جبلت على كدر

شايع بن محمد الغبيشي
1445/04/04 - 2023/10/19 23:50PM

جبلت على كدر

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد:

عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } ([1]) 

إخوة الإيمان دار الدنيا يشوبها الحزن والنصب واللغوب ولذا لا بد للعبد من أن يوطن نفسه فيها على المنغصات والكروب والأقدار المؤلمة.

جبلت على كدر وأنت تريدها ،،، صفواً من الأقدار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ،،، متطلبٌ في الماء جذوة نار
فالعيش نوم والمنية يقظة ،،، والمرء بينهما خيال سار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ،،، منقادة بأزمة الأقدار

هذه سنة الله في الحياة {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَيْنَا تُرْجَعُونَ}([2]) وقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}([3]) وواجبنا تجاه هذه الابتلاءات التي تصيب الأفراد والجمعات:

أولاً: الصبر والرضا بقضاء الله جل وعلا قال سبحانه:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ}([4]) وقد كان من دعائه النبي صلى الله عليه وسلم: «وأسألك الرضا بعد القضاء».

قال الشافعي:           دع الأيام تفعـل ما تشاء   وطب نفساً إذا حكم القضـاء

ولا تجـزع لحادثة الليالي       فما لحوادث الدنيا بقـاء

وكن رجلاً على الأهوال جلداً     وشيمتك السماحة والوفاء

ثانياً: اعتقاد أن الشر ليس إلى الله فلا ينسب إليه سبحانه فهو يبتليك ليعافيك، ويمرضك لينجيك، ويضيق عليك ليرفعك في الآخرة، وينزل عليك الكرب ليستخرج عبوديتك له. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «والخير كله في يديك، والشر ليس إليك» ألقي يوسف في الجب وبياع في السوق وخدم في قصر العزيز ودخل السجن، ليصبح عزيز مصر وينال الملك والسؤدد فابتهل إلى ربه قائلاً: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } [يوسف: 101]

ثالثاً: أن الله جل وعلا قد يوقع البلاء على المسلمين أفراداً وجماعات ليختبر ثباتهم على الحق ويدخر لهم الجزاء في الآخرة تأمل قول الله عز وجل عن أصحاب الأخدود: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)}([5])  

رابعاً: أن الله جل وعلا قد يوقع البلاء على المسلمين أفراداً وجماعات ليختبر نصرة المسلمين لإخوانهم وتألمهم لمصابهم وحزنهم على ذلك ومسارعتهم إلى غوثهم بما يستطيعون عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ. قَالَ:

قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين ‌في ‌توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد. إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه مسلم ومن صور نصرة المستضعفين الدعاء لهم واستجلاب النصر لهكم من الله عز وجل فإن الدعاء في عند الاضطرار في الأزمات مستجاب {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ }([6])  وقال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}([7])  فلا تبخلوا عباد الله على أنفسكم وإخوانكم بالدعاء خاصة في أوقات الإجابة فإن لدعائكم وضراعتكم أثر عظيم في نصرة إخوانكم.

أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ واشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد ان حمد عبده ورسوله أما بعد:

عباد الله ومن واجبنا تجاه الابتلاءات التي تصيب الأفراد والجمعات:

خامساً: التفاؤل بالخير وتغيّر الحال وعدم اعتقاد دوامه:

ما بين طرفة عين وانتباهتها    يغير الله من حال إلى حال

وكم أمــر تُســاءُ له صــباحاً     وتأتــيك المســـرة بالعـشي

قال أبو الدرداء رضي الله عنهما في قوله تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}: من شأنه أن يغفر ذنباً، ويفرج كرباً، ويرفع قوماً ويضع آخرين.

وعبيد بن عمير: من شأنه أن يجيب داعياً، ويعطي سائلاً، ويفك عانياً، ويشفي سقيماً.

لذلك كان القنوط من رحمة الله ضلالاً وكفراناً، {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إلَّا الضَّالُّونَ}([8]) {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ([9])  

فدوام الحال من المحال، والله يغير أحوال العباد من قدر إلى قدر بما لا يفطن إليه عقل، وربما أتى الخير من حيث كان الشر، وخرجت المنحة من رحم المحنة، وانطلق الفرج من مضيق الشدة،

ولَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى           ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ

ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها    فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ

اللهم كن لإخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم عوناً ونصيراً ومؤيداً وظهيراً، اللهم إنهم مظلومون فانصرهم، وحفاة فاحملهم، وعراة فاكسهم، وجياع فأطعمهم، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم مكن لهم في بلادهم، اللهم اشف مرضاهم، وارحم موتاهم يا رب العالمين.

وصلوا وسلموا عباد الله على خير خلق الله صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه صلاة واحدة صلى الله بها عليه عشراً.



([1]) ـ [آل عمران : 102].
([2]) ـ [الأنبياء: ٣٥]، 
([3]) ـ [البقرة: ١٥٥]
([4]) ـ [البقرة: ١٥٥]
([5]) ـ [البروج: 4 - 11]
([6]) ـ [النمل: 62]
([7]) ـ [غافر: 60]
([8]) ـ [الحجر: ٥٦]
([9]) ـ [يوسف: ٨٧].

المرفقات

1697748636_جبلت على كدر.pdf

1697748646_جبلت على كدر.docx

المشاهدات 1268 | التعليقات 0