ثناء الله تعالى على نفسه (2)

ثناء الله تعالى على نفسه (2)

30 - 1 - 1439هـ

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فَاطِرٍ: 1]، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، فَلَا أَحَدَ أَحَقُّ بِالْحَمْدِ مِنْهُ، وَلَنْ نَبْلُغَ كَمَالَ حَمْدِهِ مَهْمَا حَمِدْنَاهُ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَوْلَانَا، وَأَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ مَنْ عَرَفَهُ أَحَبَّهُ وَعَظَّمَهُ وَعَبَدَهُ وَلَهِجَ بِحَمْدِهِ وَشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَمَنْ جَهِلَهُ تَمَزَّقَ قَلْبُهُ، وَضَاقَ صَدْرُهُ، وَشَقِيَ فِي دُنْيَاهُ وَأُخْرَاهُ ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا﴾ [طه: 124]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ أَكْثَرَ النَّاسِ بِاللَّهِ تَعَالَى عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَأَشَدَّهُمْ حُبًّا وَتَعْظِيمًا لَهُ سُبْحَانَهُ، وَأَكْثَرَهُمْ خُضُوعًا وَتَعَبُّدًا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، قَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي فَاقْتَرَبَتْ مِنْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي» فَمَا زَالَ يُصَلِّي وَيَبْكِي حَتَّى الْفَجْرِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وَعَظِّمُوهُ وَأَحِبُّوهُ، وَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ أَحَدًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: 152]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.

أَيُّهَا النَّاسُ: أَشْرَفُ الذِّكْرِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَفْضَلُ الْكَلَامِ كِتَابُهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِي كِتَابِهِ سُبْحَانَهُ ثَنَاءٌ كَثِيرٌ عَلَيْهِ «وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ فَلِذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ» كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَعَلَى قُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَمُسْتَمِعِيهِ أَنْ يُلَاحِظُوا كَثْرَةَ ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ سُبْحَانَهُ؛ لِيَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابُ ثَنَاءٍ عَلَى الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ ذِكْرِهِ، وَذِكْرُهُ أَفْضَلُ الذِّكْرِ وَأَنْفَعُهُ.

لَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَيَاةِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 2]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [غَافِرٍ: 65]، وَخَاطَبَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [الْفُرْقَانِ: 58]. وَحَيَاتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيَاةٌ كَامِلَةٌ تَلِيقُ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَكَمَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، فَإِنَّ حَيَاتَهُ لَا يَعْتَرِيهَا نُعَاسٌ وَلَا نَوْمٌ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ مَوْتٌ أَصْغَرُ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: 255].

وَهُوَ سُبْحَانُهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ دُونَ مَا سِوَاهُ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [الْقَصَصِ: 88]، ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرَّحْمَنِ: 26- 27].

وَإِذَا قَرَأَ الْمُؤْمِنُ آيَاتِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَيَاةِ الْكَامِلَةِ، وَأَنَّهَا لَهُ سُبْحَانَهُ دُونَ سِوَاهُ؛ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِتَعْظِيمِهِ سُبْحَانَهُ، وَعَمِلَ بِمَا يُرْضِيهِ، وَاسْتَعَدَّ لِلْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَلَمْ يَغْتَرَّ بِأَهْلِ الدُّنْيَا مَهْمَا بَلَغُوا؛ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ. وَنَمَا فِي قَلْبِهِ مُرَاقَبَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَحِينٍ.

وَأَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعِلْمِ، فَفِي قِصَّةِ خَلْقِ آدَمَ وَاسْتِخْلَافِهِ فِي الْأَرْضِ قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ الْمُسَبِّحَةِ بِحَمْدِهِ: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 30]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ لَهُمْ: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 33]، وَخَاطَبَ سُبْحَانَهُ عِبَادَهُ يُخْبِرُهُمْ بِأَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا * وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 54- 55].

 وَأَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُخْبِرًا إِيَّانَا بِأَنَّ عِلْمَهُ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ، بَلْ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: 231]، ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطَّلَاقِ: 12].

وَأَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ لِلْغَيْبِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الْأَنْعَامِ: 59]، ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرَّعْدِ: 8- 9]، ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الْحَشْرِ: 22].

وَأَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ بِمَا نُخْفِي، وَمَا تُكِنُّهُ صُدُورُنَا، فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 5]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ﴾ [الْمُمْتَحَنَةِ: 1]، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: 99]، ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [التَّغَابُنِ: 4]، ﴿وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [الْمُلْكِ: 13].

وَإِذَا قَرَأَ الْمُؤْمِنُ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْعِلْمِ هَانَتْ عَلَيْهِ عُلُومُ الدُّنْيَا كُلُّهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَيْئًا يُذْكَرُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَوْ كَانَتْ كُلُّ الْبِحَارِ مِدَادَهُ، وَكَانَتْ كُلُّ الْأَشْجَارِ أَقْلَامَهُ؛ لَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُهُ سُبْحَانَهُ! فَمَا مِدَادُ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَمَا أَقْلَامُهُمْ، وَمَا كَلِمَاتُهُمْ وَعُلُومُهُمْ أَمَامَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟!

وَهُوَ سُبْحَانُهُ الَّذِي عَلَّمَهُمْ مَا عَلِمُوا، وَمَا كَانُوا مِنْ قَبْلُ يَعْلَمُونَ شَيْئًا ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 78]، ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 239].

وَبِقِرَاءَةِ الْمُؤْمِنِ آيَاتِ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِلْمِ يَنْمُو فِي قَلْبِهِ الْخَوْفُ وَالْإِخْلَاصُ وَالْمُرَاقَبَةُ؛ لِيَقِينِهِ أَنَّهُ إِنِ اسْتَخْفَى بِشَيْءٍ عَنِ النَّاسِ فَلَنْ يَخْفَى عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَأَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُدْرَةِ، وَقُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ لَا حُدُودَ لَهَا، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا شَيْءٌ ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْبَقَرَةِ: 20]، ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْمُلْكِ:1].

 وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى جَمْعِ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ﴿وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ﴾ [الشُّورَى:29].

وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِبْدَالِ الْخَلْقِ بِغَيْرِهِمْ ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: 133]، ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 19-20]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ [الْمَعَارِجِ: 40-41].

وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى إِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ: ﴿وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:95].

وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى غَوْرِ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 18].

وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ مُثْنِيًا عَلَى نَفْسِهِ بِقُدْرَتِهِ عَلَى بَعْثِ الْأَمْوَاتِ ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: 81]، ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْأَحْقَافِ: 33]، ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [الْقِيَامَةِ: 40]، بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا وَقُدْرَتِهِ ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ [الطَّارِقِ:8].

وَإِذَا قَرَأَ الْمُؤْمِنُ ثَنَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْقُدْرَةِ ضَعُفَتْ فِي نَفْسِهِ كُلُّ قُدْرَةٍ؛ فَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِسِوَاهُ، فَلَا يَرْجُو غَيْرَهُ؛ لِعِلْمِهِ أَنَّ قُدْرَةَ كُلِّ الْخَلْقِ تَحْتَ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَنَالُ مَا يَطْلُبُ، وَلَا يَنْجُو مِمَّا يَخَافُ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُدْرَتِهِ ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الْأَنْعَامِ: 17].

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَمْلَأَ قُلُوبَنَا تَعَلُّقًا بِهِ سُبْحَانَهُ، وَأَنْ تَلْهَجَ أَلْسِنَتُنَا ذِكْرًا لَهُ وَثَنَاءً عَلَيْهِ، وَلَنْ نُحْصِيَ ثَنَاءً عَلَيْهِ كَمَا أَثْنَى هُوَ عَلَى نَفْسِهِ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ...

الخطبة الثانية

 الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وَعَظِّمُوهُ، وَأَكْثِرُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْثَرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِيَتَعَلَّمَ قُرَّاءُ الْقُرْآنِ حُسْنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَيُلَقَّنَ بِهِ أَطْفَالُهُمْ، وَيُرَبَّى عَلَيْهِ شَبَابُهُمْ، وَيَهْرَمَ عَلَيْهِ شُيُوخُهُمْ، وَيَعِيشُ الْمُؤْمِنُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا وَهُوَ يُثْنِي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهْلُهُ.

وَالصَّلَاةُ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَرُكْنُهَا سُورَةُ الْفَاتِحَةِ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي». وَثَنَاءٌ فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ». وَمِنَ الْأَذْكَارِ بَعْدَ الصَّلَاةِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ» رَوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كُلَّهَا مُسْلِمٌ.

فَحَرِيٌّ بِنَا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ نُكْثِرَ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ لَا تَفْتُرَ أَلْسِنَتُنَا مِنْ ذِكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَأَنْ نُرَبِّيَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلَنَا وَأَوْلَادَنَا.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الْحَشْرِ: 22 - 24].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

المرفقات

الله-تعالى-على-نفسه-2-مشكولة

الله-تعالى-على-نفسه-2-مشكولة

الله-تعالى-على-نفسه-2

الله-تعالى-على-نفسه-2

المشاهدات 2535 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا