جرائم الخادمات في المملكة..خطر محدق أم مسؤولية مجتمعية؟

احمد ابوبكر
1435/08/12 - 2014/06/10 08:36AM
منذ فترة ليست بالطويلة, باتت جرائم الخادمات في السعودية من القضايا التي تؤرق المجتمع السعودي, حتى عدّها البعض خطراً اجتماعياً قائماً, خاصة بعد تزايد جرائم القتل التي ترتكبها تلك الفئة, الأمر الذي أدى إلى تزايد الدعوات المنادية بإعادة النظر في التعامل مع الخادمات والتوصل للأسباب الحقيقية التي تقف وراء تلك الجرائم.

وتعتمد الأسر السعودية بشكل كبير على الخادمات المنزليات اللاتي يبلغ عددهن أكثر من مليون خادمة من الجنسيات الآسيوية والأثيوبية, ويتم استقدام 15 ألف عاملة كل شهر حيث يتم الاستعانة بهن في أعمال المنزل والعناية بالأبناء خاصة بعد تزايد خروج المرأة للعمل وما ترتب على ذلك من الاعتماد على الخدم في الكثير من شؤون الأسرة.

وعلى الرغم من أن الاستعانة بخادمة في المنزل لا يقتصر على مجتمع بعينه, إلا أن هذا الأمر أصبح في السعودية وفي دول الخليج العربي عموماً ضرورة اجتماعية, وشكلاً من أشكال التفاخر والمباهاة, فلم يعد اقتناء خادمة مقرتنا بكثرة عدد أفراد الأسرة أو الزيادة في أعبائها.

ومع تفشي هذه الظاهرة والتي تلقي بظلالها على البناء الأسري واستقراره، وعلى تنشئة الأبناء وانتمائهم وهويتهم وذلك بالنظر إلى أن نسبة كبيرة من الخادمات التي يربين الأبناء تقل أعمارهن عن العشرين سنة أو غير مسلمات, ويتم استقدامهن عادة من مناطق يغلب عليها الفقر والجهل, فقد بدأت هذه الظاهرة تأخذ منحاً أكثر جدية خطورة وذلك بعد الازدياد الكبير في معدل جرائم فئة.

فقد تم تسجيل 11 تصنيفاً لجرائم الخادمات بالمنازل السعودية أبرزها الهروب، والاعتداء على الأطفال، وإقامة علاقات غير مشروعة مع غرباء، وتسهيل دخول لصوص إلى المنزل، وإقامة علاقات مع أحد الخدم بالمنزل، والسرقة، والسحر، والشعوذة. والاعتداء على الزوجة، والسب والشتم، وإقامة علاقة غير مشروعة مع أحد أفراد الأسرة.

إلا أنا ما هز أوساط المجتمع السعودي وأثار الهلع بين أفراده هو تزايد جرائم القتل وارتفاع معدلاته من هذه الفئة وخاصة من الجالية الأثيوبية والتي تم استقدامها إلى المملكة قبل سنوات قليلة حيث لا تزال وسائل الإعلام المحلية تتناقل أخباراً لحوادث قتل مفجعة يرتكبنها خادمات في حق مخدوميهم أو أحد أفراد أسرهم. الأمر الذي شغل الرأي العام وأحدث قلقاً وإرباكاً أسرياً وتخوفاً من هذه الفئة.

وكان من أبرز تلك الحوادث وأكثرها بشاعة مقتل الطفل عبد الله نحرا على يد خادمتين اندونيسية وسيريلانكية بمدينة الرياض، وشروع خادمة أثيوبية في قتل جميع أبناء مكفولها بالساطور لرفض الأم سفرها، وكذلك قتل أثيوبية لمخدومتها بعد يوم فقط من وصولها السعودية بـ33 طعنة, وكذلك طعن خادمة أثيوبية لثلاثة أطفال أثناء نومهم انتقاما من والديهم، وقتل أثيوبية مخدومتها - أم سعد - وهى صائمة أثناء سجودها في صلاة الضحى بفأس بمدينة الطائف.

وبسبب تكرار جرائم القتل من الخادمات وخاصة في حق الأطفال أطلقت الكثير من صيحات التحذير من أن هذه الجرائم سببها معتقدات دينية ، حيث أكد طنف الدعجاني– وهو قاض في محكمة الاستئناف بمكة المكرمة - أن سبب جرائم العاملات المنزليات الأثيوبيات المسيحيات وارتكابهن قتل المسلمين تقرب لله تعالى طبقا لمعتقدات دينية خاطئة لديهن في المناطق اللاتي نشأن فيها بأثيوبيا.

لكن لا يزال يرى الكثيرون من بينهم أخصائيون وباحثون أن جرائم القتل والاعتداء تلك, السبب من ورائها قد يكون الانتقام والحقد على الأسرة بسبب سوء المعاملة للخادمة، أو تأخير صرف أجرها الشهري مما يدفعها إلى الانتقام.

ففي تحقيق نشرته صحيفة اليوم السعودية والذي التقى عدداً كبيرا من مسئولي المكتب التعاونى للدعوة والإرشاد كان أبرز ما تحدثت فيه المترجمة سارة محمد والتي نفت بشدة صحة ما يشاع حول تقرب الإثيوبيات إلى آلهتهن سبب إقدامهن على القتل.

وأضافت سارة والتي أمضت وقتاً طويلاً في إثيوبيا أنه لا يوجد شيء في أثيوبيا يُسمى التقرب إلى الإله مطلق مؤكدة أن هذه الجرائم فردية، وربما تعود لقسوة المعاملة أو أمراض عقلية أو نفسية.

وهذا أيضاً ما يراه الكاتب عبد الله الشريدة في مقال له بعنوان "وحشية الخدم أم وحشية المخدوم؟" حيث يرى أن معظم جرائم العنف والوحشية من قبل الخادمات، هي ردة فعل منهن على عنف ووحشية تمارس عليهن من قبل أصحاب المنازل، وأن كثيراً من الأسر لدينا لا ينظرون إلى الخدم كبشر، مطالباً بأن نعالج أنفسنا من سلوكيات العنف والوحشية معهن، حتى يتغير سلوك هؤلاء.

ويضيف ولو رصدت الكاميرات معاملة أهل المنازل للخادمات لربما وجدنا كثيراً من الحالات التي يصفع فيها صاحب المنزل الخادمة أو يوبخها بعبارات جارحة. وأكثر ما تبرز حالات العنف في تلك المواقف التي يخطئ فيها الخدم، ليس لتعمدهم التقصير في معظم الأحيان وإنما لضعف لغة التواصل أو أن لديهم وجهة نظر مختلفة.

علاوة على ذلك, لا يمكن إغفال أيضاً – بحسب علماء الاجتماع في تفسير هذه الظاهرة - ما يمسى بـ (نظرية الاغتراب الاجتماعي) والذي تصاحبه أعقد وأشرس الأعراض ويمكن أن يؤدي إلى ارتكاب الكثير من الجرائم، وذلك تماماً ما قد تعانيه فئة الخدم المغتربون عن أوطانهم من ضغوط مختلفة قد تقودهم إلى ارتكاب جرم بحق الفرد أو الأسرة أو المجتمع.

ومهما تعددت التفاسير حول أسباب هذه الحوادث إلا انه لا يزال بالإمكان الحد منها وإيقاف ظاهرة العنف الانتقامي في المجتمع السعودي وذلك بالحرص على استقدام الخادمات المسلمات السليمات نفسياً وعقدياً وبتعزيز الوعي المجتمعي بكيفية التعامل مع هذه الفئة انطلاقاً من تعاليم ديننا الحنيف بالرأفة بالخدم والإحسان لهم وإعطائهم حقوقهم.

كذلك لا ينبغي إغفال حقهم الدعوي الذي لا يقل أهمية عن حقوقهم الأخرى, فوجود هذه الفئة في بلادنا, سواء أكانوا من غير المسلمين أو مسلمين يجهلون تعاليم دينهم بدعوتهم للإسلام وتشريبهم العادات والأخلاق الإسلامية لا بد أن يكون له بالغ الأثر في هدايتهم واستقامتهم خاصة إذا قترن ذلك بحسن معاملتهم والوفاء بحقوقهم.

وقبل ذلك كله لا بد من معالجة أثر التغيرات التي طرأت على نسيج الأسرة و أدت إلى تزايد الطلب على الخادمات المنزلية ومحاولة التوعية بأولوية الاستغناء عنهن إلا لمن تدفعه الضرورة لذلك, والاسترشاد في هذا الشأن ببيت النبوة حين لم يوافق النبي الكريم ابنته فاطمة وزوجها رضي الله عنهما في الاستعانة بخادم طالباً منهما الالتجاء إلى ذكر الله عز وجل الذي هو خير لهما من الخادم.

تقرير : محمد لافي موقع المسلم
المشاهدات 953 | التعليقات 0