جَاءَهُمْ نَصْرُنَا
د عبدالعزيز التويجري
1443/01/11 - 2021/08/19 12:44PM
الخطبة الاولى:{جَاءَهُمْ نَصْرُنَا} 11 / 1 /1443ه
الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله معشر المؤمنين ، وثقوا بوعد الله ونصره.. {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.
تمر الأيامُ والرسلُ يَدْعون فلا يستجيب لهم إلا القليل، وتكرُ الأعوامُ والباطلُ والطغيانُ يُهيمن في الفضاء، والرسل تنتظرُ سُحبَ النصرِ فلا يغشاها إلا ضُلَل البطشِ والقهر ، ضيق وكرب ما يطيقه بشر .
يأتي الجوابُ لأبي الأنبياء بعد ما دعا قومَهُ ليلًا ونهارا، سراً وجهارا، ألف سنةٍ إلا خمسين عاما{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}..
يُقهر يوسف ويُلقى في الجب ، ويُباع بعدها ويُرمي في السجن ، ويُطارد موسى، ويسيح في الفلاةِ عيسى، ويُشنقُ زكريا ويحيى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}
قالت الصديقةُ رضي الله عنها يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ" فيدخُلُ مكةَ مهمومًا مكروبًا، فيتوسد بظل الكعبةِ، ويلتف حوله المستضعفون ويشكون له الظلم والطغيان.. ألا تستَنْصِر لنا، ألا تدعُو اللهَ لنا؟ في هذه اللحظةِ التي يستحكُم فيها الكرب، ويأخذُ الضيقُ بمخانقِ الرسل ، ولا تبقى ذرةُ من الطاقة المدخرة .. في هذه اللحظة يجيئُ النصرُ كاملًا حاسمًا فاصلًا {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } جائهم بعد مناشدةٍ وابتهال {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، ويسْتَقْبَلُ نَبِيُّ اللهِ r الْقِبْلَةَ، مَادًّا يَدَيْهِ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، »، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فيأخذُ أَبُو بَكْرٍ برِدَاءَه ويلتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيقول: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ . ويتكلم الله سبحانه من فوق سمواته ويستجيب لنبيه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فيَفيقُ رسول الله ويقول: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ ، كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً». {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إن أخذه أليم شديد}.
سننُ اللهِ في الدعوات ، لابد من الشدائد والكروب، حتى لا يكونَ النصرُ رخيصًا، فتكون الدعواتُ هزْلا ، يتبين الحقُ على الباطلِ على محك الشدائدِ التي لا يصمدُ لها إلا الواثقون الصادقون ، اللذين لا يتخلون عن دعوةِ اللهِ ولو ظنّوا أن النّصر لا يجيئُهم في هذه الحياة .
إنّ الدعوة إلى الله ليست قصيرةَ الأجل ، إما أن تربحَ وإما أن تتخلى ، الدعوةُ لا تقوم بتجارةٍ ماديةٍ قريبة الأجل ، إنما سنن الله تقتضي أن يواجَهَ طواغيتٌ يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } يملكون تأليبَ الجماهيرِ على الدعاةِ إلى الله باستثارة شهواتِها بأنّ أصحابَ الدعوةِ إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات . سنن الله التي لا تتغير ولا تتبدل .. فلا يقفُ أحدٌ أمامَ دعوةِ الحقِ وشريعةِ ربِ العالمين أحدُ إلا أذله اللهُ وقصمه، فقد أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى،وللظالمين أمثالُها{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَه، عِبْرَةٌ لمن يعقل ويتفكر، عِبْرَةٌ لمن يصبر ويدكر.
لا تيأسنَّ إذا الكروبُ ترادفت ** فلعلَهــــا ولعلَهــــا ولعلَهــــــا
واصبر فإن الصبرَ يُبلغك المُنى ** حتى ترى قهرَ العدوِ أقلَها
والزم تُقى اللهِ العظيمِ ففي التُقى ** عزُّ النفوسِ فلا يجامع ذلَها
وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
ثم استغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للاوابين غفورا.
الخطبة الثانية ... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أخرج الترمذي بسند صحيح َعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :r «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ»
هذه حِكَايَةُ حَالٍ لَا شِكَايَةُ بَالٍ ، بَلْ تَحَدُّثٌ بِالنِّعْمَةِ ، وَتَوْفِيقٍ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمِحْنَةِ ، وَتَسْلِيَةٌ لِلْأَمَةِ لِإِزَالَةِ مَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنَ الْغُمَّةِ .
ومعناه ..لقد كُنْتُ وَحِيدًا فِي ابْتِدَاءِ إِظْهَارِي لِلدِّينِ، فَخَوَّفَنِي فِي ذَلِكَ المشركون، وَآذَانِي الْكُفَّارُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ يُوَافِقُنِي فِي تَحَمُّلِ الْأَذَى إِلَّا مُسَاعَدَةُ الْمَوْلَى وَمُعَاوَنَةُ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي قِلَّةِ من الزَّادِ وَعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ .
لن تهتدي أمةُ في غير منهجه ** مهما ارتضت من بديع الرأي والنُظمَ
حينما يؤمن الإنسان إيماناً صادقا ، بأن وعد الله حق ، فإن جواذب الإيمان ترفعه عن الالتفات إلى موطن الذلةِ والخنوع ، وتدفعه إلى العمل لنصرة الحق وإعلاء شريعة الله ، والصبر على الشدائد ، فما يولد المولود إلا بعد شدائد وآلام ، وما يطلع الفجر إلا بعد الظلام .
فما يسبح الإنسان في لُج غَمرةٍ ** من العز إلا بعد خوض الشدائدِ
تريد التمر دون غِراس نخــــــــــــــــــلٍ ** ولا حتى لجذع النخــــــل هـــزا
إذا رُمت العلا من غــــــــــــير بذلٍ ** فنم واحلم وكُل لحمـــاً وأَرزا
إذا لم تُكسبك التقوى ستعرى ** وإن حلَوك ديباجاً وخزا
لا يغرنك قلةُ السالكين، وكثرةُ المخذلين، فأن الحق أبلج ، ورسولنا تركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يحاربها إلا خاسر
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه وأعذنا من مضلات الفتن.. اللهم كما أنجيت موسى وقومه فأنجِ المسلمين المستضعفين في كل مكان من فراعنة هذا الزمان، يا قوي ياجبار .. اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة أمورنا .. اللهم اجعلهم نصرة للحق وأهله وحربا على الباطل واهله
الحمدُ لله الذي أعزَّنا بالدين، وجعلنا خيرَ أمةٍ أخرجت للعالمين، وأشهد ألا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريك له ولي المؤمنين، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله سيدُ الأولين والآخرين- صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله معشر المؤمنين ، وثقوا بوعد الله ونصره.. {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }.
تمر الأيامُ والرسلُ يَدْعون فلا يستجيب لهم إلا القليل، وتكرُ الأعوامُ والباطلُ والطغيانُ يُهيمن في الفضاء، والرسل تنتظرُ سُحبَ النصرِ فلا يغشاها إلا ضُلَل البطشِ والقهر ، ضيق وكرب ما يطيقه بشر .
يأتي الجوابُ لأبي الأنبياء بعد ما دعا قومَهُ ليلًا ونهارا، سراً وجهارا، ألف سنةٍ إلا خمسين عاما{ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ}..
يُقهر يوسف ويُلقى في الجب ، ويُباع بعدها ويُرمي في السجن ، ويُطارد موسى، ويسيح في الفلاةِ عيسى، ويُشنقُ زكريا ويحيى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا}
قالت الصديقةُ رضي الله عنها يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: " لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ" فيدخُلُ مكةَ مهمومًا مكروبًا، فيتوسد بظل الكعبةِ، ويلتف حوله المستضعفون ويشكون له الظلم والطغيان.. ألا تستَنْصِر لنا، ألا تدعُو اللهَ لنا؟ في هذه اللحظةِ التي يستحكُم فيها الكرب، ويأخذُ الضيقُ بمخانقِ الرسل ، ولا تبقى ذرةُ من الطاقة المدخرة .. في هذه اللحظة يجيئُ النصرُ كاملًا حاسمًا فاصلًا {جَاءَهُمْ نَصْرُنَا } جائهم بعد مناشدةٍ وابتهال {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}، ويسْتَقْبَلُ نَبِيُّ اللهِ r الْقِبْلَةَ، مَادًّا يَدَيْهِ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، »، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ، ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فيأخذُ أَبُو بَكْرٍ برِدَاءَه ويلتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيقول: يَا نَبِيَّ اللهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ . ويتكلم الله سبحانه من فوق سمواته ويستجيب لنبيه {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} فيَفيقُ رسول الله ويقول: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ ، كَأَنَّي أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ عَشِيَّةً». {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ } {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إن أخذه أليم شديد}.
