّةِ الْأَجْرِ لِصَاحِبِهِ وَلْيُكْثِرْ مِنَ الاسْتِغْفَارِ، قَبْلَ أَنْ يُؤَاخَذَ بِهِ فَيُفْلِسُ يَوْمَ لا دِرْهَمَ وَلا دِينَارَ إِلَّا الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ.
أَيُّهَا المسْلِمُونَ: إِنَّ مِمَّا وَصَلَتْ بِهِ الحَالُ فِي بَعْضِ البِلَادِ الإِسْلَامِيَّةِ أَنَّ اللُّصُوصَ يَعْتَدُونَ عَلَى النَّاسِ وَسْطَ الطُرُقَاتِ وَالشَّوارِعِ, ثُمَّ لَا أَحَدَ يَنْصُرُهُمْ أَوْ يُدَافِعُ عَنْهُمْ بِسَبَبِ التَّخَاذُلِ وَالأَنَانِيَّةِ، وَرُبَّمَا تَسَلَّلَ السُّرَّاقُ إِلَى بُيُوتِ الْغَائِبِينَ, وَالْجِيرَانُ يَعْلَمُوَن وَلَا يُحَرِّكُونَ سَاكِنَةً, وَكَأَنَّ الأَمْرَ لَا يَعْنِيهِمْ, وَهَذَا أَمْرٌ يُحْزِنُ, وَهُوَ مِنْ خُذْلَانِ المسْلِمِ لِأَخِيهِ, وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ نَتَعَاوَنَ عَلَى مُدَافَعَةِ هَؤُلاءِ الْمُعْتَدِينَ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ وَالتَّبْلِيغِ عَنْهُمْ, حَتَّى يَقِلَّ الشَّرُّ إِنْ لَمْ يَنْقَطِعَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ وَالبَلَاءِ, وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ, اللَّهُمَّ احْفَظْ أَعْرَاضَنَا وَأَمْوالَنَا وَأَبْدَانَنَا, اللَّهُمَّ أَتِمَّ عَلَيْنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلَامَةِ وَالإِسْلَامِ، الَّلهُمَّ اجْعَلْنَا مِمنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ، الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
المرفقات
1706082435_جَرِيمَةُ السَّرِقَةِ وَأَكْلِ الْأَمْوَالِ بِالْحَرَامِ 14 رَجَب 1445هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق