جراح بلاد النيلين ووقفة بلاد الحرمين 22 / 10 / 1444 هـ

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1444/10/20 - 2023/05/10 11:22AM

بسم الله الرحمن الرحيم

جراح بلاد النيلين ووقفة بلاد الحرمين 22 / 10 / 1444 هـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله ، خلَق الجنَّ والإنسَ ليعبدوه، وأسبَغ عليهم نعمَه ليشكروه، ودلَّهم على ذاته ليُعظِّموه ويُوقِّروه، أشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تُسبِّح له الذَّرَّات والمجرَّات، وتشهد بعظمتِه وجلالِه الأرضُ والسماواتُ، وتخضع له جميعُ المخلوقات، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أكرَمَنا بنبوته، ومنَّ علينا ببعثته، وجعَل ختمَ الرسالات برسالته، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسار على نهجه وسنته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، لا حد لنهايته.

مهما يكن من شيء فوصيتي لكم أيها المسلمون ونفسي تقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، واعتصموا بحبله حق الاعتصام، واستمسكوا بالعروة الوثقى التي ليس لها انفصام.

حبل الله: الإقرار بتوحيده، وأداء فرائضه وإقامة حدوده، والتصديق بوعده ووعيده. (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله).

معاشر المسلمين: لقد صام المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها هذا العام شهر رمضان وقاموه، في أجواء إيمانية ولحظات روحانية، عمت الكثير من الأقطار والأمصار، في مظهر عظيم للوحدة الإسلاميَّة، في صيامها وفطرها، وشعارها ومشاعرها، مع ما يرجى من الفوز العظيم برضوان الله؛ ليعلي الله من شأنها، ويعز أوطانها، ويجمع على الحق والهدى كلمتها، وينشر الخير والعيش الكريم في ربوعها، ويحفظها من كيد الكائدين، وعدوان المعتدين.

لقد رأى العالم أجمع ـ ولله الحمد والمنة ـ المسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف، والبقاع المقدَّسة تمتلئ بالمعتمرين والزائرين وبالمصلين والمكبرين، والعاكفين والركع السجود، تجلت في هذه الدولة المباركة، التي استقبلت واحتفت ورعت كل من كان على أرضها، رجالات الدولة وأجهزتها، كلٌّ في ميدانه وموقعه، يقدم ويبذل ويجد، قدموا فأجزلوا، وتفانوا فأبدعوا، فتحت المطارات والموانئ البرية والبحرية لاستقبال ضيوف الرحمن، من المعتمرين والزائرين وقاصدي هذه الديار المقدَّسة، والبقاع الطاهرة، من الصائمين والقائمين، والعاكفين، والركع السجود ، وقل مثل ذلك في بقية دول العالم الإسلامي خصوصا، وغيره عموما، في صور إيمانية تبهج الناظرين، نقلتها وسائل الإعلام بكافة أنواعها ، تجلت في اجتماع الصائمين على موائد الإفطار ثم في اصطفاف المصلين في الصلوات الخمس والقيام، وزاد ذلك بهاءا وجمالا ما أنعم الله به على كثير من بلاد المسلمين من الغيث العميم فاكتست الأرض بجمالها وجميل منظرها ( فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها ) .

عباد الله: مضت أيام شهر رمضان هذا العام كأجمل ما يكون، الا أنه قد عكّر على الجميع ولا شك صفو عِيدهم، وقبل ذلك صفو عشرهم الأخيرة، ما تناقلته وسائل الإعلام من إطلاق أعيرة نارية، ومن ذهاب أنفس وتلفها، ومن ترويع الآمنين في بلد السودان الحبيب، حدثٌ يقضّ مضاجعنا، حين يُراق فيه الدم، والفريقان من أهل الإسلام.

لذلك أذكّرُ نفسي وإياكم بمكانة هذا البلد ولماذا يؤرِّقُنا هذا الحدث؟

فما هو السودان؟

إنه همزة الوصل التي تنعقد هلالاً ونجمة، لتوصل الإسلام من الشمال من مصر إلى أفريقيا الوسطى ، وإلى شرق أفريقيا.

السودان بلد الخلاوي والألواح والقرآن، البلد الذي ترى فيه الألْسِنةً تسبّحُ وتذكُرُ، والقلوب المفعمةً بحبِّ المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم

السودان هو ذلك القطر العزيز، الذي يشرف على سبع دول متجاورة، وصل من خلاله الإسلام، وانتشر السلوك الحسن .

السودان بلد الخيرات والثروات الكثيرة:

فهي ملتقى النيلين ، سلة الغذاء ليس العربي فقط وإنما العالمي.

السودان بها (200.000.000) مائتا مليون فدان صالحة للزراعة.

وهي سادس أكبر ثروة حيوانية في العالم.

في السودان (130.000.000) مئة وثلاثون مليون رأس من الماشية .

في السودان (42.000) اثنان وأربعون ألف طن سنوياً من الأسماك.

واحتياطي الذهب يزيد على (1550) ألف وخمس مئة وخمسين طن .

السودان تصدر 80 % من الإنتاج العالمي للصمغ .

ومع ذلك كله (تأمل يا رعاك الله):

ما قيمة هذه الأرقام التي ذَكَرْتُ حين ينعدم الأمن فيها أو في أي بلد ؟؟!!

قطعا لا قيمة له أبدا، وهذا هو ما خافه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على أمته حين تبسط عليهم الدنيا فيتنافسوها كما تنافسها من كان قبلهم، فحين ذلك يكون الهلاك، حيث يكثر الأعداء والحساد من داخل البلاد بل ومن كل مكان. ( فاعتبروا يا أولي الأبصار )

بلسان وقلب الناصح الأمين يا عباد الله: إن على كل عاقل فكيف بمؤمن، حين يعيش نعمة الأمن في الأوطان ورغد العيش، أن يعرف مقدار ماهو فيه من النعم العظيمة (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا) .

فاشكروا الله عباد الله اعتقادا وقولا وعملا، أكثروا الحمد والثناء عليه، فبالشكر تدوم النعم.

اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بهدي سيد المرسلين، وثبتنا على دينك القويم حتى نلقاك يا أكرم الأكرمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد:

فلقد شاهد العالم أجمع ما قامت به بلاد الحرمين الشريفين حرسها الله، من عمل جبار منذ بداية هذه الأزمة لإيواء وتسهيل مهمة من أراد الخروج من البعثات الدبلوماسية وغيرها، وذلك للخروج بأمان من تلك الأحداث دون تفريق بين جنس وآخر أو بلد وبلد.

ثم تبع ذلك توجيه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وفقهم الله ونصر بهم دينه، بتقديم مساعدات عاجلة وتنظيم حملة شعبية عن طريق منصة: (ساهم) لصالح الشعب السوداني؛ تسهيلا لكل من أراد مد العون لإخوانه هناك، عبر طرق نظامية مأمونة توصل المساعدات إلى أهلها، جعلها الله في ميزان حسناتهم وحسنات كل من سعى إلى الخير.

إنه منهج الجسد الواحد الذي إذا اشتكي منه عضو تدعى له سائر الجسد بالحمى والسهر; والسودان أخوة الإيمان عضوٌ من ذلكم الجسد الإسلامي وجزء لايتجزأ من تلك الوحدة الإيمانية المتماسكة المتلاحمة المتراحمه والمترابطة المتأخيه(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد)(ومن لم يتهم بأمر المسلمين فليس منهم).
فالدعاء الدعاء لهم بإن يؤمن خوفهم ويطفئ نار الفتنة بينهم ويجمع على الحق كلمتهم، ثم النجدة لهم ببذل الصدقة والمسارعة إلى المساهمة في تلك الحملة المباركة تعبدا لله جل وعلا ورجاء لماعنده

 

اللهم إنا نتوجه إليك بالمسألة، وندعوك ونرجوك، وأنت الله لا إله إلا أنت.

يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام ندعوك بأحب أسمائك إليك، وأسرعِها إجابة لديك.

يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، فَرّجْ عن السودان، اللهم احفظه من كل مكر، اللهم احفظه من كل كيد. اللهم من أراد به شراً، اللهم رُدَّ كيدهم في نحورهم.

اللهم يا الله يا الله يا الله، أمِّنْ أهلَهُ، استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، واحفظ مقدراتهم.

اللهم أمِّن السودان وما حول السودان، وأمّن سائر البلدان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك لأُمَّةِ الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أمرَ رُشد، يُعَزُّ فيه أهل الطاعة، ويُتَابُ فيه على أهل المعصية، يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين.

اللهم وفق امامنا خادم الحرمين الشريفين بتوفيقك، وأيده بتأييدك واعل به دينك، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.

اللهم انصر بهم دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه صلاة وسلاما دائمين ممتدين متلازمين الى يوم الدين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

المشاهدات 1707 | التعليقات 0