سننُ اللهِ في الدعوات ، لابد من الشدائد والكروب، حتى لا يكونَ النصرُ رخيصًا، فتكون الدعواتُ هزْلا ، يتبين الحقُ على الباطلِ على محك الشدائدِ التي لا يصمدُ لها إلا الواثقون الصادقون ، اللذين لا يتخلون عن دعوةِ اللهِ ولو ظنّوا أن النّصر لا يجيئُهم في هذه الحياة .
إنّ الدعوة إلى الله ليست قصيرةَ الأجل ، إما أن تربحَ وإما أن تتخلى ، الدعوةُ لا تقوم بتجارةٍ ماديةٍ قريبة الأجل ، إنما سنن الله تقتضي أن يواجَهَ طواغيتٌ يملكون القوة والمال ويملكون استخفاف الجماهير {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } يملكون تأليبَ الجماهيرِ على الدعاةِ إلى الله باستثارة شهواتِها بأنّ أصحابَ الدعوةِ إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات . سنن الله التي لا تتغير ولا تتبدل .. فلا يقفُ أحدٌ أمامَ دعوةِ الحقِ وشريعةِ ربِ العالمين أحدُ إلا أذله اللهُ وقصمه، فقد أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى،وللظالمين أمثالُها{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}.قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَه، عِبْرَةٌ لمن يعقل ويتفكر، عِبْرَةٌ لمن يصبر ويدكر.
لا تيأسنَّ إذا الكروبُ ترادفت ** فلعلَهــــا ولعلَهــــا ولعلَهــــــا
واصبر فإن الصبرَ يُبلغك المُنى ** حتى ترى قهرَ العدوِ أقلَها
والزم تُقى اللهِ العظيمِ ففي التُقى ** عزُّ النفوسِ فلا يجامع ذلَها
وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.
ثم استغفروا ربكم وتوبوا إليه، إنه كان للاوابين غفورا.
الخطبة الثانية ... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أخرج الترمذي بسند صحيح َعَنْ أَنَسٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :r «لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ، إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ»
هذه حِكَايَةُ حَالٍ لَا شِكَايَةُ بَالٍ ، بَلْ تَحَدُّثٌ بِالنِّعْمَةِ ، وَتَوْفِيقٍ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمِحْنَةِ ، وَتَسْلِيَةٌ لِلْأَمَةِ لِإِزَالَةِ مَا قَدْ يُصِيبُهُمْ مِنَ الْغُمَّةِ .
ومعناه ..لقد كُنْتُ وَحِيدًا فِي ابْتِدَاءِ إِظْهَارِي لِلدِّينِ، فَخَوَّفَنِي فِي ذَلِكَ المشركون، وَآذَانِي الْكُفَّارُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ يُوَافِقُنِي فِي تَحَمُّلِ الْأَذَى إِلَّا مُسَاعَدَةُ الْمَوْلَى وَمُعَاوَنَةُ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي قِلَّةِ من الزَّادِ وَعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ .
لن تهتدي أمةُ في غير منهجه ** مهما ارتضت من بديع الرأي والنُظمَ
حينما يؤمن الإنسان إيماناً صادقا ، بأن وعد الله حق ، فإن جواذب الإيمان ترفعه عن الالتفات إلى موطن الذلةِ والخنوع ، وتدفعه إلى العمل لنصرة الحق وإعلاء شريعة الله ، والصبر على الشدائد ، فما يولد المولود إلا بعد شدائد وآلام ، وما يطلع الفجر إلا بعد الظلام .
فما يسبح الإنسان في لُج غَمرةٍ ** من العز إلا بعد خوض الشدائدِ
تريد التمر دون غِراس نخــــــــــــــــــلٍ ** ولا حتى لجذع النخــــــل هـــزا
إذا رُمت العلا من غــــــــــــير بذلٍ ** فنم واحلم وكُل لحمـــاً وأَرزا
إذا لم تُكسبك التقوى ستعرى ** وإن حلَوك ديباجاً وخزا
لا يغرنك قلةُ السالكين، وكثرةُ المخذلين، فأن الحق أبلج ، ورسولنا تركنا على المحجة البيضاء ليلُها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ولا يحاربها إلا خاسر
{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
اللهم اهدنا للحق ورزقنا الثبات عليه وأعذنا من مضلات الفتن.. اللهم كما أنجيت موسى وقومه فأنجِ المسلمين المستضعفين في كل مكان من فراعنة هذا الزمان، يا قوي ياجبار .. اللهم آمنا في دورنا واصلح ولاة أمورنا .. اللهم اجعلهم نصرة للحق وأهله وحربا على الباطل واهله
المرفقات
1629377034_جَاءَهُمْ نَصْرُنَا.pdf
1629377040_جَاءَهُمْ نَصْرُنَا.docx