جريمة التستر التجاري *موافقة للتعميم*

محمد آل مداوي
1443/03/08 - 2021/10/14 15:25PM

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبدُه ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد:

فاتَّقُوا اللهَ عِبادَ الله، اتَّقُوا اللهَ، واعْلَمُوا أنَّ أرزاقَكُم مَكْتُوبَة، وآجَالَكُم مَحْدُودَة، "فاتَّقوا اللهَ وأَجْمِلُوا في الطَّلَب، ولا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزقِ أنْ تَطْلبُوهُ بمعَاصِي الله، فإنَّ اللهَ لا يُدْرَكُ ما عِندَهُ إلَّا بطاعَتِه".

أيها المسلمون: لَقَدْ جَمَعَتْ شَرِيعَةُ الإسْلامِ المحَاسِنَ كُلَّهَا، فَحَفِظَت الدِّينَ، وحَرَسَت العُقُولَ، وطَهَّرَت الأموَالَ، وصَانَت الأعرَاضَ، وأَمَّنَت النُّفُوسَ، وحَذَّرَتْ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ يُخِلُّ بِالأمنِ والاستِقرَارِ، وكانَتْ مِنْ دَعَوَاتِ الخَلِيلِ إبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَام: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا)

وإذَا ضَاعَ الأمنُ؛ سُفِكَت الدِّمَاء، وانْتُهِكَت الأعرَاضُ، وعَمَّت الفَوْضَى، وأَصْبَحَ النَّاسُ في فَقْرٍ وَخَوْفٍ، ولم يَهْنَؤُوا بِطَعَامٍ وَلَا بِنَوْم، ولَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ مَلَذَّاتِ الدُّنيَا.

وإنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ البِلَاِد: أَنْ رَزَقَهَا سَلَامَةً في المُعْتَقَد، ووَفْرَةً في الرِّزقِ؛ ممَّا جَعَلها مَقْصِدًا للنَّاسِ مِنْ كُلِّ مكان، يَأْمَلُونَ العَيْشَ فيها، والتَّكَسُّبَ في أَرْضِها، والتَّمَتُّعَ بنِعَمِ اللهِ فيها؛ وهذا ما يُوجِبُ علينَا شُكْرَ المُتَفَضِّلِ سُبحانَه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)

ومَعَ هَذِهِ النِّعَمِ الوَافِرَةِ؛ تَظْهَرُ عِنْدَ ضِعَافِ النُّفُوسِ: جَرِيمَةٌ تُكَدِّرُ صَفْوَ أَمْنِنَا، وتَعْبَثُ بِمُقَدَّرَاتِ بِلاَدِنَا؛ ألاَ وهِيَ: جَرِيمَةُ التَّسَتُّرِ التِّجَارِيِّ، وتَشْغِيلِ الوَافِدِينَ في أَعْمَالٍ تِجَارِيَّةٍ خِلافَ مَا اسْتُقْدِمُوا لَه.

 

ومِنْ أَبْرَزِ الدَّوافِعِ لارتِكَابِ هذهِ الجَريمَةِ: الشُّحُّ والطَّمَع، ممَّا يَدْفَعُ إلى الظُّلْمِ والتَّحَايُل، وأَكْلِ الأمْوَالِ بالبَاطِل، والنبيُّ r يقول: (اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ، فَإنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكوا دِماءَهُمْ، واسْتَحَلُّوا مَحارِمَهُمْ).

أيّها المسلمون: تَشْغِيلُ العَمَالَةِ بصُورةٍ غَيرِ نِّظَامِيَّة، أَو عِنْدَ غَيرِ مَنِ اسْتُقْدِمُوا لَه، وإِيوَائِهِم، والتَّسَتُّرِ عَلَيْهِم؛ مُخَالَفَةٌ لِلنِّظَام، ومَعْصِيَةٌ لِوَلِيِّ الأَمْر، وجِنَايَةٌ عَلَى الوَطَنِ وَالمُوَاطِنِينَ، والمُقِيمِين.. فَكَثْرَةُ العَمَالَةِ غَيرِ النِّظَامِيَّةِ تُؤدِّي إلى كَثْرَةِ الفَسَاد، وكَسَادِ سُوقِ العَمَل، ونَشْرِ الفَوْضَى، وحِرْمَانِ مَنْ يَسْتَحِقُّ العَمَل.

