جريمةُ التحرُّش – التدخين عادة سيئة وخلق ذميم
محمد البدر
1439/12/25 - 2018/09/05 13:55PM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
أمّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾[النور : 19].
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾[الأنعام : 151].
وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَنْ وَدَعَهُ، أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: في هذا الزمان الذي تتلاطم فيه أمواج الفتن ودواعي الانحلال وفساد الأخلاق يبقى الدعاء الخالص لله تعالى هو طوق النجاة الذي يتعلّق به الوالدان طلباً لصلاح الأبناء ، وهذا هو دأب المرسلين والصالحين قَالَ تَعَالَى :﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾[إبراهيم : 4].
وَقَالَ تَعَالَى :﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم : 35]وَقَالَ تَعَالَى :﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾[الفرقان: 74]
عِبَادَ اللَّهِ: لقد انتشَرَ داءُ التحرُّش بسبب المُجاهَرة والتساهُل والتفاخُر، وتزيين السُّوء، كما أن الجفافَ العاطفيَّ في البيُوت جعلَ الفتيات والأطفالَ والنساء صَيدًا سهلًا في مُتناوَل نزَوَات المُتحرِّشِين لذا ينبغي على الوالدين إشباع الحاجة العاطفية للطفل أو الطفلة كالتقبيل والاحتضان والتعاطف معه عند الحزن أو الشعور بالقلق والفرح والتهدئة عند الغضب، ويجب تربية الأبناء على الحياء وستر العورة وعدم التساهل ولا بد من توعية الطفل وتلقينه دائمًا أن عورته لا ينبغي أن يراها أحد، وأن لا يسمح لأحد أن يكشف عورته أو يطلب منه ذلك ولا حتى إخوته، كذلك تعويد الأبناء على الرجولة وتحمل المسؤولية والثقة في النفس وينبغي تعويد البنات على الحياء والستر والحجاب والاحتشام وأن يكون الوالدين خير قدوة للأبناء وحثهم على الاقتداء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمهات المؤمنين وأصحابه رضي الله عنهم والصحابيات رضي الله عنهن واعلموا أن أفضلَ وِقايةٍ لهذا المرض العُضال: غرسُ وازِعِ الدين، وتقوِيةُ الإيمان، والتمسُّكُ بهدايات القرآن، والالتِزامُ بالتقوَى قَولًا وسُلُوكًا، وغضُّ البصَر، واللِّباسُ الساتِر، وتهذيبُ النَّفس بالعِفَّة والخوفِ مِن الله، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم قَالَ: قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ »رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ فهذا الحديث مدرسة تربوية كاملة، وهو يجمع بين تربية الإيمان وإغلاق باب الشر ؛إذ أمرنا أن نربي أولادنا على الصلاة ونحثهم عليها قَالَ تَعَالَى : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت : 45].
عِبَادَ اللَّهِ: إن مُقاومة جريمة التحرُّش وكلِّ الجرائِم مسؤوليَّةٌ مُشتركَة بين جميع فِئات المُجتمع، لذا يقع على عاتق الآباء والأمهات والمربين من المدرسين في المدارس وبتعاون الجيران وغيرهم أن لا تغفل عيونهم عن مراقبة أبنائهم وملاحظتهم، ولا نقول: احرموهم حرية الحركة والتعبير عن الذات، لكنها عين الحارس والمتابع والملاحظ لكل ما يحدث مع أبنائه، سواء من اختلاطهم بمن حوله ومتابعة ومراقبة ما يشاهده الأبناء في الفضائيات والمجلات والإنترنت وغيرها، أو من تغيرات تظهر على الأبناء، فإن بدا من ذلك شيء وجب علاجه قبل أن يكبر ويستفحل . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا(29)وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا﴾[النساء : 29-30].اعلموا يا عِبَادَ اللَّهِ أنه ما مِن شيءٍ يَنفعُ الناس وهو مِن الطَّيبَاتِ إلاَّ أبَاحَهُ اللهُ ، وما مِن شيءٍ يضرُّهم من الخَبَائِثِ والمُضِراتِ إلاَّ حرَّمَهُا الله.
قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَن أكَلَ من هذه الشجرةِ الْمُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَتَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
هذا في الأشياءِ المباحةِ، فكيف بالداءِ الخبيثِ الضارّ؟! والجميع يعلم و على دراية تامة بأضرار التدخين السيئة وتدميرها للصحة، لكن لا يمنع هذا المدخنين من التمسك بهذه العادة السيئة ومجمع على تصنيفه في زمرة الخبائث ، ولكن للأسف الشديد أنه تفشى في مجتمعات المسلمين ، فلا تجد بيتا إلا من رحم الله ، يخلوا من رائحته الكريهة ، ولا تجد بقالة ولا تموينات ، إلا وهو يتصدر رفوفها ، ولا تمر في طريق أو تدخل حديقة أو تقف على شاطئ بحر إلا وترى أعقابه يمنة ويسره ، حتى المستشفيات والمراكز الصحية لم تسلم من شره فقد اعتاد الكثير من الناس هذه العادة السيئة والأدهى والأمر حتى بعض الأطباء والممرضين مبتلى بهذه العادة الكريهة ويعتبر الإقلاع عن عادة التدخين تحدي صعب للبعض، سواء كان مدخناً شاباً أو رجلاً عجوزاً مدخناً طوال حياته والله المستعان.
فاتقوا الله واتركوا هذه العادة السيئة فهي ليست من أخلاق المسلمين ولا من عاداتهم ولا من دينهم . فاتَّق الله، ولا تؤذِ إخوانَك بهذا الضررِ العظيم، فإنّك تؤذيهِم قَالَ تَعَالَى :﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾[الأحزاب : 58]..الا وصلوا ..