وَمِنْ آثَارِها كَذَلِك: كَثْرَةُ الجَرَائِمِ الأَمْنِيَّةِ؛ كَالمُتَاجَرَةِ في الأَشيَاءِ المَمْنُوعَة، والسَّرِقَة، وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الجَرَائِمِ الخَطِيرَةِ عَلَى المُجْتَمَعِ.

فَاتَّقُوا اللهَ -أَيُّهَا المُسْلِمُون-، واحْرِصُوا عَلَى أَسْبَابِ السَّلاَمَةِ مِنْ هَذِهِ الجَرِيمَة، بِالحِرْصِ عَلَى الكَسْبِ الحَلاَل، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)

 

واحْرِصُوا عَلَى العَمَلِ بِالأَنْظِمَةِ والتَّعْلِيمَاتِ الَّتِي سَنَّهَا وَلِيُّ الأَمْر، وَالحَذَرِ مِنْ مُخَالَفَتِهَا، لاَ سِيَّمَا وأَنَّهَا تَصُبُّ في مَصْلَحَةِ الوَطَنِ والمُوَاطِنِ، واللهُ تَعَالَى يَقُول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)

 

بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ فاستغفروه يغفر لكم، وتوبوا إليه يتب عليكم، إنه هو التوَّاب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ: أيها المسلمون:

الأمنُ والنِّظامُ مَسْئولِيَّةُ الجَمِيع، ويَجِبُ التَّعاوُنُ للمُحَافَظةِ على أَمْنِ واقْتِصَادِ وصِحَّةِ وَطَنِنا، (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيْدُ الْعِقَابِ)

فاتَّقوا ربَّكُم، وطَيِّبُوا مَكَاسِبَكُم، أَعْطُوا الأُجَراءَ حُقُوقَهُم، وأَوْفُوهُم مَالَهُم، واحْذَرُوا الظُّلم.. طَبِّقُوا الأنْظِمَة، وَلْنُسَاهِمْ في القَضَاءِ على جَرِيمَةِ التَّسَتُّر، والتَّبليغِ عنها. ولْيُبَادِرِ العَامِلُ ومَنْ يُؤويهِ بانْتِهَازِ فُرْصَةِ التَّصْحِيحِ المَمْنُوحَةِ قبلَ انقِضَائِها.

فاتَّقُوا الله عبادَ الله، ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.

اللهُمَّ اِحْمِ بلادَنا، وسائرَ بلادِ الإسلامِ مِنَ الفِتَنِ والمِحَن، مَا ظَهَرَ مِنهَا ومَا بَطَن. اللهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الحَرَمَينِ الشَّريفينِ ووَلِيَّ عَهدِهِ لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِهمَا للبِرِّ والتَّقْوَى، وأعنهما على ما فيهِ صلاحُ الإسلام والمسلمين.

اللهُمَّ ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّة، واقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَة، اللهُمَّ واحْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإسلامِ في كُلِّ مَكَانٍ، يا أَرحَمَ الراحِمين.

اللهُمَّ احفَظْ جنودَنا المرابطين على الثُّغور، اللهُمَّ قَوِّ عزائمَهُم، وسَدِّدْ سهامَهُم، واكبِتْ أعداءَهُم، وتقبَّلْ شهيدَهُم، وعافِ جريحَهُم، وانصُرْهم على القَومِ الباغين، يا ربَّ العالمين.

اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التي فيها مَعَاشُنَا، وأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التي فيها مَعَادُنَا، واجْعَلِ الحَياةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيْر، والمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

اللهُمَّ أَغْنِ الحاضِرينَ مِنْ واسِعِ عَطائك، اللهم اكفِهم بحلالِكَ عن حَرامِك، وبفضْلِكَ عمَّن سِوَاك، اللهُمَّ أغْنِهِم وأَوْلَادَهُم، وأَطِلْ عَلَى الخَيْرِ أَعْمَارَهُم، وأَدْخِلْهُم ووالدِيهِمْ جنَّاتِ النعيم.(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار) .. سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

المرفقات

1634225100_خطبة 9-3-1443 جريمة التستر التجاري.docx

المشاهدات 1924 | التعليقات 0